الفصل الخامس والثلاثون الحكماء والعالم اليوناني

الفصل الخامس والثلاثون

الحكماء والعالم اليوناني

هناك كتب توراتية دوّنت خلال الحقبة الهلنستية. وصل الينا بعضها في اليونانية فلم يقبل بها المعلّمون اليهود في قانونهم (أو: لائحة كتبهم).
إنطبعت هذه الكتب بالحضارة اليونانية، ولكنّها ظلّت أمينة للتقاليد التوراتية. كتب جديدة وليست بجديدة. هي لم تخلق جديداً كاملاً، بل كانت ثمرة تأمل وتأوين. عادت إلى التقاليد القديمة وأعادت كتابتها. لم نعد أمام التقليد الشفهي ولا أمام الخلق النبوي، بل أمام إعادة قراءة الأسفار المقدّسة. وستصل بنا هذه الحقبة الى المدراش أو درس وبحث في النصوص القديمة طلباً للنور في حياتنا اليوم.
سندرس هذه الكتابات في ثلاثة فصول: الحكماء والعالم اليوناني، نظرات إلى الثورة المكابية، كتابات اخرى.
ونبدأ بعالم الحكمة.

أ- سفر الجامعة
حمل اليونانيون معهم حبّاً للسهولة والرخاء والبذخ، وتأثّر عدد كبير من اليهود بهم، وبدأوا يعيشون على الطريقة اليونانية.
فقام مسؤول في جماعة أورشليم (من هنا اسم الكتاب: سفر الجامعة. قهلت من قهل= الجماعة) ضدّ هذه النظرة إلى الأمور. لم يُذكر اسمه، بل نُسب كتابه إلى الملك سليمان (1: 1) ليعطيه سلطة أكبر. وهكذا دلّ على شهرة سليمان كحكيم. لا ننسى ان الحكمة ونشيد الاناشيد نسبا إلى سليمان، والمزامير إلى داود، وأسفار الشريعة إلى موسى.
قدّم الكاتب اعتبارات مأخوذة من الخبرة اليومية أو قابلها بتعليم خاطىء يقدّمه أهل عصره. قال فيما قال:
* ليس من سعادة كاملة. فلكل سعادة حدودها. واستعرض كل أوجه حياة الانسان وردّد مراراً هذا القول: "باطل الاباطيل. كل شيء باطل" (1: 2).
* ولكنه ظلّ صديق الحياة محبّاً لها (7:9- 9). فالحياة هي عطية من الله (3: 13). غير أنه لا يرى كيف يستطيع الله ان يقيم العدالة، لأن الكاتب لا يعرف بوجود حياة في الآخرة. ومع ذلك، فأمام محدودية السعادة على الأرض، آمن دون أن يرى "أن الابرار والحكماء وأعمالهم بين يدي الله" (9: 1).
سفر الجامعة هو محطة في طريق طويل. عرف حكمة اليونان دون أن يسحر بها. وعدم الرضى الذي يشعر به يكشف فراغاً سيملأه الوحي بالقيامة، سيملأه حضور يسوع المسيح.

ب- يشوع بن سيراخ
1- حضارة جديدة
وصل السلوقيون إلى اليهودية، فتواجد العالم اليهودي والعالم الهليني وتعايشا مدّة قصيرة بسلام. أحسّ بعض المؤمنين أن الحرب قريبة (2: 1؛ 11: 33- 34). فالهليني (متحضر بالحضارة اليوناتية) يعتبر أن الانسان هو مواطن الكون. فالأعراق والديانات والآلهة تتساوى. وهو يمجّد الطبيعة، ويتعبّد للانسان، لجسده ولعقله. مع الزمن شكّلت هذه الحضارة خطراً قاتلاً للعالم اليهودي الذي هُدّد في ايمانه وحياته الاخلاقية. ومال عدد من اليهود إلى الحضارة الجديدة.

2- سلوك حسب شريعة الله
من أجل هؤلاء كتب يشوع بن سيراخ. هو كاتب وواحد من أعيان أورشليم. تأمّل شريعة الله كل حياته، وعلّمها في مدرسة أسّسها في المدينة المقدسة (51: 23). دوّن كتابه حوالي سنة 180، أي قبل الاضطهاد الكبير الذي أحسّ به قريباً. أراد أن يعطي شعبه وتلاميذه في هذا العالم الذي تبدّل، كتاب سلوك حسب شريعة الله. إنه انسان محافظ. ولكنه واعٍ للأمور. وقد اهتمّ بأن يعطي سامعيه وقارئيه الحلول الناسبة للمسائل الجديدة.

3- مضمون الكتاب
يشمل كتابه كل وجهات الحياة:
ف 1- 24: كتاب تلميذ الحكمة بشكل مقالة في الحكمة مليئة بالأقوال المأثورة. وهو يجمع عدداً من النصائح التقليدية.
* 25: 1- 33: 18: ملحق أول يبرز موقف البار الأساسي: العيش نص مخافة الله.
* 33: 19- 42: 14: ملحق ثانٍ هو "وصية" المعلّم.
* 42: 15- 50: 29: يمتدح ابن سيراخ حكمة الله في الخلق (42: 15- 43: 33) وفي التاريخ (44: 1- 50: 29).
* زيادتان اخيرتان: صلاة (51: 1- 12) ومزمور حكمي (51: 13- 30).

4- موقف ابن سيراخ
ظلّ ابن سيراخ متمسّكاً بالتقاليد أكثر من حكيم سفر الجامعة الذي دوّن مقالته قبله. ونحن نفهم موقفه: لم نعد في وضع يسمح لنا بأن نجادل في آراء لا يشاركنا فيها الآخرون، ساعة تهدّدنا الحضارة الهلينية بالابتلاع. أراد ابن سيراخ أن يدافع عن ميراث شعبه الديني فلم يقدر ان يتجنّب انغلاقاً على التراث وتعلّقاً صلباً بخصائصه. في هذا الكتاب، ليست المحبة هي هي للجميع (12: 1- 7)، لأن الشعب المختار لا يعطي شيئاً للخصوم، والبار لا يتعامل مع الأشرار (11: 34).
واجه الكاتب مسألة الموت، فبدا حاضراً كأنه القدر (18: 24). وبعد الموت لا حياة ولا سعادة (41: 1- 4). أما المجازاة التي يمنحها الله للبار فهي الصحة والنسل الكبير، والراحة مع الخير الوفير، والسمعة الحسنة. لا تزال المشكلة مكانها، لا سيما حين نرى الأبرار بتألّمون.

5- حفيد ابن سيراخ
ولكن سفر ابن سيراخ الذي نجده في التوراة ليس النسخة الاصلية التي دوّنت سنة 180. فنحن نقرأ الترجمة اليونانية التي قام بها حفيده سنة 132 (راجع المقدمة. نشير أننا وجدنا في التنقيبات ثلثي الكتاب في العبرية). فقد حدثت إضطرابات في اليهودية بسبب اضطهادات انطيوخس ابيفانيوس وثورة المكابيّين. ففي هذه الثورة، أثار استشهاد المؤمنين المتعلّقين بالشريعة، تفكيراً عميقاً في الايمان. فأكّد بعض اليهود أن الاله يجازي الأبرار بعد موتهم ويعاقب الاشرار. تقبّل حفيد ابن سيراخ هذا التجديد في الايمان فأدخل بعض التغييرات في ترجمة الكتاب: ليس الموت نهاية كل شيء (1: 13؛ 7: 17 48: 11). نحن هنا أمام مثال يدلّنا كيف أن الجماعات الحية أعادت كتابة أسفار التوراة كل مرة فرضت خبراتٌ تاريخية على المؤمنين أن يجدّدوا إيمانهم.

6- الأبرار والأشرار
قُسم الناس في هذا الكتاب قسمين. من جهة، الأبرار والحكماء. ومن جهة ثانية الأشرار والحمقى. يعيش الحكماء في مخافة الله (32: 14- 33: 6) التي هي التعبير الأول لحب يهاب الله الكليّ العظمة (18: 1- 14). ولكن كيف نحب الله؟ نترك حكمته تقودنا (6: 18- 34). فالحكمة الآتية من البشر هي مصدر خطأ (3: 24: تلميح إلى حكمة اليونان). أما الحكمة الحقيقية فهي موهبة من مواهب الله (24: 1- 22). وقد أعطاها الله لموسى في سيناء (24: 23).
ويشدّد ابن سيراخ على الشريعة التي كوّنت العالم اليهودي الذي عرفه يسوع. هناك شريعانية ستتحجّر شيئاً فشيئاً، وهناك تقوى حقيقية لبرزها صلوات عديدة (36: 1- 22؛ 51: 1- 12).

7- مصير ابن سيراخ
إهتم ابن سيراخ، شأنه شأن سائر الكتابات الحكمية، بمشاكل الأشخاص كأفراد أكثر منه بمشاكل الجماعة. ولهذا لا نجد عنده رجاء مسيحانيا في معرض حديثه عن خلاص شعبه. أظهر إكراماً كبيراً للكهنة، وأبرز قدرية أمام الموت، فكان معلّم فئة الصادوقيين. لهذا السبب، لم يحتفظ العالم اليهودي بهذا السفر في لائحته بعد دمار الهيكل (سنة 70 ب. م.) وسيطرة الحركة الفريسية على العالم اليهودي.
غير أن تأثير هذا السفر كان كبيراً. فقد جعل الشباب يفتخرون لإيمانهم تجاه العالم الهليني (4: 20)، كما أتاخ لتلاميذه أن يففوا بوجه انطيوخس وينتصروا عليه. وظلىّ الكتبة يتدارسون هذا الكتاب، أما العهد الجديد فقد استقى منه الشيء الكثير.

ج- سفر طوبيا
1- أخبار سفر طوبيا
ساعة ظهر ابن سيراخ في اليهودية، أسند سفر طوبيا ايمان عدد كبير من اليهود تشتّتوا خارج أرض الموعد. فبنية جماعة أورشليم حول الهيكل ومع الذبائح والكهنة والكتبة، لا تقدّم عوناً كبيراً ليهود الشتات. فهم اقليّة حيث يقيمون، ويعيشون وسط حضارة غريبة لها آلهتها وشرائعها وعاداتها. وقد يتكيف هؤلاء اليهود بحيث يخون الواحد منهم شرائع آبائه.

2- ملّخص الكتاب
قصة شيّقة، تلذّ قراءتها. تروي خبر طوبيا (ابن طوبيط) الذي ذهب ليسترجع مال أبيه الأعمى. فرجع بعد أن تزوّج، وحمل معه علاجاً لعيني أبيه. واكتشف في النهاية أن الله قاده في مسيرته وأنجحه في كل أعماله حين أعطاه الملاك رفائيل رفيقاً في الدرب.
قصة في خدمة تعليم ديني: الله حاضر دائماً في حياة وأعمال الذين يتمّمون شريعة الأنبياء، وهو لا يتخلى عنهم أبداً. بمَ تقوم هذه الأمانة؟ في الصلاة (3: 2- 6، 11- 15؛ 8؛ 5- 8). في الصدقة مع اخوتنا أبناء جنسنا (1: 16؛ 4: 7- 8). في دفن الموتى (1: 17- 18). في زواج مع أناس من نسلنا لنتقبّل بركة الله في الأولاد، ونحفظ مستقبل شعب الله (ف 6- 8).

3- ظروف سفر طوبيا
أين دوّن سفر طوبيا؟ لا نعلم. فالكاتب استقى من الآداب الغريبة عن شعبه، من قصة بابلية هي "حكمة أحيقار"، ومن مقالة مصرية. وحضور ملائكة (الملاك هو المرسل. راجع لأك في العربية) الله يدل على تأثير فارسي. فالملاك رفائيل يرفع إلى الله صلاة طوبيط وسارة (12: 12) ويقود خطى طوبيا. نحن مثل طوبيا لا نتعرّف إلى حضور الله في حياتنا إلا فيما بعد.
يجعل طو أشخاصه يعيشون في أيام النبي أشعيا، وفي أشورية. هذا هو الفن القصصي بتفاصيل تاريخية غامضة استنبطها الكاتب. المهم ليس هنا. بل إن الخبر هو في خدمة الايمان، في خدمة مثال من التقوى والأمانة لله.

د- نشيد الاناشيد
هو نشيد حب. نقرأه ونترك الصداقة والحنان والحياة تتغلغل فينا.
قصائد حب، يشتعل فيها هو وهي. الواحد ليس أكبر من الآخر. الواحد يعيش مع الآخر وللآخر في المساواة والمشاركة. ليس حبهما في البداية خصباً ولا عقداً: هو حياة اتحاد: "حبيبي لي وأنا له" (2: 16). كل هذا يتمّ في حرية شكّكت عدداً كبيراً من الناس. فالمرأة هي الرفيقة، الخليلة، المساوية للرجل، وهي تجد في هذه القصائد أفضل تعبير عن كرامتها. في عالم يجعل المرأة قريبة من الخادمة والعبدة، نحسّ بنغمة تحرّر حين نقرأ هذا الكتاب.
من أين جاءت هذه القصائد؟ أغانٍ دنيويّة صوّرت حب الله؟ ترانيم طقسية في المعابد الكنعانية؟ هي بالأحرى قريبة من تأملات الانبياء (هو 2: 16- 25؛ حز 16؛ 23؛ أش 62: 1- 5). أعيدت قراءتها فحدثتنا عن محبة الله. نحن هنا أمام أسمى تعبير عن حب الله لشعبه.
واقعية قوية جعلت الشّراح يقولون: هي لغة أعطاها الله للمحبين. هذه هي لغة الله مع البشر. فالحرارة التي بها يحبّنا الله يعطي حبنا البشري ملئه وكماله.

هـ- باروك، رسالة ارميا
مع هذين الكتيبّين ندخل في جماعات الشتات اليهودي. تجمّع اليهود قرب بيوت الصلاة، قرب المجامع. وما زالت عيونهم وقلوبهم تتوجّه إلى أورشليم، بانتظار اليوم الذي فيه يعودون إليها. "فالذي أنزل بكم هذه الويلات يقدر أن ينقذكم من أيدي أعدائكم" (با 4: 18). لقد وعوا وعياً عميقاً انهم نالوا عقاب المنفى بسبب خيانة ابائهم. فأخذوا يعيشون بحسب الشريعة التي هي الحكمة الحقيقية.

1- سفر باروك
يضمّ سفر باروك نصوصاً ألّفت في أوقات مختلفة وبأيدٍ متعدّدة. وإذا نظرنا إلى هذا السفر في وضعه الحالي، نكوّن فكرة عماّ كانت عليه صلوات التوبة والمصالحة لدى المنفيّين.
1: 1- 14: مقدمة تاريخية.
1: 15- 3: 8: صلاة يقر الشعب فيها بخطاياه ويعبرّ عن رجائه.
3: 9- 4: 4: نشيد الحكمة التي هي شريعة الله.
4: 5- 5: 9: نص ليتورجي يحمل التعزية إلى أورشليم.
تعود بنا المقدمة التاريخية إلى زمن تدمير أورشليم سنة 587. ولكنها في الواقع تلمّح إلى اضطهاد أنطيوخس ابيفانيوس. نُسب الكتاب الى باروك، سكرتير ارميا. ولكن الكاتب الحقيقي الذي دوّن كتابه في القرن الثاني (ووصل إلينا في اليونانية) تخفّى وراء شخص باروك ليكون لكتابه وقع بين معاصريه.

2- رسالة ارميا
قد نقرأ رسالة ارميا بشكل مقالة مستقلة، أو تكون ملحقة بسفر باروك (ف آ). نجهل من دوّن هذه الرسالة الموجّهة ضدّ الأصنام والعبادات الوثنية. تتردّد فيها عبارة: "انتم تعرفون أنها ليست آلهة، فلا تخافوها" (آ 4، 14، 22...).
كثرت الطقوس الوثنية حول الخصب والحب، وقد ينجذب إليها يهود بابلونية أو سورية. لهذا جاءت هذه الرسالة بشكل عظة، فاستعادت براهين نبوية معروفة وجعلتها في خدمة العقيدة الايمانية: وحده إله اسرائيل هو الإله الحي.

و- سفر الحكمة
1- الجماعة اليهودية في الاسكندرية
كانت الجماعة اليهودية في الاسكندرية (في مصر) كبيرة جداً، ومتمتّعة ببعض امتيازات. لا شك في أنها عرفت بعض الاضطهاد. كما طرح عليها اندماجها بالبلاد مشاكل أخرى. إستقت الكثير من المحيط الثقافي الهليني: أخذت اللغة مع أول ترجمة للتوراة، أخذت المسائل الفلسفية المتعققة بالحياة والموت، أخذت البحث عن الحكمة. وجذبها أيضاً سحر الديانات الشعبية والاصنام والعلوم والتنجيم. ويُطرح السؤال: ما الذي تأخذ من كل هذا؟ ما هي الأمور التي تتجنّبها لئلا تخون ايمانها؟

2- صاحب الكتاب
صاحب سفر الحكمة يهودي أمين لتقليد شعبه، ولكنه مطبوع في العمق بالثقافة اليونانية. أراد أن يساعد اخوته ليحيوا إيمانهم في عالم يهودي، عالم مخيف وأخّاذ معاً. وتمنّى أيضاً (لم يكن هذا هدفه الأول) ان يعرض الايمان على أصدقائه اليونانيّين في لغة قريبة منهم. فدوّن كتابه سنة 50، ساعة كان الرومان قد اجتاحوا منذ بعض الوقت أرض فلسطين.
حك كتاب مبنيّ بناء محكماً. وهو يستعمل أسلوب الفن اليوناني في الكتابة. إنه يضم ثلاثة أقسام:
ف 1- 5: مصير الحكماء والأشرار.
ف 6- 9: مديح لحكمة الله.
ف 10- 19: أعمال الحكمة في التاريخ.

3- مواضيع سفر الحكمة
أولأ: مصير الاشرار والحكماء (ت 1- 5)
يقابل الكاتب بين مصير البشر في عين الناس، ومصيرهم الذي يحقّقه الله. إستفاد من الفلسفة اليونانية حول نفس الانسان وخلوده، فأعطى جواباً جديداً لتساؤلات شعبه حول مجازاة الأبرار. فالحياة في نظره تتواصل بعد الموت، بحيث إن الموت لا يصيب الأبرار: "فنفوسهم في يد الله" (3: 1). أما الأشرار فينالون العقاب المهيّأ لهم. هذا الكلام يلتقي بما قاله دا 12: 1- 2 و2 مك 7 حول قيامة الموتى.

ثانياً: مديح الحكمة (ف 6- 9)
أمام مجتمع لم يعرف العدالة والمساواة، لجأ عدد من اليونانيّين إلى "الجماعات الدينية". بما أنهم لا يستطيعون أن يبدّلوا هذا المجتمع، خلقوا جماعات أخوية تستقبل كل طالب مهما كان عمره أو وضعه الاجتماعي. وعاشوا هذه الأخوّة في احتفالات سّرانية تحمل "الخلاص" إلى طالبيه. وانطلق يونانيون آخرون في طلب المعرفة والحكمة ليتخلّصوا "من المادة" بما فيها من حقارة ودناءة.
توقّف صاحب حك أمام هاتين التجربتين، فاستعاد أفضل تقاليد شعبه، وقدّم الحكمة الحقة التي هي عطية من الله، ونعمة نطلبها بإيمان (8: 21- 9: 12). هذه الحكمة هي انعكاس الله (7: 22- 29) الذي يكشف عن نفسه للذي يطلبه (6: 12- 21). والملوك يحتاجون إلى هذه الحكمة حاجة خاصة ليمارسوا الحق والعدل (6: 1- 11).

ثالثاً: الحكمة في التاريخ (ف 10- 19)
في القسم الاخير، أعاد الكاتب قراءة التاريخ الذي هو عمل الله.
ف 10: التاريخ من آدم إلى الخروج.
ف 11- 19: تأمل في الخروج. نحن امام مدراش (درس ووعظ) يستنبط بعض الوجهات التاريخية أو يضخمها. لا يذكر أبدا المصريين (لاننسى أننا في الاسكندرية).
يقدّم لنا الكاتب في سبع لوحات متعارضة ما عاشه شعب اسرائيل وما قاساه الآخرون. مثلاً، المياه قتلت الوثنيّين وخلّصت المؤمنين. ووسط هذه الفصول نجد معترضتين تخففان من قساوة الله في معاملته للوثنيّين. يعالج 11: 25- 12: 27 عبادة الحيوانات. وف 13- 15 عبادة الأوثان. عوقب الوثنيون بسبب خطاياهم (11: 16؛ 13: 8- 9). غير أن الله الذي يحبّ جميع الخلائق سيرحمهم هم أيضاً (11: 21- 12: 27).
حين قرأ المؤمن العائش في الاسكندرية تأملاته عن الخروج، عرف الطريق الواجب اتباعه. حك هي آخر سفر من أسفار العهد القديم، وهي أقرب الأسفار إلى العهد الجديد. وسيفهم المسيحيّون أن "حكمة الله" و "انعكاس النور الازلي" (7: 25) هو المسيح يسوع صورة الآب وحامل وحيه إلى البشر (يو 1: 1؛ 1 كور 1: 24- 30).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM