عند صليب يسوع

أخذوا يسوع فخرج وهو يحمل صليبه (يو 19: 16-17). وعلَّق بيلاطس على الصليب لوحة مكتوبًا فيها: "يسوع الناصريّ ملك اليهود" (آ19). "وقرأ كثير من اليهود هذه الكتابة، لأنَّ المكان الذي صَلبوا فيه يسوع كان قريبًا من المدينة" (آ20). أين هم التلاميذ؟ لا أثر لهم هنا. وقال عنهم مرقس الإنجيليّ: "تركوه كلُّهم وهربوا" (14: 50). ومن بقي قربه؟

قال يوحنّا: "وهناك عند صليب يسوع وقفت أمَّه" (19: 25). كانت واقفة، والوقوف رمز إلى القيامة. فمريم العذراء آمنت بالقيامة مع أنَّها رأت ابنها مصلوبًا. اقتسموا ثيابه، ألقوا القرعة على القميص الذي خاطته له، نسجته له "من أعلى إلى أسفل" (آ22-24). وبعد قليل، سوف تَرى الحربة تطعنه بجانب قلبه. أمّا هي فآمنت ولبثت مؤمنة. ولهذا، ما تراءى لها يسوع بعد قيامته، كما فعل مع النسوة والرسل والتلاميذ ليشدِّد إيمانهم.

وقرب مريم، كانت "أخت أمِّه"، سالومة، والدة ابنَي زبدى، يعقوب ويوحنّا (مر 16: 1). وكانت مريمان. الأولى زوجة كلاوبا وأم إخوة يسوع، فذُكرت على أنَّها أمّ يعقوب في مر 16: 1، وأمّ يوسي في مر 15: 47. والثانية هي المجدليَّة التي كانت خاطئة جدًّا، فقال فيها الإنجيل: "خرج منها سبعة شياطين" (لو 8: 2). والرقم سبعة يدلُّ على الملء والكمال. أربع نساء يمثِّلن العالم كلَّه، وعلى رأسهم مريم التي هيَّأتهنَّ، ولا شكّ، لاقتبال القيامة، حين رأين القبر فارغًا وسمعن ما سمعن من كلام: "قام وليس هو هنا. امضين إلى الجليل...".

عند الصليب "رأى يسوع أمَّه وإلى جانبها التلميذ الحبيب" (يو 19: 26). وتساءل الناس: من يكون هذا "الشابّ" بعد أن هرب التلاميذ؟ من يمكن أن يكون عند الصليب ساعة يتهدَّد الخطرُ الجميع؟ ذاك الذي يحبُّ يسوع ويستعدُّ أن يموت معه ولأجله، كما أعلن بطرس (يو 13: 37). ولكنَّ رأس الرسل أنكر يسوع وحلف أنَّه لم يعرف يسوع. مع أنَّه اعتبر أنَّه يحبُّ يسوع "أكثر من هؤلاء" (يو 21: 15).

لا يعطي الإنجيل اسم شخصٍ من الناس، ليبقى المكان مفتوحًا لكلِّ واحد منَّا. "أنا التلميذ الحبيب" إلى قلب يسوع. "أنا التلميذة الحبيبة" إلى قلب يسوع. ونكون قرب مريم ونأخذها إلى بيتنا لتكون أقرب صورة إلى يسوع في الكون كلِّه. إذا أردتم أن تعرفوا تكاوين يسوع وسمة وجهه، انظروا إلى مريم. هو ما كان له أبٌ على الأرض، فأخذ كلَّ شيء من أمِّه.

هناك نكون نحن. عند الصليب. قرب مريم العذراء. تلاميذ أحبَّنا الله منذ إنشاء العالم ونحن نحبُّه. والعلامة أنَّنا نحبُّه هي أنَّنا نأخذ مريم إلى بيتنا.

                                   

يوحنّا (19: 17-20، 23-27)

17وهو حاملٌ صليبَهُ إلى الموضع المدعوِّ جُمجُمة وفي العبريَّة يقال: جلجلة. 18وهو حاملٌ صليبَهُ إلى الموضع المدعوِّ جُمجُمة وفي العبريَّة يقال: جلجلة. 19في المكان الذي صلبوه (كان) معه اثنانِ، واحدٌ من هنا وواحدٌ من هنا، ويسوعُ في الوسط. 20وكتبَ بيلاطُسُ أيضًا لوحًا ووضعه على صليبِه، وكانَ مكتوبًا فيه هكذا: "هذا يسوعُ الناصريُّ ملكُ اليهود."

23والجنودُ لمّا صلَبُوا يسوع، أخذوا ثيابَه وجعلوها أربعَ حصص، حصَّة للواحد من الجنود. أمّا قميصُه فكان بلا خياطة، منسوجًا كلُّه من أعلى. 24فقالَ الواحدُ للواحد: "لا نشقُّه، بل نقترعُ عليه اقتراعًا: لمن يكونُ هو. فتمَّ الكتابُ الذي قال: قسَّموا ثيابي بينَهم، وعلى لباسي ألقَوا القرعة. هذه صنعها الجنود. 25وكانتْ واقفاتٍ عندَ صليبِ يسوعَ أمُّه وأختُ أمِّه ومريم تلك التي لكليوبا ومريم المجدليَّة. 26فلمّا رأى يسوعُ أمَّه وذلك التلميذ الذي كان يحبُّ واقفًا، قالَ لأمِّه: "يا امرأة، ها ابنُك." 27وقال لذلك التلميذِ: "ها أمُّك!" ومن تلك الساعةِ أخذها ذلك التلميذُ إلى عندِه. وهو حاملٌ صليبَهُ إلى الموضع المدعوِّ جُمجُمة وفي العبريَّة يقال: جلجلة.

 

في هذا الليل

في هذا الليل، كان السهرُ للتلاميذِ وللصالبين:

هربَ التلاميذُ من الخوف، والصالبون حكموا على الابن.

في هذا الليل، اقتادَ الملعونونَ سيِّدَ كلِّ البرايا،

وتركه التلاميذُ، وهربوا، كما تنبَّأ ابنُ يسَّى.

 

في هذا الليل، أسلمَ يهوذا الغاشُّ سيِّدَه للصالبين،

وبالثمن الذي أعطاهُ إيَّاهُ الكهنة، اشترى حبلاً لشنقه.

في هذا الليل، قامَ في القضاء أمام بيلاطس الوالي،

ذلك الذي – بقضائه – سيُدانُ الديَّانون والسلاطين.

 

في هذا الليل، متّى غير موجود، ويوحنّا وقف بعيدًا،

وسمعانُ حلف، وهو يُنكر، والابنُ قائمٌ وهو صامت.

في هذا الليل، استيقظَ السيفُ على الراعي فبدَّد خرافَه،

وظلَّ قائمًا وحدَه، كما كتب ميخا النبيّ.

 

في هذا الليل، قام في القضاء، ولطمه عبدٌ على خدّه،

واستجوبَه بيلاطس، وهو سيّد الأحياء والأموات.

في هذا الليل، قبَّلَ يهوذا الماكرُ معلِّمَه بخداع،

فاقتربَ الصالبون وأمسكوه، وتركَه تلاميذُه وهربوا.

(باعوت مار افرام، البيت غازو، الجزء الأوَّل، 2000، ص 366-367)

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM