غضب الرب ألمٌ في قلبه 3: 10- 11

غضب الرب ألمٌ في قلبه

3: 10- 11

غضب الرب ألم في قلبه، ذاك هو عنوان تأملنا اليوم. مرات عديدة نتكلّم عن غضب اللّه. في الماضي واليوم نقول: اللّه غضب علينا، وكأنّه بعيد عنا، خارج عنا. وهنا نقرأ الرسالة الى العبرانيين الفصل 3 من أية 7 الى آية 11: لذلك، كما يقول الروح القدس... لا يدخلوا في راحتي. في آية 10 وآية 11 نعيد القراءة.

نلاحظ مرتين الفعل غضب والاسم غضب. ماذا يعني هذا؟ هل اللّه يغضب كما نحن نغضب؟

نقرأ في نصّ يعود الى 1500 سنة ق م. فيه تقول امرأة: ماذا فعلت للربّ لكي يأخذ لي إبني. غضب عليّ. ومنذ مدة قصيرة، قالت لي امرأة مات إبنها وهو في الخامسة عشرة من عمره: ماذا فعلتُ للربّ حتى أخذ إبني شاباً؟ ألأني كنتُ خاطئة؟ ألأني كنت زانية غضب عليّ فعاقبني 1500 سنة أقلّه قبل المسيح و2000 سنة بعد مجيء المسيح، ما زالت أفكارنا أفكارًا وثنية: الربّ يغضب، الربّ يضرب، الرب معه عصا ويلحقنا الى حيث نكون. إذا خطئنا حالاً يأتي العقاب وهو لا يقبل أي عقاب. ما هذا الإله البعيد، البعيد، الذي لا يهتم لأولاده، الذي لا يتألّم لألمهم، الذي يشبه الأصنام التي لها عيون ولا ترى، لها آذان ولا تسمع، لها أيدٍ ولا تفعل، لها أرجل ولا تتحرّك، لها قلب ولا تحبّ.

أهذا هو اللّه؟ كلا ثم كلاّ. اللّه أب وأم. منذ العهد القديم عرفنا هذا. يقول في هوشع: ماذا أفعل بك يا إسرائيل؟ أين صارت بك الحالة؟ قلبي يتفطّر في داخلي. ويقول أيضاً: أنا الذي علّمتُهم المشي، حملتُ كلّ واحد على ذراعي، مثل الأم التي تحمل طفلها، جررْتهم، جذبتهم بحبال الرحمة ورباطات المحبة. هذا هو الربّ.

وفي العهد الجديد، الهنا ليس ذلك الواحد الذي يعيش في المطلق، في الأعالي، فوق السحاب. اللّه هو عائلة، هو أسرة، مع الابن الوحيد يسوع المسيح. وكلّنا أبناء مع الابن، وبنات مع الابن. نقول في النؤمن: ابن اللّه الوحيد لم يعُدْ ابنُ اللّه وحيدًا صرنا كلّنا أخوته وأخواته. نعم، نحن أبناء اللّه، نحن بنات اللّه. ويقول لنا يوحنا في الرسالة الأولى. هذا لا يظهر الآن، ولكن عندما ننتقل اليه. نكون على مثاله. هذا لا يظهر الآن، لأننا ينقصنا الإيمان. مرات عديدة، لا نقبل بأن يكون الربّ ذاك الرحوم، ذاك المحبّ، ذاك الحنون نحسب أن اللّه هو القاسي، ونريده أن يكون قاسياً، على أعدائنا، على الذين نحسبهم أشرار. يا ليت غضب اللّه ينزل فيهم يمحقهم. يقتلهم، يُنزلهم الى جهنم!

تلك طريقة البشر في الكلام عن اللّه، وهي طريقة لا يمكن أن نقبل بها نحن الذين نتذكر الابن الضال، الذي ابتعد عن أبيه، وبدّد ماله، وعاش مع الزواني. هذا الابن الضال، يقول الكتاب، حين رآه أبوه تحرّكت أحشاؤه. هو ما أراد أن يغضب عليه ولا قال له: ماذا فعلت بالمال؟ أين كنت؟ لماذا ابتعدت؟ أنت لا تستحقّ أن تكون ابني.

هذا ما قال الولد في أي حال: اجعلني أجيراً من أجرائك. هل تركه الأب يقول مثل هذا الكلام؟ كلا، ثم كلا. وحين نقول غضب اللّه، هي طريقة بشرية لا يمكن أن تكون في قلب اللّه كما بالنسبة الينا: نغضب نحن، تحمرّ عيوننا، تصفرّ وجوهُنا، ونتطلّع كيف ننتقم من هذا الذي رفض أوامرنا، ما أزعن إلى ما طلبت منه. كم نحن مساكين!

الربّ لا يغضب كما نغضب نحن. وحين يقول: غضبت على هذا الجيل، يجب أن نقول: تألّمت بسبب هذا الجيل. كلّ ما عملته لهم من أعمال ولم يفهموا، ولم يروا لا يوماً من الأيام.

يقول هنا في الرسالة إلى العبرانيين الفصل 3 آية 9: أربعين سنة، يعني جيلاً كاملاً رأوا أعمالي. كما قلنا في الحلقة السابقة: أمَّنتُ لهم الطعام والشراب، وأمَّنتُ الحماية من الأعداء في الليل أعطيتهم النور والنار، وفي النهار أعطيتهم السحاب. ومع ذلك ما زالوا يجرّبون الربّ ويتساءلون: هل هو معنا؟ هل يقدر أن يفعل شيئًا أم هو لا يقدر أن يفعل شيئاً. هل يشبه الأوثان التي نعبدها؟ أو أبشع من هذا، أتراه لا يريد أن يعمل، لأن قلبه قاسٍ مثل الملوك الذين نعرفهم، مثل الرؤساء الذين نعرفهم؟

كلا، الربّ لا يغضب، مع أنّه يقول: قلوبهم بقيت في الضلال وما عرفوا طرقي. نحن نربط كلّ شيء باللّه، لكن من أين يأتي الشرّ، من أين يأتي الموت، من أين تأتي الجراح، أليس من البشر؟ نعم من البشر. قلوبهم بقيت في الضلال. إذا رحنا في الطريق الضالة، نمضي الى الوادي. والشعبُ السائرُ في الصحراء، إذا أخذ الطريق غير الطريق التي يقدمها الربّ، يتيه ويموت من العطش ومن الجوع.

بقيَتْ قلوبهم في الضلال وما عرفوا طرقي. قال الرب: أنا رسمتُ لهم الطريق. طريق الأبرار تقود الى الحياة، وطريق الأشرار تقود الى الهلاك. ذاك ما قاله المزمور الأول لك نحين نقرأ الكتاب، نحسب أنّ اللّه هو الذي جعل شعبه يسير في الهلاك أو في الضلال. هي طريقة بشرية، فالربّ يريدنا كلّنا أن نمضي في طريقه، طريق الحياة، طريق السعادة، طريقة النمو، طريق المحبّة، طريق التضامن. هذه هي الطريق التي يريدها الربّ ونتعجّب ونسأل: من أين الموت؟ أنظروا الى الحروب: الحرب العالمية الأولى، تركت وراءه ثمانية أو عشرة ملايين. أما الحرب العالمية الثانية فتركت ستين مليون. من قام بالحرب؟ هل الربّ أصل الحرب؟ هل الربّ علّم هتلر كيف ينطلق بالحرب أو سائر الدول المحيطة بألمانيا؟ كلا.

وحين نتكلّم عن الغضب، نحسب أن اللّه هو سبب الحرب كما قيل في سفر الخروج: الفرعون قسّى قلبه، جعله قاسياً. فماذا قالوا؟ اللّه قسّى قلب فرعون. كلا اللّه لا يقسّي قلب أحد. هي طريقة بشرية، والربّ يريدنا كلّنا أبناء وبنات له. يقول يسوع عن الذين هم خارج الحظيرة: يجب أن آتي إليهم فتكون الرعية واحدة حول راعٍ واحد.

وهنا نلاحظ: قلوبهم بقيَتْ في الظلام. القلب هو مركز الإرادة، مركز الاختيار. لم يقل الكتاب: اللّه أبقى قلوبهم، كلّ قلوبهم. هي بقيت، وما أرادت أن تأخذ طريق الرب، فأخذت طريقاً أخرى بدل طريقه، ونظرت نظرة أخرى بدل نظرته الى الحياة. نظرة اللّه غير نظرتنا قال: قلوبهم بقيت، اختارت أن تبقى في الضلال، والضلال هو كلمة مجرّدة. ولكنّها تحمل التطبيقات العديدة: اضلّ في الخطيئة، أضل في المسر، أضلّ في التخدير، أضلّ في السرقة والسلب والنهب، أضلّ في الزنى والفجور والفسق، أضلّ في ظلم الناس، في الكبرياء، في الحسد. طرق الضلال كثيرة ونحن نختار. ولكن كلّ هذه الطرق تقود الى الهلاك، تقود الى الموت.

ونرى مرات عديدة هذا الشخص أو ذاك فنقول: يا حرام هو مريض. اعتاد على الشرب، على السكر، اعتاد على المخدّر، اعتاد على الزنى، الزنى العادي أو الذكر مع الذكر والأنثى مع الأنثى. اعتاد، هو ما كان كذلك، ولكنه مضى في الطريق، ومضى الى أن صار عبد الخطيئة، كما قال الربّ: من يفعل الخطيئة يصبح عبداً للخطيئة. الابن لا يمكن أن يكون عبداً، البارّ لا يمكن أن يكون عبداً، لكن الخاطئ يصبح عبداً لخطيئته.

ونتساءل، لماذا وصل الإنسان الى مكان ما؟ فيقولون، بطرق بشرية! الربّ خلقه هكذا. كلا، يقول الكتاب. لما خلّق الربّ النجوم الكواكب والأشجار، رأى أن هذا حسن. ولكن لما خلق الإنسان قال: هذا حسن جداً، لا يمكن أن يكون أحسن من هذا. صورة اللّه مطبوعة في وجوهنا ماذا نريد بعد أعظم من هذا! ولكننا نشوه هذه الصورة، نمزّقها، نحطّمها، ونقول بعد ذلك: ما هذه الخليقة التي وصلت الينا؟ كم نحن مساكين! قلوبهم بقيت في الضلال! يقول الإنجيل: فضّلوا الظلمة على النور. نتخيل: فضّلوا الظلمة على النور!

في مثل الابن الضال، الابن الأكبر هو في الخارج. الأب يدعوه، يتوسّل اليه. يقول له: نحن في النور، نحن في العيد، نحن في الفرح. رفض أن يدخل. ما أراد النور بل الظلمة، ما أراد العيد بل أراد أن يعيش وحده. ما أراد النور، أراد العتمة والظلمة. لا الظلمة الخارجية فقط، بل عتمة القلب، ظلمة القلب، التي تدفع الإنسان الى الانتحار، الى إنهاء حياته، أو ربما الى اعتبار أن اللّه مات، وأنه يستطيع أن يعيش بحسب المثل: نأكل ونشرب فإنّا غداً نموت. نعمل اليوم ما نريد والغدّ يخبّئ الأمور العديدة.

إذا كانت القلوب باقية في الضلال، فالربّ يتألّم في قلبه، كما الأب والأم يتألمان إذا ابنُهم ضالٌ، إذا ابنُهم فاشلٌ أو ابنتهم فاشلة في الحياة إذًا لا نتكلم بعد اليوم عن غضب الله، هي طريقة بشرية. بل نتكلّم عن ألمه حين يرى الى أين وصل أبناؤه وبناته.

قلوبهم بقيت في الضلال. لا يومًا ويومين، ولا ساعة ولا شهرًا يقول النص: أربعين سنة، جيلاً كاملاً لبثوا في الضلال. ويواصل الكتاب: وما عرفوا طرقي. ما عرفوا طرقي، يعني ما أرادوا أن يعرفوا طرقي، بحثوا عن طرق أخرى، على ما يقول إرميا النبي: تركوني أنا ينبوع الماء الحي وبحثوا عن آبار مشققة لا تحفظ الماء. ويقولون: عطشنا! تركوا المن الذي هو منّة من اللّه وعطية، تعبوا من هذا الطعام سئموا هذا الطعام، وبعد ذلك قالوا: نموت جوعاً.

ما عرفوا، ما أرادوا أن يعرفوا. قال فيهم أشعيا النبي: ينظرون ولا يرون، يسمعون ولا يفهمون أبداً. غلظ قلبُ هذا الشعب، أغلقَتْ آذانُهم. صا الواحد منهم أعمى، ما عاد يرى ولا يريد أن يرى، مثل بعض الطيور التي لا تعيش الا في الليل: البوم والخفاش وغيرها.

الإنسان يختار طريقه ولا يريد طريق الربّ. هذا ما ندعوه الخطيئة الأصلية، لا الخطيئة الأولى، لكن الخطيئة التي هي في أصل كلّ الخطايا: نريد أن نكون اللّه. قالت الحية لآدم حين تأكلون من هذه الشجرة، تصبحون آلهة. أجل، نريد أن نكون آلهة يعطينا الربّ طريقه، ولكن لنا طريقنا. يُقال لنا: من هنا الحقّ، من هنا الصواب، فنختار الضلال.

ونتعجّب بعد ذلك حين نقرأ الرسالة إلى العبرانيين (3: 11) فأقسمتُ في غضبي أن لا يدخلوا في راحتي. تألّم الآب حين رأى أن هؤلاء الذين طلب لهم الراحة والهدوء والسعادة، رفضوا كل هذا. فلهم راحة غير تلك التي يقدّمها الربّ، لهم سعادة غير السعادة التي يقدّمها لنا الربّ. نحن نتوقف عند الأمور الخارجية، عند فقاقيع الصابون التي تعطي ألواناً حلوة ولكنها تزول سريعاً. ماذا يبقى بعدها؟ لا شيء. فقال سفر الجامعة: باطل الأباطيل وكلّ شيء تحت الشمس باطل. باطل، لا منفعة منه، لا فائدة منه. نقول نحن في عاداتنا البشرية حين يموت الإنسان: يا باطل. كلّ ما عملَه، كلّ ما بناه، كلّ ما اخترعه، باطل. هو باطل إذا كانت غائبة مخافة اللّه.

مخافةُ اللّه تعطي كلّ شيء قيمته. يقول لنا الرسول كلّ شيء لكم، المال الغنى العلم العظمة الجاه كلّ شيء لكم لكن بشرط أن تكونوا للّه. كل ما تملكونه هو باطل. كلّ ما تملكون يقودكم الى الهلاك لا الى الراحة إذا تمسكتم به، على مثال ذلك الغني الذي لم يعرف أن يستقبل لعازر جاره، الذي لم يعطه من الفتات المتساقط عن مائدته. كل ما أعطي لنا ربحٌ لنا شرط أن نكون للمسيح والمسيح للّه. فيا ربّ، لست اله الغضب، أنتَ اله الرحمة. وعندما نضلّ فأنت أول من يتألم. وعندما نقع في الخطيئة، على ما يقول الرسول، أنت أول من يتألم، وعندما نكون مرضى أنت أول من يتألّم.

وفي أي حال قال لنا يسوع: ما جئت من أجل الأصحاء بل من أجل المرضى، ما جئت من أجل الأبرار بل من أجل الخطأة. يا ربّ من زمان تقول لنا إنك تتألم حين ترانا نضلّ الطريق ونترك طريقك، فأرسلت لنا ابنك الحبيب: هو نور العالم، نورنا في الضلال.

علّمنا يا ربّ أن نتمسك به، أن نسير معه، أن نسير وراءه مثل الخروف وراء الراعي. هو يعرفنا، يعرف كلّ واحد باسمه. يا ليتنا نحن نعرفه، نعرف صوته، فيقودنا الى الحظيرة، فيقودنا الى بيت الأب السماوي فنكون لك أبناء وبنات لك المجد الى الأبد آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM