25- أعمال الرب رحمة عب 3: 9

25- أعمال الرب رحمة

عب 3: 9

أعمال الربّ رحمة. ما زلنا أحبائي نسيرُ في قراءة الرسالة الى العبرانيين. تعرّفنا كيف أن الربّ قَبِل تجارب شعبه، ولكنّه لم يترك هذا الشعب، كما هو لا يَترُك أحداً منا. فأرسل ابنه الحبيب الينا، ويرسل الينا حتى اليوم الآباء الأمهات. يرسل الينا خصوصاً الكاهن، الكاهن الذي هو أب وأم، في رعيته، في المدرسة، مع المعاقين، مع المرضى، مع كلّ الذين يحتاجون اليه، لأن رحمة الربّ ليست من زمان وانتهت، كما قال المزمور.

إعتبر المؤمنون في وقت الشدة، في وقت الضيق، أن رحمة الربّ مضت بدون رجعة. كلاّ، الربّ هو الرحوم ، هو الرحيم. المرأة تتعلّق بابنها، بابن رحمها لأنها حملته في أحشائها. والربّ عندما ندعوه الرحيم أو الرحوم، يعني أحشاؤه أحشاء أمّ. تتحرّك أحشاؤه كما الأمّ عندما ترى ابنها في المرض، في التعاسة، في الصعوبة، في الإعاقة، في أي أمر يحسبه الناس شرّاً على هذه الأرض.

الربّ هو الرحمة. لا نقول فقط هو الرحيم، هو الرحمة. لهذا نقول في صلواتنا: ارحمنا يا ربّ، ارحمنا. وذاك الأعمى هتف: إرحمني يا ابن داود. هذه الصلاة قالها الأقدمون، ونقولها نحن، لا المسيحيون فقط، بل المسلمون: الرحمن الرحيم. باسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا الكلام نقرأه، هذه الفكرة نجدها في النصّ من الرسالة الى العبرانيين الفصل 3 آية 7 الى 11.

ونعيد القراءة للمرة الثالثة لذلك، كما يقول الروح القدس... فأقسمتُ في غضبي أن لا يدخلو في راحتي.

ونتوقّف عند الآية 9. حيث جرّبني آباؤكم وامتحنوني. نعم، انقلبت الآية، انقلبت الأمور. عادة الكبير يجرّب الصغير، لأنه يريد تربيته، تقويمه، إذا كان هناك من إعوجاج. أما هنا، فانقلبت الآية. الابن يجرّب أباه، الابنة تجرّب أمّها، وكأنها تريد أن تجعل أمَّها على شكلها، والابن يريد أن يجعل أباه على شكله.

الشجرة الصغيرة هي ابنة الشجرة الكبيرة، ويريدها الفلاّح مستقيمة. ينزع عنها كلّ ما يعيق نموّها، كلّ ما يؤخّر إزهارها وإثمارها. أما هنا، فالشجرة الصغيرة تريد أن تجعل الشجرة الكبيرة على مثالها. والشعب العبراني أراد أن يكون الربّ على مثاله، مع أن الكتاب يقول: خلق اللّه الإنسان على صورته كمثاله.

نحن على صورة اللّه، وكلمة مثال ترفعنا لأن تكون هذه الصورة جلية، واضحة، شفّافة. لا نسمح أن يكون عليها الوحل والطين، بحيث تضيع ملامحها. في أيّ حال، هذه الصورة لا يمكن أن تزول. الربّ طبع صورتَه في كلّ واحد منّا، في كلّ واحدة منّا. نحن على صورة اللّه ونحاول أن نتمثّل به على ما قال الرسول: تشبّهوا باللّه كالأبناء الأحباء. الصورة مزروعة فينا، ولكن يجب أن تتظهّر الصورة كما في الفيلم. نُظهّرُ الصور حتى تصبح الصورة منظورة. الربّ زرع هذه الصورة فينا، ويريدها أن تظهر يوماً بعد يوم، مثل نور باهت يَرتفع ويَرتفع ويُوضَع على منارة فيرى الداخلون نوره.

نحن على صورة اللّه، ومن المؤسف أن نحاول أن نجعل هذا الإله على صورتنا، نعم على صورتنا. من أجل هذا، كانت الوصية الثانية: لا تجعلوا تمثالاً للّه، لا تجعلوا صورة للّه. فاللّه لا يُرَى، كيف تصورونه، فتصورونه مثلكم وتجعلون له وجه بشر. إذا لا سمح اللّه لا تفعلوا، كما فعلوا في مصر: جعلوا من صورة الإله، الكلب والقرد وغيرهما من الصور. وسوف يقول لنا بولس الرسول في الرسالة الى رومة: فضَّل هؤلاء الوثنيون، فضلوا عبادة الحيوانات.

أعطوا الربّ صورة حيوان. في أي حال، الربّ خلق الإنسان كما خلق الحيوان، كما خلق النبات، كما خلق الجمال، كما خلق الكواكب والنجوم والشمس والقمر. فهو إن وُضع في صورة من الصور لا يستحي، لأنه هو الذي خلق كلّ هذا. ولكن أن نجعل اللّه في قطعةٍ من خشب ولو غشّيناها بالذهب، أن نجعله في حجر كبير فنجعل فيه عيوننا وآذاننا وجبهتنا ورأسنا. كلا. لا يمكن أن يكون اللّه مثل الإنسان، بل على الإنسان أن يكون مثل اللّه. وفي أي حال، عندما نصنع الصنم نجعله في جيبنا، فيصبح تحت أمرنا، لا نحن تحت أمر اللّه، فيعمل مشيئتنا ونحن لا نعمل مشيئته. هذا لا يمكن أن يكون.

قال الربّ في هوشع أنا إله لا إنسان، ولا يمكن أن أتصرّف تصرّف الإنسان. الإنسان يغضب ومن المؤسف أننا جعلنا الغضب في اللّه. أما اللّه فلا يغضب. فهو الأب والأم، يهتم بكلّ واحد، منّا يُشفق علينا، يَرحمنا، يتحنّن علينا. وماذا فعل أصحابنا العبرانيون في الصحراء؟ جرّبوا الربّ، امتحنوا الربّ. نعم، جرّبوا الربّ، امتحنوا الربّ. مثلاً قالوا: هل اللّه معنا أم لا؟ كيف لا يستحون أن يطرحوا مثل هذا السؤال: هل اللّه معنا؟ ومن أخرجكم من مصر، ومن جعلكم تمرون في البرية، ومن أمّن لكم الطعام، ومن أخرج لكم الشراب من الصخر؟ هل هذه صدفة؟ هل حظّكم أفضل من حظّ الآخرين.

مرّرتم في البحر وما أصابكم شيء، وغيركم غرق في المياه. هل هي صدفة، أم هي قدرة خاصة من لدن الربّ؟ هل الربّ معنا أم لا؟ كيف يتجاسرون أن يطرحوا مثل هذا السؤال، وكيف نتجاسر نحن اليوم أن نقول: أين هو اللّه؟ ونجدّف بعض المرات على اسم اللّه. لماذا؟ ألأننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً نجدّف على اللّه؟ فهو في كلّ حال يبتسم من عقولنا الصغيرة، يبتسم لأننا لم نفهم بعد، لم نزل أطفالاً، كما يقول لنا بولس الرسول، فنحتاج الى الحليب، لم نصبح بالغين ناضجين فنأكل الطعام القوي.

جرّبوه. جرّب الآباء اللّه مرّة أولى ومرّة ثانية. ماذا قالوا: هل يقدر اللّه أن يعطينا الماء في هذه البرية، في هذه الصحراء؟ وماذا فعل بيد موسى وعصاه؟ أما أخرج الماء؟ لا من أي مكان أخرجه، بل من قلب الصخر. وهل في الصخر ماء؟ ومع ذلك خرج الماء من الصخر، وشرب الشعب. وتقول التقاليد: إن هذا الصخر الذي خرج منه الماء، صار مثل خزان يرافق الشعب طوال مسيرتهم في البرية،أربعين سنة، حتى وصلوا الى أرض الموعد. فكما أعطاهم المن ولبثوا يأكلون منه حتى وصلوا الى أرض فلسطين، وهناك زرعوا القمح وأكلوا الطحين، كذلك لبث هذا الصخر مثل خزان ماء يرافق العبرانيّين حتى وصلوا الى فلسطين، قرب نهر الأردن. وأرسل الربّ مطراً من السماء، فشربوا كما يشرب الناس كلّهم. من قبْل، هي المعجزة ترافق هذا الشعب: لا مأكل، الربّ يؤمن المأكل. لا شراب، الربّ يؤمّن الشراب.

يقول هنا: جربني آباؤكم وامتحنوني. نعم جرّبوا اللّه. هل يمكن أن نضع يدنا بيده؟ ألا يخوننا؟ كم مرة قالوا لموسى: لماذا أخرجتنا الى هذه البرية، ألكي نموت من العطش؟ ألكي نموت من الجوع؟ وضمنياً، ليس موسى هو الذي أخرجهم، بل الربّ. فكأنهم يقولون: الربّ أخرجنا الى البرية ليقتلنا هنا: إما من الجوع، وإما من العطش، بانتظار وصول الأعداء.

وبدأت التجربة ضدّ اللّه، منذ الوصول الى البحر. البحر أمام الشعب، ووراءهم المصريون، ولكن الربّ يُظهر عجائبَه. هل رأيتم أعمالي؟ انفتح البحر أمامهم. ماذا يريدون بعد ذلك. ولماذا يتساءلون: هل الربّ يقدر؟ هل هو معنا حقيقة؟ وكان أبعد من كل هذا، تجربة قاسية جداً، حين اعتبروا أن الربّ يتركهم ويؤسّس شعباً آخر. ولكنهم رأوا عذراً. قالوا: استحى الربّ من نفسه. ماذا يقول المصريون عنه؟ كم نحن مساكين يا ربّ، عندما نعاملك بطرقنا البشرية، بطرقنا الخبيثة.

ويقول لنا يسوع في الإنجيل: لا تخف أيها القطيع الصغير. ممنوع الخوف مع اللّه. الربّ يعد ويفي بما وعد. يقول ويفي. بل إن كلمته هي فعلٌ. على مستوانا نقول: سوف أعمل ويمضي يوم، يومان أو سنة وسنتان حتى نعمل، أو ربما لا نعمل. أما الربّ فما إن يقول حتى يَتمّ ما قاله. قال: ليكن نور، فكان نور. أو كما يقول المزمور: قال فكان كلُّ شيء، أمر فصار كلُّ موجود. والربّ حين يدعونا، حين يدعو الكاهن، فهو لا يدعوه من الخارج كما الأب يدعو ابنه: تعال يا ابني! هو يدعو، اذا شئنا، ولكنّ صوته هو في الداخل. وصوته فاعل. حينما يدعوني أنا الكاهن، يجعلني كاهنًا يعطيني النعمة، يخلقني من جديد، يصوّرني من جديد، كما يريدني من أجل الرسالة التي يعدّها لي.

وكذا نقول بالنسبة للمعمد: يعتمد الولد. هو بعض الماء مع كلام الكاهن: أنا أعمدك يا فلان، باسم الأب والإبن والروح القدس. ولكن هي ولادة جديدة. لم يفهمها نيقوديموس، فظنّ أنه يَجب عليه إن يدخل حشى أمه مرّة ثانية ويولد. لم يفهم شيئًا مع أنه اعتبر نفسه عارفًا. ولكن هي ولادة جديدة، هي حياة جديدة. نُخلَق من جديد. وهذا واضح جداً عندما يكون المعمَّد أو المعمَّدة شخصًا كبيرًا. نعم يخلق من جديد.

والكاهن عندما يدعوه الربّ، يخلقه من جديد. ذاك ما كان عليه أشعيا لما دعاه الربّ: شفتاه مدنستان، لا بأس. نرسل اليه جمرة من على المذبح. عندئذ صارت شفتاه نقيّتين كأنهما خلقتا من جديد وهو يستطيع بالتالي أن يحمل الكلمة وكذا نقول عن أرميا خلق من جديد.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM