أعداء صليب المسيح

بكى يسوع على أورشليم "قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها" (مت 23: 37). وبولس اقتدى بيسوع، فبكى على جماعة في كنيسة فيلبّي. كتب إليهم "والدموع في عينيه" (فل 3: 18). نبَّههم مرارًا فرفضوا التنبيه. كانت رقابهم قاسية، فما أرادوا السير في خطِّ الإنجيل كما قدَّمه الرسول لهم، بل كان سلوكهم عكس السلوك المسيحيّ. بل هم عادوا إلى الوراء: ماذا نأكل، ماذا لا نأكل. هي شرائع العالم اليهوديّ. تنكَّروا ليسوع. ثمَّ عادوا إلى الختان يتباهون به. أمّا بولس فتحدَّث عن "عورتهم"، وعن عارهم. شابهوا اليهود الذين عارضوا يسوع باسم الشريعة، واحتموا بالطعام وغسل الأيدي والكؤوس (مر 7: 8).

دعاهم الرسول: "أعداء صليب المسيح" (فل 3: 18). يا للكلام القاسي! عداوة الصليب هي الموت. فهل من خلاص لنا إلاَّ بالصليب! وما تكون نهايتهم؟ قال الرسول: "عاقبتهم الهلاك." لا الموت الجسديّ فقط، لا الموت الأوَّل الذي يعرفه جميع البشر، بل الموت الثاني. وكيف بدا ذلك؟ من سلوكهم. هم في الجماعة. لا شكَّ في ذلك، ولكنَّهم لم يعودوا من جماعة المسيح.

ثلاثة أمور تدلُّ على المستوى الذي وصلوا إليه. من هو إلههم؟ بطنهم! تتخيَّلون؟ ومجدهم؟ أي صورة الله التي يجب أن تظهر فيهم؟ هو عارهم. عكس المجد كلّيًّا. ما يخجل منه الإنسان. ما عادوا يمجِّدون الله، بل أنفسهم. والأمر الثالث، "همُّهم أمور الدنيا." قال القدّيس يعقوب: "أيُّها الخائنون، أما تعرفون أنَّ محبَّة العالم (وما فيه من شرّ) عداوة الله؟ فمن أراد أن يحبَّ العالم كان عدوَّ الله." (4: 4). وهكذا جماعة فيلبّي. أحبُّوا الدنيا فصاروا أعداء الصليب. ونحن نستطيع أن نتبعهم دون أن ندري. نرفض أن ندخل في الباب الضيِّق، ونفضِّل الباب الواسع والطريق الرحب، وهكذا نسير إلى الهلاك (مت 7: 13). وقال بولس الرسول: "الاهتمام بالبدن، باللحم والدم، هو عداوة لله" (رو 8: 7). فماذا نختار؟

أن نعيش كالوثنيِّين، فنترك الصليب جانبًا. بل نعاديه، نحاربه، فلا نكون مسيحيِّين إلاَّ بالاسم. والنتيجة: "نكون أعداء صليب المسيح." ولكنَّ الرسول ينبِّهنا: "أمّا نحن، فموطننا في السماء، ومنها ننتظر بشوق مجيء مخلِّصنا الربّ يسوع المسيح" (فل 3: 20). أجل، نحن نخصُّ يسوع المسيح منذ الآن. بالصليب تمجَّد وتحوَّل جسده. وهو أيضًا "يبدِّل جسدنا الوضيع." فماذا ننتظر أطيب من ذلك؟

 

البيعة في الصلب

"انحدر من أكناف الصليب، وقبلته البيعةُ، هو شمسُ البرّ ذاك، وهي تقبِّل جراحاته. حاشا لك، يا ربَّنا، أن تنحدرَ إلى الجحيم؛ وحاشا لجسدك أن يبلى في الفساد. فقال لها: لا تحزني، أيَّتها البيعةُ المؤمنة، لأنَّني سأقوم وأنبعثُ ويفرحُ بي أحبائي."

"أيُّها الربُّ ربُّنا! بألمِ صليبك العظيم، بيعتُك مخلَّصة، وبالدم الذي من جنبك..."

"على رأس الصليب، صنع اليهود معصرةً، وعصروا فيها عنقود البركة. عصروه ولم يذوقوه؛ وقبلتْه بيعةُ القدس، وهي، كلَّ يومٍ، تتنعَّمُ به. هللويا. بصليب احفظْ نفوسنا."

"بصليبك، تفتخر البيعةُ التي خُلّصت به؛ وبالصفعةِ التي احتملتَها لأجلها، صارت لنا الحرّيَّة والحياة؛ وبالدم الذي جرى من جنبك، نالت المسامحة لأولادها، وها هي مخلَّصةٌ براية صليبك."

"... للبيعةِ خطّيبتك، خطَّيبةِ الحقّ، التي لم تكفُر بك، فجَّرتَ لها جنبك في الصليب على رأس الخشبة."

"بصليبك، يا ربّ، خُلِّصَت بيعةُ القدس، وبجراحاتك شُفيَ جميعُ أولادها...".

"فوق خشبة الصليب على رأس الجلجلة، شاهدتِ البيعةُ ذلك شمسَ البرّ؛ شاهدتْ جراحاته، فتعجَّبتْ من المسامير التي في يديه...".

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 30-31)

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM