هم لا يعرفون

قراءة من نبوءة عاموس (6: 1-7)

ويل لكم أيُّها المترفِّهون في صهيون، ويا أيُّها الآمنون في جبل السامرة، أنتم يا نخبة عظماء الأمم وملاذ بيت إسرائيل، اعبروا إلى كلنة وانظروا. سيروا من هناك إلى حماة العظيمة، ثمَّ اهبطوا إلى جتّ عند الفلسطيِّين. أتلك الممالك خيرٌ ممّا تملكون، أم تخومهم أوسعُ من تخومكم؟ أنتم تستبعدون يوم النكبةٍ وتُقرِّبون زمن العنف. تضطجعون على أسرَّة من عاج وعلى فراشكم تتمرَّغون. تأكلون الخراف من الغنم والمعلوف من العجول. تبعبعون على صوت العود وتنسبون إلى أنفسكم آلات الطرب مثل داود. تشربون الخمر بالطاسات، وتمسحون شعر رؤوسكم بالزيوت ولا تذوبون حزنًا على هلاك بيت يوسف. لذلك تكونون أوَّل من أسبيهم، فتزولُ عربدةُ المتمرِّغين.


 

روى الإنجيل خبر ذاك الغنيّ الذي أغلَّت أرضه غلاَّت كثيرة. فقال ماذا أفعل؟ أهدم أهرائي وأبني أعظم منها وأجمع هناك جميع غلاَّتي وخيراتي (لو 12: 18). هو لا يعرف. فلو عرف أنَّ نفسه تؤخذ منه هذه الليلة، لكان فعل غير هذا. وكذلك الغنيّ الذي لم يرَ عند بابه لعازر (لو 16) لو عرف أنَّه مع إخوته الخمسة ولعازر يكوِّنون "سبعة" رقم الكمال، وكانوا صعدوا معًا إلى حضن إبراهيم، إلى جوار الله، ولما كان الغنيّ يتعذَّب في اللهيب ويتحرَّق إلى نقطة ماء.

كان زمن يربعام الثاني (القرن 8 ق.م.) عصر ازدهار وغنى، بسبب السلام في المنطقة والتعامل بين صيدا وصور من جهة، ومملكة إسرائيل بعاصمتها السامرة، من جهة ثانية. تدفَّق المال فكان للأغنياء بيتان: بيت في الشتاء وبيت في الصيف. والأسرَّة كانت من عاج. هي الكبرياء. هو الاطمئنان الكاذب إلى أنَّ الحياة سوف تدوم: الأغنياء يلبثون أغنياء، والفقراء يزدادون فقرًا. وكان الأقدمون يعتبرون أنَّ الأمور لا تتبدَّل في العالم الآخر. يبقى الملك ملكًا والعبد عبدًا. ولكنَّ كلام الربِّ يسوع أفهمنا الوضع الذي صار إليه الغنيُّ وذاك الذي كان للعازر.

النساء بدينات. شبَّههنَّ النبيُّ ببقرات باشان المعروفة بضخامتها: "هاتوا لنشرب،" (4: 1). من أين كلُّ هذا المال؟ من ظلم الفقراء وسحق البائسين. والكلام هو هو في القرن الثامن ق.م. وفي القرن الحادي والعشرين ب.م. كلُّ هذا يدعونا إلى التفكير، إلى النظر في حياتنا، في مشاريعنا، في معاملتنا مع القريب، ولاسيَّما ذاك الذي هو عند بابنا.

بدأ النبيُّ يتطلَّع إلى ما سوف تصل إليه مدينة السامرة. ذاك ما يحصل دومًا حين تكون المسافة واسعة بين الأغنياء والفقراء، بين الكبار والصغار. النار هي تحت الرماد. وذاك ما حصل حين أتى الأشوريُّون سنة 722. لبث الفقراء في الأرض. انتقلوا من سيِّد إلى سيِّد. أمّا الأغنياء فراحوا إلى المنفى، حفاة، شبه عراة: يرفعهم العدوّ "بالكلاليب" كما تُرفع أكياس القمح، يؤخذون بالصنانير مثل السمك... يا ليتهم يعرفون. ولكنَّهم لا يريدون. بل يضعون رؤوسهم في الرمال بانتظار تلك الساعة... لا. فنحن نريد أن نعرف وكلمة الله هي التي تعلِّمنا.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM