سمعان القيريني

يروي إنجيل مرقس: "وبعدما استهزأوا بيسوع، نزعوا عنه الأرجوان (ثوب الهزء) وخرجوا به ليصلبوه. وسخَّروا لحمل صليبه سمعان القيرينيّ... وكان في الطريق راجعًا من الحقل" (15: 20-21). ما كان ينتظر أن يقوم بهذا العمل المضنيّ بعد نهار طويل من التعب. ومع ذلك، حمل صليب يسوع، فتقدَّس بهذا الصليب كما قدَّس ابنيه اللذين كانا معروفَين في الجماعة المسيحيَّة الأولى: إسكندر. ثمَّ روفس الذي ورد اسمه في الرسالة إلى رومة. حمل سمعان الصليبَ فحمله الصليبُ. وسوف يصل اسم المسيح إلى المدينة التي خرج منها سمعان: قيريني في ليبيا، وهي القيروان. تقولون: فُرض عليه أن يحمله. وأيُّ صليب لا يُفرَض علينا؟ سواء المرض والمرض العضال، أو الحزن الكبير. هو حملَ الصليبَ راضيًا، وكأنَّه يقول ما اعتاد جدودنا أن يقولوا: "مع آلام يسوع". لهذا استطاع أن يحمله. وارتاح يسوع بعض الوقت. كم يشبه ذاك المريض المتألِّم. قيل له: قل مع آلامك يا يسوع. فرفض. وأجاب: "يسوع تألَّم كثيرًا، اتركوني آخذ عنه شقلة".

ومثل مرقس قال متَّى: "صادفوا رجلاً من قيرين اسمه سمعان، فسخَّروه ليحمل صليب يسوع" (27: 32). أراد يسوع أن تكون آلامه "ناقصة". أراد أن يُشركنا بها وتكون لنا فيها حصَّة. وهكذا نستطيع أن نقول مع بولس الرسول: "وأنا أفرح بالآلام التي أعانيها لأجلكم، فأكمِّل في جسدي ما نقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24).

هنيئًا لك يا سمعان، بهذه المهمَّة الرائعة، أن تحمل عن يسوع بعض آلامه. كما فعلت القدّيسة رفقة أو القدّيسة ريتَّا، أو مار فرنسيس الأسّيزيّ والبادري بيُّو. وما تميَّز به إنجيل لوقا، أنَّ الجنود "ألقوا عليه، على سمعان، الصليب، ليحمله خلف يسوع" (23: 26). نحن لا نحمل الصليب لمجرَّد حمْله وكأنَّنا نحبُّ الألم. نحن نحمل الصليب لأنَّ يسوع حمله. ونحن لا نتيه في الصحراء. بل نسير "وراء يسوع". هو "رأسُ إيماننا ومكمِّله" (عب 12: 2). هو الطريق التي تقود إلى الحقّ والحياة، ونحن نسير فيها فنصل إلى الآب. فلا حاجة إلى طريق أخرى. نحن نجعل خطانا في خطى يسوع. وشبَّه الرسول نفسه بإنسان يركض نحو الهدف (1 كو 9: 26)، فقال: "أقسو على جسدي وأستعبده لئلاَّ أُرذَل بعد أن بشَّرتُ كثيرين" (آ27). وقال: "لعلّي أدرك المسيح الذي أدركني" (3: 12). وضعَ يده عليَّ ومضى، كما فعل إيليَّا مع أليشع "حين ألقى عليه عباءته" (1 مل 19: 19). عندئذٍ ترك أليشع عمله وراح وراء إيليّا. وهكذا أراد بولس أن يفعل. أن يمسك يسوع على مثال عروس نشيد الأناشيد (3: 4): "أُمسكُه ولا أرخيه." ونحن؟

 

مرقس (15: 16-26)                            

16والجنودُ اقتادوهُ إلى داخلِ الدارِ التي هي دارُ الولايةِ، ودَعَوا الفرقةَ كلَّها. 17وألبَسوهُ الأرجوانَ وجَلدُوه، ووضَعُوا عليه إكليلَ أشواك. 18وشَرَعوا مُسلِّمينَ علَيه: “سلامٌ، يا ملِكَ اليهود!” 19وضاربينَهُ كانوا على رأسِهِ بقَصبَة، وباصقينَ كانوا في وجهِه. وباركينَ كانوا على ركَبِهم وساجِدينَ لَهُ. 20ولمّا هزِئُوا به، نزَعُوا عنه الأرجوان وألبَسوهُ ثيابَهُ وأخرَجوهُ ليَصلِبوهُ.

21وسَخَّروا واحدًا كانَ عابِرًا، سِمعانَ القيروانيَّ، الذي كان آتيًا من القريةِ، أبا الإسكندرِ وروفُسَ، ليَحمِلَ صَليبَهُ. 22وأتَوا بهِ إلى الجلجلة، الموضِعِ الذي يُفسَّرُ الجُمجُمَة. 23وأعطَوُه ليَشرَبَ خمرةً مُزِجَ بها المرّ. أمّا هو فما أخَذَ. 24ولمّا صلبوه، قسَمُوا ثيابَهُ ورَمَوا عليها القرعةَ: مَنْ يَأخُذُ ماذا؟ 25وكانَتِ الساعةُ الثالثةَ لمّا صَلبُوهُ. 26ومَكتوبةً كانَتْ عِلَّةُ موتِهِ في الكتابة: هذا هو ملِكُ اليهود.

 

في هذا الليل

في هذا الليل، كان السهرُ للجهتين،

للتلاميذ وللصالبين، من أجل ربّنا.

في هذا الليل، قام الحسدُ ليعملَ عملَه،

ومن التلميذ كان يُشتَمُ المعلّمُ الحقّ.

 

في هذا الليل، ضُرب الراعي لأجلِ قطيعه،

فتبدَّد جميعُ الحملان الذين كانوا يُحيطونَ به.

في هذا الليل، متَّى هاربٌ، وتوما غيرُ موجود،

يعقوبُ مختبئ، وسمعانُ ناكر، والابنُ صامت.

 

في هذا الليل، عرقَ ابنُ الله في الصلاة،

ومثلَ الإنسان كان ملاكٌ يقوّيه.

في هذا الليل، الذي كلُّه ألمٌ، لا أحد ينام،

والتلاميذُ أنفسُهم الذين ناموا فيه، رُذلوا.

 

المجدُ لك، ربِّ، كم تحمَّلتَ لأجلنا،

الآلامَ والإهانةَ وكلَّ الشرور من الأثمة!

بآلامك، يا ربّنا، تألَّمتْ معك بيعةُ القدس،

فأبهِجْ، في يومِ انبعاثِكَ، أولادَها. المجدُ لك.

(باعوت مار يعقوب، البيت غازو، الجزء الأوَّل، 2000، ص 364-365)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM