الفصل الرابع والستّون : اعتراف بالخطايا وتوسُّل إلى الله

الفصل الرابع والستّون

اعتراف بالخطايا وتوسُّل إلى الله

بعد أن تذكَّر المؤمنون ألطاف الله في الماضي وأرسلوا التوسُّل إليه، راحوا يقرّون بخطاياهم ويطلقون توسُّلاً جديدًا. في آ1-3، نتعرَّف إلى مجيء الربِّ من السماء إلى الأرض مع رموز العاصفة والنار وزلزلة الجبال. في آ4-6، يرى المؤمنون غضب الله فيفهمون أنَّهم خطأة يحتاجون بعض الوقت لكي يعودوا إلى الربّ. ثمَّ يعودون إلى التوسُّل في آ7-11 ويدلّون على ضعفهم وعطوبتهم. فمتى يا ربّ تلتفت إلى شعبك؟

64: 1-3 مجيء الربّ

جاء هذا الفعل مرتبطًا بالفعل الذي سبقه، وكأنَّ الجملة انقسمت قسمين. في 63: 19 نقرأ: "ليتك تشقُّ السماوات وتنزل! من وجهك تزلزلت الجبال". وتتواصل الجملة في 64: 1: "كقدح نهار الهشيم". هم يرون الله آتيًا للقاء العالم بشكل منظور، ساطع. هكذا أنشدت دبّورة: "الأرض ارتعدت، السماء قطرت... الجبال تزلزلت... حين خروج الربِّ من سعير" (قض 5: 4-5). ويرافق الربَّ في هذه الانطلاقة عاصفةٌ تهزُّ الجبال، ونار تحرق الأرض، كما تجعل "المياه تغلي".

أمام هذه القدرة المحتدَّة، المرعبة، تتحرَّك الأمم وتعرف اسم الله: يقف في وجه الأعداء لكي يحمل الخلاص. فمنذ الخروج ومسيرة البرِّيَّة، وما حصل في الأجيال اللاحقة، صار اسم الربِّ معروفًا، كما لم يُعرَف اسم إله من الآلهة، ومع ذلك، ما زال الناس يبحثون عن مخلِّص غير المخلِّص الحقيقيّ لأنَّ لفظ "إيل"، الله، يعني القدرة الفاعلة.

64: 4-6 بين البارّ والخاطئ

ماذا تصنع الأصنام للمتعلِّقين بها؟ هل تأتي إلى لقائهم لكي تعزِّيهم وتشجِّعهم؟ الربُّ وحده يأتي إلى ذاك الذي يفرح حين يمارس البرّ، ذاك الذي يسير في طرق البرّ فيتذكَّر الله. فحين نطلب الله، نسير في الطرق التي يرسمها لنا (63: 17). وإن "سخط" فلأنَّ أبناءه أضاعوا الطريق، تاهوا، مالوا عن وصايا الربّ. لماذا نبحث عن طريق لم يعرفها الآباء؟ هم ساروا حيث دعوتهم، فكان لهم الخلاص. هكذا كان إبراهيم الذي سمع الربَّ يقول له: "سر أمامي وكن كاملاً" (تك 17: 1). ويعقوب الذي سمع وصايا والديه وابتعد عن العالم الوثنيّ حين أراد أن يأخذ له زوجة (تك 28: 7-8).

ولكنَّ الشعب ترك طريق الربّ. وها هو يصوِّر نجاسته بأربعة تشابيه: النجاسة، ثياب امرأة في طمثها. فكيف يحقُّ لنا الاقتراب منك؟ ثمَّ كانت صورة الورق الذي يحمله الريح، والريح هنا هي الذنوب والآثام. ونلاحظ لفظ "كلّ". لا يستطيع أحد أن يجعل نفسه خارج الجماعة الخاطئة. في وقت الطوفان، كان نوح. أمّا هنا فلا أحد. في البرِّيَّة، بان الشعب خاطئًا بحيث استحقَّ أن يفنى في البرِّيَّة، لا موسى الذي أراد الربُّ أن ينطلق منه من أجل شعب جديد آخر (32: 10). أمّا هنا فلا من يتشفَّع لأنَّ الجميع أضلّوا الطريق: ما من أحد (ا ي ن) يدعو اسم الربّ. إذا يدعو اسم الآلهة ومن يمثِّل هؤلاء الآلهة على الأرض. ما من أحد "يستيقظ"، "يتنبَّه" أنَّ الله هو هنا، وهو القدير الذي نتمسَّك به وهو يشدِّدنا (ح ز ق). غُصْنا في الخطايا "فاختفى" وجه الله، عمينا في الظلمة التي جعلناها حولنا، فنلنا التأديب الذي نستحقّ لكي نعود. الشرّ أضعفنا، فهل نستطيع أن نتوب ونرجع إليك؟"

64: 7-11 والآن يا ربّ

لهذا كانت الصلاة نرفعها إلى الآب السماويّ. هو جعلنا أبناءه وبناته، وهذا شرف كبير لنا. ولكنَّه يعرفنا كما لا يعرفنا أحد. "نحن الطين". بالخطيئة نصبح كالوحل فلا يكون لنا ثبات. ولكن حين يجبلنا الله بيده، حين يعمل منّا إناء لخدمته، تتبدَّل الأمور. الله أبونا. هي المرَّة الثالثة نتوجَّه إليه. مرَّة هنا، ومرَّتين في 63: 16: شقاء الإنسان في حياته اليوميَّة، ثمَّ حين تسيطر عليه الخطيئة، فيبدو مثل الغريق الذي يحتاج إلى يد الربِّ لكي تنتشله.

ويأتي الطلب: لا تسخط، لا تذكر الإثم. هناك سخط وسخط. السخط الكبير يحطِّم الإنسان. لهذا يقول المؤمن للربّ: لا توبِّخني وأنت ساخط (محتدّ)، ولا تؤدِّبني وأنت مغتاظ (غير هادئ) عندئذٍ تشبُّ فيَّ سهامك وتنزل عليَّ يدك (مز 38: 1-2) فلا يبقى أمامي سوى الموت. والتذكُّر يدوم طويلاً أو قصيرًا. فإن قصُر نلتُ الغفران سريعًا. أمّا إذا امتدَّ "إلى الأبد" فلا يكون لنا سوى الهلاك.

الربُّ سترَ وجهه، كما ظنَّ المؤمنون، وكأنَّه لا يرانا. لهذا توسَّلوا: انظر. ألا تعرفنا؟ نحن شعبك. كلُّنا شعبك. أنت اجبُلنا من جديد لكي نكون كما تريدنا. وتصوَّر الحالةُ التي يعرفها المنفيّون العائدون إلى الأرض: "م د ب ر"، برِّيّة، صحراء. ترد مرَّتين. ثمَّ "ش م و ه"، قفر. تلك هي المدن المقدَّسة، صهيون، أورشليم. أتريدنا أن نسكن فيها؟ والهيكل احترق. هناك أنشد لك آباؤنا وسبَّحوا وهللَّوا. ونحن أين نمدحك؟ ما استطعت أن تدافع عن مدينتك وهيكلك! ولكن ألا تساعد على إعادة البناء؟ ومع البرِّيَّة والقفر، كانت لفظة ثالثة: "ح ر ب"، خراب كلّ ما أحببناه وتعلَّقنا به. أتريد أن ترجعنا إلى البرِّيَّة كما كان آباؤنا مع موسى؟

صوَّر المؤمن الوضع وطرح السؤال. بل ثلاثة أسئلة على الربّ. الأوَّل، إلى متى تصبر؟ أمّا نحن فلا نستطيع. لا نستطيع بعد أن نحتمل. الثاني، هل تبقى صامتًا فلا تتكلَّم ولا تفعل شيئًا؟ أتريد إذًا أن نمضي إلى الأصنام؟ والسؤال الثالث، إلى متى "تعنّينا"، تذلُّنا؟ لا شكَّ في أنَّنا خطئنا ونستحقُّ كلَّ هذا العقاب. فإلى متى تريد أن تحطِّمنا؟ هنا نفهم نفسيَّة الذين يحاولون بناء الهيكل والمدينة بعد كارثة 587 ق.م. ولكنَّ الربَّ لا يترك شعبه. لهذا جاء من يبني الهيكل حوالى سنة 515 ق.م.، ويبني المدينة في منتصف القرن الخامس. أمّا البناء الحقيقيّ الذي يتطلَّب الوقت الطويل، فهو بناء الإنسان وإفهامه أنَّ الله يريد قلوبًا كبيرة، مؤمنة، مضحِّية لا تخاف الصعاب. من أجل هذا أرسل الربُّ "عابده" وجعل عليه روحه، كما قرأنا في 61: 1ي. وما لم يستطع أن يفعله "عبد يهوه" أتمَّه "عابد" الله الحقيقيّ يسوع المسيح.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM