يصلبون الله مرَّة ثانية

إلى العبرانيِّين كتب الرسول أو أحد تلاميذه. هم اليهود الذين صاروا مسيحيِّين ولكنَّهم ما لبثوا يحنُّون إلى ماضيهم. أيكون يسوع، ابن الناصرة، أعظم من الملائكة؟ هل يفضَّل يسوع على موسى؟ وما تكون الطقوس التي يقوم بها المسيحيُّون تجاه ما كان يحصل في العالم اليهوديّ؟ الكهنة العديدون، اللاويُّون، أهل الغناء والموسيقى. وخصوصًا عظيم الكهنة بلباسه المميَّز وتاجه الملوكيّ والجميع حوله بشكل إكليل. والشعب الكثير الواقف في مختلف الأروقة: الرجال اليهود، والنساء، والناس غير اليهود. وهكذا، حنَّ هؤلاء العبرانيُّون، من قلب مسيحيَّتهم، إلى الماضي، كما سبق لآبائهم الذين تحرَّروا من العبوديَّة، فلبثوا يحنُّون إلى مصر وبصلها وثومها وسمكها ومياهها. جمَّدوا إيمانهم وعادوا إلى الوراء، فقال الربُّ فيهم: "لا يصلحون لملكوت الله" (لو 9: 62).

ماذا تفعلون؟ قال لهم الرسول: "تصلبون ابن الله ثانية وتعرِّضونه للعار" (عب 6: 6). كما عيَّره الرؤساء حين كان على الصليب: هزُّوا رؤوسهم، جدَّفوا عليه، قالوا: "يا ناقض الهيكل... خلِّصْ نفسك وانزلْ عن الصليب" (مر 15: 29-30). أو: يشهِّرونه" أي: يفضحونه ويكشفون مساوئه. يظهرونه في مشهد شنيع. هكذا وصلَت بهم الأمور بالنسبة إلى المسيح. جحدوه. أنكروا ألوهيَّته. رفضوا صليبه كما رفضوا أن يكون هو المسيحَ. أما هذا أحيانًا طريق العديدين بالنسبة إلى يسوع في أيَّامنا: هو معلِّم مثل سائر المعلِّمين، فلماذا نتعلَّق به؟ هو بطل من الأبطال، مثل عددٍ من الثوَّار في عالمنا. بآلامه يشبه فلان، بكلامه يشبه سقراط، برفضه للعنف يشبه غاندي. هو نبيّ بين الأنبياء. فماذا يبقى من ذاك الابن الوحيد الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا تألَّم ومات وقُبر... ثمَّ قام في اليوم الثالث؟

ذكَّرهم الرسول: "أُنيروا" (6: 4) أي نالوا العماد المقدَّس، فصاروا نورًا في خطِّ من هو نور العالم. ثمَّ "ذاقوا الهبة السماويَّة" أي شاركوا في الإفخارستيّا فأكلوا الجسد وشربوا الدم. وبعد ذلك: "صاروا مشاركين في الروح القدس." مع سرّ التثبيت. "واستطابوا كلمة الله" التي سمعوها وهم "يواظبون على تعليم الرسل" (أع 2: 42).

يا للعقوق ونكران الجميل! أبَعدَ كلِّ الذي نالوا "يسقطون؟" (آ5). عندئذٍ يشبهون آباءهم حين صلبوا يسوع المسيح بعد أن حاكموه وسلَّموه إلى بيلاطس. ويكون الكلام قاسيًا جدًّا، والتهديد مريعًا. هم أرض نزل عليها المطر. إن أعطت "نباتًا صالحًا" نالت البركة. أمّا إذا أخرجت شوكًا وعشبًا ضارًّا، فاللعنة تهدِّدها وعاقبتُها الحريق" (آ7-8). أن نصلب ربَّنا مرَّة ثانية! أن نجعل الناس يجدِّفون عليه! الويل لنا. فالله لا يُستهان به.

 

مريم في الصلب

"تقدَّمت مريمُ نحو خشبة الصلبوت، وأسندت رأسها إلى الجلجلة؛ وبأصواتٍ ملأى ألمًا، كانت تبكي بحسرة: من يجعلني، يا ابني، نسرًا فأطير في الأقطار الأربعة، وأجمعَ كلَّ الشعوبِ إلى محفل قتلِكَ العظيم، فأبكيَ الجماعةَ التي خرجَتْ، وأفرحَ للبيعةِ التي اجتمعت!"

"على باب البيعةِ عبرْتُ، ومريمُ قائمة، وهي ممسكةٌ الصليبَ بيدها، وهي تستحلفُ وحيدَها: بحقِّ الصليب الذي حمَّلك إيَّاهُ الشعبُ في بيت القضاء، وبحقّ جراحاتِ يديكَ ورجليك؛ بحقّ دمك الحيّ الذي فاضَ على الجلجلة، لاشِ، يا ربّ، قضبان الغضبِ من البيعةِ وأولادها.

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 29)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM