15- كيف ننجو إذا أهملنا هذا الخلاص
2: 1-4
أحبائي في قراءتنا للرسالة الى العبرانيين، نترك الكلام عن يسوع المسيح الذي هو أعظم من الملائكة، الذي هو الخالق والمخلص، لكي نفهم ما هو واجبنا وعنوان كلامنا اليوم: كيف ننجو إذا أهملنا هذا الخلاص؟ ونقرأ الفصل الثاني من الرسالة الى العبرانيين (آ 1-4).
لذلك يجب أن نمسك جيدًا... يوزّعها كما يشاء.
العنوان هو الخلاص الذي يقدم لنا. في نهاية الفصل الأول، قال لنا الرسول إن الملائكة يُرسلهم اللّه لخدمتنا نحن الذين نرث الخلاص. فنحن مدعوون الى هذا الخلاص. هي دعوة كما نقرأ في مثل المدعوين الى الوليمة: أرسل الربّ خدّامه. وهنا يدعوهم الملائكة: أرسلهم يقول لهم: الوليمة معدّة، تعالوا، وكلّ واحد أخذ يعتذر. فهل نكون مثلهم نحن الذين أُرسل الينا هذا الخلاص؟ هل نتكاسل، هل نتهرّب؟ ويقول لنا الكتاب: الويل إذا أهملنا هذا الخلاص العظيم!
ويقابل الكاتب بين العهد القديم والعهد الجديد، بين تصرّف موسى وشعبه، وتصرّف المؤمنين اليوم بعد أن تركهم يسوع المسيح وصعد الى السماء، بل هو لبث معهم حتى انتهاء العالم.
ويبدأ الكلام: لذلك يجب أن نتمسّك جيداً بالتعاليم التي سمعناها لئلا نضلّ.
أيّ تعاليم؟ هي تعاليم الإنجيل، ولا تعاليم أخرى غيرها. أبداً. بهذه التعاليم نتمسّك. سمعناها، سمعنا البشارة. يقول لنا الرسول: كيف يؤمنون إن لم يسمعوا؟ اما نحن فسمعنا، ولهذا نؤمن، والإيمان هو تمسّك لا بتعليم فقط، بل بشخص هي هو يسوع المسيح. والخطر هو الضلا، هو أن نضلّ الطريق. المسيح هو الطريق، ولا يمكن أن نأخذ طريقاً أخرى. والمسيحيون الأولون دُعُوا أبناء الطريق، بنات الطريق فالمسيح. وحده هو الطريق، وأيّ طريق أخرى نأخذها نكون في ضلال، وبالتالي نسير الى الهلاك. فلا وسط بين إثنين: أو نأخذ طريق الضلال، طريق الهلاك، طريق الموت. أو نأخذ طريق الحياة، طريق الحقّ، طريق الربّ يسوع المسيح. وبعد هذا الإعلان الرسمي عن التعاليم الإنجيلية التي سمعها المؤمنون، وكتبها اليهم الرسول هنا، تأتي المقابلة مع الكلام الذي جاءنا على لسان الملائكة.
آ 2: الكلام الذي جاءنا على لسان الملائكة. كانوا يعتبرون أن الشريعة أتت بواسطة الملائكة، الملائكة حملوها الى موسى. نلاحظ هنا تخفيف العلاقة بين اللّه والإنسان. في سفر الخروج. نعرف أن الربّ كتب الوصايا بإصبعه وقدّمها لموسى. ولمّا تحطّم اللوحان، طلب الربّ أيضاً من موسى أن يأتيه بلوحين لكي يكتب عليهما. ومن سفر الخروج، نعرف أن اللّه كلّم موسى وجهاً لوجه، فطلب أن يرى وجهه.
أما هنا بواسطة. هناك مسافة بين اللّه وموسى، والمسافة يملأها الملائكة. هم الذين حملوا الشريعة. وهكذا فالكلام الذي جاءنا على لسان الملائكة يعني الكتاب المقدّس العهد القديم. وهذا الكتاب المقدّس ذُكِر في الفصل الأول من الرسالة الى العبرانيين. هذا الكلام يقول: ثبت صدقه هو صادق، هو صادق لأنه انطبق على يسوع المسيح، لأنه أفهمنا أن مثل هذا الكلام هيّأ أبناء العهد القديم للتعرّف الى من هو الخالق والمخلص والجالس عن يمين الأب، الى من هو الابن البكر الذي تسجدُ له الملائكة هذا الكلام الذي حملته الملائكة هو العهد القديم. ويتواصل الكلام هنا فيقول:
فنال كلّ من خالفه أو عصاه جزاءه العادل. هو تهديد، هو تحذير وتنبيه: إذا كان الذين سمعوا الكلمة على لسان الملائكة وما كانوا طائعين لها، بل خالفوها، عصوها، يكون لهم الجزاءُ العادل أو بالأحرى العقاب، نعم العقاب العادل، العقاب الكبير، ونحن نعرف مرّات عديدة كيف كان العقاب في مسيرة البرية: هذا الذي حمل الحطب يوم الجمعة، كان عقابه الرجم. هؤلاء الذين تذّمروا على موسى وعلى هارون، كان عقابهم كبيراً. وتأتي المقابلة جاء العهد القديم على لسان الملائكة، والويل لمن خالف هذا الكلام وعصاه، فكيف ننجو نحن؟
نعم، كيف ننجو نحن: ما جاءنا على لسان الملائكة ما جاءنا الكلام بواسطة الأنبياء، مهما سما كلامُهم، ولكن جاءنا الكلام بلسان الإبن الابن، الوحيد، بل هو كان الكلمة. النبي يحمل الكلمة، خارجًا عنه، كما الكاهن يقدّم الذبيحة خارجاً عنه. أما الابن فلا يحمل الكلمة خارجاً عنه. هو الكلمة: في البدء كان الكلمة. والابن لا يقدم ذبيحة خارجاً عنه، بل هو صار الذبيحة، كما هو الكاهن. في الوقت عينه هو الكاهن وهو الذبيحة، هو حمل اللّه الذي يرفع خطيئة العالم.
فكيف نؤمن نحن؟ كيف ننجو نحن؟ لا يمكن أن ننجو واللّه بنفسه كلّمنا، وابنُ اللّه صار كلمة لنا.
قال يوحنا: اللّه ما رأه أحد قطّ، ولكنّ الإبن أخبرنا عنه. قالوا له: أرنا الأب وحسبنا، قال من رآني رأى الآب. فكيف ننجو نحن إذا أهملنا هذا النداء، النداء من أجل هذا الخلاص العظيم. الابن هو المخلّص جاء فكلّمنا، جاء فأكل معنا وشرب وسار معنا في أسواقنا. أتى وصار لنا الطعام والشراب. أتى فمات من أجلنا ومن أجل خلاصنا نحن البشر، فكيف نهمل مثل هذا الخلاص؟ فالخلاص يكون خارجًا عن الإنسان: موسى حمل الخلاص الى البشر، الى شعبه، وكذا نقول عن أشخاص عديدين. أما يسوع فهو الخلاص، نتعلّق به فنخلص.
هنا ينبّهنا الرسول: الويل لكم إذا أهملتم هذا الخلاص. ويعود بنا الى مسيرة الخلاص التي بدأت مع يسوع، وتواصلت مع الرسل؛ وعمل فيها الروح القدس. في مرحلة أولى، أعلنه الربّ نفسه فالربّ بدأ البشارة: توبوا اقترب ملكوت اللّه. ما جاء ابن الإنسان لكي يُهلك بل ليخلّص. ويقول لنا يوحنا: هكذا أحبّ اللّه العالم حتى أرسل ابنه الوحيد لكي يُخلّص كلّ من يؤمن به وتكون له الحياة الأبدية. فاللّه ما أرسل ابنه لكي يُهلك العالم، بل ليخلِّص العالم.
ذاك ما أعلنه الربّ نفسه، فاستقبل المرضى، واستقبل الخطأة، وكلّمنا فأعطانا الدستور الذي به نسير نحو الخلاص: أحبوا بعضُكم بعضاً، كما أنا أحببتكم. طوبى للودعاء، طوبى لمحبّي السلام، طوبى للفقراء بالروح، وطوبى لكم إذا عيّروكم واضطهدوكم. نعم ما اكتفى اللّه بأن يرسل الأنبياء على ما قرأنا في بداية الرسالة في الماضي كلّمنا بالأنبياء، أما الآن فكلّمنا بالابن، لا من أعلى السماء، بل ان هذا الابن تجسّد وعاش عيشنا.
أعلنه الربّ نفسه ولكننا نحن لم نرَ الربّ بالجسد، فيسوع المسيح صعد الى السماء وجلس عن يمين الآب. هو غائب عن عيون أجسامنا، فيتابع الرسول: هذا الخلاص الذي أعلنه الربّ، أثبته الذين سمعوه. نعم نحن لم نسمعِ الربّ بفمه، نحن لم نرَ الربّ بعيوننا، ولكنّنا سمعنا الذين سمعوه، رافقنا الذين رافقوه. وكيف أثبت لنا هذا الخلاص أولئك الذين سمعوه؟ عندما بذلوا حياتهم، تقبّلوا الآلام، تقبّلوا الموت ما خافوا أبداً. بطرس، ذاك الخائف من خادمة، من جارية، يتجاسر ويقول: نحن لا نستطيع أن نصمت عمّا رأينا وسمعنا. ويقول: من نطيع، اللّه أم البشر؟ استعدّ هؤلاء الذين سمِعوا للعذاب، فرحوا حين جلدوهم، استعدوا للموت، وكان أوّلهم استفانوس. ما أعلنه الربّ بالكلام، عاشه الذين سمعوه واستعدّوا أن يموتوا لأجله.
ويتابع الرسول في آية 4 وأيّد اللّه شهاداتهم بآيات وعجائب ومعجزات مختلفة. نعم شهدوا، فمن يثبت شهادتهم؟ اللّه. يوم العنصرة، اهتزّ البيت فتساءل الناس وقالوا: هؤلاء هم سكارى. فأفهمهم بطرس. هناك مخلّع عند الباب الجميل، باب الهيكل. شفاه بطرس، فطرح الناس الأسئلة وبيَّن بطرس أنه شفاه لا بقدرته، بل بإسم يسوع الناصري: قمّ أحمل فراشك وامضِ الى بيتك. نعم، جاءت المعجزات تبيّن هذا الخلاص الذي دشّنه يسوع المسيح خلال حياته على الأرض، ويواصله الذين سمعوه. ونحن أيضاً نواصله اليوم.
وبطرس صنع من المعجزات، كدت أقول أكثر من يسوع المسيح. ظلُّه كان كافياً لكي يَشفي. المرضى وما نقوله عن بطرس نقوله عن بولس يكفي أن تلمس المحارم جسده حتى تحمل الشفاء. وحين أقام ذاك المخلّع في لسترة، حسبوه الهاً من الآلهة، وأرادوا أن يذبحوا له الذبائح كما لآلهتهم. نعم، البشر ضعفاء، فمن أين تأتي قوّتهم؟ من الرب يسوع. قال لهم: ستعملون هذه الأعمال، بل تعملون أعظم منها لأني ماضٍ الى الأب. هو أعطانا هذه القوة مع أننا ضعفاء، لكي نواصل الشهادة. وفي أي حال سيقول عملائيل لمجلس اليهود، الذين احتاروا أمام هؤلاء الرسل الضعفاء، الذين لا فضة لهم ولا ذهب كما قال بطرس عن نفسه، قال لهم: ان كان هذا المشروع من الناس، فهو يزول. أما إذا كان من اللّه فلا تستطيعون أن توقفوه وإن حاربتموه كنتم وكأنكم تحاربون اللّه.
نعم، المعجزات، الآيات، هي التي أثبتت لنا أن الخلاص هو هنا. أتى. المرضى يُشفَون، البرصُ يطَهَّرون، المساكين يُبشّرون. ذاك كان البرنامج الذي جعله يسوع أمامه، وسلَّمه الى الرسل: كما أرسلني الأب هكذا أنا أرسلكم. أمضوا، أشفوا المرضى، أَخرجوا الشياطين مجّانًا أخذتم، مجاناً أعطوا.
ومن أين أتت هذه القوة؟ أتت أيضاً من الروح القدس. تتحدّث الرسالة عن هبات الروح القدس التي يوزّعها كما يشاء. نعم هي المواهب. المواهب في الكنيسة تحدّث عنها بولس في الرسالة الى كورنتوس، الرسالة الأولى: مواهب الشفاء، مواهبا لخدمة، مواهب التدبير، مواهب النبوءة، مواهب التكلّم بألسنة. مواهب عديدة نعرف مثلاّ موهبة أبولوس الذي كان يُقنع اليهود ببراهينه، وهو العارف بالكتب المقدّسة، ويُقنع السامعين كلّهم بقوة البلاغة التي تحلّى بها. وتيموتاوس وتيطس، هذان المساعدان لبولس، عرفا كيف يكونان في خدمة الجماعات، ويسهّلان الطريق للبشارة.
وبولس الذي نال الهبات، الهبات العديدة، قال لهم: أستطيع أن أتكلّم بألسنة مثلكم: هذه هبة. أستطيع أن أتنبّأ، أي أن أقول كلمة اللّه في أي وقت من الأوقات أستطيع أن أخدم. كان يعمل بيديه لكي يخدم الجماعة.
مواهب الروح القدس، هبات الروح القدس، يوزّعها كما يشاء. يعني يوزّعها من أحل البنيان. إذا كنّا نتكلّم كلاماً صالحاً، كلاماً طيّباّ، فلأن الروح يهبنا قوة الكلام. إذا كنا ندبّر الكنيسة التدبير الذي يريده الربّ، فلأن الربّ، فلأن الروح القدس يهبنا نعمة التدبير، موهبة التدبير.
ها الكنيسة تنطلق. كان هناك مرحلة أولى مع الرسل الأولين، واليوم مع الرسالة الى العبرانيين. يبدو أنّ الرسل ماتوا كلّهم. مات بطرس، مات بولس، مات الجميع، صرنا في الفوج الثاني، صرنا في المرحلة الثانية. نحن لم نصل الى يسوع المسيح. لم نرافق يسوع المسيح. شابهنا بولس الذي سمع يسوع بواسطة الذين سمعوه. وجماعةُ العبرانيين سمعوا كلام الربّ من الذين سمعوه. ونحن أيضاً نسمع كلام الربّ الذي أتى الينا عبر الرسل والتلاميذ والأساقفة والكهنة والشمامسة وكلّ شعب اللّه. نحن نسمع من الذين سمعوا، نحن نتعلّم من الذين تعلّموا أو الذين يعلّموننا. يبقى علينا أن نأخذ الموقف المناسب فنكون من أهل الخلاص.
إذا كان من عصاك كلام الأنبياء نال الجزاء العادل، فلنحذر نحن أن نُهمل مثل هذا الخلاص. الخلاص قريب منّا، الخلاص في متناول أيدينا، فما لنا الا أن ننظر الى يسوع المسيح، ذاك المخلّص، نرفع عيوننا اليه، فنجد الخلاص، ونجد الحماية، ونجد الفرح، ونحمل هذا الفرح الى الذين حولنا، متقوّين بمواهب الروح القدس التي يمنحها الى كلّ واحد منا. آمين.