11- جلس عن يمين الله 1: 3

11- جلس عن يمين الله

1: 3

جلس عن يمين الله. هذا هو عنوان موضوعنا في مشروع الله العظيم. خلق، حفظ في الوجود، طهّر البشرية من خطاياها، وكل هذا بواسطة الابن الذي أكمل مشروع الآب من على الصليب يوم قال: تمَّ كل شيء. وحين أتمّ مشروع الآب، جلس عن يمين اللّه. كلّ هذا أوجزته الكنيسة في قانون الإيمان. فالنؤمن يقول: الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا تألّم ومات وقبر، وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، وصعد الى السماء وجلس عن يمين الله. انتهى مشروع الآب. فالابن هو بجانب الأب، وحين نقول عن يمين الآب لا نعني أن للّه مثلنا يمينًا وشمالاً. اليمين صورة عن الكرامة، عن العظمة التي يتمتّع بها الابن، لا على أنه اللّه فقط، لا على أنه ابن اللّه فقط، بل على أنه إنسان أيضًا. فهو حين صعد الى السماء، حمل معه بشريته، وهو سوف يحمل البشرية كلّها، لأنهم كلهم أخوته وأخواته. نعم، البشرية كلّها إخوة يسوع وأخواته.

تقول الرسالة الى العبرانيين. لا يستحي أن يدعونا إخوته. لأجلنا صار شبيهاً بنا بكلّ شيء. مؤكد ما عدا الخطيئة. فالإنسان في أصله لا خطيئة عنده. المسيح هو قبل الخطيئة عنه أُخذت صورة الإنسان حين خلقه اللّه على صورة اللّه ومثاله. هذا الإبن تشبّه بنا، صار منا. وبما أنه صار منا، أرادنا كلنا أن نكون أيضاً عن يمين الأب. ففي الدينونة الأخيرة كما نقرأ في إنجيل متى الفصل 25 : 31، نرى ذاك المسيح يقول للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم. لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني... وتتواصل اللائحة، ويمكن أن تتواصل حتى نهاية العال نكونم عن يمين المسيح.

إذا كان المسيح جلس عن يمين الآب، فهو يريد لكلّ واحد منا، ولتلاميذه بشكل خاص أن يكونوا عن يمين الآب. فهو الذي قال في صلاته الأخيرة: أيها الآب أريد أن يكونوا حيث أكون أنا، ليروا المجد الذي أعرفه أنا. نعم المجد الذي يتمتّع به الابن، يريد لكلّ واحد منا أن يتمتّع به. يقول لنا بولس الرسول: نحن الآن ننظر كما في مرآة، أما في ذلك الوقت فوجهاً الى وجه. ويقول لنا يوحنا: نحن الآن لا نرى، لكن في ذلك الوقت نَرى كما نُرى نحن. نكون في مجد الآب، نكون في سعادة مع الأب. هذا هو الابن الذي أكمل مشروع الأب. مشروع كبير هو أن يتمجّد الآب على الأرض. بانتظار المجد الكامل في السماء.

تقول الرسالة الى العبرانيين (1: 3): جلس. ثم: الى يمين اله المجد. جلس، والجلوس يدلّ على أنه معلّم البشرية كلها. في مفهوم الشعب اليهودي، المعلم هو من يجلس، ويكون التلاميذ عند قدميه ويتعلّمون. هذا ما يخبرنا انجيل لوقا عن مريم: كانت عند قدمي المعلم. وفي بداية خطبة الجبل، جلس يسوع وتلاميذه كانوا حوله، فقال: طوبى للمساكين، طوبى للودعاء.

المسيح هو الجالس كما الملك يجلس على عرشه. جلس الابن على عرشه وهنا يمثَّلُ الابن كأنه الوزير الأول. كلا. ففي سفر الرؤيا، نرى الآب والابن جالسين على عرش واحد. هذا لا يمكن أن نتصوره في مفهومنا البشري: كيف يجلس الابن فوق الآب هذا غير معقول. ولكننا نعطي صورة: الابن هو في حضن الآب. ولكن سفر الرؤيا يريد أن يقول لنا أن زاد الابنُ فالآب يدين. إن أحيا الإبن فالإبن يُحيي. ما يفعله الآب يفعله الابن الآب مثله. جلس عن يمين اله المجد. هذا هو موقع يسوع في السماء. ولكنه على الأرض يبقى ذاك الحمل الذبيح والقائم، لأنه قام من بين الأموات. ولكنه يبقى الذبيح المذبوح. ولكن بسبب وجوهنا ما عاد الناس يكتشفون وجه الله ما عادوا يكتشفون وجه يسوع المسيح من خلال وجوهنا، ما عادوا يرون أعمال اللّه، أعمال يسوع المسيح من خلال أعمالنا.

لهذا نحن لسنا مجد اللّه الكامل على الأرض. وحده يسوع كان مجد اللّه الكامل. وحده يسوع صورة اللّه الكاملة. من يكمل هذه الصورة؟ يسوع المسيح، وذلك حين يرتفع ويرفعنا معه. هذا ما قاله مرة من المرات: أنا إذا ما ارتفعت رفعت اليّ العالم كلّه. أيّة رفعة؟ رفعة الصليب. أولاً إرتفع على الصليب فرفعنا كلّنا معه، ومن لا يمرّ في الصليب لا يعرف القيامة، ولا يعرف المجد، ولا يعرف الصعود والجلوس عن يمين الأب.

فيسوع نفسه قال لتلميذي عماوس: كان لا بدّ لابن الإنسان، يعني يسوع. أن يمرّ في هذه الآلام قبل أن يدخل الى مجده وقال: أنا إذا ما ارتفعت رفعت اليّ كلّ إنسان. أولاً يرفعنا المسيح الى مستوى الصليب، فنصبح مثل سمعان القيرواني أو القيريني، الذي حمل الصليب وسار وراء يسوع. ولكن رفعة الصليب ليست النهاية، والصليب ليس نهاية يسوع المسيح. الصليب هو الذروة في حياة يسوع، هذا ما لا شكّ فيه. ولكن هذه الذروة لا تنتهي في الظلمة التي أحاطت بالصليب، حين صرخ يسوع الهي الهي لماذا تركتني، وأسلم الروح. كلا الذروة لا تنتهي في الظلمة، لا تنتهي في الموت. الذروة هي في القيامة. في نور القيامة النسوة ذهبن الى القبر ليلاً، ولكن القبر مضاء مشعشع. الملاك هو هنا لكي يستقبل الآتي والآتيات.

وفي النهاية يسوع هو النور الحقيقي، هو النور الكامل، نور القيامة قال: أنا إذا ما ارتفعت رفعتُ اليّ كلّ إنسان. إذا قبلنا أن نرتفع مع يسوع على الصليب، لا شكّ نرتفع معه في المجد.

فلماذا يخاف الناس: نحن خطأة هل نخلص هل ننجو من نار جهنم؟ ونصلّي: نجنا من نار جهنم. مساكين! نحن أبناء اللّه، ونعيش كالأبناء والبنات، هل نخاف من جهنم؟ العبد يخاف، الابن لا يخاف. هو في حضن أبيه. ولو كان بعيداً مثل الإبن الضال ففي النهاية يعود.

قال: أقوم. كان شبه ميت. أقوم وأعود الى أبي، وأقول له ثلاث كلمات. أقوم. بعد كلّ خطيئة نحن نسقط، نقوم. الخطيئة ليست النهاية. الخطيئة كانت محطة عابرة في مشروع الله. مشروع اللّه أن يجعل الكون كلّه جمالاً مشروع اللّه أن يبدّل بشريتنا الخاطئة، مشروع اللّه أن يجعلنا ممجدَّين مع ابنه يسوع المسيح. ولهذا نحن لا نخاف خوف العبيد، بل نعيش كالأبناء. نبدأ فنمجد الله على الأرض، بانتظار أن نمجّده في السماء. هذا ما فعله الملائكة منذ طفولة يسوع، ونحن أيضاً نفعل هذا منذ بداية حياتنا.

فيسوع دخل في هذا المشروع، في هذا المخطط، الذي نسميه قصد اللّه في البشرية. نعم، الابن مسؤول عن العالم لكي يرفعهم الى الله، غير أن هذا العالم يرفضه.

يقول يوحنا: أتى الى العالم ولم يعرفه العالم. أترى نحن من العالم فنرفض أن نعرف الابن، وأن نمجد الأب الذي أرسله. أتى الى خاصته، يقول يوحنا: خاصته بالدرجة الأولى هو الشعب العبراني. الذين أعدّهم الأنبياءُ أجيالاً وأجيالاً لكي يعرفوا الإله الواحد، لكي يعبدوه: أنا هو الرب الهك لا يكن لك اله غيري، أن يعيشوا بحسب الوصايا. وشعب اللّه في درجة ثانية نحن، نحن المؤمنين الذين تعمّدنا أولاً. المسيح صلى من أجلنا في صلاته الأخيرة، إحفظ لا فقط التلاميذ الذين يحيطون بي، بل احفظ الذين يؤمنون بي عند بشارتهم. نعم جاء الى خاصته، الى أخصاءه الى الذين يخصونه. نحن نخص اللّه نخصّ الإبن. وحين خُتمنا بالمعمودية والتثبيت والقربان المقدّس، بما يسمى أسرار التنشئة. صرنا خاصة الابن، انطبعنا بطبعه، بختم يسوع المسيح إذاً كيف نقبل يسوع المسيح؟ جاء الى خاصته وخاصته لم تقبله. أما اللذين قبلوه فصاروا أبناء اللّه. نحن في الأصل أبناء اللّه: اعتمدنا فصرنا أبناء وبنات اللّه، لكن علينا أن نعيش يوماً بعد يوم، لكي تظهر هذه البنوة. فالإنسان لا يكون إنسانًا فقط حين يكون في حشا أمه، ولا يكون فقط حين يكون طفلاً فالإنسان يكون إنسانًا حين يبلغ الى ملء قامة المسيح. يصير شاباً، يصير كهلاً، يصير شيخاً شبع من الأيام، لأنه شبع من اللّه. ونحن أيضاً اعتمدنا، جُعلت فينا بذرة الأبناء وبنات اللّه. فكلّ يوم يجب أن تظهر هذه البنوة.

لم تقبله خاصته. أما نحن الذين قبلناه فصرنا أبناء اللّه. هذا لا يُرَى قال: قال يوحنا في رسالته نحن أبناء اللّه منذ الآن ولكن ذلك يظهر بعد حقاً أننا أبناء اللّه.

نعم يا يسوع تمجّدت أنت حين أرسلك الآب الى العالم. وتطلب أن تمجّدنا معك، أن نمجّدك من خلال كهنوتنا. فالكنيسة كلها مجموعة كهنة في خدمة الآب السماوي. نشكرك على هذه الثقة الكبيرة، على هذا الفخر، على هذه النعمة. ونشكرك على المسؤولية العظيمة التي تعطينا. اجعلنا يا ربّ أن نكون على قدر المسؤولية، أن يكون كلّ واحد منّا ذلك الخادم الأمين الذي يأتي سيده في أية ساعة من ساعات النهار والليل، ويجده فاعلاً مشيئته. يأتي فيخدمه نعم أنت تكون خادماً لنا، تكون رفيقاً لنا تكون الفادي لنا. شكراً لك يا يسوع شكراً لكم آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM