من أراد أن يتبعني

أن نتبع يسوع، ذاك ما فعل بطرس وأخوه أندراوس (مر 1: 16-18). ثمَّ يعقوب ويوحنّا (آ19-20). بانتظار لاوي أو متَّى. وبعد الصيد العجيب، قال لوقا: "تركوا كلَّ شيء وتبعوه". في البداية، هو الفرح. يعيشون بقرب يسوع. يرون معجزاته، يسمعون كلامه. بل يفسِّر لهم ما لا يفسِّره للآخرين (مر 4: 11: "أنتم أُعطيتم"). وحين تأتي الصعوبات، نراهم يتردَّدون. يسوع يسبقهم، وهم يسيرون وراءه، وراءه... بل مرَّة من المرَّات تركوه. تخلَّوا عنه، "انقطعوا عن مصاحبته" (يو 6: 66). ومع أنَّ بطرس أعلن: "أنت المسيح ابن الله الحيّ" (مت 16: 16) فقد رفض أن يسمع كلام يسوع "الذي يذهب إلى أورشليم ويتألَّم كثيرًا على أيدي رؤساء الشعب" (آ11). فالتلميذ لا يقف في وجه يسوع، فيكون مثل "شيطان" أو "عقبة في الطريق" (عصا في الدواليب)، بل يسير وراءه. هل هو مستعدٌّ، وأيُّ استعداد هو استعدادُه؟

قال يسوع لتلاميذه: "من أراد أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (آ24). "من أراد". نريد أو لا نريد. نريد مثل الرسل. أو نمضي في الحزن مثل الشابّ الغنيّ (مت 19: 22). "نتبع يسوع". نسير وراءه. نضع خطانا في خطاه. مثل طيما بن طيما الأعمى. صعد من أريحا إلى أورشليم. مضى وراء يسوع. ثمَّ "ينكر نفسه." ولا يكون الإنكار من أجل الإنكار. فإن تعلَّقنا بذاتنا، لن نمشي وراء يسوع. بل ننظر إلى نفوسنا ونفرح بأعمالنا مثل الفرّيسيّ الذي أتى إلى الهيكل يصلّي (لو 18: 11-12). ولماذا الهرب؟ لأنَّ يسوع يطلب من المؤمن "أن يحمل صليبه". قال بطرس ليسوع: "حاشا لك يا ربّ" (مت 16: 22). وبالأحرى، حاشا لنا. لا نريد الصليب. لا مجال للعار... ولكنَّ ذلك شرط لا بدَّ منه لكي "نتبع" المسيح. فهل نكتفي أن نتفرَّج عليه من بعيد مثل "أصدقاء يسوع" (لو 23: 49).

الكلام سهل. أمّا العمل فصعب. قال بطرس: "أنا مستعدّ أن أذهب معك إلى السجن وإلى الموت" (لو 22: 23). أمّا يسوع فنبَّهه إلى خطرٍ سوف يقع فيه. وقال له: "لا تستطيع أن تتبعني الآن ولكنَّك ستتبعني فيما بعد" (يو 13: 36).

حمْلُ الصليب واتِّباع يسوع، ذاك كان وضع الرسل والتلاميذ، الذين ماتوا شهداء بطرق متنوِّعة: بالسيف، على الصليب، أمام الوحوش، في السجن... والذين لم ينالوا إكليل الشهادة؟ أورد لوقا كلام يسوع: "من أراد أن يتبعني... يحمل صليبه كلَّ يوم ويتبعني" (9: 23). لا ساعة واحدة، بل كلَّ ساعة. لا يومًا واحدًا، بل كلَّ يوم ينكر التلميذ ذاته ويتبع يسوع، ويحمل صليبه وراء يسوع. هناك خطر بأن نخسر نفوسنا، حياتنا. ولكنَّها أحسن طريقة لكي نحفظها.

 

لوقا (9: 23-27)

23وكان يقولُ قدّامَ الناسِ كلِّهم: “مَنْ هو مُريدٌ أن يأتيَ ورائي، يَكفُرُ بنفسِه ويَحمِلُ صليبَه كلَّ يومٍ ويَأتي ورائي. 24لأنَّ ذاك المريدَ أن يُحييَ نفسَهُ يُبيدُها. أمّا مَن يبيدُ نفسَه من أجلي فهذا يُحييها. 25لأنَّه ماذا ينفعُ الإنسانَ أنْ يَربَحَ العالمَ كلَّه ونفسَه يُبيدَ أو يَخسَر. 26فمَنْ يَستحي بي وبأقوالي، يَستحي به ابنُ الإنسان إذْ هو آتٍ بمَجدِ أبيه مع ملائكتِهِ القدّيسين. 27الحقَّ أنا قائلٌ لكم: يُوجدُ أناسٌ وهم قائمون هنا، لا يَذوقون الموتَ حتّى يَرَوا ملكوتَ الله.”

 

الحبر العظيم والذبيحة

إنَّ ربَّنا هو الحبرُ العظيم والذبيحةُ التامَّة؛

ولأجل ذلك، ذبح هو نفسَه أمام والده.

هو المائتُ الذي عندما ماتَ عاد حيًّا، وهو لا يُستقصى.

إنَّه الكاهن والمحرقة، والبحثُ فيه أعلى من الباحثين.

 

لقد كسرَ ربُّنا جسدَه بيديه لرسله الاثني عشر،

ولو لم يشاهدوا كيف كسرَ لما كانوا هم يكسرون.

وبما أنَّه وزَّع جسدَه بيديه، أبان لهم

أن يعملوا هكذا حين يجتمعون في كلِّ الأوقات.

 

علَّمهم كيف يكسرون جسدَه في البيعة،

وكيف يعطونَه لأبناء سرِّ الإيمان.

علَّمهم كيف يشربون كأسَ دمه،

ومنه يسقونَ الشعوبَ والأممَ والأمكنة.

 

لتُسبّحك يا ربّ، جميعُ الطباع المدينةِ لك،

وتُبهَر منكَ كلُّ العقول، لكم تواضعتَ!

دُعيتَ الحمَل، وأكلتَ الحمل، ووزَّعتَ الحمل.

أيُّها الثالوثُ المثلَّثُ التقديسات، لك المجد.

(باعوت مار يعقوب، البيت غازو، الجزء الأوَّل، 2000، ص 356-357)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM