بالنسبة إلى البيبليا، الكتاب أو الكتب، والاسم يرتبط بمدينة بيبلوس جبيل، التي اشتهرت بتجارة الورق البرديّ الآتي من مصر، بالنسبة إلى البيبليا الإيمان هو ينبوع كلِّ الحياة الدينيَّة، بل وكلِّ الحياة البشريَّة وأساس نجاح الإنسان. فمن لا إيمان عنده لا يجسر أن يتحرَّك من مكانه. يخاف الأشخاص والظروف. آمن إبراهيم فمضى كما قال له الربّ. ولو أنَّه رفض أن يتطلَّع إلى مخطَّط الله من أجله، لو أنَّه رفض التجاوب مع نداء الله، لبقي راعيًا بين رعاة هذه البادية الواسعة يتنقَّل فيها مع قطعانه. أمّا وهو آمن، فقد صار بركة تمتدُّ إلى أجيال وأجيال، لا إلى نسله القريب فقط. ودُعيَ في الرسالة إلى رومة "أبا جميع الذين آمنوا". فكأنَّه وَلدهم وعلَّمهم فاقتدوا به.
"آمن". فعل يدلُّ على موقف روحيّ عميق، ينفتح مداه على كلِّ شخص بمفرده، كما على شعب من الشعوب. هو فعل عرفته اللغات الساميَّة كلُّها. "ا م ن" يدلُّ على المتانة. على ما هو أكيد. لا تقلقل وتزعزع. يشبِّهه الكتاب بالصخر. "من بنى بيته على الصخرة". ويقابله: "من بنى بيته على الرمل". أنا أومن أي أنا متأكِّد من النداء الذي وصل إليَّ ولا شيء، ولا شخص، يستطيع أن يبلبل فكري أو يجعلني أتردَّد. بالإيمان نرى ما لا يُرى. بالإيمان نسمع ما لا تسمعه أذن الإنسان.
"ا م ن" يعني وثق بالشخص، أركن إليه، صدَّقه. وحين يأمن الإنسان لله، يخضع له وينقاد. لا يناقش، لا يجادل، كما فعل موسى مثلاً حين دعاه الله وهو في البرِّيَّة. والجذر "أمن" يعني اطمأنَّ وسكن قلبه. من آمن كان في أمان، مثل الطفل الذي يكون في حضن والديه.
كم يحتاج عالمنا إلى هذه المزيَّة، حيث الإنسان يخاف من الإنسان، لا يثق به، يحسُّ، ولو خطأ، أنَّه يكذب عليه، يغشُّه، يخونه. ولهذا قال النبيّ هوشع عن الربّ: "أنا إله لا إنسان". أنا لا أتصرَّف كما يتصرَّف الإنسان. وسوف يقول الرسول: حتّى إن كنتَ خائنًا، فالربُّ لا يخون. فالربُّ يبقى أمينًا لأنَّه لا يمكن أن يُنكر نفسه.
كم يحتاج عالمنا إلى الإيمان بالله! بعض العالم الغربيّ اعتبره مات. فهل نضع ثقتنا في شخص ميت! ما هذا التجديف! وأخذوا يبحثون عن آلهة. المال؟ فحذَّرهم يسوع: لا تعبدوا ربَّين. عليكم أن تختاروا بين الله والمال. أمّا الذين عبدوا المال، فراحوا ولبث المال في صناديقهم. لم يأخذوا شيئًا معهم.
وبحث الشعب العبرانيّ عن سيِّد غير الله. هو "البعل". صاحب الأرض، يُرسل إليها المطر. يعطيها الخصب. وصنعوا عجلاً أو ثورًا صغيرًا كرمز للخصوبة وسوف يقول هوشع للسامرة عاصمة مملكة إسرائيل: "زنخ عجلك". فالأسياد غير الله يجعلون الناس عبيدًا، أمّا الله فيريدهم على صورته ومثاله، يريدهم في النهاية أبناء وبنات له. يريد أن يعطيهم، لا أن يأخذ منهم، بل يريد أن يعطي ذاته. ذاك ما فعل حين أرسل ابنه إلى العالم لئلاَّ يهلك أحد، بل تكون الحياةُ الأبديَّة لكلِّ إنسان.