عبد الربِّ وعابده صورة عن يسوع الماضي إلى الموت

منذ الآباء اعتادت الكنيسة أن تدعو نبوءة إشعيا الإنجيل الخامس. سواء في الطفولة مع الكلام عن العذراء التي تحبل وتلد ابنًا ويُدعى اسمه عمانوئيل (7: 14) وعن الطفل الذي وُلد لنا والابن الذي أُعطيَ لنا فكان به السلام (9: 5) وعن المنطلق في الرسالة فيحلُّ عليه روح الربّ (61: 1). كلُّ هذه المسيرة تنتهي في الآلام والمجد. هنا نقرأ عند هذا النبيّ أربعة أناشيد اتَّخذت منحى خاصًّا في المسيحيَّة، وهي تصف أحد المتألِّمين، فرأينا نحن عنها صورة بعيدة عن يسوع الذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا، تألَّم ومات وقُبر وقام.

"هوذا عبدي (أي ذاك الملتصق بي) الذي أعضده (42: 1). صفته التواضع والوداعة: "لا يصيح ولا يرفع صوته في الشوارع" (آ2). وفي النشيد الثاني، قال عابد الربّ: "الربُّ دعاني من بطن أمي، من أحشائها ذُكر اسمي" (49: 1). أُرسل مثل "سهم" يصل إلى القلوب. وكلمته سيف حادّ تجرح الإنسان وتشفيه. وفي كلِّ هذا "يتمجَّد" الله، أي يَظهر عملُه في العالم. لا ذاك العمل السطحيّ الذي يشابه ندى الصباح. قال له الربّ: "جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلى أقاصي الأرض" (آ6). أجل يسوع هو خلاص البشريَّة وبدونه لا خلاص. هو ذاك الذي ندعوه: "يا مخلِّص خلِّصنا."

هذا العابد صار تلميذًا يحمل الكلمة إلى التلاميذ (50: 4). أرسله الربُّ فما تراجع. لهذا نال ما سيناله يسوع يوم آلامه: "قدَّمتُ ظهري لمن يضربني، وخدّي لمن يتفل عليه، ووجهي ما سترُته عن التعيير والبصاق (آ6). كيف تصرَّف هذا المتألِّم؟ "جعلتُ وجهي كالصوَّان، وعرفتُ أنَّني لا أُخزى" (آ7).

والذروة عند هذا النبيّ هي النشيد الرابع. جعله الإنجيليُّون أمامهم حين تحدَّثوا عن صلب يسوع، عن آلامه وموته. "لا صورة له ولا جمال بحيث ننظر إليه... محتقر ومخذول من الناس... جُرح لأجل معاصينا، سُحق لأجل آثامنا. بدا مثل نعجة صامتةٍ أمام الذين يجزُّونها. لم يفتح فمه... كحمل يُساق إلى الذبح..." (53: 2ي).

ما الفائدة من كلِّ هذا؟ "جعل نفسه ذبيحة... برَّر الكثيرين وحمل آثامهم... وتشفَّع من أجل البشر الخاطئين...

"بذل نفسه، فرأى نسلاً كبيرًا." هي البشريَّةُ كلُّها التي افتداها. "يَشبع أيَّامًا". تدوم حياته وتدوم. وهو يجلس عن يمين الآب. "يعرفونه على أنَّه البارّ" بعد القيامة، وكلُّ هذا من أجل البشر. هم حصَّته. هم غنيمته بعد أن اشتراهم على ما يقول بطرس الرسول، "لا بفضَّة وذهب بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب، دم المسيح" (1 بط 1: 18-19). مشروع الخلاص قديم. قبل إنشاء العالم، ولا يزال حاضرًا حتَّى المجيء الثاني.

*  *  *

سفر إشعيا (53: 12)

1من صدَّق ما سمعنا به؟ ولمن تجلَّت ذراعُ الربّ؟ 2نما كنبتةٍ أمامه، وكعرقٍ في أرضٍ قاحلةٍ. لا شكلَ له فنَنظرَ إليه، ولا بهاءَ ولا جمالَ فنشتهيَه. 3محتقرٌ منبوذٌ من الناس، وموجَعٌ متمرّسٌ بالحزن. ومثلُ من ُحجَبُ عنه الوجوه نبذناهُ وما اعتبرناه.

4حملَ عاهاتِنا وتحمَّلَ أوجاعَنا، حسبناهُ مصابًا مضروبًا من الله ومنكوبًا 5وهو مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجلِ خطايانا. سلامُنا أعدَّه لنا، وبجراحِه شُفينا.

6كلُّنا كالغنمِ ضلَلنا، مالَ كلُّ واحدٍ إلى طريقه، فألقى عليه الربُّ إثمَنا جميعًا.

7ظُلمَ وهو خاضعٌ وما فتحَ فمه. كان كنعجةٍ تُساقُ إلى الذبح، وكخروفٍ صامتٍ أمام الذين يجُزُّونَه لم يفتَحْ فمَه. 8بالظلم أُخذ وحُكم عليه، ولا أحدَ في جيلِهِ اعترفَ به. انقطعَ من أرضِ الأحياءِ وضُرب لأجل معصيةِ شعبه. 9وُضع مع الأشرار قبرُه ومع الأغنياء لحدُه، مع أنَّه لم يُمارِس العنفَ ولا كان في فمِه غشّ.

10ولكنَّ الربَّ رضيَ أن يسحقَه بالأوجاعِ ويُصعدَه ذبيحةَ إثمٍ، فيرى نسلاً وتطولُ أيَّامُه، وتنجحُ مشيئةُ الربِّ على يده. 11يرى ثمرةَ تعبه ويكونُ راضيًا، وبوداعتِه يُبرِّرُ عبدي الصدّيقُ كثيرينَ من الناسِ ويحملُ خطاياهم.

12لذلك أُعطيهِ نصيبًا مع العظماء وغنيمةً مع الجبابرة. بذلَ للموتِ نفسَه وأُحصيَ مع العصاة، وهو الذي شفعَ فيهم وحملَ خطايا كثيرين.

 

في صلب ربّنا (جمعة الحاش)

فسدَتْ صهيون وعلَّقت ابنَ ربِّها الذي أتى إليها:

2540 علَّقته على الخشبة لأنَّه قال لها إنَّه ابنُ ربِّها (يو 8: 58)

الحمل الحيُّ الإلهيّ وصل إلى المحرقة (الذبيحة)

فقام الصالبون وصاروا له أحبارًا لكي ينحروه.

الفعلة الأشرار ركَّزوا خشبة الصليب على الجلجلة

وجذبوا الحجر (كيفا) رأس البنيان.

2545 صعد الحجر الذي قُطع لا بالأيدي (دا 2: 34)

ليكون لبناء العالم الذي تهدَّم.

المسيح الذي هو الحجر، كدنه الأثمة

واقتادوه وأصعدوه على الخشب البسيط، خشب الصلب.

بين العلى والعمق بسطوه مثل عمود

2550 فقام كجبّار ليحمل ثقل العالم.

مدَّدوا يديه ليُمسك الأقطار ومعابر الأرض،

والخليقةَ كلَّها حملَ بذراعيه نحو والده.

هو بسط يديه كما كُتب: "بسطتُ يديَّ

النهارَ كلَّه نحو المخاصمين وتوسَّلتُ إليهم" (إش 65: 2).

2555 أبناء الثعابين الذين عرفوا ماذا يحتاج الصلب،

أعدُّوا ورتَّبوا على الجلجلة.

المسامير ليديه، الأسافين لرجليه، الرمح لصدره،

المرّ ليأكل، الخلّ ليشرب كما كُتب.

ثقبوا يديه وسمَّروا رجليه ووهبوا له خلاًّ.

2560 وزَّعوا ثيابه ورموا القرعة على لباسه.

يعقوب السروجيّ

 


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM