آلام إرميا، آلام يسوع

أنبياء حملوا الكلمة بفمهم مثل إشعيا. وآخرون بأعمالهم مثل حزقيال الذي مثَّل حياة شعبه من خلال أعمال قامَ بها. وهوشع جعل من زواجه رمزًا إلى حبِّ الله لشعبه ولغفرانه المتواصل، ولو توالت الخيانات. أمّا إرميا فكانت نبوءته حياته كلَّها التي رافقها العالم من البداية حتَّى النهاية، بحيث يغيب هذا النبيّ في الطريق إلى مصر ولا نعود نرى آثاره. فما معنى رسالته؟ في المدى القريب كانت فاشلة، كما كانت حياة يسوع. فيسوع أنهى حياته على الصليب بين تعيير المعيِّرين والشاتمين ووُضع في القبر. هذا ما استطاع اليهود أن يروا. وبما أنَّ القبر فارغ، فهذا يعني أنَّ التلاميذ سرقوه ليكذبوا على الناس.

وإرميا انتهت حياته في السجن. في بئر موحلة كاد يموت فيها، لو لم يأتِ غريب، من كوش أو بلاد الحبشة، فيتوسَّل إلى الملك ويُصعده من هناك. ولكنَّ نسل إرميا كان كبيرًا بعد موته. فأناشيد عبد الربِّ تأثَّرت به، وكذلك عددٌ من المزامير. فالروحانيَّة التي تركها لبثت حيَّة خصوصًا في وقت الاضطهاد. فقال فيه 2 أخ 25: 25 إنَّه رثى يوشيَّا، ذاك الملك التقيّ الذي مات شابًّا: "اذكر يا ربّ ماذا صار بنا. أشرفْ وانظرْ إلى عارنا... صرنا أيتامًا بلا أب، وأمَّهاتنا كأرامل" (مرا 5: 1-3). أمّا كلام النبيّ، فكان كلام الرجاء من قلب اليأس، فتذكَّره العائدون من المنفى بعد موته (2 أخ 36: 22). ولمَّا كان المكَّابيُّون يلقون الاضطهاد من أنطيوخس، رأى رئيس الكهنة إرميا، فقال عنه: "هذا محبّ الإخوة، المكثر من الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدَّسة، إرميا نبيّ الله" (2 مك 15: 14). لا، ما مات إرميا، بل بقيَ حيًّا. وكذلك القدّيسون. هم أحياء ويعملون كثيرًا في العالم وإن كانوا تركوا العالم.

فإرميا تألَّم كثيرًا. قال حين هدَّده أهل بيته على مثال يسوع بالنسبة إلى أهل الناصرة: "كنت مثل حمل وديع يُساق إلى الذبح" (إر 11: 19). أمّا أعداؤه فقالوا: "ندمِّر الشجرة بثمرها، ونقطعه من أرض الأحياء، فلا يُذكر بعد اسمُه." هكذا أراد اليهود أن يمنعوا الرسل من ذكر اسم يسوع. ولكن قال الرسول: "لاسم يسوع تسجد كلُّ ركبة." وقال النبيّ في 18: 20: "حفروا حفرة لنفسي." ونقرأ ما فعله الكاهن الأعظم فشحور: "ضرب إرميا النبيّ وعلَّقه برجليه ورأسه إلى فوق" (20: 2). "صُلب" هذا النبيّ قبل أن يُصلَب يسوع، وكان له على مثال ما سيكون لبطرس على ما يقول التقليد.

جازوا خير النبيّ بالشرّ. فاختلف كلَّ الاختلاف عن يسوع الذي قال من أعلى صليبه: "اغفر لهم يا أبتِ." أمّا إرميا فطلب الانتقام: "يا ربّ، دعني أرى انتقامك" (11: 20). وفي 18: 21 كان الكلام قاسيًا جدًّا بفم هذا النبيّ: "لذلك (يا ربّ) سلِّم أبناءهم للجوع، وادفعْهم ليدِ السيف، فتصير نساؤهم ثكالى وأرامل..."

 

لا ننسَ. نحن بعد في العهد القديم مع شريعة سنّ بسنّ. أمّا في الإنجيل، فالكلام واضح " لا تقاوموا الشرَّ... ومن ضربك على خدِّك....

في صلب ربّنا (ليل سبت الحاش)

حين وقف وسط آلام الصلب

أمر السماويّين كما السيِّد يأمر.

2815 وإذا كان الصالبون، أبناء الشمال، يسخرون منه

كان يرهب القوّات (السماويَّة) من أجل خدمته.

حين وهبوا له الخلَّ ليشرب في وقت عطشه،

وهب الجنَّة لهذا المصلوب عن يمينه.

حين كان في الوسط بين لصَّين مثل لصٍّ،

2820 وهب الملكوت الذي لا ينقضي للذي اعترف به.

حين قالوا له: "انزل عن الخشبة فنؤمن بك" (مت 27: 41-42)

انتصر إيمانه وكثر حين لم ينزل.

حين عُرِّيَ وأطفئ لكي يموت لأنَّه ذلك حسُن له،

نفخ في سراج العالم فانطفأ في موضعه الرفيع.

2825 صرخ بصوتٍ (عالٍ) وترك روحه في يد أبيه (لو 23: 46)،

فتحرَّكت المخلوقات لتبكي الوحيدَ.

ارتعدت الأرض، اهتزَّت المسكونة، ولولت الصخور

الحجارة تفتَّتت، والجبال دمدمت، والآكام ارتجَّت.

أعمدةُ العالم مالت لتسقط على سكّانه،

2830 فسنَدها المسيح الذي هو قدرة الآب.

يعقوب السروجيّ

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM