موضوع الإيمان

كيف نؤمن بالله ونحن لا نراه؟ لا شكّ، الله لا يُرى. ولكنَّ أعماله تُرى. يكفي أن نفتح عيوننا ولا نتوقَّف عند الأشياء والأشخاص بل نذهب إلى النهاية. لا نتوقَّف عند الظواهر، بل نروح إلى بواطن الأمور. على مستوى الخليقة، نستطيع أن نتوقَّف عند الشمس التي تنيرنا بأشعَّتها وتدفئنا بحرارتها. فهل نعبدها؟ هل نثق بها؟ قال لنا الكتاب: انظروا إلى الربِّ الذي هو أجمل منها. في القديم، عبدوا الشمس والقمر والبحر. والمصريُّون جعلوا ثقتهم في نهر النيل الذي يعطيهم الحياة في عطيَّة الماء. أمّا المؤمن فينظر إلى الذي خلق الطبيعة والغيوم ويمنح المطر. في خبر إيليّا، اعتبر عبَّاد البعل أنَّ هذا الصنم يعطيهم المطر بل إنَّ المطر يأتي في أوانه بمجرَّد بعض الطقوس في ظلِّ المعابد الكنعانيَّة. ماذا فعل إيليّا؟ أوقف المطر بقدرة الله. ثلاث سنين ونيِّف. وكانت المناظرة بين عابدي البعل الذين كانوا كثيرين أمام مذبح فخم، وبين إيليّا وقلَّة قليلة معه قبالة مذبح مهدوم وجبت إعادة بنائه. هل فهم الشعب حينذاك مهزلة كهنة البعل: إلهكم نائم، لا يسمع، هو في سفر. ثمَّ "هشَّموا نفوسهم بالسيوف والرماح حتّى سال الدم... أهذا هو الإله الذي نتَّكل عليه وعلى عطاياه؟ أمّا إيليّا فاكتفى بأن يهتف: "استجبني يا ربّ" حتّى تأتي النار على الذبيحة بانتظار سقوط الأمطار.

الله يبدأ دومًا فيحبُّ ويعطي. نستطيع أن نرى في عطائه نتيجة الصدفة وكأنَّ الكون قنِّينة فارغة على سطح المياه. أو نتيجة القدر، تلك القوَّة البشريَّة التي هي أقوى من الآلهة والبشر. ولكن ماذا تكون النتيجة في مثل هذا الوضع؟ حائط مسدود. ضياع بضياع. طعم الرماد في الأفواه. أمّا الإيمان الذي هو تعلُّق بالله والتصاق به فيفهمنا في الأعماق قدرة الله، ويرينا كيف يتصرَّف هذا الأب مع أبنائه وبناته. هذا لا يعني أنَّه يفعل ولا يحتاج إلينا لكي نتحرَّك. بل هو يعرف أنَّنا ضعفاء وبدونه لا نستطيع شيئًا. والكتاب مرَّاتٍ يضخِّم الأمور لكي نراها بعد أن صارت شبه عمياء.

كانت القبائل العبرانيَّة في مصر. عبرت المستنقعات، مرَّت في الماء قبل أن تصل إلى صحراء سيناء. قال الكتاب: انفتح البحر أمامهم. ما عاد يشكِّل خطرًا عليهم، بل كان لهم سورًا من اليمين ومن اليسار. من رأى هذا؟ موسى. من تكلَّم عنه وأنشده؟ المؤمنون والمؤمنات. وأوَّلهم مريم أخت موسى وهرون: "أُنشد للربّ... هو إلهي وأنا أمجِّده. هو أبي وأنا أعظِّمه". الربُّ مجيد، الربُّ عظيم. أمّا من لا إيمان عنده فيتوقَّف عند الظروف الطبيعيَّة المؤاتية: طلعت ريح شرقيَّة، ثمَّ ريح غربيَّة. نتوقَّف لدى ما يُرى. فما يُرى هو إلى زمان، أمّا ما لا يُرى فهو إلى الأبد.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM