الفصل السابع عشر: لا تكون المرأة بلا الرجل ولا الرجل بلا المرأة

الفصل السابع عشر

لا تكون المرأة بلا الرجل ولا الرجل بلا المرأة

حين نقرأ الفصل الحادي عشر من الرسالة الأولى إلى كورنتوس، نأخذ فكرة عن الجدالات داخل الكنيسة، وعن الأهداف التي توخَّاها الرسول حين انتقل من كلام على ذبائح الأوثان (ف 8-10) إلى كلام عن النظام والترتيب فـي الجماعة (ف 11-14). أمّا المبدأ الذي يشكّل نقطة اتصال بين هاتين المجموعتيْن، فهو كلام الرسول: »اقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح« (11: 1). فـي التصرُّف مع الإخوة الضعفاء، تكون المحبَّة هي المسيطرة بحيث لا نبحث عن منفعتنا، بل عن منفعة القريب. ولكن لا مجال للمساومة، إذ لا نستطيع أن نشارك فـي مائدة الربّ وفـي مائدة الشياطين (فـي ظلِّ معبد من المعابد الوثنيَّة). هنا تقتدي الجماعة ببولس. وعليها أيضًا أن تقتدي ببولس فـي الحياة داخل الجماعة المسيحيَّة. وتتذكّر بولس. أتُرى بولس كان قد مضى من هذا العالم لكي يذكروه بالخير، بحيث إنَّ ما تقول الرسالة هنا يكون دُوِّن فيما بعد وأقحم فـي نصِّ الرسالة الأولى إلى كورنتوس كما تذكر »التقاليد« التي تسلَّمتها من الرسول. هي تعاليم قدَّمها للجماعة حين كان فـي وسطها، وها هي تحافظ عليهـا. أو بالأحرى لا تحافظ عليها، فيدعوها الرسول فـي كلام مُلفت جاذب أن لا تنسى.

ماذا نسيَت الجماعة ؟ كيف تكون المرأة فـي الكنيسة، وكيف يكون الرجل. ففي الربّ، لا رجل ولا امرأة. ولا يفتخر الواحدُ على الآخر، كما لا يحاول أن يسيطر على الآخر: إذا كانت المرأة من الرجل كما نقرأ فـي تفسير حرفـي لسفر التكوين، فالرجل هو من المرأة كما تقول الطبيعة. ونسيَت الجماعة أنَّه لا غنيّ ولا فقير خلال الاحتفال بعشاء الربّ لهذا هم يستخفّون بكنيسة اللّه ويهينون الفقراء. وأخيرًا، نسيَت كنيسة كورنتوس أهميَّة المواهب التي تكون فـي خدمة المؤمنين، لا فـي المزاحمة والنشاط بحيث يحسب الوثنيّون أنَّ اللّه إله فوضى (1 كو 14: 33)، وأنَّ المؤمنين جماعة من المجانين (آ23).

ونقرأ اليوم 1 كو 11: 2-16 الذي أعطيَ أكثر من عنوان: الرجل والمرأة أمام الربّ. أو: اللياقة فـي العبادة. أو: تغطية الرأس. أو: أدبُ النساء. أو: تغطية الرأس وقت العبادة. أو: كيف تكون المرأة خلال اجتماعات الصلاة. هذه العناوين العديدة تدلُّ على وجهات النظر فـي قراءة هذا المقطع البولسيّ الذي اجتذبه كلُّ شارح أو كلُّ قارئ إلى جانبه.

نــوعـيَّـة هـذا النـصّ

هذا النصُّ يطرح مسألة متشعِّبة، ويعكس واقعًا اجتماعيٌّا تعيشه كنيسة كورنتوس، كما يستعمل فـي اليونانيَّة ألفاظًا لم نتعوَّد أن نقرأها فـي الرسائل البولسيَّة. لماذا نطيل الشعر ؟ لماذا نقصُّ الشعر ؟ وهل تستحقُّ هذه الأمور أن يضيِّع بولس وقته فيها ؟

فاقترح البعض بأنَّ هذا المقطع (آ2-16) أدرج فـي هذا الموضع من الرسالة بعد وفاة الرسول. بل جعلوا من هذا النصِّ ثلاث وحدات أوردها ناشرُ الرسالة حين ضمَّها إلى سائر الرسائل البولسيَّة (2 بط 3: 15-16). الأولى، آ3، 8-9 حيث الرجل يسيطر، لأنَّه رأس المرأة. ثمَّ آ4-7، 10، 13 فـي كلام عن لباس الرجل والمرأة خلال الصلاة. وأخيرًا آ14- 15 تشيران إلى إطالة الشعر أو قصِّه. كما اعتبرت فئة ثالثة أنَّ 11: 2-22، 27-34 الهتاف كانت فـي الأصل رسالة بولسيَّة مستقلَّة تعالج أمورًا خاصَّة بالجماعة. أمّا قراءتنا فتقول: إذا كان هذا المقطع جزءًا من الرسالة، فهو يعكس المواقف المتعدِّدة فـي الكنيسة.

أولاً : هناك الموقف اليهوديّ، الذي يفرض على المرأة أن تغطِّي رأسها، مع أنَّ الكتاب المقدَّس لا يقول شيئًا فـي هذا المعنى. فتغطية الرأس والوجه أمرٌ عاديٌّ فـي عالم الصحراء حيث تحمل الريحُ الرمالَ وتُعمي العينين. أمّا الأخبار الآتية من هنا وهناك، فهي مجرَّد أخبار تبرِّر احتجاب المرأة لئلاّ يراها رجلٌ غير زوجها فيشتهيها وربَّما يأخذها. هكذا فعل »فرعون« مع سارة زوجة إبراهيم (تك 12: 14-15)، فالمرأة »مُلك« الرجل مثل »بيته وعبده وأمته وثوره وحماره« (خر 20: 17). فـي هذا المجال يأتــي الخضــوع فـي خـطِّ عقــاب المـرأة بعـد الخطيـئــة (تك 3: 16: هو يسود عليك). في هذا الموضع يتحـدَّث النصّ عــن »التقاليد« للمرَّة الأولى، بانتظار العودة إلى هذه التقاليد فـي 11: 23 والكلام عن عشاء الربّ، ثمَّ فـي 15: 3 مع الإشارة إلى قيامة المسيح. »سلَّمتُ إليكم ما تسلَّمت«. بواسطة التقاليد تنتقل الممارسات فـي العالم اليهوديّ من الآباء إلى الأولاد، كما نقرأ فـي الفصل الأوَّل من فصول الآباء: »موسى تقبَّل التوراة من سيناء وسلَّمها إلى يشوع بن نون، ويشوع إلى الشيوخ، والشيوخ إلى الأنبياء، والأنبياء سلَّموها إلى رجال المجمع الكبير«.

ولكن نطرح السؤال: هل لبث بولس ذلك الفرّيسيّ المتعلِّق بالتقاليد، على ما نقرأ فـي إنجيل مرقس ؟ فالفرّيسيّون لا يأكلون إن لم يغسلوا أيديهم »متمسِّكين بتقليد الشيوخ« (مر 7: 3). فالتقليد ينبوع السلطة، وبه ينتقل الإيمان من الأجداد إلى الأبناء.

فـي هذا الإطار، نقرأ الكلام عن »الحجاب« الذي تضعه المرأة حين تصلّي. هي عادة شرقيَّة، بشكل عامّ، ويهوديَّة فـي إطار هذه الرسالة.

ثانيًا: وهناك الموقف اليونانيّ حيثُ الشعر الطويل يميِّز المرأة، والشعر القصير يميِّز الرجل. فقال أحد الفلاسفة: على الرجل أن يكون رجلاً، وعلى المرأة أن تكون امرأة. »وأنت أيُّها الشابّ الذي يريد أن يكون جميلاً، إعرف من أنت، ثمَّ زيِّن نفسك. عقلك هو ما يميِّزك عن الحيوان. واترك مسألة الشعر لذاك الذي خلقك كما أراد. ويسأله: »أأنت رجل أو امرأة ؟ أنت رجل ! إذًا، زيِّن نفسك كرجل، لا كامرأة« .

وأبعد من ذلك. كانت المرأة ذات الحياة السيِّئة تقصُّ شعرها لتُعرَف لدى الآتين إليها، وهي تنتظرهم عند زاوية الشوارع. والرجل المثليّ يطيل شعره ليعرفه ذاك الشبيه به. تلك كانت عادة وثنيَّة فـي المحيط اليونانيّ. فأراد بعض المؤمنين والمؤمنات أن يحملوها إلى الجماعات المصلِّية باسم الحرِّيَّة. وأيَّة حرِّيَّة هي هذه ؟ سبق الرسول وتكلَّم عنها فـي إطار أكل اللحوم المذبوحة للأصنام. ضميري حرّ، والصنم ليس بشيء، حسنـًا تقول. ولكن عملك يكون معثرة« للضعفاء (1 كو 8: 9). وكذا الأمر هنا حين يأتي الرجل وشعره طويل، وتأتي المرأة بشعر محلوق. قال الرسول: »أأمدحكم على هذا ؟ لا أمدحكم لأنَّكم تستهينون بكنيسة اللّه« (1 كو 11: 22).

نشير هنا إلى أنَّ هذه النظرة مرتبطة بوقت من التاريخ، ولا تصلح لكلِّ زمان ومكان. أمّا الشعر الطويل والشعر القصير فلا يكونان اليوم موضوع سؤال وجواب. وكذلك الحجاب. أن تطيل شعرك، أيُّها الشابّ، لا بأس. أن تقصّي شعرك أيُّتها المرأة، الأمر متعلِّق بك. فلا ربح ولا خسارة على مستوى الإيمان. فعلى مستوى التقاليد اليهوديَّة أو اليونانيَّة، بدا بولس حرٌّا بحرِّيَّة المسيح. فقال مثلاً فـي الختانة: »ليس الختان بشيء، ولا عدم الختان بشيء، بل حفظ وصايا اللّه« (1 كو 7: 19). إذا خُتنتَ لا تزداد شيئــًا. وإن لم تُختَن لا ينقصك شيء. وهكذا نقول عن الشعر الطويل والقصير. وأيضًا عن الحجاب. تضعين حجابًا على رأسك أيَّتها المرأة، لا بأس، ولكنَّك لا تزدادين إيمانًا ولا تقوى. وإذا كنتِ لا تغطِّين رأسك، لا بأس. فرأسك يمجِّد اللّه مثل رأس الرجل.

فئتان فـي الكنيسة، وكلُّ فئة تدافع عن نفسها، مع أنَّ الرسول قال: لا يهوديٌّ ولا أمميّ. »كلُّكم واحد فـي المسيح يسوع« (غل 3: 28). فلماذا يحكم الواحد على الآخر، أو لماذا يحتقر أخاه ؟ فـي هذا المجال، يحدِّثنا بولس عن طريقة التعامل مع الطعام. هناك من يأكل كلَّ شيء. وهناك من لا يأكل اللحم، بل البقول فقط، كما هي الحال فـي بعض الممارسات الهنديَّة. كما أنَّ هناك لحومًا طاهرة نأكلها، ولحومًا غير طاهرة لا نأكلها لئلاّ نتنجَّس. هنا نتذكَّر أنَّ الإخوة المكابيّين جُلدوا بالسياط، بل ماتوا، لأنَّ الملك لم يقدر أن »يجبرهم على تناول لحوم الخنازير المحرَّمة« (2 مك 7: 1).

أمّا بالنسبة إلى المسيحيّ، كلُّ ما خلقه اللّه هو حسن، ونحن نأكله بالشكر. وكذا نقول عن الشراب. فـي هذا المعنى قال الرسول: »من يأكل من كلِّ شيء لا يحتقر من لا يأكل مثله. ومن لا يأكل من كلِّ شيء، لا يدين من يأكل كلَّ شيء، لأنَّه مقبول عند اللّه. ومن أنت حتّى تدين خادم غيرك ؟« (رو 14: 3-4). تأكلُ فتشكر اللّه. لا تأكلُ فتشكر اللّه أيضًا. وكذا نقول عن الشعر الطويل أو القصير، وعن الغطاء على الرأس أو عدم الغطاء. نحن لا ندين بعضنا بعضا. »فنحن جميعًا سنقف أمام محكمة اللّه« (آ9).

موقفـان ودفاعـان

الموقف اليهوديّ

حاول أن يدافع عن نفسه. وكذا نقول عن الموقف اليونانيّ. نحن فـي كلا الوضعين أمام أمور اجتماعيَّة ما زالت قائمة حتّى اليوم حيثُ الشرق شرقٌ والغرب غرب. وكلُّ واحد يبحث فـي التقاليد الدينيَّة ما يُسند رأسه. واليهوديّ يحاول أن يرجع المرأة إلى الخضوع لأنَّها أدنى من الرجل. واليونانيّ يعيد التوازن على ما قرأنا فـي الفصل السابع من الرسالة الأولى إلى كورنتوس: لا سلطة، بل اتِّفاق.

إلى ماذا يستند اليهوديّ ؟ إلى ما يُعمَل فـي المجامع. فـي الماضي وفـي أيّامنا أيضًا، الرجال وحدهم يكونون فـي الصلاة وفـي قراءة الكتب المقدَّسة. أمّا النساء فيقفن على حدة، فـي مقصورة ملاصقة للمجمع أو موضع مخصَّص لهنّ بحيث لا يشاركن إلاَّ من بعيد. ولكن هذا مرفوض فـي الإنجيل كما عند بولس الرسول. ففـي تكثـير الأرغفــة مثـلاً، يضيــف متّى: »ما عــدا النسـاء والأطفال« (14: 21). فالنساء والأطفال لا يشاركون فـي العالم اليهوديّ. أمّا فـي العالم المسيحيّ، فالجميع مدعوُّون. وكذا نقول عن الصلاة وشعائر العبادة: الرجل يسبِّح والمرأة تسبِّح، الرجل يتنبَّأ، أي يتكلَّم باسم اللّه، والمرأة أيضًا.

استند اليهوديّ إلى التقليد وما يُفعَل فـي المجامع: هكــذا كانــوا يفـعلــون وهكـذا نحــن نفـعـل. لهــذا قــال يسـوع للفرّيسيّين: »نقضتم شريعة اللّه وحافظتم على تقاليدكم« (7: 9). وبعد ذلك، تحلُّ التقاليد محلَّ الدين وننسى أنَّ الإيمان يدفعنا إلى التجدُّد لا إلى العودة إلى ما كان يُعمل بحيث نحافظ على بُنى اجتماعيَّة ظالمة. لماذا لا تصعد المرأة على الخورس ؟ هل المسيح منعها ؟ لماذا لا يحقُّ للمرأة أن تصلّي »مكشوفة الرأس« ؟ هل طلب يسوع حتّى من الزانية أن تجعل غطاء على رأسها لكي يستقبلها ؟

وبحث اليهوديّ أيضًا عن برهان فـي الكتاب المقدَّس. فسفر التكوين يقدِّم خبرًا لاهوتيٌّا ليبيِّن أنَّ الرجل والمرأة واحد قبل أن يكونا اثنين، وأنَّ المرأة ليست خادمة الرجل والجالسة عند قدميه، بل تلك الخارجة من قلبه. قرأ اليهوديّ النصَّ قراءة حرفيَّة فقال: المرأة خُلقت من الرجل، المرأة خلقت لأجل الرجل. الرجل وحده صورة اللّه، والمرأة صورة الرجل (لا صورة الله!). الرجل وحده مجد الرجل، والمرأة مجد الرجل (لا مجد الله!). كلُّ هذا تقليد ينسى كلام اللّه فـي أبسط عباراته.

أوَّلاً نقرأ فـي سفر التكوين: »وقال اللّه: لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا« (تك 1: 26). وأضاف النصّ: »فخلق اللّه الإنسان على صورته، على صورة اللّه خلق البشر، ذكرًا وأنثى خلقهم وباركهم« (آ27-28). أتُرى الرجل وحده صورة اللّه ؟ ما هذه الهرطقة ؟ والمرأة وحدها ليست صورة اللّه ! الاثنان هما صورة اللّه، ولاسيَّما حين »يترك الرجل أباه وأمَّه ويتَّحد بامرأته فيصيران جسدًا واحدا« (تك 2: 24). حرفيٌّا: لحمًا واحدًا، دمًا واحدًا، كائنًا بشريٌّا واحدًا، فكيف تُفصَل المرأة عن الرجل، فتُجعَل فـي المكان الأدنى، ويُجعَل هو فـي المكان الأعلى ؟

الرجل وحده »صورة اللّه«، كما يقولون. إذًا، هو رأس المـرأة. أيـن قــرأ اليهوديّ مثــل هذا الكلام فـي التـوراة ؟ بل الرجل وحده »مجد اللّه«، أي صورته المنظورة على الأرض. فإذا أردتَ أن تكوِّن لنفسك صورة عن اللّه، فانظر إلى الرجل. هو وحده يظهر أمام الناس. أمّا المرأة فلا. وإن ظهرت فلأنَّها »مجد الرجل«. وكدتُ أقول خياله، بحيث لا يكون لها اسم. هي ابنة فلان، وزوجة فلان، وأمّ فلان. أما لها اسم ؟ أضاعت نسبها وحسبها بعد أن قيل لها: »انسَي شعبك وبيت أبيك ؟« (مز 45: 11).

ويتواصل البرهان اليهوديّ الذي يستند إلى التقاليد، لا إلى الكتاب. فيقول: »لم يُخلَق الرجل من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل«. يعني هي الخادمة. خُلقت من الرجل، أمّا الرجل فما خُلق من أجل المرأة. هرطقة! يقول الرسول: كلاهما خُلقا معًا، والواحد تجاه الآخر. هو امرؤ وهي امرأة. هو إنسان وهي إنسانة. فالرجل لا يقدر أن يعيش وحده (تك 2: 18). والمرأة أيضًا. هي تعينه وهو يعينها. هي تجاهه وهو تجاهها.

ويأتي الاستنتاج: »لذلك« (1 كو 11: 10). ولكن ماذا يكون الاستنتاج إذا كانت المقدَّمات واهية ؟ لا شيء. والبرهان كلُّه فاسد من أساسه.

الموقف اليوناني

وردَّ اليونانيّ انطلاقًا من الحياة اليوميَّة. قال اليهوديّ: المرأة هي من الرجل، حين أخذ الربُّ ضلعًا من أضلاع الرجل وبنى المرأة. فردَّ اليونانيّ: ومـاذا ترى الآن ؟ من يلد الرجل ؟ أما هي المرأة. إذًا، لا يقدر الواحد أن يفتخر على الآخر: »المرأة من الرجل والرجل تلده المرأة« (آ13).

الرجل يصلّي فـي الجماعة. والمرأة أيضًا. تُنشد، تتنبَّأ، تنطلق فـي رأس التطواف. أما هكذا كانت مريم أخت موسى وهارون. ودبّورة النبيَّة (قض 4: 4)، كانت تقضــي لبنـي إسرائيــل. وماذا نقـول عـن يهـوديـت التـي »أنشدت نشيد الشكر والحمد الذي ردَّده بعدها جميع بني إسرائيل ؟« (يه 15: 14). أين هم الرجال ؟ أين هو عظيم الكهنة ؟ بل هو قال لها: »أنتِ مجدُ أورشليم وفخر إسرائيل وفرح شعبنا... مباركة أنت« (آ9-10). فلماذا لا تختبئ هذه المرأة في الخيمة مثل سارة ورفقة وغيرهما؟ إذا كان موسى خلّص شعبه، فهي أيضًا خلّصت شعبها. فلماذا نجعلها جانبًا؟

والخضوع ؟ هو الذي يفرض على المرأة، أن تغطّي رأسها. ولا ننسى أنَّ الملائكة حاضرون هنا لكي يحافظوا على النظام الذي أراده اللّه، بل أراده الشيوخ وتقاليدهم. فما هو الخضوع ؟ هل يعني أنَّ واحدًا كبيرًا يأمر الصغير، وآخر صغيرًا يطيع الكبير ؟ هذا لا يكون »فـي الرب« (1 كو 11: 11). بل عند البشر. وإلاَّ فما معنى خضوع الابن للآب؟ ويأتي لفظ رأس تسع مرّات: اللّه رأس المسيح. المسيح رأس الرجل. الرجل رأس المرأة. والنتيجة: الرجل لا يغطّي رأسه. هذا فـي العالم اليهوديّ. أمّا فـي العالم الرومانيّ، فالرجل يغطّي رأسه حين يصلّي. لهذا طلبت منه علوم الأخلاق أن يغطّي رأسه علامة التواضع وتوافق النفس مع الجسد. أمّا النشاط العباديّ فيقوم بأن يصلّي الإنسان ويتنبَّأ. وبولـس يساوي هنا الرجـــل والمــرأة: »كلُّ رجــل يصلّــي أو يتنبّأ« (1 كو 11: 4). وفـي الآية التالية: »كلُّ امرأة تصلّي أو تتنبَّأ« (آ5). فلماذا يختلف الواحد عن الآخر ؟

والخضوع لا يكون من جهة واحدة ؟ بل من جهتين. قالت الرسالة إلى أفسس، متوجِّهة إلى الرجال والنساء: »ليخضع بعضكم لبعض فـي مخافة المسيح« (أف 5: 21). والمرأة تخضع كما للربّ، فلا يكون خضوعها خضوع العبيد. والرجل يضحّي بنفســه من أجل امــرأته (آ25)، ولا يضحّي بامرأته من أجل نفسه على ما فعل إبراهيم.

الـخاتـمة

فـي العالم اليهوديّ تغطّي المرأة رأسها، والرجل لا يغطّي رأسـه. هي عـادة بشـريَّة دخلـت فــي شعائـر العبادة. ونحن نحترم المرأة التي تجعل منديلاً على رأسها فـي الاحتفالات الدينيَّة. ولكنّـنا لا نحكم على المرأة التي تأتي إلى الصلاة مكشوفة الرأس. فشعرها زينتها.

وهذا ما يقودنا إلى العالم اليونانيّ. شعر المرأة هامٌّ جدٌّا من أجل أنوثتها وعفَّتها وطهارتها. أمّا الرجل، فلا حاجة له إلى الشعر الطويل. بل هو »عار« (1 كو 11: 14) عليه، لأنَّه يجعله فـي مصاف الزناة، أقلَّه فـي الخارج. والمرأة حليقة الشعر تبدو كأنَّها عريانة بعد »أن جعل اللّه الشعر سترًا لها« (آ15).

والآن، نحن نفهم أنَّنا أمام وضع محدَّد فـي بداية الكنيسة، بحيث لا يُطلَب منّا أن نطيل شعرنا أو نقصِّره. لا يُطلَب منّا أن نغطّي رؤوسنا أو لا نغطِّيها. بل يحترم الواحد الآخر، والأخ يراعي أخاه والأختُ أختها. والغاية، النظام فـي الجماعة. أمّا الخصومة والجدال فلا مكان لهما هنا. هذا يدلُّ على أنَّ البراهين المقدَّمة تبقى واهية لأنَّها تنطلق من تفسير بشريّ مرتبط بالتقاليد. ما العمل ؟ نقتدي بالرسول الذي عاش ملء الحرَّيَّة فـي المسيح، ولكنَّه انتَبه بحيث لا يُهلك بتصرُّفه من مات المسيح من أجله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM