الفصل السادس عشر والسابع عشر

الفصل السادس عشر

بعد ذلك، وصلْنا قربَ قصرٍ وقفَتْ أمامه سفينتُنا، فأقمنا فيه حتّى مغيب الشمس وحين عاد أولئك الذين نزلوا إلى الأرض، انطلقنا. وفي الساعة الخامسة ليلاً، ارتفعت عاصفةٌ شديدة وكانت السفينة في خطر كبير بأن تتحطَّم، بحيث إنَّ الموت كان أمام أنظارنا كلِّنا. فأتى عشرة رجال، كانوا على السفينة، إلى يوحنّا قائلين: «يا رسول الله الحيّ، يا مَن خلَّصتَ رفيقنا من أخطار البحر ورددتَه إلينا حيًّا وأعدتَه إلى أبيه التعيس، صلِّ إلى إلهك لكي يهدِّئ هذه العاصفة بحيث لا نهلك». فقال لهم الرسول: «اصمتوا، وليبقَ كلُّ واحد منكم مكانه هادئًا». فصمتوا كلُّهم. ولكن كانت الأمواجُ تتحرَّك بشكل أكبر. فأخذوا يصرخون: «ارحمنا يا رسول يسوع المسيح». فأجابهم: «اصمتوا. فهذه السفينة لا تهلك، وما من واحد منكم يخسر شعرة من رأسه([1])». ثمَّ نهض وقال: «أيُّها البحر، رسولُ يسوع المسيح يأمرُك باسم يسوع المسيح: اهدأ، اجمد». وفي الحال صار البحر هادئًا كلَّ الهدوء، فامتلأوا جميعهم دهشة.

الفصل السابع عشر

بعد ملاحة ثلاثين يومًا وثلاثين ليلة، وصلنا إلى إبِّيدور([2]) حيث يقيم اليهوديّ مارنو، الذي حرَّك الأفسسيِّين علينا مرارًا. وحين رآنا جالسَين في السفينة قال للذين كانوا معنا: «من هما هذان الرجلان اللذان هما معكم على هذه السفينة؟» فأجابوه: «هما مسيحيّان وخلَّصانا من خطر كبير خلال إبحارنا». فسأل مارنو: «ما اسمهما؟» فأجاب رفاقنا: «واحد يُدعى يوحنّا وتلميذه يُدعى بروخور». عندئذٍ صعد مارنو إلى السفينة وأخذ يصيح: «ماذا تفعلان هنا، يا ساحرين مبغضَين من الله ومن البشر؟» فوبَّخ مارنو واحدٌ من مرسَلي الملك كان مع الجنود المكلَّفين بحراستنا، وقال: «لماذا تتفوَّه بمثل هذه الأقوال على رجلين قدِّيسين؟ نحن نحرسهما. وبحسب أمر الملك، نقتادهما إلى جزيرة بطمس».

حين تكلَّم هكذا، نزل مارنو من مؤخَّر السفينة، ومزَّق ثيابه وصاح: «يا إخوتي المقيمين في إبِّيدور، أعينوني كلُّكم». وإذ كان مارنو غنيًّا وله خيرات كثيرة، تجمَّع حوله جمهورٌ كبير وسأله عن سبب صياحه هذا. فأجاب: «لأنَّه وصل إلى هذه المدينة ساحران مدنَّسان بالجرائم وقد ساما سكّان أفسس شرورًا كبيرة. وأتيا إلى هنا ليعذِّباكم العذابات عينها. فتعالوا إليَّ، أنتم المقيمون في إبِّيدور، ولنضع النار في هذه السفينة بحيث يحترق هذان الساحران».

صدَّق السكّان أقوال مارنو وأرادوا أن يحرقوا السفينة التي تقلُّنا. وحين رأى مرسلو الإمبراطور النوايا السيِّئة التي تنكشف علينا، قالوا: «يا سكّان إبِّيدور، احذروا من أن تفعلوا شيئًا ضدَّ هذين الرجلين. نحن نقودهما إلى المنفى في بطمس، بحسب أمر الإمبراطور الذي أمرَ بأن يُبعَدا إلى هناك». عندئذٍ أوقف سكّان إبِّيدور عملهما، بعد أن رأوا الرسائل المختومة بختم الإمبراطور، وقالوا: «لماذا لا تضربون هذين الرجلين بسيوفكم بحيث لا يفلتان بحيلهما ويختفيان من يديكم فيحلّ بكم غضب الإمبراطور؟ إنَّهما رجلان خطران جدًّا، وجدُّ ماهرين في السحر وقد أهلكا عددًا كبيرًا من الناس بمساوئهما. فالمدعوُّ يوحنّا دجّال يستحقُّ كلَّ العذابات». اندهش حرَّاسنا من هذه الأقوال، لأنَّ مارنو أضلَّهم بهذه الأقوال الكاذبة، ودعاهم ليأكلوا معه. وحين انتهوا من الطعام، قبَّلوا مارنو وعادوا إلى السفينة ساخطين. وإذ نسوا الإحسان الذي منحهم معلِّمي يوحنّا، قيَّدوه بقيود حديديَّة ثقيلة وأعادونا إلى النظام الذي فُرض علينا من قبل.


[1](1)  ذاك كان موقف بولس في رحلة الأسر. أع 27: 22ي.

[2](1) Epidaure مدينة في Argolide (اليونان) اشتهرت بمعبد إسكولاب، إله الشفاء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM