نزل من السماء

السماء هي فوق. السماء تدلُّ على الارتفاع. السماء تعني أنَّ الله بعيد عن البشر وهو لا يختلط بهم، لأنَّه القدرة بالذات وهم الضعف. لأنَّه القداسة الكاملة وهم العائشون في الخطيئة: أنا إله لا إنسان، أنا القدُّوس، كما قال النبيُّ هوشع. أنا هو الذي هو. اسمي الاسم ولا يستطيع أحد أن يعطيني اسمًا. إذًا، المسافة شاسعة بين الله والإنسان. وكم تمنَّى الإنسان أن يشقَّ الله السماء وينزل.

تمنَّى الإنسان فتجاوب الله. أجل، نزل يسوع المسيح ابن الله من السماء. أتى على الأرض وعاش بيننا. صار إنسانًا شبيهًا بنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة. فهو من جاء ليزيل الخطيئة: فهو من جاء ليَصلب الشرَّ والموت في صلبه.

أجل، نزل الابن من السماء. "لاشى" ذاته. "أخلى" ذاته. ما تعلَّق بفكرة أنَّه "الله" بحيث لا يتنجَّس بالبشر. نزل إلى قمَّة الانحدار ليرفع الإنسان إلى ذروة الارتفاع. فقال الرسول: "ذاك الذي نزل هو الذي صعد فوق جميع السماوات." وقال الربُّ عن نفسه: "خرجتُ من عند الآب وأتيتُ إلى العالم، وأترك العالم وأمضي إلى الآب" (يو 16: 28). ولكنَّه لا يمضي وحده، بل يأخذنا معه لنكون حيث هو. ويرتفع فيرفعنا معه على الصليب كما في القيامة والصعود.

"ما من أحد صعد إلى السماء إلاَّ الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). كان بالإمكان أن يبقى هناك في عليائه. ولكنَّه نزل إلينا وتنازل ليعيش معنا ونزل ليكون لنا مأكلاً ومشربًا. فنأكل جسده ونشرب دمه فنتَّحد به وهو يتَّحد بنا. نصبح وإيَّاه جسدًا واحدًا ودمًا واحد. نصبح من النسل الإلهيّ. قال: "أنا الخبز الذي نزل من السماء. أنا الخبز الحيّ. إن أكل أحدٌ من هذا الخبز يحيا إلى الأبد."

نزل الربُّ من السماء ليكون معنا، عمّانوئيل، لكي يعيطنا الحياة فننجو من الموت، لكي يعطيَنا القداسة فننجو من الشرِّ والخطيئة. ونحن ننتظر أن يرفعنا معه.


 

إنجيل يوحنّا 11: 11-21

آمين آمين أنا قائلٌ لك: نحن مُتكلِّمون عن الشيءِ العارفين إيّاه، والشيء الذي رأينا شاهدون له نحن، وأنتم غيرُ قابلينَ شهادَتَنا. قلتُ لكم ما في الأرض، وأنتم لا مؤمنون، فكيف إذا أقولُ لكم ما في السماءِ تؤمنون بي؟ ما صعدَ إنسانٌ إلى السماء إلاّ ذلكَ الذي نزلَ من السماء، ابنُ الإنسانِ ذاك الذي هو في السماء. وكما رفعَ موسى الحيَّةَ في البرِّيَّة، هكذا عتيدٌ أن يُرفَعَ ابنُ الإنسانِ. بحيثُ لا يَهلِكُ كلُّ إنسانٍ مُومِنٍ به، بل تكونُ له الحياةُ الأبديَّة. لأنَّه هكذا أحبَّ الله العالمَ بحيثُ يهبُ ابنَه الوحيدَ لئلاّ يَهلِكَ كلُّ مؤمنٍ به، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّة.

فالله أرسلَ ابنَه إلى العالَمِ، لا ليدينَ العالم، بل ليحيا العالَمُ بيدِه. فالمؤمنُ به لا يُدانُ، واللامؤمنُ دينَ هو من قبلُ، لأنَّه ما آمنَ باسمِ ابنِ الله الوحيد. وهذه هي الدينونة: أتى النورُ إلى العالم، فأحبَّ البشرُ الظلمةَ أفضلَ (ممّا أحبُّوا) النورَ، لأنَّ أعمالَهم كانتْ شرّيرة. لأنَّ صانعَ البغيضاتِ مُبغِضٌ للنورِ ولا يأتي إلى النورِ لئلاّ تَنكشِفَ أعمالُه. وذاك الصانعُ الحقَّ يأتي إلى النورِ لتُعرَفَ أعمالُه المصنوعةُ في الله."


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM