12- الابن أعظم من الملاكئة 1: 4-6

12- الابن أعظم من الملاكئة

1: 4-6

ما زلنا نقرأ الرسالة الى العبرانيين هي الرسالة الكهنوتية بإمتياز فالمسيح عظيم الكهنة ولا عظيم كهنة الاّ هو. في العهد القديم كان هناك عظيم كهنة، بل عظماء كهنة. كلّهم زالوا، زالوا روحيًا، وخصوصًا زالوا جسديًا سنة 70 بعد المسيح، حين دُمّرت أورشليم. والمسيح، بما أنه عظيم كهنة، هو إله وهو إنسان. ولكن بما أنه إنسان، أخذ جسدنا، أخذ طبيعتنا، أخذ ضعفنا. حسبَه الناسُ أقل من الملائكة. اعتبروا أن الملائكة، الذين هم أرواح كما يقول التقليد، هم أعظم من ابن اللّه. فجاء ردّ الرسالة الى العبرانيين منطلقًا من الكتاب المقدّس في العهد القديم.

ولهذا عنوان حديثنا اليوم: الإبن أعظم من الملائكة. ونحن نقرأ الفصل 1 آية 4 – فكان أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسمًا مسحك الله إلهك بزيت البهجة دون رفاقك.

وكان أعظم من الملائكة. من هو الملاك؟ أولاً، لا نجد شيئًا في الكتاب المقدّس عن خلق الملائكة. في سفر التكوين. الفصل الأول نقرأ في البدء: خلق اللّه السماوات والأرض، خلق الشمس والقمر والكواكب. وفي النهاية: خلقَ الإنسان. ولكن لا كلام عن خلق الملائكة.

أما التقليد اللاهوتي اللاحق، الذي أخذ به آباء الكنيسة، فتحدّث عن خلق الملائكة في اليوم الأول من الخلق. بما أن الملائكة هم أرواح، كما كانوا يقولون، فلا بدّ أن يكونوا خُلقوا في اليوم الأول. أما كلمة ملاك فهي تعود الى اللّغة العربية: لأك أي أرسل. الملاك هو في أول الأمر ذاك الذي يرسله اللّه. هو المرسل من لدن اللّه. وهذا ما نعرفه من خبر البشارة. أرسل اللّه جبرائيل الملاك من عنده، الى عذراء مخطوبة. وكذلك نقول بالنسبة الى بشارة زكريا بيوحنا المعمدان وأيضًا في سفر دانيال: أتى جبرائيل الى دانيال.

في السريانية، الملاك هو المتيقّظ، الذي لا ينام. هو الساهر نهارًا وليلاً.

في العبرية هو الكلام عن ملاك كما قلنا، هو المرسل. هذا المرسل عرفنا عنه في التقليد اللاحق، عرفنا عنه مثلاً في سفر طوبيا. أراد طوبيت الأب أن يرسل ابنه في مهمة، ولكن من له بأن يرافق ابنه؟ فهو لا يعرف الطرق في أرض بابل وماداي وغيرها، في هذا المشرق الواسع. وإذا به يجد شخصًا إسمه عزريا. عزريا هذا قال إنه شخص من العبرانيين: رافق طوبيا، نجّاه من الخطر حين كان عند الفرات، وهجمت عليه سمكة كبيرة، فعلّمه كيف ينجّي زوجته الآتية، سارة، من شيطانها، وأباه من عماه، ورافقه الى سارة، وعلّمه ماذا يقول وماذا يفعل. وفي النهاية أراد الأب طوبيت والابن طوبيا أن يقدّما شيئاً من المال لهذا الذي رافقهما طوال الطريق، وأمّن لهما السعادة والمال الكثير، قال لهما: أنا آتً من عند الربّ. قال: أنا ملاك. اعتبرتم أني آكل وأشرب. كلا، تظاهرتُ بأني آكل وأني أشرب، ولكني أنا ملاك.

أما على مدى الكتاب المقدس، فنقرأ أولاً عن حضور ملاك الربّ، قبْل أن يظهر الربّ، قبل أن يتكلّم الربّ. يقول النص: أتى ملاك الربّ، رسول الربّ، كأن الكتاب يريد أن يجعل مسافة بين اللّه وبين الإنسان. فالإنسان، عندما يأتي الى ملك من الملوك، فهو ينتظر في غرفة جانبية، وذلك قبل أن يدخل الى الملك. وهذا ما نقوله عن ملاك الربّ. أول خطوة، أول لقاء مع الإنسان، يتمّ مع ملاك الربّ. هذا ما نجده مثلاً في خبر موسى عند العليقة الملتهبة. جاءه ملاك الربّ، وقال له: اخلع نعليك من رجليك، لأن المكان الذي أنت قائم فيه هو مقدّس. وبعد ذلك بدأ الحديث بين اللّه وبين موسى مباشرة.

فالملاك اذاً هو عازل مؤقت، حتى يعرف الإنسان كيف يستعدّ للقاء بالرب، هذه الصورة الآتية من عالم الشرق، أخذ بها الشعب العبراني، الذي خاف الاقتراب من اللّه، وما كان يجسر أن يذكر اسمه، فلا يقول مثلاّ يهوه يعني الإله الذي ما كان يجسر أن يناديه باسمه فنقول: أدوناي، أي السيّد. جاء الملاك فنبَّه الإنسان أن اللّه، وان كان قريباً من الإنسان، فعلى الإنسان أن يعرف كيف يجعل مسافة بينه وبين اللّه. وكان كلام آخر عن الملائكة. حدثنا إشعيا عن السرافيم. السرافيم صورة عن النار. "سرف" هو النار المحرقة. واعتبر أشعيا ان السرافيم هم هنا بأجنحتهم الستة لكي يمنعوا الانسان من الاقتراب إلى الله: بإثنين يغطّون وجههم، وباثنين يغطّون أرجلهم، وبإثنين يطيرون، يطيرون يعني يلبون إرادة الربّ بسرعة، كما نقول في لغتنا: على جناح الطير.

ثمّ حدثْنا حزقيال عن الكروبيم، هؤلاء الملائكة الذين تصوَّرَهم انطلاقاً ممَّا رأى أمام قصر الملوك في بابل: يجمعون قوّة الأسد وقوّة الثورة قوة الإنسان وقوة النسر. يجمعون كلّ هذا في واحد وجاء العالم اليهودي الذي أخذ به القديسُ بولس. فتحدّث عن الرءسات والسلاطين والقوات. وراح الآباء يقولون بسبعة أجواق من الملائكة، وكلّ جوقة تقترب بعض الشيء من اللّه.

ولما كتب القديس بولس وتلاميذه الرسالة الى العبرانيين، كانت الفكرة بأن الملائكة هم أرواح. يعني هم بين الإنسان واللّه. اللّه روح محض، والملائكة أرواح خلقهم الله، والإنسان روح وجسد. ولكن بما أن يسوع صار إنساناً، اتّخذ طبيعتنا البشرية، اعتُبر بشرياً أنه أقل من الملائكة. الملائكة أرواح، هو له جسد. الملائكة لا ينامون، هو ينام. الملائكة يسرعون، هو محصور على الأرض. هو في هذا المكان لا في ذاك. هو يشفي، ثم يفعل ما يجب أن يفعل بعد ذلك.

وخصوصاً في العالم اليوناني، المادة تُحدر الإنسان، تُحدر اللّه، تُحدر عالم الله، تجعله أقلّ من عالم الروح ولكن المسيح ما خاف أن يأخذ جسداً، أن يصير شبيهاً بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. اعتبره بعض المعلّمين الضالين، اعتبروه أقلَّ من الملائكة. فجاء الجواب: هو أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أعظم من أسمائهم. الكلمة الأساسية هي الاسم. والإسم هو خاص باللّه. نرسم اشارة الصليب، ونقول: باسم الآب والابن والروح القدس. الاسم يدلّ على الشخص.

ونتذكّر هنا في سفر الأعمال، حين هددت السلطة اليهودية الرسل: لا تتلفظوا بهذا الاسم كلنا نعرف هذا الاسم، هو اسم يسوع المسيح. والرسالة تقول هنا: ورث اسماً أعظم من أسمائهم. نعم، اسم الابن أعظم من اسم الملائكة. وفي الرسالة الى أهل فيليبي، نعرف أن يسوع هو صورة اللّه الذي لا يُرى. أخذ صورة العبد، وصار عبداً طائعاً حتى الموت والموت على الصليب. من يتوقّف هنا، يعتبر أن الملائكة هم أعظم من الابن. ولكن الرسالة الى فيلبي لا تتوقف هنا. قال: صار عبداً طائعاً حت الموت والموت على الصليب. ولكن اللّه رفعه وأعطاه الاسم الذي هو فوق كلّ اسم، بحيث نجسد لاسم يسوع كلّ ركبة في السماء وعلى الأرض، وتحت الأرض ويعترف كلّ لسان أن يسوع هو الرب لمجد الآب.

أجل، ذاك الذي انحدر، تنازل، أخذ إسماً يفوق كلّ الأسماء. هذا الذي مات وقبر، قام وصعد الى السماء وجلس عن يمين الآب. بدأت الرسالة وأعطت فعل الإيمان: اسم الابن أعظم من أسماء الملائكة.

ومع الآية 5 من الرسالة الى العبرانيين، تبدأ البراهين. أول برهان جاء من العهد القديم. هو المزمور الثاني: فلمن من الملائكة قال اللّه له يوماً: أنت ابني وأنا اليوم ولدتُك؟ قال اللّه يوماً للملائكة. الملائكة، الملاك ليس إبن اللّه يسوع المسيح هو الابن الوحيد على ما أُعلِن في العماد الذي ناله يسوع على نهر الأردن: هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا، عنه رضيت. ونقرأ في إنجيل لوقا: أنت ابني وأنا اليوم ولدتُك.

وحده يسوع هو الابن، وحده يسوع هو المولود من الآب قبل كلّ الدهور، كما نقول في النؤمن: وبربّ واحد يسوع المسيح ابن اللّه الوحيد، المولود من الآب قبل كلّ الدهور. اليومَ ولدتُك، فلا ماضيَ عند اللّه ولا مستقبل عند اللّه. اللّه هو الحاضر الدائم: اليوم ولدتك، منذ الأزل ولدتك، وفي كلّ يوم ألدك. فاللّه هو الآب، واللّه هو الابن، والعلاقة بين الأقنوم الأول والأقنوم الثاني هي علاقة الأبوّة وعلاقة البنوة.

وقال أيضاً: أكون له أباً ويكون لي ابناً. هذا أيضاً يأتينا من المزامير. هو الآب، الآب السماوي، والابن يسوع المسيح وهذا لم يُعطَ للملائكة.

ويتواصل البرهان في آية 6 : وعندما أرسل ابنه البكر إلى العالم. قال أيضًا: نسجد له كل ملائكة اللّه. الملائكة تسجد للإبن، لا الابن هو من يسجد للملائكة. وفي أي حال نعرف من سفر الرؤيا أن ذاك الرائي يوحنا في جزيرة بطمس، حاول مرتين أن يسجد أمام الملاك الذي يرافقه في رؤياه، فمنعه وقال له: لا تفعل، فأنا خليقه مثلك. بل أسجُدْ للّه الحيّ. أما هنا، فالملائكة تسجد للابن، كلّ الملائكة يسجدون للابن.

ويتحدّث الرسول عن ابنه البكر. نعم ابنه البكر. وكيف يكون البكر ولا اخوة له على مستوى اللاهوت؟ نحن نقول: وبربٍّ واحد يسوع المسيح ابن اللّه الوحيد. فإذا قلنا البكر، فهذا يعني أن له إخوة وأخوات. ففي السماء، الابن هو الوحيد. ولكن الكاتب يربط السماء بالأرض. لا شكّ إن يسوع هو الابن الوحيد، ولكنه أراد لجميع البشر أن يكونوا معه أبناء وبنات. هو بكر من أتى الى العالم، وبكر الخلائق كلّها، ونحن نأتي بعده، نحن إخوته وأخواته. ما هذه النعمة الكبيرة! نحن إخوة واخوات يسوع المسيح. حين جاء الابن الى العالم، صار البكرَ بين إخوة عديدين وْما استحى أبداً أن يدعونا أخوته، مع أننا ضعفاء، مع أننا خطأة، مع أننا خائنون للربّ أكثر من مرّة فمع ذلك، الابن هو البكر وقيل: لتسجد له كل ملائكة اللّه الخليقة كلّها تسجد للربّ يسوع، لأنه اله من اله، نور من نور، اله حقّ من اله حقّ.

هذه هي البراهين الأولى التي تشدّد على أن الابن، على أن يسوع المسيح يسجدون هو اللّه وابن اللّه، أن اسمه أعظم من أسماء الملائكة. فالملائكة خدّام له، والملائكة يسجدون له. وفي الوقت عينه، هذا الذي هو في السماء واسمه أعظم الأسماء، هو أيضاً على الأرض، هو الابن البكر لأن له اخوة وأخوات. فاللّه ليس له فقط الابن الوحيد، بل له الأبناء والبنات العديدون، كما يقول المزمور: ها أنا والأبناء الذين أعطيتني.

هكذا كان يسوع عظيم الكهنة. فالكاهن هو الوسيط بين اللّه والبشر. اسمه كبير اسمه الاسم. هو ابن اللّه، وهو الابن مع الأبناء. صار إنساناً فما أعظم كاهننا! وهذا الكاهن ما استحى ان يكون أخاً لنا، بانتظار أن يرفعنا اليه، فنكون نحن حيث يكون هو، كما قال للتلاميذ بعد العشاء السري. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM