حين نتأمَّل في مسيرة يسوع الخلاصيَّة، نخرج من سرٍّ لندخل في سرّ. كيف مات ابن الله؟ هذا مستحيل! لا شكَّ. فالله لا يموت. ولكنَّه احتمل الموت في طبيعته البشريَّة ليحوِّله إلى حياة. وفي أيِّ حال، عند المسيح وعند المسيحيّ لا يوجد موت، بل انتقال من حالة إلى أخرى "من ضفَّة إلى أخرى" (مر 4: 35). ونقول: قام من بين الأموات! هل رأيتم ميتًا خرج من القبر؟ كان نائمًا، كان راقدًا! أمّا المسيح فقام بقدرته الإلهيَّة أو هو الله أقامه وأجلسه عن يمينه في السماوات. الطبيعة الإلهيَّة نزلت على الأرض، وأخذت معها الطبيعة البشريَّة بعد أن مجَّدتها. وإذا كان الله أقام يسوع فهو يقيمنا معه. وإن هو أصعده سوف يُصعدنا، وإن هو جعله عن يمينه فهو يجعلنا معه، كما نعرف في الدينونة: "يقيم الخراف عن يمينه ويقول لهم: تعالوا يا مباركي أبي."
"اليمين" لفظ له معانٍ عديدة في روحانيَّة الكتاب: اليمين موضع البركة. اليمين موضع الأوَّليَّة والصدارة. اليمين هي التي تعمل وتساعد. فالابن الجالس عن يمين الآب يواصل عمل الخلاص حتَّى نهاية العالم. لا شكَّ في أنَّه صعد إلى السماء، ولكنَّه باقٍ معنا إلى منتهى الدهر. هذا يعني أنَّنا لا نخاف. ولا نفكِّر يومًا أنَّنا وحدنا. فنهتف مع الرسول: "إن كان الربُّ معنا فمن علينا!"
ماذا يعني أن يكون المسيح جالسًا عن يمين الآب؟ أتراه غسل يديه وكتَّف ذراعيه واعتبر أنَّ عمله انتهى وليتدبَّر المؤمنون أمرهم؟ كلاَّ. فهذه الصورة تفهمنا "أيَّ قوَّة عظيمة فائقة تعمل لأجلنا نحن المؤمنين، وهي قدرة الله الجبَّارة التي أظهرها في المسيح حين أقامه من بين الأموت وأجلسه إلى يمينه في السماوات فوق كلِّ رئاسة... وجعل كلَّ شيء تحت قدميه..." (أف 1: 19-22). هذا ما كان للمسيح وهذا ما يكون لنا.
إنجيل لوقا 24: 45-53
عندئذٍ فتح ذِهنَهم لفَهمِ الكتب. وقال لهم: “هكذا كُتبَ: هكذا واجبًا كان أنْ يتألَّمَ المسيحُ وأن يقومَ من بينِ الأمواتِ لثلاثةِ أيّام. وأن يُكرَزَ باسمِه بالتوبةِ لمغفرةِ الخطايا في الشعوبِ كلِّها، والبدايةُ تكون في أورشليم. وأنتم شهودٌ لهذه. وأنا أرسلُ علَيكم وعْدَ أبي. أمّا أنتم فابقَوا في مدينةِ أورشليم إلى أن تَلبَسُوا قوَّةً من العُلى. وأَخرجَهم حتّى بيتَ عنيا ورَفعَ يدَيهِ وباركَهم. وحصلَ فيما هو يُباركُهم، أنَّه انفصلَ عنهم وصعِدَ إلى السماء. وهم سجَدُوا له ورجَعوا إلى أورشليم بفرَحٍ عظيم. وفي كلِّ وقتٍ كانوا مَوجودين في الهيكل، مُسبِّحين الله، ومباركينَ آمين.