صُلب في الضعف

نتساءل مرارًا: أين قدرة الله؟ ماذا ينتظر لكي يفعل؟ أما نعلن في قانون الإيمان: "إله ضابط الكلّ، كلّيّ القدرة؟" فأين هي هذه القدرة؟ ففي العهد القديم، اعتاد المؤمنون أن يعاتبوا الله. في مز 22، أنشد المرتِّل وردَّد كلامَه يسوع. ونحن أيضًا: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ وامتنعتَ عن نجدتي وسماع أنيني؟ إلهي، في النهار، أدعو فلا تجيب، وفي الليل فلا تحرِّك ساكنًا" (آ2، 3). مع أنَّك القدُّوس. مع أنَّ آباءنا اتَّكلوا عليك، ماذا فعلت؟ وفي مز 38: 10-11: "يا ربّ، أمامك كلُّ رغباتي، ونُواحي لا أخفيه عنك. قلبي خافق، وقوَّتي فارقتني، ونور عينيَّ لم يبقَ معي."

فأين أنت يا ربّ؟ يأتي الجواب: "يسوع صُلب في الضعف" (2 كو 13: 4). لا. لم يكن يسوع ذاك القويّ. فمع أنَّ الناس هزئوا منه، لم يفعل شيئًا. ماذا ينتظر لكي ينزل عن الصليب ويُفحم أعداءه؟ "خلَّص غيره ولم يقدر أن يخلِّص نفسه." (مت 27: 42). هو ابن الله، فلينقذه الله إن كان راضيًا عنه. واللصان أيضًا هزئا به وعيَّراه.

أجل، يسوع ضعيف. والرسول الذي يعمل باسمه ضعيف. لهذا قال بولس: "أنا أفتخر بضعفي، أفتخر بأوهاني." والكنيسة أيضًا ضعيفة. هي مصلوبة مثل معلِّمها. اضطهدوا ربَّها وهم يضطهدونها. قتلوا ربَّها وهم يقتلونها. بل إنَّ الكنيسة التي لا تُضطهد تطرح على نفسها سؤالاً: هل هي أمينة للربّ، أم أنَّها تساير العالم وتساوم على الإنجيل؟ هل تعلَّقت بأصنامها وتركت ربَّها؟

ولكنَّ هذا الضعف يبقى في الظاهر. وفي الحقيقة، "هو قويّ بينكم" (2 كو 13: 3). وإن أنتم رأيتموه يسلِم الروح على الصليب، "فهو الآن حيٌّ بقدرة الله" (آ4). لا شكَّ في أنَّ الكنيسة قاست الاضطهادات على مدى ثلاثة قرون من الزمن، ولا تزال، فيُقتل أبناؤها ويُطرَدون من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة، ولكنَّها عارفة أنَّ "أبواب الجحيم لا تقوى عليها" (مت 16: 18). قوَّات الموت لا تغلبنا. وإن نحن متنا فالموت لا يحتفظ بنا، لأنَّنا نقوم مع المسيح. ولا نكون في موقع الدفاع، بل ننتقل إلى الهجوم. نحن "خراف بين الذئاب"، هذا ما وعدنا به يسوع، ولكنَّه هو من أرسلنا، وقال لنا: أنا غلبتُ العالم.

أجل، بالإيمان يصبح ضعفنا قوَّة، وعارُ الصليب مجدًا لنا، وموتُنا قيامة.

 

                                          الثياب المخضَّبة بالدم

"من هو هذا وابن من هو، المرفوع والمعلَّق على الصليب، وثيابُه مخضَّبة بالدم، يهتفُ إشعيا النبيّ، وأشبه أيضًا العاصرَ الذي، بدم العنب، تخضَّبت ثيابه: إنَّه الكلمةُ الذي من عند الآب، والولدُ المسجود له الذي من مريم، الذي، من أجل خلاصنا، احتملَ آلام الصليب؛ ومثلَ العاصر دخلَ فقتلَ الموت في مكانه، وجعله دوسًا لجميع الدهور."

"جميعُ الأبرار والصدّيقين، بعين النبوءة تلك، شاهدوا عارك وصلبك، يا مخلّص جميع البرايا: شاهدك إشعيا مصبوغةً ثيابُك بالدم مثل العاصر؛ وشاهدك أيضًا داودُ الملك، مثقوبةً يداك ورجلاك؛ وشاهدك يعقوب البارّ على رأس السلّم في العلاء. أيُّها المسيح، يا من صعدتَ إلى الصليب من أجلنا، بصليبك احفظْ نفوسَنا."

"جميعُ الأبرار والأنبياء والآباء شاهدوا عارك بعين النبوءةِ تلك: شاهدك إشعيا مخضوبةً ثيابك بالدم، وتشبِه مثلَ العاصرِ الذي عصرَ العنب، فشرع يسألُكَ: ما لك محمرَّةً ثيابك مثل العاصر، وبدم شخصِك مصبوغةٌ ثيابُك، لأنَّك من أجلنا تنازلتَ. المجدُ لمراحمك، وعلى رأس الخشبة مع الأثمةِ صلبوك."

(البيت غازو المارونيّ، الجزء السادس، ألحان للصليب، 2005، ص 26-27)

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM