الفصل السادس عشر: رجل وامرأة أمام الرب

الفصل السادس عشر

رجل وامرأة أمام الرب

سنة 56 كتب الكورنثيّون إلى بولس يسألونه فـي قضيَّة بسيطة تتعلَّق بالحياة الزوجيَّة. فالمؤمنون الذين اعتبروا أنَّ مجيء الربِّ قريب، أرادوا أن يبتعدوا عن العلاقات الزوجيَّة، لأنَّه قيل لهم: »فـي قيامة الأموات لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون، بـل يكونـون مثل ملائكـة اللّه« (مت 22: 30). كتبوا يسألون بولس: »أما خيرٌ للرجل أن لا يمسَّ امرأة ؟« (1 كو 7: 1). كانت تلك ردَّة فعل على الفلتان الذي عرفته كورنتوس الوثنيَّة، والزنى الذي ملأ المدينة ولاسيَّما بالنسبة إلى البحّارة والمسافرين والتجّار. وقد قيل لهم: »الزمان قصير. فالذين لهم نساء يكونون كمن لا نساء لهم... والذين يتعاطون أمور هذا العالم كأنَّهم لا يتعاطون« (1 كو 7: 29، 31). بدأ بولس فنبَّههم إلى عدم احتقار الجسد، كما حذَّرهم من عبادة الجسد والانجرار إلى الزنى لأنَّ جسد المؤمن وجسد المؤمنة، »هيكل الروح القدس« (1 كو 6: 19). وبعد ذلك، قدَّم للمؤمنين درسًا عن علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة المرأة بالرجل أمام الربّ، لا أمام الناس. وعالج الأمور على ثلاثة مستويات: مستوى الجسد، مستوى الحقوق والواجبات، مستوى الإيمان.

على مستوى الجسد

قبل أن نقدِّم كلام الرسول، نعطي فكرة عن المرأة فـي العالم الشرقيّ بشكل عامّ، وفـي عالم العبرانيّين بشكل خاصّ كما نجده فـي الكتاب المقدَّس.

المرأة شيء يمتلكه الإنسان كما يمتلك البيت والثور والحمار. فجاءت الوصيَّة: »لا تشتهِ بيت غيرك، لا تشته امرأة غيرك ولا عبده ولا جاريته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئًا ممٌّا لـه« (خر 20: 17). بما أنَّها شيء، فهو يتصرَّف بها كما يشاء. اشتراها ويمكن أن يبيعها. اقتناها ويمكن أن يستـغنـي عنهـا بسبب أو بدون سبب. هي الخادمة، هي الجارية. تلبّي حاجات الرجل وتهتمُّ له بأولاده ساعة هو ينطلق فـي الحياة العامَّة، من عمليَّة واجتماعيَّة ودينيَّة وسياسيَّة. أمّا هي فتبقى فـي الخيمة بحيث لا يظهر لها وجه، بحيث لا يراها الضيف. فهي تهيّئ الطعام وترسله من وراء الباب، والرجل يقدِّمه على المائدة. هكذا كان الوضع بالنسبة إلى سارة.

جاء الضيوف الثلاثة. »فأسرع إبراهيم إلى سارة فـي الخيمة« (تك 18: 6). أعدَّت هي كلَّ شيء. ولكنَّ إبراهيم »وضع هذا كلَّه أمامهم« (آ8). وسألوه: »أين سارة امرأتك ؟« هم ما رأوها ولا رأوا وجهها حتّى يشكروها على ما هيَّأت من طعام. فأجاب إبراهيم: سارة »هي فـي الخيمة« (آ9). وهي تسمع الحديث من وراء الخيمة (آ10) مع أنَّ البشارة هي لها.

وسارة هذه خافت أن يطلِّقها زوجُها لأنَّها لم تنجب له أولادا. »كانت لها جارية مصريَّة اسمها هاجر. فقالت ساراي لأبرام: الربُّ منع عنّي الولادة، فادخُلْ على جاريتي لعلَّ الربَّ يرزقني منها بنين« (تك 16: 1-2). وحبلت هاجر. وانقلبت الأدوار: صارت السيِّدة جارية، والجارية سيِّدة.

ورفقة. مضى خادم إبراهيم يجيء بها إلى إسحق. تمَّ البيع والشراء ورفقة غائبـة عـن الأمـور. بل سألوهـا: »هل تذهبين مع هذا الرجل ؟« فقالت: »أذهب« (تك 24: 58). إلى من هي ذاهبة ؟ لا تعرفُ. وحين وصلت إلى حيث يقيم إسحق، سألت الخادم: »من هذا الرجل الماشي فـي البرِّيَّة للقائنا ؟« فأجابها: »هو سيِّدي« (آ65). بانتظار أن يصير سيِّدها، بعلها، أي ربَّها وسيِّدها.

فـي هذا المناخ جاء كلام بولس ثورة ما كان المجتمع اليهوديّ قادرًا على احتمالها، ولا مجتمعنا اليوم. قال: »ليكن لكلِّ رجل امرأته، وليكن لكلِّ امرأة زوجها« (1 كو 7: 2). إذا كانت المرأة هي للرجل، فالرجل هو للمرأة. أنا لحبيبي وحبيبي لي. الاثنان هما على صورة اللّه ومثاله. والرجل وحده ليس صورة اللّه. والمرأة وحدها ليست صورة اللّه. فلا تكون الصورة كاملة إلاّ حين يتَّحد الرجل والمرأة فيصيران جسدًا واحدًا. والمرأة جزء من الرجل، والرجل جزء من المرأة.

والرجل تكون له امرأته، لا نساؤه. لا مجال لتعدُّد الزوجات. فهل يحقُّ للمرأة أن يكون لها أكثر من رجل ؟ مستحيل. ولماذا يكون للرجل أكثر من امرأة ؟ إلاّ إذا حسبها الرجل بعضًا من متاعه. للرجل امرأته. هي ملك له. وللمرأة زوجها، هو ملك لها. وهكذا يهب الواحدُ نفسه للآخر على جميع المستويات. فإذا كانت المرأة للرجل ولا يكون الرجل للمرأة، تزول المساواة، وبالتالي يتبلبل مخطَّط اللّه الذي هو منذ الابتداء، والذي أنشده النبيُّ أشعيا: »انظروا إلى إبراهيم أبيكم، وإلى سارة التي ولدتكم« (أش 51: 2).

ويتابع القدّيس بولس: »لا سلطة للمرأة على جسدها، فهو لزوجها. وكذلك، الزوج، لا سلطة له على جسده، فهو لامرأته« (1 كو 7: 4). كلام خطير. لو نريد أن نسمعه ! ففي مجتمعنا الحاضر، الرجلُ حرٌّ أن يعمل ما يشاء، لا المرأة. إن هو زنى، لا بأس. أمّا إذا المرأة زنت، فالموت ينتظرها. وأقلّ شيء يكون لها، حتّى فـي المجتمع المسيحيّ، هو الطلاق إذا لم يكن التشهير.

لا شكَّ فـي أنَّ بولس حين ساوى المرأة بالرجل، ما أراد المساواة على مستوى الزنى والانفلات الجنسيّ الذي عرفته مدينة »كورنتوس«: أي مارس الزنى بأبشع صوره. فاخترع الناسُ لها فعلاً خاصٌّا بها لا نجده لمدينة من المدن القديمة: »كرنتس«. أمّا الرسول فقال: إذا كان جسد المرأة لزوجها فقط، بحيث لا يُسمَح لها بالزنى، فجسد الرجل لامرأته، ولا يُسمَح له بالزنى. فالعطاء يكون متبادلاً، وإلاّ لا يكون عطاء، بل القويّ يسيطر على الضعيف. وبولس تحدَّث فـي هذا المجال عن »الاتِّفاق« (1 كو 7: 5). والاتِّفاق يكون بين اثنين متساويين على مستوى الحقوق والواجبات. فإن سيطر الواحد على الآخر، فأين يكون الاتفاق والتوافق، وكيف يلتحم الرجل مع امرأته والمرأة مع زوجها؟

على مستـوى الـحقوق والواجبات

كلُّ الواجبات كانت على المرأة. أمّا الزوج فله حقوق على امرأته. وإن كان عليه واجب، فتأمين الطعام والشراب والمبيت. وبعد ذلك، لا شيء. عاطفة المرأة، صعوبات حياتها، العمل الذي تقوم به، هذه آخر همومه. يجب أن تعمل فـي البيت كما تعمل خارج البيت. هي لا تتعب. وبالتالي لا تحتاج إلى الراحة. هي فـي الخدمة ليلاً ونهارًا، والويل لها إن قصَّرت فـي واجب من الواجبات.

أمّا الرسول فقال: »على الزوج أن يوفـي امرأته حقَّها، كما على المرأة أن توفـي زوجها حقَّه« (1 كو 7: 3). نلاحظ هذه الثورة. للمرأة حقوق على الرجل. هذا أمر بسيط لأنَّه يبدو وكأنَّه أبوها فيعولها ويهتمُّ بما تحتاج إليه. ولكن أن يكون للمرأة حقوق، فهذا كان مستحيلا. وهي بإرادتها، بحرِّيَّتها، تفي زوجها حقوقه. لا مكرهة. وفـي أيِّ حال، الزواج بالإكراه لا يكون زواجًا، بل هو زنى. فالمرأة تعرف زوجها قبل أن تأخذه، والرجل يعرف امرأته قبل أن يأخذها. وما حصل لإسحق ورفقة، ربَّما كان من عادات ذلك الزمان ولا يمكن أن يكون بعد اليوم. فكيف تحبُّ المرأة رجلها إذا لم تعرفه. وكذا نقول عن الرجل. هنا نتصوَّر زواج ليئة بيعقوب. أراد والدها أن »يرتاح« منها لأنَّها كانت بشعة »ضعيفة العينين« تجاه أختها راحيل التي كانت »حسنة الهيئة جميلة المنظر« (تك 29: 17). غُشّ يعقوب الذي انتظر راحيل فإذا هي ليئة. لم يعرف ذلك قبل الصباح. فقال للابان: »ماذا فعلتَ بي؟ أما خدمتُك لآخذَ راحيل؟ فلماذا خدعتني؟« (تك 29: 25). ونتعجّب بعد ذلك أن لا يحثّ يعقوبُ ليئة!

حقُّ المرأة أن تكون وحدها السيِّدة فـي البيت، وهذا هو معنى اسم سارة. لا امرأة معها. كما الرجل وحده السيِّد فـي البيت. فإذا كانت غير ذلك، يُستغنى عنها فـي أيِّ وقت كان. ذاك ما قاله سفر التثنية: »إذا تزوَّج رجل بامرأة ولم تعُد تجد حظوة فـي عينيه لعيب أنكره عليها، فعليه ان يكتب لها كتاب طلاق ويسلِّمه إلى يدها ويصرفها من بيته« (تث 24: 1). هي طالقة، والكتاب جُعل هنا لكي يجعل الرجل يفكِّر قبل ان يُقدم على مثل هذا العمل الخطير. أمّا أسباب الطلاق فهي عديدة. مثلاً، إذا وجد أجمل  من امرأته، طلَّق امرأته. وإذا امرأته حرقت له الطبيخ، طلَّقها. أمّا هي فلا يحقُّ لها أن تطلِّقه مهما كانت الأسباب. كما لا يحقُّ لها فـي العالم اليهوديّ المعاصر أن تطلب الطلاق من المحكمة. فهذا الحقُّ محصور بالرجل.

أمّا بولس فجاء كلامه واضحًا لأنَّ الوصيَّة التي يقدِّم آتية من عند الربّ: »أمّا المتزوِّجون فوصيَّتي لهم، وهي من الربِّ لا منّي، أن لا تفارق المرأة زوجها. وإن فارقته فلتبقَ بغير زوج أو فلتصالح زوجها« (1 كو 7: 10-11). شيء رائع. لم نعد فـي الزواج أمام جسدين، بل أمام جسد واحد. والطلاق يعني الموت، وقطّع الجسد قطعتين. الطلاق موت للاثنين. وبشكل خاصّ موت للأولاد. ولكنَّ الرسول لا يتوقَّف هنا، بل يتابع: »وعلى الزوج أن لا يطلِّق امرأته«. هذا الكلام هو امتداد لكلام الربّ: »من طلَّق امرأته وتزوَّج غيرها زنى عليها. وإن طلَّقت امرأة زوجها وتزوَّجت غيره زنت« (مر 10: 11-12). نلاحظ المساواة هنا. هو يطلِّق وهي تطلِّق. مساواة على المستوى السلبيّ، ويجب أن تقابلها مساواة على المستوى الإيجابيّ.

مثل هذا الكلام وقف فـي وجهه كلام موسى الذي ذكرناه، والذي ما زال الرجال متمسِّكين به فـي هذا العالم الشرقيّ. الرجل يتصرَّف كما يشاء لا المرأة. والسبـب: »قسـاوة القلـوب« (مت 19: 8). يعني لم يدخل إلينا بعدُ كلام اللّه. لهذا احتجَّ تلاميذُ الربِّ أنفسهم: »إذا كانت هذه حال الرجل مع امرأته، فخيرٌ له أن لا يتزوَّج« (آ10). تحدَّثوا عن »حال الرجل« وما قالوا شيئــًا عن حال المرأة. أما هي النظرة الحاليَّة فـي مجتمعاتنا ؟ وواصل يسوع: إذا كانت القضيَّة قضيَّة علاقات على مستوى الجسد أو على مستوى المال، وتبدو صعبة عليكم، فما يكون موقفكم أمام الذين يعيشون البتوليَّة لكي يتكرَّسوا لخدمة الربِّ والقريب؟ والكلام الأخير: »من يقدر أن يفهم ليفهم. ومن يقدر أن يقبل ليقبل« (آ12). فالهدف النهائيّ هو ملكوت السماوات. وهنا تكون المرأة مقابل الرجل والرجل مقابل المرأة.

على مستوى الإيمان

الرجل والمرأة هما معا. على المستوى الجسديّ، حيث الواحد هو للآخر، حيث جسد المرأة هو للرجل ولهذا الرجل، وجسد الرجل هو للمرأة وهذه المرأة التي اتَّحد بها فصار وإيّاها جسدًا واحدا. كم هذا بعيد عن استغلال المرأة لأنَّها »العنصر الضعيف«، المغلوب على أمره ! المال فـي يد الرجل. السلطة فـي يد الرجل. المرأة كانت قاصرة فـي بيتها، وتنتقل إلى بيت زوجها فتبقى قاصرة. إن أعطاها زوجُها مالاً أخذته. وإلاّ لا مال فـي يدها بحيث لا تستطيع أن تتصرَّف كربَّة منزل. وندعوها بعد ذلك »ملكة« ونكلِّلها فــي حفلـة الـزواج ! هـي تشبه »نَعمي« فـي خبر راعوت. قالت: »لا تدعوني نعمة، لكن ادعوني مرَّة« (را 1: 21). والمرأة تستطيع أن تقول: لا تدعوني ملكة، بل ادعوني جارية. وإذا هي رفضت أن تكون جارية، جاء العنف بكلِّ أنواعه، وليس أقلَّه العنف الجسديّ.

والمرأة هي تجاه الرجل فـي الحقوق وفـي الواجبات. لها حقوق كما للرجل. وعليها واجبات كما للرجل. فالقاصر لا واجبات عليه، لا البالغ السنّ والرشد. ولكنَّ المرأة فـي العالم اليهوديّ قاصرة. ولست أدري فـي محيطاتنا. هي لا تشهد فـي المحكمة، وإن شهدت لا تصحُّ شهادتها. بل هي لا تستطيع أن تحفظ الوصايا. لهذا لا تُدان مثل الرجل. حرام ! هي قاصرة، جاهلة، محدودة، ولا يمكن أن تكون تقيَّة. فالتقوى محصورة بالرجل. لهذا، لا مكان لها فـي المجمع أو الكنيس مع الرجال، بل فـي مكان محدَّد لها.

بعيدٌ هو بولسُ الرسول عن هذه النظرة، وذلك فـي خطِّ الإنجيل. فالقدّيس لوقا يتحدَّث عن زكريّا، والد يوحنّا المعمدان، وعن إليصابات امرأته. ما تزوَّج زكريّا ثانية لكي يكون له أولاد. ولا هو طلَّق امرأته ليأخذ غيرها. هي من نسل كهنوتيّ وزوجها من نسل كهنوتيّ، ويحقُّ للاثنين أن يأكلا من ذبائح اللّه. هو بارّ، صالح، وهي بارَّة وصالحة. هو يتبع أحكام اللّه ووصاياه، وهي مثله. هو بلا لوم وهي كذلك. ومع أنَّ إليصابات عاقر وتحسُّ فـي قلبها ما تحسُّ به كلُّ امرأة عاقر، فهي مع زوجها، عائشة بحسب الوصايا. وفـي العهد الجديد سائرة فـي خطِّ الإنجيل. ويضيف الرسول أيضًا: »فكيف تعلمين أيَّتها المرأة المؤمنة أنَّك تخلِّصين زوجك؟« (آ16أ). هذا أمر غير معقول: المرأة تخلِّص زوجها ! ومن هي تلك التي يمكن أن تكون نجسة يوم تقوم بأجمل عمل فـي العالم، يوم تلد ولدًا؟ نعم تخلِّصه كما هو يخلِّصها. »وكيف تعلم أيُّها الرجل أنَّك تخلِّص زوجتك ؟« (آ 16 ب).

مع القدّيس بولس انقلبت المقاييس جميعها. أين هو دور الرجل ؟ أين تفوُّقه على المرأة ؟ هذا مضى إلى غير رجعة فـي المفهوم البولسيّ. فالمرأة بالغة وهي تقرِّر حياتها، كما الرجل بالغ ويقرِّر حياته. وخصوصًا حين يترك أباه وأمَّه ويلازم امرأته ويكونان معًا جسدًا واحدا. وهي بدورها يطلب منهـا الربُّ التخلِّي عن أهلها كما نقرأ فـي مــز 45: 11: »اسمعي يا ابنتي، أنظري وأميلي أذنك. انسَيْ شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك جمالك«.

وما قلناه عن الزواج نقوله عن حياة البتوليَّة. فالفتاة فـي العالم اليهوديّ، تتزوَّج سريعا. فـي هذا قال ابن سيراخ: »البنتُ همٌّ خفيّ لأبيها، وقلقٌ يسلبه النوم: أتُصبح عانسًا؟ وفـي زواجها هل تكون مكروهة ؟ أيغتصب بكارتَها أحدٌ فتحمل (ولدًا في حشاها) فـي بيت أبيها« (سي 42: 9-10) ؟ ويتابع منبِّهًا إلى تربية البنات: »على البنت الوقحة شدِّد رقابتك، لئلاّ تجعلك شماتة لأعدائك، وحديثًا فـي المدينة ومضغة فـي الأفواه. فتخزيك أمام الناس«  (آ11).

هذا لا يكون فـي المسيحيَّة بحسب تعليم بولس الرسول. فالأرملة تتزوَّج أو لا تتزوَّج. فإذا رفضت الزواج، تكون عاملة فـي الكنيسة، ولها مركزها كشمّاسة مثل الشمّاس أو الخادم. بل الصبيَّة تستطيع أن لا تتزوَّج. هنا نتذكَّر القدّيسة تقلا التي رفضت الزواج متتبِّعة تعليم بولس الذي قال: »غير المتزوِّج يهتمُّ بأمر الربّ وكيف يرضي الربّ... وكذلك العذراء والمرأة التي لا زوج لهما، تهتمّان بأمور الربِّ وكيف تنالان القداسة نفسًا وجسدا« (1 كو 7: 32-34). هو حرٌّ بأن يتزوَّج أو لا يتزوَّج، وهي حرَّة مثله أن تهتمَّ بأمور العالم وترضي زوجها« أو تهتمَّ بأمر الربّ، كما الرجل يبحث كيف يرضي الربّ، وكيف »يهتمُّ بأمور العالم وكيف يرضي امرأته« (آ33). مساواة تامّة !

وهكذا عرفت الكنيسة باكرًا الأزواج والزوجات، البتولين والبتولات. واليوم هناك الرهبان والراهبات. وما عادت الراهبات يحتجن إلى رجل لكي يوقِّع باسمهنَّ على بيع أو شراء أو أجار أو غيره من الأمور. فبعد بولس الرسول، لا تستطيع الكنيسة أن تحسب المرأة قاصرة، أن تعتبرها عبدة وجارية، لا حرَّة، أن تبقيها فـي موضع محدَّد لها لئلاّ تكون موضوع تجربة. ولماذا كانت كذلك؟ لأنَّ المؤمنين والمسؤولين بينهم رفضوا قراءة كلمة اللّه. وإن هم قرأوها، رفضوا أن ينفِّذوها لأنَّهم كانوا غارقين فـي الذكوريَّة وناسين كلام بولس الرسول: »لا رجـل ولا امـرأة« (غل 3: 28). فالمرأة تستطيع أن تعمل فـي الكنيسة مثلها مثل الرجل. وكذلك فـي المجتمع. ومجتمع لا دور فيه للمرأة يبقى مجتمعًا متخلِّفًا. وماذا نقول عن الكنيسة !!

الـخاتـمة

نظرة أولى رائعة يقدِّمها بولس الرسول عن الزواج، عن دور المرأة الذي يماثل دور الرجل. هي له وهو لها. على المستوى الجسديّ والخلقيّ والروحيّ هما معًا، ولا يكون الواحد بدون الآخر. لا المرأة بدون الرجل، ولا الرجل بدون المرأة. الاثنان جسد واحد. فكيف تكون المرأة قريبة من »الحيوان« حين تُشرى وتباع ؟ أترى الرجل يتَّحد مع بقرة أو أتان، والمرأة مع ثور أو حمار ؟ ما هذا الكلام الوقح؟ ولكنَّها الحقيقة حين تعمل المرأة فـي الحقل فالحة مثل البقرة. فـي القرن الحادي والعشرين ما زالت المرأة فـي شرقنا الخادمة للأولاد وملبِّية شهوات الرجل، والويل لها إن لم تكن طائعة، خاضعة. يا ليتنا نعود إلى قراءة هذا النصّ الذي شرحناه فـي رسالة القدّيس بولس إلى أهل كورنتوس (الفصل السابع)، فنفهم كرامة المرأة وكرامة الرجل، لا فـي المجتمع وحسب، بل أمام اللّه. مثل هذا الكلام يذكِّرنا فـي النهاية بالمقام الذي رفعنا الربُّ إليه بحيث نكون أبناء اللّه وبنات اللّه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM