أتى يسوع مرَّة أولى في الجسد. "فلمّا تمَّ الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة، وعاش في حكم الشريعة" (غل 4: 4). كان خارج الزمان، فدخل في الزمان. وُلد في أيَّام هيرودس الكبير وأوغسطس قيصر. كان فوق المكان، فدخل في حشا مريم العذراء وانحصر عمله في فلسطين وبعض الجوار. أهذا الذي مجده يملأ السماوات والأرض؟
الكلمة الذي كان لدى الله الآب، صار بشرًا، من لحم ودم وسكن بيننا (يو 1: 14). من رأى مجده؟ المؤمنون وحدهم. أمّا الآخرون فرفضوه. أتى إلى خاصَّته وخاصَّته لم تقبله. وفي النهاية صلبوه، أماتوه، وضعوه في قبر...
هل بقيَت الأمور على هذا المنوال؟ كلاَّ. فحالاً بعد الموت والقبر، بدأ مجد يسوع يشعُّ، النور عند القبر، الصعود، الجلوس عن يمين الآب. وتواصلَ المجد في التلاميذ ولا زال حاضرًا في حياتهم وفي موتهم. "فالحياة عندي هي المسيح، والموت ربح" (فل 1: 21).
أتى مرَّة أولى في الضعف. وسيأتي مرَّة ثانية في المجد وفي القدرة. ذاك ما آمنت به الكنيسة في انطلاقتها الأولى. لمّا كتب الرسول إلى أهل تسالونيكي تحدَّث عنهم "منتظرين مجيء ابنه من السماوات، وهو الذي أقامه الله من بين الأموات، يسوع الذي ينجِّينا من الغضب الاتي" (1 تس 1: 10). وهؤلاء المؤمنون سمعوا أنَّ "الربَّ نفسه سينزل من السماء عند الهتاف ونداء رئيس الملائكة..." (1 تس 4: 16).
إذا كنّا نقول في القدَّاس: "وننتظر مجيئك"، فلا نكتفي بمجيئه في الخبز والخمر ليقدِّم لنا جسده ودمه، بل نتطلَّع إلى المجيء الثاني. وننتظر "بشوق" هذا المجيء (فل 3: 20).
وتنبِّهنا الرسالة إلى العبرانيِّين: كان أبناء الشعب الأوَّل يخافون صوتًا آتيًا من على الأرض. فنحن كيف لا نخاف مِن "المتكلِّم معنا من السماء؟" (12: 25). هو يزلزل الأرض في مجيئه وفي انتظارنا له نشكره لأنَّنا منذ الآن "حصلنا على ملكوت لا يتزعزع" (آ28).
الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي 4: 13-18
وأنا مريدٌ يا إخوتي أن تعرفوا أن لا تكونوا حزانى على هؤلاء الراقدين مثلَ بقيَّة الناسِ الذي ليس لهم رجاء. فإذا نحن مؤمنون أنَّ يسوعَ ماتَ وقام، هكذا اللهُ أيضًا مؤتٍ بالراقدينَ بيسوعَ معه. ونحن قائلونَ لكم هذه في كلمةِ ربِّنا: نحنُ الأحياء المستأخَرون في مجيء ربِّنا لا ندركُ الذين رقدوا. لأنَّ ربَّنا نفسَه، بأمرِ وبصوتِ رئيسِ الملائكةِ وببوقِ الله، هو نازلٌ من السماء، والموتى الذين في المسيح يقومون أوَّلاً. وحينئذٍ نحن الأحياءَ المستأخرينَ نُخطَفُ معهم سويَّةً في السحب للقاء ربِّنا في الهواء، وهكذا نكونُ في كلِّ حين مع ربِّنا. فكونوا معزِّينَ الواحدُ الواحدَ بهذه الكلمات.