بدم صليبه

كولوسّي، هذه المدينة الصغيرة والقريبة من أفسس. تأثَّرت بتيَّارات فلسفيَّة، فأضاعت مركز المسيح في الكون. عندها معرفة باطنيَّة تستغني بها عن الوحي وعن الكتب المقدَّسة. بما أنَّ يسوع اتَّخذ جسدًا، صار أقلَّ من الملائكة لأنَّهم أرواح فقط. أمّا قوى الكون الأوَّليَّة فهي تتفوَّق على المسيح. وتحاول هذه الجماعة أن تتجاوز التعليم الذي حمله بولس، فتُدخل المسيحيِّين في "سرّ" يتجاوز سرّ المسيح: الأكل، الصوم، النسك، مختلف العبادات. وهكذا صار المسيح جزءًا من الخليقة بعد أن أمَّن الملائكة (لا هو) الاتِّصال بين السماء والأرض.

هي عودة في هذه الجماعة، إلى الوثنيَّة وإلى أفكارها الفلسفيَّة. حذَّرهم الرسول: اعتمدتم. يعني متُّم مع المسيح وقمتم مع المسيح. زال الإنسان القديم. ولا قيمة بعد "لقوى الكون الأوَّليَّة". فهذه زالت بالنسبة إلى المسيحيّ وزال تأثيرها. ولكنَّ المؤمنين في كولوسّي عادوا إليها. حنُّوا إليها. فقال لهم الرسول: "كيف تعيشون كأنَّكم تنتمون إلى هذا العالم (الوثنيّ)؟" (كو 2: 20). هي وصايا بشريَّة، تعاليم بشريَّة (آ22). تحسبونها حكمة، ولكنَّها حكمة مزيَّفة. في الخارج تظهر حكمة. وفي الداخل، لا قيمة لها. إنَّما هي إرضاء اللحم والدم ومختلف الميول البشريَّة.

هذا ما كان عليه الكولوسّيُّون في الماضي. "كانوا غرباء عن الله، أعداء له بالأفكار والأعمال" (1: 21). أمّا الآن، فتبدَّلت الأمور. تصالحت السماء والأرض "في جسد المسيح البشريّ حين أسلمه الله إلى الموت" (آ22). وهكذا تحقَّق السلام "بدم المسيح على الصليب" (آ20). كان هناك خلاف. أزيل الخلاف. كان هناك "صكّ" يجب أن يُدفَع. ولكنَّ هذا هو فوق قدرتنا كما في المثل الإنجيليّ (مت 18: 25) حيث ينبغي على المديون أن يُباع هو وامرأته وأولاده وكلُّ ما له". ولكن، حتَّى هذا لا يكفي "لدفع الدين".

عندئذٍ محا يسوع الصكّ، أزاله، "سمَّره على الصليب" (2: 14). وانتصر على جميع القوى التي تحاول أن تبعدنا عن المسيح "وقادهم أسرى في موكبه الظافر" (آ15). بعد اليوم لا نخاف. "فأصحاب الرئاسة والسلطة" خسروا قوَّتهم فما عادوا يهدِّدوننا، شرط أن نحتمي بصليب المسيح. فماذا نعمل؟

قاعدة عامَّة: "اسلكوا في الربّ يسوع" (كو 2: 6). مع ثلاث صفات: أنتم زرع، فتأصَّلوا في يسوع. تغرز جذوركم في الأعماق بحيث لا تؤثِّر فيكم العاصفة. أنتم بناء مؤسَّس على الصخر، لا على الرمل. وأخيرًا، كونوا راسخين، ثابتين، لا تتقلَّبوا مع كلِّ ريح. عندئذٍ وعندئذٍ فقط نستطيع القول إنَّنا أبناء الخلاص، وإنَّ دم المسيح على الصليب منحنا المصالحة مع الله، والسلام وملء البركة.

 

على الصليب رُفع

"عمانوئيل على الصليب رُفع، ابنُ القدير؛ الجبَّار حنى رأسه وماتَ كما أراد. روحَه وحدها قد تركها وهو على الخشبة، لا أزليَّته رحلتْ من جسده. ثيابه البشريَّة خلاَّها فوق الخشبة؛ فليجلِسْ بالبكاء الصالبون لأنَّهم صلبوا ربَّهم!".

"الأزليّ المحجوبُ الذي من حضن أبيه أشرق لنا في الخليقة، ذلك الذي لا يحدُّه أحد، قد أُوثق ورُفع على الخشبة؛ اليد التي بسطَتِ السماء، ثقبها الوقحون بالمسامير لتُحرِّر صورةَ وقاره الأزليّ."

"لقد دان الشعبُ الملكَ السماويّ من أجل خلاصنا، ذلك ديَّان الديَّانين، وأصعدوه فصلبوه على الخشبة؛ ركعوا قدَّامه وهزئوا منه، ومدُّوا له خلاًّ على قصبة. تبارك الذي، بدمه، حرَّر البرايا."

"... ثقبوا جنبه على رأس الخشبة، فجرى منه دم وماء، ينبوعَ الزوفى الغافر."

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 28)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM