الفصل السادس والثلاثون نظرات الى الثورة المكابيّة

الفصل السادس والثلاثون

نظرات الى الثورة المكابيّة

سنوات الثورة المكابية هي سنوات حاسمة لإيمان الشعب اليهودي وحياته. وتعدّدت الجهود لفهم ما يريده الله من مؤمنيه. وقد وصلت إلينا عن هذه التأملات خمسة تعابير، خمسة كتب، تدلّ على مختلف تيارات العالم اليهودي، وعلى تنوّع الظروف الإجتماعية والسياسية والدينية. تكشف لنا هذه الكتب كيف فهم أناس اختلف موقعهم الحدث عينه. وتساعدنا على أن نفهم أن التوراة هي في الوقت عينه عمل الله الذي يحدّث الإنسان في قلبه، وعمل البشر الذين لا يستطيعون أن يفهموا كل شيء دفعة واحدة، فيعودون إلى معرفة الله وعمله ليتعمّقوا فيهما. وتفرض علينا هذه الكتب أن نعرف أن البحث عن الله لا يتمّ فقط بصورة فردية، بل داخل جماعة، بل في مقابلة مع ما يقوله شعوب آخرون.
إذن، نتوقّف عند هذه "القراءات" الخمس لحدث واحد هو الثورة المكابية.

أ- دانيال
1- فلسطين سنة 164 ق. م.
بدأ شعب يهوذا يرفع رأسه رغم مواجهته مع جيوش أنطيوخس الرابع أبيفانيوس. فقد دخل يهوذا المكابي إلى أورشليم على رأس المتشيّعين له. وقد يكون طهّر الهيكل من كل نجاسة وثنيّة (1 مك 4: 36- 59). ربح معركة، ولكنه لم يربح الحرب. فجيوش الاعداء تحتل قسماً كبيراً من الأرض. لهذا جاء سفر دانيال يشجّع الشعب في هذه الأيام العصيبة.

2- تصميم الكتاب
اولاً: أقسام الكتاب
* 1: 1- 6: 29: أخبار ستة تروي مغامرات دانيال ورفاقه في مقر نبوكد نصر.
* 7: 1- 12: 13: أربع رؤى مُنحت لدانيال وحده. إنها تعلن دمار الممالك الشريرة.
* 13: 1- 14: 42: أخبار ثلاثة تعني دانيال صفيّ الله.

ثانياً: ثلاث لغات في سفر دانيال
* ف 2- 7: دوّنت في الأرامية لغة الشرق الأوسط الدولية في ذاك الزمان.
* ف 1؛ 7- 12: دونت في العبرية، اللغة الأدبية لدى اليهود.
* ف 13- 14 والصلاة في ف 3: دوّنت في اليونانية. غابت عن توراة اليهود، ولكنها وجدت مكانها في التوراة اليونانية، في السبعينية.

ثالثاً: عناصر الكتاب
* ف 2- 7: دوّنت قبل الحقبة المكابية. إستعاد الكاتب أخباراً تقليدية تدلّ على تفوّق إله إسرائيل على سائر الالهة. تعود هذه الأخبار إلى أوساط يهودية بابلونية.
* ف 8- 12: خلال الثورة المكابية، أعاد مؤمن من أورشليم قراءة هذه الفصول (2- 7). ووضع عليها بعض اللمسات. ثم زاد في العبرية ف 8- 12. كما ألّف ف 4 وجعله مقدّمة الكتاب.
* حوالي سنة 100، زاد مترجم يوناني ف 13- 14، عائداً إلى تقاليد أخرى تعود إلى أوساط هلينية تأملت في سفر دانيال.

3- أخبار تقوية
ينتمي القسم الأول (ف 1- 6) والقسم الثالث (ف 13- 14) إلى فن الأخبار التقوية. تفهمنا هذه الأخبار أننا لا نستطيع أن نخلط ديانة إله إسرائيل مع ممارسات الأمم الوثنية. ففي المحن والاضطهادات يخلّص الله أولئك الذين يحفظون الشريعة ويرضون بأن يموتوا لئلاّ ينكروا الإله الواحد (ف 3، 6). إنه سيّد الكون وهو يعرف أسراره كلّها (2: 20- 23)، كما يعرف مصير الملوك (4: 16- 24؛ 5: 18- 30) بحيث يفرض على الملوك الوثنيين أن يعترفوا به (2: 47؛ 3: 95- 96).
تبدو الأخبار وكأنها تجري في بابلونية، خلال الحقبة الكلدائية والفارسية. قد يكون هذا هو المحيط الذي وُلدت فيه. ولكن الكاتب جعلها في إطار مختلف، ساعة أرادت الحضارة الهلنستية أن تخنق الإيمان اليهودي (1: 8- 21؛ 3: 8- 12؛ 6: 6- 10). فهناك تفاصيل تلمح إلى الوضع الجديد وإلى العالم اليوناني: تصوير الممالك الهلنستية (2: 40- 44). الشريعة التي تفرض تقديم الذبائح للاصنام (3: 1- 7؛ رج 1 مك 1: 62- 63). كان الفرس متسامحين فلم يفرضوا مثل هذه الشريعة على أحد.
الاسلوب الذي استعمل لتأوين هذه الأخبار القديمة هو "مدراش. بهذه الطريقة ندرس نصّ العهد القديم. ونحاول أن نكتشف فيه كلمة تعليم لنا اليوم. في هذا المعنى تعتبر الكتب المدوّنة بعد المنفى "مدارش".

4- فن جلياني
يعود القسم الثاني من الكتاب (ف 7- 12) إلى الفن الجلياني. الجليان أو الرؤيا هو كشف للمعنى. لم نعد أمام أخبار، بل أمام سلسلة من رؤى رآها دانيال وحده. وقد لمّح الكاتب إلى موضوعها منذ ف 2.

أولاً: موضوع هذه الفصول
* ف 7: رؤية الحيوانات الأربعة. نجد هنا خبر سقوط ممالك بابل وماداي وفارس ويونان.
* ف 8: رؤية الكبش والتيس. نجد تفسيرها في آ 19- 26.
* ف 9: ينتقل الكاتب إلى أسلوب آخر يجد فيه تفسيراً لنبوءة إرميا (25: 11- 14). وهكذا يفهم التاريخ الحالي (نحن هنا أمام مدراش).
* ف 10- 12. هذه هي الرؤية العظيمة والأخيرة، وأوضح الرؤى. وهي تقودنا إلى موت انطيوخس ابيفانيوس وانتصار الأبرار الذين ينجون حتى من الموت.
إن هذه الرؤى الأربع تستعيد الأحداث التاريخية منذ زمن المنفى. ولكن أسلوبها ملغز كما في أيام الحرب. لهذا يفهمها بنو يهودا ولا يفهمها مضطهدوهم. ونجد حلّ اللغز في 8: 20- 21 مع أسماء الممالك المعادية.

ثانياً: عناصر كتب الرؤيا
* تستند الرؤيا إلى أحداث حالية خطيرة (إضطهاد، ثورة)، أحداث حاسمة بالنسبة إلى الشعب.
* تروي الرؤيا هذه الأحداث وكأن الله أوحى بها منذ زمن بعيد لأحد أصفيائه، أحد رجال الله.
* تروي الرؤيا هذه الأحداث فتلجأ إلى الصور العديدة: ترمز الحيوانات إلى الشر، والقرن إلى القوة، والنار إلى حكم الله ودينونته. والأرقام الرمزية لها معناها: يدل 7 على الكمال و5 و3 (نصف 7) على الفشل.
* تصوّر الرؤيا تاريخ الكون الذي يوجّهه الله.
* تصوّر الرؤيا التاريخ على أنه نبوءة تفهم القارىء أن ما يراه اليوم (سقوط الممالك) قد أعدّه الله مسبقاً. فالتاريخ ليس سراً بالنسبة إلى الله الذي يستطيع أن يكشف هذا السر لمن يشاء. في هذا المعنى، أعلن الله لدانيال ما سيحدث في المستقبل.
* تشرح الرؤيا أن ما يحصل اليوم هو صورة لما سيفعله الله: كل شيء ينتهي بدينونة ينتصر فيها الأبرار ويزول الأشرار (12: 1- 13).
* تدوّن الرؤيا لتشجّع المؤمنين الذين يعيشون اليوم أيام الضيق.

5- كاتب سفر دانيال
يتقابل سفر دانيال مع أسفار أخرى ليعطي تفسيراً مختلفاً لثورة المكابيين. ليس هو محارباً. إنه عضو في جماعة "حسيديم" (الأتقياء). تحملّ معهم ضيق الاضطهاد ولم يحارب اليونانيين. هو لا يعتقد أن البشر يستطيعون بسلاحهم أن يجذدوا الأرض. مثل هذا الاعتقاد يدلّ على عدم ثقة بالله القدير (2: 45)، سيد التاريخ والأمم (4: 31- 32). في هذه الظروف، يفضّل المؤمن أن ينتظر (12: 12)، أن يكون مستعداً للحدث من أن يتجاوز الشريعة وهو عارف أنه سينال الجزاء الأبدي حين قيامة الأبرار (12: 1- 13).
إختلف كتّاب الرؤى عن الأنبياء، فشجّعوا الناس دون أن يدعوهم الى التوبة. هم يتوجّهون فقط إلى الذين هم أبرار.
ماذا نجد في سفر دانيال؟ تعليم رجاء بإله هو إله جميع البشر، وهو يوجّه كل شيء لخلاص أحبائه حتى عبر الموت. فدانيال هو شاهد لتقدّم حاسم في الإيمان اليهودي: إنه يؤكّد أن الله يقيم الأبرار، وأن الذين تألموا على هذه الأرض يجدون فيما بعد المكافأة الصالحة (12: 2- 3).
فسّر دانيال تفسيراً دينياً تاريخ الكون معتبراً إياه موضوع صراع بين الله والشر، وأكّد على إنتصار الخير، فأعطى المسيحانية انطلاقة جديدة. وسيأتي بعده أناس تغذّوا من كتابه، فيرَون في يسوع "ابن الانسان" (ف 7) الذي يتم مواعيد الله. نحن هنا على ملتقى بين إنتظار حركة الأنبياء ومجيء المسيح مخلّص العالم.

ب- استير
سفر أستير هو قصة. في الوسط نجد فتاة يهودية اسمها أستير. إختارها الملك الفارسي أحشويرش لتكون ملكة. ولكنها ظلّت متضامنة مع شعبها. وبفضل شجاعتها وحظوتها لدى الملك، فشّلت مشروع إفناء اليهود كما نواه الوزير الأول هامان (3: 6). ومقابل هذا، سيحصل اليهود على إذن من الملك بالإنتقام من أعدائهم. واتخذ مردخاي، عم أستير، مكان هامان (8: 1- 2) ونظّم لليهود عيد الفوريم (أو: القرعة، المصائر) ليتذكروا يوم الانتقام.
دوّن الكتاب في العبرية، في شوش، عاصمة ملوك الفرس. دوّن ولا شك في نهاية ثورة المكابيين. فجوّ الانتصار والانتقام الذي يخلقه يوافق الزمن الذي تبع إنتصار المكابي (9: 2). وطبع هامان وما يتهم به اليهود، يذكّرنا بتصرف أنطيوخس ابيفانيوس لا بتصرف ملوك الفرس (3: 8- 9). إذن سفر استير هو مدراش يستعيد أخباراً قديمة ليقدّم تعليماً لقرّاء عصره.
أول تعليم في أس هو تعلم عن الرجاء: رأى الشعب المضايق نهاية ضيقه، وها هو إنتصار البر والأبرار. والتعليم الثاني هو تعليم عن التضامن. ظلّت استير متضامنة مع شعبها رغم صعودها الاجتماعي المدهش. هذا ما ذكّرها به عمّها مردخاي: "لا تظني أنك تنجين من بين جميع اليهود لأنك في بيت الملك" (4: 13).
لا يذكر أس أبداً اسم إله إسرائيل. ربّما هو يلمّح إليه في 4: 14. كتاب يكاد يكون دينياً، قد تردّد كثيرون في إدخاله بين أسفار التوراة. ولم نجد له أثراً في مكتبة الاسيانيين في قمران.
وجاء المترجم اليوناني بعد سنوات فزاد بعض الملحقات (ترد في الترجمة العربية بترقيم أبجدي: أ، ب، ج) جُعلت داخل النص أو مع الأسفار القانونية الثانية (التي وصلتنا في اللغة اليونانية). بعض هذه المقاطع يوافق الحضارة الهلنستية مثل حلم مردخاي (أ: 1- 17) والوثائق "الرسمية" (ب؛ ه). وهناك زيادات أخرى كالصلوات (ج) تعطي الخبر طابعاً دينياً لم يكن له في النص العبري. وهكذا تعرّف ارتحششتا الملك إلى إله اليهود. ان سفر أستير اليوناني يبدو متكاملاً، ويعرف شمولية لم يعرفها النص العبري. لقد كانت هذه الترجمة من أجل خدمة اليهود العائشين في العالم الهلنستي فاعطت الكتاب وجهه الديني الذي يجعله جديراً بأن يأخذ مكانه بين الأسفار المقدّسة.

ج- يهوديت
كانت اليهودية واحدة من الدويلات العديدة التي تمرّدت على الملك "الأشوري" نبوكد نصر. فأرسل اليفانا قائده في حملة انتقامية ضد هذه الدول، وحاصر مدينة بيت فلوى، آخر حصن قبل أورشليم. وجد بنو إسرائيل نفوسهم أمام وضع يائس، ووضعوا شروطاً على الله. أما يهوديت فدخلت بالحيلة إلى المخيّم الأشوري. وسحرت بجمالها اليفانا ثم قطعت رأسه. حينئذ خرج الشعب من المدينة وسحق العدو. ثم أنشدوا الرب القدير الذي هزم كل هذه الجيوش "بيد امرأة" (16: 5) ضعيفة، بيد أرملة.
هذا هو الخبر وهو مليء بالأمور عير المعقولة. أين تقع مدينة "بيت فلوى"؟ ومتى كان نبوكد نصّر ملكاً أشورياً؟ لا واقع تاريخياً نعرفه وراء الخبر. إذن، نحن أمام مدراش. إستعاد الكاتب أخباراً قديمة وأوّنها. ولمّح (مثل دانيال واستير) إلى الملك انطيوخس الرابع (3: 7- 8؛ 9: 8). دوّن الكتاب في العبرية أو الارامية حوالي سنة 145. ضاع الأصل وبقيت لنا الترجمة اليونانية التي لم تدخل في القانون (لائحة الكتب الملهمة) اليهودي.
أراد الكاتب أن يؤكّد أن الله يحمي شعبه من أعدائه. ويهوديت (اليهودية. كما نقول: مسيحية) تمثّل الشعب كله الذي هو صغير بين الأمم ولكنّه ينتصر بقدرة الله.
يختلفط يه عن سائر الكتب. فالله لا يتدخّل بشكل عجائبي. يده تعمل بقوّة امرأة تؤمن وتثق به. تمّ العمل في السامرة، مع أن أهل يهوذا انفصلوا عنها. ونال الخلاص شخص وثني هو أحيور الضابط العموني في جيش اليفانا (6: 20- 21). كل هذا يدلّ على أننا لسنا في إطار وطني ضيق كما في سفر استير. فإله يهوديت هو أكبر من أن يعرفه الانسان (8: 14) أو يقدّم له تقدمة (16: 16). فالصورة التي نجدها في يه عن شخصه وعمله تبدو جدّ قريبة منا.

د- سفرا المكابيين
احتفظت لنا التوراة بكتابين تاريخيين عن الثورة ضد الملك انطيوخس الرابع ابيفانيوس، وعن ولادة حكم "مستقل" في اليهودية.

1- سفر المكابيين الثاني
ليس 2 مك امتداداً لسفر المكابيين الاول الذي كُتب قبله (سنة 124 ق. م.) وغطى حقبة تمتد من 180 إلى 160، أي قبل موت يهوذا المكابي بقليل.
يبدو الكتاب ملخصاً في اللغة اليونانية لكتاب يوناني آخر ألّفه في خمسة أجزاء ياسون القيريني.

أولاً: تصميم الكتاب
* 1: 1- 2: 18: أرسلت رسالتان إلى يهود مصر تدعوانهم للاحتفال بعيد تطهير الهيكل أو عيد التدشين (في العبرية: حنوكه).
* 2: 19- 32: مقدّمة الكتاب.
* 3: 8- 40: نحن في أيام سلوقس الرابع ملك انطاكية. حاول مبعوثه هليودورس ان يضع يده على كنوز الهيكل فعاقبه الله.
* 4: 1- 10: 8: نحن في أيام انطيوخس الرابع ابيفانيوس الذي فرض الحضارة الهلينية: اضطهاد، شهداء، ثورة، وتطهير الهيكل.
* 10: 9- 13: 26: نحن في أيام انطوخس الخامس. تأرجح بين الحرب والسلام.
* 14: 1- 15: 36: نحن في أيام ديمتريوس الأول. إنتصار يهوذا الأخير ضد "الجماعات الهلينية" المتحلّقة حول ألكيمس الكاهن الأعظم ونكانور القائد الانطاكي.
* 15: 37- 39: خاتمة الكتاب.

ثانيا: هدف الكاتب
أشار الكاتب في المقدمة أنه ما أراد أن يروي كل شيء. ففضّل أن يبرز بعض العناصر ويشدّد على أهميتها. لهذا أخذ بطريقة الكتابة لدى اليونانيين، فأعطى خبره طابع العاطفة (التقوى) وجعل الخطب تأخذ مكاناً لم تأخذه أحداث الحرب (ف 15). جاءت الظهورات من السماء بشكل أحلام ورؤى (3: 24- 26؛ 10: 29- 31؛ 11: 8) فكانت شبيهة بما ترويه الكتب اليونانية والرومانية عن قدرة الإله العاملة من أجل حياة البشر.

ثالثاً: تعليم ديني
ترك الكاتب لغيره (1 مك) أن يبرّر سياسة المكابيين، فأراد أن يقدّم لنا تاريخاً دينياً، إليك بعض عناصره.
* الهيكل
الهيكل هو محور اهتمام الكاتب. وهو يدعو يهود مصر ليحتفلوا بعيد التطهير (1: 1- 2: 18). ولقد تعلّم هليودورس ثم انطيوخس أن من يدنّس الهيكل يدفع لقاء فعله "ثمناً غالياً" (ف 3؛ 9: 3- 29).
* الصلاة
تحتل الصلاة مكانة هامة في 2 مك (3: 15، 22؛ 8: 2- 4؛ 10: 26...). فالابطال يصلّون قبل أت يقوموا بأي عمل. فالرب هو الذي يمنح خيراته لشعبه، ويعطيه النصر (10: 38). ومقابل هذا، على الأشرار أن يتعرّفوا إلى قدرة الله الحق (3: 35- 40؛ 9: 12)، كما في سفر دانيال.
* الموت والاستشهاد
ويُلقي الكاتب ضوءاً جديداً على مسألة الموت والاستشهاد. فتضحية الذين بذلوا حياتهم (العازر، 6: 8- 13؛ الأخوة السبعة، ف 7) هدّأت غضب الله وحوّلته إلى رحمة (8: 5). حينئذ بدأ بين اليهود تفكير إيماني: إذا كان الله عادلاً، فهو لا يستطيع أن يترك في قبضة الموت أولئك الذين ضحّوا بحياتهم محبةً بشريعته. يجب أن يعطيهم في حياة أخرى المجازاة التي استحقها برّهم (7: 9، 11، 14؛ 12: 38- 45). أجل، سيقيمهم ليحيوا معه. إن الإيمان بالقيامة، كما أكّده دا 12: 2- 3، هو الجواب النهائي لمسألة مجازاة الأبرار (طُرحت في أيوب)، وهو جواب تجذّر بطريقة ملموسة في خبرة الشهداء. وهذا الجواب ساعد الرسل على تقبّل قيامة يسوع وقيامتنا بقدرة الله (مت 22: 23- 32).
إنتمى كاتب 2 مك إلى محيط الفريسيين الذين تفرّعوا من "حسيديم" زمن الثورة. عادَوا الحشمونيين لارتباطهم بالسياسة والحركة الهلينية، وانفصلوا عن الشعب في تقوى تهيّئهم لاستقبال ملكوت السماوات.

2- سفر المكابيين الأول
أولاً: تصميم الكتاب
يتبع التصميح ترتيب الأحداث، منذ توليّ انطيوخس ابيفانيوس السلطة حتى موت آخر قوّاد الثورة المكابية.
* ف 1- 2: الأسباب العميقة للثورة. أحسّ الشعب بالخطر يتهدّد إيمانه ووجوده. إنها المرّة الأولى يحاول فيها الأعداء أن يزيلوا ديانة موسى.
* 3: 1- 9: 22: عمل يهوذا المكابي: الانتصارات، تطهير الهيكل (4: 36- 61)، التحوّل السياسي.
* 9: 23- 12: 53. يوناتان أخو يهوذا. عيّنه السلوقيون كاهناً أعظم سنة 153 (10: 15- 21). ولكن لم تتوقف المؤامرات.
* 13: 1- 16: 23: سمعان آخر أخوة يهوذا. كان كاهناً أعظم وسلّم السلطة إلى ابنه يوحنا هركانس الذي أسّس سلالة الحشمونيين.

ثانياً: هدف الكاتب
عرف كاتب 1 مك فلسطين والأحداث التي يتكلّم عنها. إنطلق من مراجع مكتوبة فدوّن كتابه حول سنة 100، وذلك بعد موت يوحنا هركانس بزمن قليل. فما كان هدفه؟
* أراد ان يرسم أيضاً لوحات تاريخية كبيرة عن العصور السابقة، ليدلّ على أن الله ما زال يوجّه شعبه. فالنصر يأتي من السماء (3: 8- 22) من أجل المؤمنين المحافظين على الشريعة. وتدلّ وصية متتيا على الرؤية الدينية التي وجّهت الكاتب حين دوّن كتابه (2: 49- 68).
* أراد أن يدافع دفاعاً خفياً ولكن فاعلاً، عن الذين ساندوا الثورة: فهو يمتدح المكابيين ولا سيما يهوذا (3: 1- 9) وسمعان (14: 4- 15)، ساعة كانت السلاله الحشمونية موضع انتقاد. فقد اتهمها الفريسيون بسبب المعاهدات السياسية والتسلّط على الكهنوت. لم يدخل الكاتب في المنازعات بين الأحزاب، ولكنه اكتفى بأن يذكّر بالمثال السامي الذي قدّمه المكابيون. دافع بصدق عن الحشمونيين في زمانه، فبرّر الثورة وتسلّم المكابيين للحكم. غير أن نظرته الدينية ظلّت خفرة، فما وجدنا تطلّعاً إلى المستقبل. لا نجد أية نفحة نبوية في 1 مك مع أنه يذكر مرتين انتظار النبي (4: 46: 14: 41).
شدّد 2 مك على عمل الله في خلاص الشعب. أما 1 مك فأبرز عمل الانسان الذي يتكل على نفسه وعلى الله

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM