لغة الصليب

وصل بولس إلى كورنتوس آتيًا من فيلبّي وتسالونيكي وأثينة. وكعادته بدأ يكلِّم اليهود الذين لم يكونوا يشكِّلون العدد الكبير. ردَّوا عليه كما فعلوا مع يسوع: "يا معلِّم، نريد أن نرى منك آية" (مت 12: 38). وتذكَّروا ما فعله موسى لهم. وما أرادوا الخروج من هذا المنطق. "كانوا يطلبون الآيات" (1 كو 1: 22). ثمَّ توجَّه الرسول إلى اليونانيِّين، فجابهوه بالحكمة التي يمتلكون في خطِّ الفلاسفة منذ سقراط وأفلاطون وأرسطو. هم "يبحثون عن الحكمة". بدأ فكلَّمهم بالحكمة منطلقًا من الفلاسفة والشعراء (أع 17: 16ي). من أجل هذا، استمع إليه الأثينيُّون، ولكنَّهم اصطدموا سريعًا بالسرِّ المسيحيّ: "سوف نسمع منك مرَّة أخرى" (أع 17: 32). هي طريقة مهذَّبة بها يرفضون هذا "المهذار" (آ18)

لماذا المراوغة؟ لماذا المساومة؟ قال الرسول: "نحن ننادي بالمسيح مصلوبًا وهذا عقبة لليهود (لا يستطيعون أو لا يريدون أن يتجاوزوها) وحماقة في نظر الوثنيِّين" (1 كو 1: 23). هناك قفزةٌ تتجاوز العقل البشريّ، وإلاَّ لا نفهم لغة الصليب. يدعونا الله فنلبّي النداء. قال الرسول: "وأمّا الذين دعاهم الله من اليهود واليونانيِّين فالمسيح قدرة الله وحكمة الله" (آ24). أين قدرة الله في أعمال المسيح؟ الجواب: المسيح نفسه هو "قدرة الله". ثمَّ أين حكمة يسوع من حكمة اليونانيِّين؟ الجواب يسوع المسيح هو حكمة الله بالذات. إذا كانت الشمس هنا، هل نشعل سراجًا؟ إذا كان البحر هنا، هل نقارنه بجرَّة ماء؟ عندئذٍ واصل الرسول: "فما يبدو أنَّه حماقة (جهل في نظر البشر) من الله هو أحكم من حكمة الناس. وما يبدو أنَّه ضعف من الله هو أقوى من قوَّة الناس" (آ25).

كم كان يسوع ضعيفًا على الصليب. الجميع كانوا أقوى منه. ولكن، في ضعفه، غلب أعداءه، وآخرهم الموت (1 كو 15: 26). كم كان يسوع جاهلاً في نظر الناس! ما عرف أن يكون حكيمًا. فلو كان كذلك لكانت الأحداث اتَّخذت منحى آخر.

كم نحن مساكين! وكان بالإمكان أن يترك بولس أسلوبه في نظر العالم. ولكنَّه أعلن بقوَّته المعهودة: "فالبشارة بالصليب حماقة عند الذين يسلكون طريق الهلاك. وأمّا عندنا نحن السالكين في طريق الخلاص، فهو قدرة الله" (1 كو 1: 18).

أكثر من لغة في عالمنا. ماذا ينتظر يسوع ليعمل إن كان هو ابن الله؟ وهل هكذا يُدبِّر العالم بالضعف والاستسلام والقبول بالموت، ويعتبر نفسه أنَّه انتصر؟ تلك لغة العالم الذي لا ينظر إلى البعيد، ولا إلى العمق فيبقى عند القشور. عندئذٍ يشبه إبليس وما جرَّب به يسوع. أمّا المؤمنون فيعرفون ويؤمنون بأنَّ الصليب في وسط العالم. أو نحمل الصليب فيحملنا. وإن تركناه، لا سمح الله، يدوسنا.

 

رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل كورنتس (1: 18-31)

18لأنَّ كلمةَ الصليبِ للهالكين جهالةٌ هي. أمّا لنا أولئك الأحياء فهي قوَّة الله. 19لأنَّه مكتوب: أبيدُ حكمةَ الحكماء وأنزعُ فكرَ الفهماء. 20فأينَ هو الحكيمُ؟ أو أينَ هو الكاتبُ؟ أو أينَ هو مجادلُ الدهرِ هذا؟ أما جهَّلَ اللهُ حكمةَ العالمِ هذا. 21بما أنَّه بحكمةِ الله، العالمُ غيرُ عارفٍ اللهَ بالحكمة، أرادَ اللهُ أن يُحيي أولئك المؤمنين بجهالةِ الكرازة. 22لأنَّ اليهودَ الآياتِ سائلون، والأمميّين الحكمةَ طالبونَ، 23أمّا نحن فكارزون بمسيحٍ مَصلوب، عثرةً لليهود وللأمميّين جهالة. 24أمّا أولئك المدعوّون، يهودًا وأُمَميِّين، فالمسيحُ قدرةُ الله وحكمةُ الله. 25لأنَّ جهالةَ الله أحكمُ من الناس، وضعفَ الله أقوى من الناس. 26فانظروا أيضًا دعوَتَكم، يا إخوتي: ما كثيرون فيكم حكماء بالبشريّ، ولا فيكم كثيرون أقوياء، ولا كثيرون فيكم أهلُ نسَبٍ عظيم. 27لكنَّ اللهَ اختارَ جُهّالَ العالمِ ليُخزيَ الحكماء، واختارَ ضعفاءَ العالمِ ليُخزيَ الأقوياء. 28واختارَ أهلَ النسبِ الصغيرِ في العالمِ والمرذولين وأولئك الذين ليسوع شيئًا ليُبطِلَ الذين هم شيءٌ، 29لئلاّ يفتخرَ كلُّ بشرٍ قدّامَه. 30فأنتم أيضًا منه بيسوعَ المسيح، ذاك الذي صار لنا حكمةً من اللهِ وبِرًّا وقداسةً وخلاصًا، 31كما هو مكتوب: المفتخِرُ بالربِّ يَفتَخِرُ.

 

على الخشبة

"أصعدوه وصلبوه على الخشبة، فارتعدتِ الأرضُ والسماء. صرخَ إيل! إيل! لماذا تركتني؟ وسقط الجزعُ على كلِّ البرايا: الشمسُ أظلمَتْ في الأفق، والقمرُ تحوَّل إلى دم."

"اصلبه! اصلبه! صرختْ بحسدٍ قدَّام بيلاطسَ العروسُ التي زنَتْ وصنعت عجلاً وأيضًا تمُّوزًا. وبما أنَّها أبغضت خطّيبَها، استأصلَ بالصليبِ أساساتها."

"جميع الطبائع السجينة، وعناصرُ العالم كلّه، ارتعدت وارتعشت، عندما في الصليب، سيّد المجدِ قد رُكِّز، والموتُ الذي في الجحيم ذُعر، وانبعثَ الأمواتُ للسجودِ له...".

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 28-29)

                                        


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM