الفصل الرابع والثلاثون: إنقاذ بطرس من السجن

الفصل الرابع والثلاثون
إنقاذ بطرس من السجن
12: 1- 11
يوليوس أغريبا الأول هو الذي سمّاه لوقا "الملك هيرودس" مثل جده هيرودس الأكبر (توفّي سنة 4 ق. م. كان ملكاً يوم ولادة المسيح: مت 2: 1 ي؛ لو 1: 15). وهكذا يتميّز عن عمه "هيرودس التتراترخس" أي رئيس الربع (مت 14: 1؛ لو 3: 1؛ 9: 7). يسمّى الملك في مر 6: 14، ويمثّل الملوك المتحالفين على الرب في أع 4: 27.
اسمه العادي: هيرودس أنتيباس. هو الذي أمر بقتل يوحنا المعمدان، ولعب دوراً في آلام يسوع. وُلد سنة 10 ق. م.، وأنعم عليه الإمبراطور كاليغولا باللقب الملكي سنة 37، ونال الحكم على اليهودية في كانون الثاني سنة 41. كان حينذاك في رومة، فساعد كلوديوس للوصول إلى عرش الإمبراطورية. كانت سنو حكمه قصيرة جداً، لأنه مات في قيصرية سنة 44 بعد عيد الإمبراطور. أما الحدث المروي في أع 12 فيقع بين ربيع سنة 41 ونهاية شتاء 44.
يشكل ف 12 وحدة. هناك مقدمة قصيرة (آ 1- 15) تصوّر الوضع المتأزم الذي يجد فيه بطرس نفسه بعد أن سجنه هيرودس. وتروي 61- 11 الطريقة التي بها خلّصه الملاك. بعد هذا (آ 12- 17) نجده واصلاً إلى جماعة من المسيحيين. وإذ شدّد الخبر على دهشة المسيحيين، أبرز واقع المعجزة التي تمت وطابعها العجيب. هذا ما يريد أن يدلّ عليه الحكم بالإعدام على الحرس (آ 18- 19). أما نهاية الفصل (آ 20- 23) فتروي موت الملك بطريقة نرى فيها عقاب الله ضد المضطهد.
هناك تقاربات تفرض نفسها: تختلف ظروف إنقاذ بطرس عن الظروف التي فيها تحرّر بولس من سجن فيليبي بطريقة عجائبية (16: 25- 34). ولكن التشابه بارز مع إنقاذ الرسل الذي يرويه ف5 بإيجاز: "ولكن ملاك الرب فتح أبواب السجن في الليل وأخرج الرسل"
(آ 19). وإذ يكتفي ف5 بإيراد الخبر، يقدّم ف 12 عن المعجزة خبراً مفصّلاً ومليئاً بالحياة والنكتة. لن نجد في أي مكان آخر عند لوقا هذه الوفرة في التفاصيل المثيرة: كلمات الملاك لبطرس الذي لم يزل نصف نائم (آ 7- 8). الحوار بين الخادمة رودة والمسيحيين حين كان بطرس يتابع الدق على الباب (آ 13- 16). ليس من شك في أن لوقا يستعمل خبرا سابقاً تكوّن في أورشليم نفسها.
أ- بطرس في السجن (12: 1- 5)
1- في ذلك الوقت
يقع خبر بطرس العجائبي في أع بين لمحة سريعة عن تأسيس كنيسة أنطاكية (11: 19- 35) وبين خبر رحلة بولس الرسولية الأولى (ف 13- 14). وهو يرتبط بصورة أخص بذكر مهمّة ساعدت فيها أنطاكية أورشليم على إثر إعلان مجاعة "حدثت في أيام القيصر كلوديوس" (11: 28). يمكننا أن نظن أن المساعدات حُملت إلى أورشليم ساعة كانت المجاعة على أشدّها، أي 4 سنوات على الأقل بعد موت هيرودس أغريبا، في وقت متأخّر عن الأحداث المروية في ف 13- 14. إذن، يبدو أن لوقا لا يهتم كثيراً بالكرونولوجيا. إنه يقدّم لوحات متتالية عن حياة الكنيسة. ولهذا بدأ خبره بإشارة غامضة جداً: في ذلك الوقت. بعد أن روى بدايات كنيسة أنطاكية، أراد أن يتحدّث عن العلاقات الحسنة بين هذه الكنيسة وأورشليم. فوجد هنا المناسبة ليقحم الخبر الذي هو موضوع حديثنا.
وتقدم لنا آ 3 إشارة أخرى عن زمن الحدث: "وكان ذلك في أيام الفطير" (رج 25: 6؛ لو 22: 1، 7). إذن، نحن في احتفال الفصح الذي يدوم أسبوعاً، وكان اليوم الأول من الفطير (مت 26: 17؛ مر 14: 12) هو اليوم الذي فيه يُذبح حمل الفصح. وهكذا نفهم أن بطرس أوقف خلال الأسبوع الفصحي وجُعل في السجن ليمثل أمام السلطات بعد ذاك الأسبوع. ثم إننا نستطيع القول إنه كما مات يسوع في زمن الفصح، هكذا سيُرسل بطرس إلى الموت (بطريقة رمزية) مثل معلمه قبل أن يقوم (ينجو من السجن الذي يمثّل الموت) على مثال الرب يسوع.
2- الاضطهاد
بدأ "الملك هيرودس"، واسمه يذكّرنا باسم جدّه الشرير، يضطهد بعض أعضاء رجال الكنيسة. الفعل المستعمل هنا: أساء. يذكرنا بمعاملة الفرعون المضطهد لبني إسرائيل في مصر (7: 6، 19؛ رج تك 15: 13؛ خر 1: 11).
وأصاب هذا الاضطهاد ضحيّة شهيرة: يعقوب أخ يوحنا الذي اختاره يسوع مع بطرس ويوحنا ليشهد قيامة ابنة يائيرس (لو 8: 5)، ليشهد تجلّي يسوع (لو 9: 28) ونزاعه في البستان (مر 14: 33). مات يعقوب بالسيف: قد يكون قُطع رأسه على يد هيرودس، أو ضُرب في صدره بأمر من السنهدرين (المحكمة الدينية). كان لوقا قد روى مطولا استشهاد اسطفانس، فاكتفى بسبع كلمات (في اليونانية) ليشير بطريقة عابرة إلى استشهاد أول الرسل الذي ختم شهادته بدمه. نفهم هنا أسلوب الراوي. هو لا يريد أن يتشتّت. بدلاً من أن يحاول أن يروي كل شيء، يركز الانتباه على بعض الأشخاص، ويلقي عليهم ضوءاً كاشفاً. وهو لا يحتفظ من أعمالهم إلا بتلك التي تساعده على إبراز معنى حركة التاريخ الذي يرويه. إذاً، امّحى يعقوب أمام بطرس، ولم يكن هدف ذكر موته إلا ليبيّن الخطر، المحدق برئيس الرسل.
ووُضع بطرس بدوره في السجن. فالمحكمة ستلتئم بعد أيام العيد. وستكون نتيجتها حكم سريع وموت منتظر. بانتظار ذلك، كان أربعة جنود يحرسون بطرس حراسة مشدّدة. رُبط السجين بسلسلة إلى جنديين، وكان الجنديان الآخران يحرسان الأبواب.
ما هو سبب هذا الاضطهاد؟ أراد هيرودس أن يرضي اليهود. وتقول آ 11 إن اليهود كانوا معادين للمسيحيين، شأنهم شأن هيرودس: وظهر هذا العداء خاصة لدى الصادوقيين (كان منهم الكاهن الأعظم) وبعض المتعصّبين الذين سبّبوا موت اسطفانس. حين هاجم هيرودس المسيحيين، أراد أن يعطي عن تعلقه بالديانة اليهودية برهاناً كذبته المعلومات الآتية من خارج أورشليم. هو لا يهتم أبداً بأن يرضي الله. وسيُضرب سريعاً لأنه لم يمجّد الله (آ 23). إذن، هو يتصرف تصرّف ممالقة ليجتذب إليه رضا الناس بواسطة رغباتهم الدينية وتعصبهم. تلك هي الديانة المزيّفة التي تختبئ وراء أسباب دينية لتلاحق أهداف صاحبها: "لو كنت أبحث عن رضا الناس، لما كنت عبداً للمسيح" (غل 1: 10). هذا ما قاله بولس الرسول. وقالت أيضاً: “نتكلم لا لنُرضي الناس بل لنُرضي الله الذي يختبر قلوبنا) (1تس 2: 4؛ رج 1 تس 4: 1؛ كو 1: 10؛ 2 تس 2: 4).
3- صلاة الكنيسة
وإذ كان هيرودس يسعى إلى ممالقة اليهود، التفت المسيحيون إلى الله، وانتظروا منه وحده عوناً بدونه سيُحرمون من رئيسهم.
نلاحظ أولاً اهتمام لوقا بالصلاة. فقد كتب في مقدمة مثَل القاضي الذي أزعجته تلك الأرملة: "يجب المداومة على الصلاة من غير ملل" (لو 18: 1). وهو وحده يبيّن يسوع يصلي حين نالت المعمودية (لو 3: 21) وحين تجلّى على الجبل (لو 9: 28- 29). ويشير وحده إلى يسوع قبل أن يختار الاثني عشر: صعد إلى الجبل يصلي، وقضى هناك ليلته في الصلاة (لو 6: 12). وأورد لوقا وحده ثلاثة أمثاله قالها يسوع عن الصلاة: الصديق الذي يزعج صديقه في الليل (لو 11: 5- 8)، القاضي الذي تزعجه أرملة (لو 18: 1- 8)، الفريسي والعشار (لو 18: 9- 14). وينهي خطبته الأسكاتولوجية بنداء إلى الصلاة: "فاسهروا وصلوا كل حين حتى تقدروا أن تنجوا من كل ما سيحدث، وتقفوا أمام إبن الإنسان" (لو 21: 36).
وأهمية الصلاة واضحة في أع: إن أشخاص الخبر هم منشغلون في الصلاة. فالرسل والمسيحيون يصلون في كل مناسبة. ويشدّد لوقا على "الثبات" الذي يميّز هذه الصلاة (1: 14؛ 2: 42، 46؛ رج روم 12: 12؛ كو 4: 2): تفترض الصلاة مجهوداً، بل عناداً. وسيُعطي الضابط كورنيليوس مثلاً عنها قبل ارتداده: "كان يحسن إلى الشعب بسخاء، ويداوم على الصلاة لله" (10: 2).
والخطر الكبير الذي يهدّد بطرس، يدفع المسيحيين إلى الصلاة. نرى في آ 12 أن جماعة كبيرة التأمت لتقضي في الصلاة الليلة السابقة لمثول الرسول أمام المحكمة: هذا ما يذكرنا بالليلة التي قضاها يسوع في النزاع (لو 22: 39- 46).
ب- الإنقاذ العجيب (12: 6- 11)
1- "أرسل الرب ملاكه"
ظل بطرس كالأخرس، يتصرّف وكأنه في حلم ما دام الملاك هنا. وحين تركه الملاك، تكلّم فأظهر لقارئ الخبر مضمون الحدث الذي عاش تفاصيله. وإن آ 11 بيّنت ما يجب أن يلفت انتباهنا في هذا المقطع. وإننا نقرّبها مما يقال في آ 17: حين دخل بطرس إلى البيت الذي اجتمع فيه المسيحيون المتعجبون "أسكتهم بإشارة من يده وروى لهم كيف أخرجه الرب من السجن". يُنسب إنقاذ بطرس إلى الرب: فهو الذي خلّص الرسول من الملك المضطهد ومن بغض اليهود بواسطة ملاكه.
إذا أردنا أن ندرك بُعد إعلان بطرس هذا، يجب أن نتذكر الكتاب المقدس. فالكلمات المنسوبة إلى الرسول، تشير إلى ما قاله نبوكد نصر عن الفتية الثلاثة الذين رماهم في النار الملتهبة فخرجوا سالمين: "تبارك الله الذي أرسل ملاكه وأنقذ من النار عبيده الذين توكلوا عليه" (دا 3: 95). إن عبارة "أنقذ عن يد" متواترة في التوراة اليونانية. نلاحظ مثلاً كلمات يترو، حمي موسى: "تبارك الرب الذي أنقذ شعبه من يد المصريين ومن يد فرعون" (خر 18: 10) ونذكر أيضاً نشيد زكريا: "تبارك الرب إله إسرائيل لأنه تفقدّ شعبه وافتداه... ليخلصنا من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا... بأن ينقذنا من أعدائنا حتى نعبده غير خائفين" (لو 1: 68، 71، 74). وهناك مز 105: 10 حسب السبعينية: حين عبور البحر الأحمر، أنقذ الله أخصّاءه من يد مبغضيهم، وافتداهم من يد العدو. إن إنقاذ بطرس يدخل في إطار تدخّلات الله في التاريخ: إن الله ينقذ أخصّاءه من يد مضطهديهم. إنه يقود تاريخ الكنيسة، كما كان يقود تاريخ إسرائيل. وهذا التاريخ هو تاريخ خلاص يمنحه الله لعبيده. والشخص الذي يلفت انتباهنا في خبر إنقاذ بطرس، ليس بطرس الذي يبقى منفعلاً (هو لا يفعل شيئاً)، ولا الملك الذي هو المنفّذ، بل الرب الذي يُظهر عنايته لأحبائه.
تدخّل الله فأنقذ بطرس، لا من يد هيرودس فقط، بل "من كل ما كان اليهود ينتظرون". لقد كان على بطرس أن يمثل أمام الشعب (آ 4). هذه العبارة تذكرنا بنص خر 18: 10 حيث يجعل يترو المصريين مع فرعون المضطهد. كما تذكّرنا بنص أع 4: 25- 27 حيث يستقي الرسل صلاتهم من مز 2: 1- 2: قام ملوك الأرض والعظماء، ائتمروا معاً على الرب وعلى مسيحه: يمثّل هيرودس الملوك وبيلاطس البنطي الحكماء. ومعهما الأمم الوثنية وشعب إسرائيل. إن الذين يريد الملك المضطهد أن يرضيهم يُعتبرون مشاركين في هذا الاضطهاد.
2- ما كان بطرس يعرف
حين عاد بطرس إلى نفسه وعى واقع المعجزة والتدّخل الإلهي الذي نَعِم به. أما خلال "تدخل الله"، فما كان يعرف أن الأمر صحيح. ظنّ أنه في حلم. من الواضح في هذه الظروف أنه لم يكن له دور فاعل في الإنقاذ. إن النص يشدّد على فعل الله فيه. أنقذ الله بطرس من السجن (ورمزياً من الموت)، كما أنقذ يسوع وأقامه من بين الأموات.
كان بطرس ينام رغم الوضع الخطير الذي كان فيه (إنه نوم الموت). هذا الموقف يتعارض مع موقف بولس وسيلا في فيليبي: حين تمت المعجزة التي فتحت أبواب السجن "كانا يصلّيان ويسبّحان الله" (16: 25). في أورشليم، كانت الكنيسة تصلّي بحرارة. أما بطرس فكان نائماً.
وجاء الملاك فجأة "فسطع النور في داخل السجن" (آ 7). هذا يدلّ على أننا بحضور كائن سماوي، كائن يشارك الله في مجده. استنار السجن، ولكن بطرس لم يستيقظ. حينئذ ضربه الملاك على جنبه، وأمره أن يقوم سريعاً: "شدّ حزامك، أربط نعليك، إلبس ثوبك واتبعني". فعلَ بطرس ما أمر به وكأنه في حلم. اجتاز الحرس الأول والحرس الثاني، انفتح الباب الحديدي... واختفى الملاك. حينئذ عاد بطرس إلى نفسه. "الآن تأكّد لي أن الرب أرسل ملاكه".
3- إنقاذ فصحي
نحن هنا في إطار الفصح. هكذا يربط النص سجن بطرس بأيام الفطير والفصح. ثم نلاحظ أن التقليد اليهودي يجعل إنقاذ الفتية الثلاثة في ليلة فصحية. نقرأ في مدراش عن ليلة الخروج من مصر (خر 12: 42): "ما معنى ليلة سهر؟ هي ليلة يصنع الله فيها العظائم في سبيل الأبرار كما صنع لبني إسرائيل في مصر. ففي تلك الليلة نجّى حزقيا، وحنانيا ورفيقيه، ودانيال من جب الأسود. في تلك الليلة سيبيّن المسيح وإيليا قوتهما".
الليلة الفصحية هي ليلة النجاة. وهي أيضاً ليلة التهليل، ليلة الأناشيد التي تذكر الشعب بخلاصه. قال الرابانيون الذين جاؤوا بعد دمار الهيكل (70 ب. م): أنشد يشوع التهليل خلال المعركة ضد الملوك الكنعانيين الخمسة، وأنشدت دبورة وباراق وقت المعركة مع سيسرا، وحزقيا حين حاصر سنحاريب أورشليم، والفتية الثلاثة في أتون النار، وأستير ومردخاي حين كان هامان يخطط لقتل اليهود. فإذا كان التهليل الفصحي يشكّل صلاة المتضايقين، فالخلاص الذي يُمنح لهم هو خلاص فصحي. هو خلاص تم ليلة الفصح (سفر أستير هو كتاب فصحي). ليلة الفصح هي الوقت المميّز لتدخّلات الله من أجل أخصّائه، حتى ينجّيهم من مضطهديهم. وسيتكيف لاهوت الليلة الفصحية مع الأحداث. يضمّون في تلك الليلة عينها الخروج من مصر ومقتل الأبكار وعبور البحر الأحمر ونشيد المخلّصين، دون أن يحسبوا حساب الفترة التي تفصل هذه الأحداث بعضها عن بعض.
إن هذه التقاليد اليهودية تلقي على خبرنا نوراً لا يجب أن نهمله. سُجن بطرس خلال الاحتفال بالفصح، "في أيام الفطير" (آ 3). وتمّ إنقاذه العجائبي في تلك الليلة عينها (آ 6) أي في آخر ليلة من ليالي الاحتفالات الفصحية، في الليلة التي تسبق مثول بطرس بعد الفصح (آ4). فالعبارة "في هذه الليلة عينها" تشير إلى ليلة الفصح حسب سفر الخروج (12: 8، 12، 42). وسيتخيّل المؤمنون في القرن الثاني أن بطرس أنقذ خلال ليلة الفصح (رغم ما يقول أع). نحن نقرأ في رسالة الرسل وهو مؤلّف أربع عشري (يعيّدون الفصح في 14 نيسان) يعود إلى منتصف القرن الثاني ويدخل في "وصية ربنا يسوع المسيح في الجليل": "أما أنتم، فتذكروا موتي أي الفصح. فواحد منكم. واحد من الذين يقفون لدي، سيُسجن من أجل أسمي. سيحزن جداً ويكتئب لأنه في السجن وأنتم تحتفلون بالفصح. سيحزن لأنه لن يقدر أن يحتفل بالفصح معكم، ولكني أرسل قدرتي بشكل ملاك فتنفتح أبواب السجن ويأتي إليكم فيسهر ويرتاح معكم. وبعد أن يصيح الديك، ويكون قد أكمل سر محبتي وتذكاري، يأخذونه من جديد ويرمونه في السجن للشهادة إلى أن يخرج للكرازة كما أوصيتكم".
وهكذا يُعطى معنى جديد للجماعة المسيحية التي التأمت لتمضي الليلة في الصلاة (آ12). لم تعد القضية أن يصلّوا من أجل بطرس، بل أن يحتفلوا بالسهرة الفصحية.
ويساعدنا خر 12: 11- 12 على تقاربات أخرى: "وهكذا تأكلونه (الحمل الفصحي): تكون أحقاؤكم مشدودة، ونعالكم في أرجلكم، وعصيكم في أيديكم. وكُلوه بعجلة. إنه فصح الرب. وأنا أجتاز في أرض المصريين في تلك الليلة عينها". وعلى بطرس أن يضع حزامه ويجعل نعليه في رجليه. عليه أن يُسرع. كل هذا يدل على موقف بني إسرائيل في وقت الخلاص الفصحي وخلال تذكّر هذا الخلاص (رج لو 12: 35: "لتكن أوساطكم مشدودة ومصابيحكم موقدة"). هذا هو موقف السهر الخاص بالليلة الفصحية.
4- خاتمة.
إن إنقاذ بطرس هو عمل الرب. ما يلاحظه بطرس حين يعود إلى نفسه هو تشديد الخبر على طاعة الرسول. فساعة المعجزة وحين كانت الكنيسة تصلي، كان هو غارقاً في سبات عميق. على الملاك أن يقوله له ما يجب عليه أن يعمل، هو يطيع وكأنه في حلم. أتم الملاك مهمّته واختفى. أما الفاعل الحقيقي فهو الرب. لقد أراد خبر الإنقاذ العجائبي هذا أن يحتفظ بذكر تدخل إلهي خاص في أيام الكنيسة الأولى.
كانت المعجزة لخير بطرس، بل لخير الكنيسة. لأنهّا هي التي يلاحقها الاضطهاد، وهي الغارقة في قلق تصلي بحرارة. الكنيسة تنادي الله، والله يردّ لها رئيسها.
تأتي المعجزة في مناخ فصحي. لقد تدخل الله من أجل رسوله، كما تدخل في الماضي من أجل شعبه. لقد صارت الكنيسة الشعب المختار الذي يعينه الله في ضيقه لينجّيه من أعدائه ويمنحه الخلاص. لقد خلّص الله رسوله، كما خلّص مسيحه من الموت فلم يترك الفساد ينال منه.
أجل إننا نجد في سجن بطرس وإنقاذه العناصر الرئيسية في خبر آلام يسوع وقيامته: وهكذا يعيش التلميذ الأوقات المهمة من حياة يسوع بطريقة رمزية. أوقف المسيح على أيام هيرودس، وبطرس أيضاً. كان بطرس في السجن بين الجنود، ويسوع في القبر بين الجنود (يو 18: 12؛ مت 27: 66). عرف بطرس رقاد النوم في السجن، والمسيح رقاد الموت في القبر. وكما ظهر الملاك وقت القيامة (مت 28: 2- 3)، سيظهر ليحرّر بطرس. تحرّر بطرس فأعلنت امرأة إنقاذه على أعضاء الجماعة. هكذا بشرّت النسوة بقيامة المسيح (مت 28: 7- 8). شكّ الأخوة بكلام الخادمة، كما شك الرسل بكلام النسوة (لو 24: 11؛ مر 16: 10- 11). وحين وقف بطرس بينهم لم يصدّقوا (رج لو 24: 37؛ مت 28: 17). وفي النهاية لن يبقى بطرس، كما لن يبقى يسوع وسط أصدقائه. "ذهب بطرس إلى مكان آخر" (آ17). وكذلك فعل يسوع.
لقد جعل لوقا من حدث حصل في حياة بطرس تذكيراً بآلام يسوع وموته وقيامته. عاش بطرس كل هذا، ولكن بطريقة رمزية. لهذا نفهم أن يكون أع الذي كتب بعد استشهاد بطرس لم يقل كلمة عن موته. فهدف الكاتب هو أن يفهمنا أن بطرس حي وأن الجماعة المسيحية لا تزال تعيش من كلمته ومن عمله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM