الفصل الخامس والأربعون والسادس والسابع والثامن والأربعون

الفصل الخامس والأربعون

بنعمة ربِّنا يسوع المسيح التي مُنحت ليوحنّا، سمع كلُّ سكّان بطمس تقريبًا كرازة الرسول وآمنوا بالله. وإذ مات دوميسيان الذي نفانا، فإنَّ خلفه لم يضطهد المسيحيِّين. وإذ عرف قداسةَ يوحنّا وطيبته، أبطل قرار النفي الذي اتَّخذه سلفُه علينا. وإذ رأى يوحنّا أنَّ جزيرة بطمس كلَّها تلقَّت الإيمان، استعدَّ للعودة إلى أفسس. وإذ عرف الإخوة أحسُّوا بحزن كبير، فاجتمعوا ومضوا إلى يوحنّا وتوسَّلوا إليه ألاَّ يبتعد بل يبقى معهم حتّى موته. فعزَّاهم يوحنّا قائلاً: «يا أولادي الصغار، لماذا تبكون أنِّي أنطلق؟ لماذا تحمِّلونني هذا الحزن؟ هل أستطيع أن أقاوم مشيئة الله؟ إعلموا أنَّ ربَّنا يسوع المسيح الذي أرسلني، ظهر لي وأمرني أن أعود إلى أفسس بسبب الضلال الذي سقط فيه الإخوة المقيمون في هذه المدينة».

وحين رأوا أنَّ يوحنّا لا يسلَّم لرغباتهم، سقطوا على رجليه باكين وقائلين: «بما أنَّك تريد أن تتركنا وحدنا، ضعيفين في الإيمان، محرومين من المعرفة، فأقلَّه لا تتركنا كلِّيًّا. اترك لنا خبر العلامات التي رأيت لدى ابن الله، وكلماتٍ سمعتها من فمه، لكي نبقى ثابتين وراسخين في كلمة الربّ، ولا نسقط من جديد في فخاخ إبليس الشنيعة التي أفلَتْنا منها بفضلك».

فأجابهم يوحنّا: «يا أولادي الأعزّاء، سمعتُم من فمي خبر جميع المعجزات التي أجراها ابن الله. وعلَّمتُكم الأقوالَ التي تفوَّه بها. اعبدوا الله، وما بشَّرتكم به يكفيكم. احفظوه بأمانة فتكون لكم الحياة الأبديَّة([1]). كشفتُ لكم الوحي الذي تنازل وأوحاه لي ربِّي يسوع الذي هو البداية والنهاية([2]). ورأيتم المعجزات التي أجراها الربُّ بواسطتي». ولكنَّهم ثابروا في طلباتهم قائلين: «أيُّها المعلِّم والمؤدِّب الحقيقيّ، والمعزِّي الكبير، إسمع طلباتنا واستسلم لرغبتنا. اعرُضْ لنا كتابة ما رأيتَ بالنسبة إلى يسوع المسيح ابن الله([3]) وما سمعتَ من فمه». فأشفق يوحنّا عليهم وقال: «يا أولادي، أمضوا كلُّ واحد إلى بيته وصلُّوا إلى الربِّ لكي يتنازل ويستجب رغباتكم. إن كانت تلك مشيئة الربِّ يعرِّفكم بها بواسطتي أو بواسطة آخر. فيستجيب طلبكم ويمنحكم ما تتمنَّون». فمضى كلُّ واحد إلى بيته.

الفصل السادس والأربعون

بعد أن جرتْ هذه الأمور، اقتادني يوحنّا إلى موضع منعزل ومقفر، يبعد عن المدينة ميلاً واحدًا. هناك كان جبلٌ وعر، لبثنا فيه ثلاثة أيّام في الصلاة والصوم، ونحن نطلب من الله أن يمنح الإخوة ما يرغبون. وفي اليوم الثالث، دعاني وقال لي: «يا ابني بروخور، امضِ إلى المدينة وجئني بالورق والحبر، ولكن لا تقُلْ للإخوة في أيِّ موضع أنا موجود». فدخلتُ إلى المدينة ونفَّذتُ أمره وجئتُه بما طلب. فقال لي: «اترك هنا هذا الورق وهذا الحبر وارجع إلى المدينة. وبعد ثلاثة أيّام تعود إليَّ».

فعلتُ ما أمرني به وعدتُ إليه في اليوم الثالث، فوجدتُه يصلِّي. ولمّا أنهى صلاته قال لي: «خذِ الورق والحبر، واجلس عن يميني». ففعلت. وفي الحال، هبَّت عاصفة كبيرة وكان صوتُ زلزلة فتحرَّك الجبل كلُّه وسقطتُ على الأرض تمسكني الرعبة ووجهي إلى الأرض ولبثت مدَّة طويلة وكأنِّي ميت. فأنهضني يوحنّا وقال لي: «يا ابني بروخور، اكتبْ باعتناء ما ستسمعُ من فمي». وثبَّت يوحنّا عينيه موجَّهتين نحو السماء، وفتح فمه وبدأ إنجيله المقدَّس فقال: «في البدء كان الكلمة» (يو 1: 1). وواصل هكذا وعيناه مثبتتان باتِّجاه السماء: «والظلمة لم تدركه» (آ5). وبعد توقُّف قصير واصل فقال أقوالاً أخرى. كتبتُ وأنا جالس، ولبثنا هكذا يومين وستَّ ساعات، هو يتكلَّم وأنا أكتب. وحين أنهى يوحنّا الخطبة الإلهيَّة، عُدنا إلى سوسيپاتر وعند برودياني والدته، وبتنا الليل هناك. فقال يوحنّا لسوسيپاتر: «يا ابني، أعطني رقًّا جيِّدًا لكي أكتب فيه الإنجيل المقدَّس الذي تنازل الله وكشفه لي». فأطاع سوسيپاتر. فأمرني يوحنّا أن أجلس وأكتب الإنجيل المقدَّس. وهذا ما أتممت بسعادة كبيرة بنعمة يسوع المسيح ربِّنا.

الفصل السابع والأربعون

وإذ كنتُ أكتبُ الإنجيل، كان يوحنّا يكرز الإنجيل للشعب في الجزيرة كلِّها، فيرسم الأساقفة والكهنة وسائر خدّام الكنيسة. وحين انتهيتُ من الكتابة، أمر يوحنّا الإخوة كلَّهم بأن يجتمعوا في كنيسة الله، كما أمر بقراءة الإنجيل المقدَّس بمحضر من هذه الجماعة([4]). قرأتُه، ففرح جميعُ الحاضرين ومجَّدوا الله وامتدحوا عظائمه. وقال يوحنّا لجميع الإخوة بأن يتقبَّلوا الإنجيل المقدَّس وأن ينسخوه ويجعلوه في كلِّ الكنائس. وهذا ما فعلوا. قال: «احتفظوا في الجزيرة بالنسخة المكتوبة على جلد الماعز، ويجب أن نحمل معنا إلى أفسس تلك المكتوبة على ورق». وحين تمَّت هذه الأمور، قضى يوحنّا سبعة أشهر يجول في قرى الجزيرة مبشِّرًا. ثمَّ ترك الجزيرة حيث كتب بيده سفر الرؤيا كما أمره الله.

الفصل الثامن والأربعون

ووجَّه أساقفة آسية (الصغرى) والشعب، وكايوس وأرسترخس([5])، تلميذا الرسول يوحنّا، رسائل إلى مجلس الشيوخ الرومانيّ، يطلبون بأن يُدعى يوحنّا من منفاه لأنَّ كلَّ قرارات دوميسيان كُسرَتْ. إذًا، دُعي يوحنّا من المنفى. وحين رجع إلى أفسس، راحوا كلُّهم قدَّامه لكي يستقبلوه بإكرام. وبعد أن دخل في إحدى مدن الجزيرة ليعظ، صرخ ابن كاهن جوبتر([6]) واسمه أوخارير([7])، وكان أعمى وقد سمع بغيرة كلام الرسول، صرخ: «أستمعُ إليك طوعًا، يا من تكرز بالإله الحقيقيّ، ولكن ينقصُني أن أستطيع مشاهدة صورتك. صلِّ إلى الله ليردَّ إليَّ النظر لكي أستطيع أن أرى بلذَّة كما أسمع، فيكون فرحي تامًّا كاملاً.» ويوحنّا الذي امتلأ عذوبة، تأثَّر بشقاء هذا الشابّ. وتحرَّكت أحشاؤه فاقترب منه وقال: «يا ابني، باسم يسوع المسيح، انظر». وفي الحال انفتحت عيناه ونظر وسبَّح الله. وإذ رأى والده أوخارير هذه المعجزة سقط عند قدمَي يوحنّا وطلب منه أن يعطيه ويعطي ابنه علامة يسوع المسيح. فدخل يوحنّا إلى بيته وعمَّدهما. وأتى حول يوحنّا جمهور من الإخوة اليهود واليونانيِّين ومن النساء فأعلن لهم كلمة الله بحسب الكتب المقدَّسة. وقال في النهاية: «يا أولادي الصغار، تذكَّروا أقوالي. احفظوا التقاليد التي تسلَّمتموها من فمي، واحفظوا وصايا يسوع المسيح التي أعطيَت لكم في الإنجيل المقدَّس بحيث تطيعونها فيملك يسوع المسيح فيكم. اتركوني الآن أرجع إلى أفسس لدى الإخوة الذين ينبغي أن أزورهم. وأنتم أقيموا في حراسة ربِّنا يسوع المسيح وحمايته. وأطلبُ منه أن يحفظكم في الأبديَّة.» وأعطاهم بركته. ثمَّ انطلقنا. فاستسلموا لحزن كبير. وطلبوا بصلواتهم ودموعهم أن يحتفظوا بيوحنّا في هذه الجزيرة، ولكنَّه رفض. وأتينا إلى شاطئ البحر. ولمّا وجدنا سفينة منطلقة إلى آسية، صعدنا إليها. في اليوم العاشر وصلنا إلى أفسس. فأتى إخوة آسية قدَّامنا بفرح عظيم، وهم يهتفون ويقولون: «مبارك الآتي باسم الربّ».([8])

 


[1]يو 20: 31. هكذا ينتهي انجيلُ يوحنا.

[2] رؤ 22: 13.

[3] يو 20: 30.

[4] ذاك ما فعل عزرا بالنسبة إلى كتاب الشريعة. رج نح 8: 1ي.

[5] Caius et Aristarque

[6] Jupiter: رئيس الآلهة في العالم الرومانيّ.

[7] Eucharer

[8] يو 12: 13. هكذا استقبلوا يسوع حين دخوله إلى أورشليم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM