علامة التاو

كثرت الأصنام في أورشليم ولا بدَّ أن تنال هذه المدينة التي قدَّسها الله، العقابَ الكبير. من "صنم الغيرة" الذي يغيظ الإله الغيور على شعبه وعلى كلِّ واحد من مؤمنيه. ثمَّ عبادة الإله تمُّوز، وعبادة الشمس... وكلُّها آلهة كاذبة. ولكن، "أيُهلك الله البارّ مع الأثيم؟"، كما قال إبراهيم (تك 18: 23). كلاَّ. لهذا يجب أن تُوضَع علامة تميِّز بين الفئتين.

فأتى الرجل اللابس الكتَّان، وهو لباس الكهنة. "فقال له الربّ: سرْ في وسط مدينة أورشليم وارسم "التاو" (علامة) على جباه الرجال الذين ينوحون ويندبون بسبب كلِّ الأرجاس التي تُرتكبُ فيها" (حز 9: 4). هم غير راضين على هذه العبادات، فيبكون لا على خطاياهم فقط، بل على خطايا الأفراد في أورشليم. وهكذا بدأ العقاب: "اقتلوا الشيوخ والشبَّان... ولا تمسُّوا مَن على جبينه علامة" (آ6).

هذه العلامة هي "التاء" العبريَّة التي تشبه الصليب. من هنا انطلق الآباء ورأوا في هذا العمل رمزًا بعيدًا إلى الدينونة. من لهم علامة على جباههم هم المخلَّصون، والآخرون هم الهالكون. سمة الصليب تجعل الربَّ يعرف الذين هم له. وهو ينتظر النهاية، فلا يعجِّل ليفصل الزؤان عن القمح. بل ينتظر وقت الحصاد (مت 13: 30-31). وكذلك حين يرفع الشبكة، "يُلقي الأردياء خارجًا."

منذ الخروج من مصر، كانت العلامة على الخيام. "يأخذون من دم الذبيحة." وهكذا مرَّ ملاك الموت فما سمح له الربُّ أن يدخل الخيام أو البيوت (خر 12: 7، 23). وفي حزقيال، مع الكلام عن المسؤوليَّة الفرديَّة، كانت العلامة على جبين كلِّ واحد. وفي سفر الرؤيا، تكون علامة على جباه المؤمنين (رؤ 7: 2-3). هو ختم الله الحيّ. هذا يعني أنَّهم يخصُّون الله. والآخرون؟ يخصُّون هذا العالم، فيكون عليهم "سمة على يدهم اليمنى أو جبهتهم، فلا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلاَّ إذا كانت عليه سمة باسم الوحش أو بعدد اسمه" (رؤ 13: 16-17). هو نيرون. والعدد: قيصر نيرو. هو الرمز لكلِّ مضطهد للمؤمنين. يختار الإنسان أن تكون على جبينه سمة الصليب أو سمة "الوحش" الذي هو رمز العداوة للكنيسة ولملكوت الله. وهكذا نفهم أن يكون العديدون في الكنائس الشرقيَّة القديمة طلبوا أن يُرسم الصليب على أذرعهم أو على صدرهم. هم يخصُّون الربَّ ولا يخصُّون هذا العالم. والذين يضعون الصليب في رقابهم يعرفون أنَّ ما يفعلون ليس للزينة فقط، بل للافتخار وفي الوقت عينه للخطر. به يعرف الله الذين هم له.

 

بين يسوع وإسحق

صعد المسيح قبل العيد بثلاثة أيَّام،

لكي يتمَّ ما حدثَ لإسحقَ عندما كان يُقرَّب.

لقد سارَ إسحقُ ثلاثةَ أيَّامٍ لأجلِ القتلِ،

وكان ذلك سرًّا مرسومًا بمثابة وديعةٍ لدى مخلّصنا.

 

صعد إسحق، هو أيضًا بإرادته، إلى الجبل،

لأنَّ حُبَّ أبيه كان يقودُه، ولم يضطرَّه أحد.

وبالنسبة إلى يسوع أيضًا، فقد أتمَّ بقتلِه إرادتهَ أبيه.

صعِدَ وقُرِّبَ، وماتَ، كما شاءَ، وسامحَ الكلّ.

 

قُتلَ إسحقُ لا بطبعه وبناسوته،

وماتَ المسيحُ لا بجوهره وبلاهوته.

حملَ إسحقُ أدواتِ القتلِ لذبيحتِه،

وهو رمزٌ للابن الذي حملَ على كتفِه صليبَه.

 

المجدُ للصالحِ الذي صوَّر الأبرارُ كلَّ أسرارِه،

والسجودُ للابنِ الذي – في شخصه – أكملَها؛

الشكرُ للروحِ الذي لا فصلَ بينَه وبين الآب والابن،

أيُّها الثالوثُ الذي يسجدُ له الكلّ، إرحمْنا.

(باعوت مار يعقوب، البيت غازو، الجزء الأوَّل، 2000، ص 321-323)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM