الفصل الرابع عشر
تاريخ ومزامير وأمثال
كان زمن داود وسليمان خاصة حقبة "إنتاج" أدبي، أو بالأحرى بداية الأدب التوراتي الذي سيجد كماله في التدوين النهائي للنصوص البيبلية بعد الذهاب إلى المنفى. سنكتشف هنا التاريخ والمزامير والأمثال قبل أن نتوقف عند نبوءة ناتان التي تعلن لداود أن الله يبني لملكه بيتاً، يعطيه نسلاً. ونحن نعرف أن هذا النسل وصل إلى المسيح إبن داود.
أ- كتابة التاريخ
نجد هنا رواية لمرحلتين في حياة داود. الأولى، صعوده ووصوله إلى سدّة الملك. الثانية، تاريخ خلافته وما رافق هذه الخلافة من مؤامرات ودسائس وصلت بسليمان إلى الملك.
1- تاريخ صعود داود (1 صم 16- 2 صم 5)
إن وجه داود بنجاحاته وصعوده المتواصل، أثَّر على الشعب تأثيراً عميقاً. وسيزداد هذا التأثير وهذا السحر مع تباعد الأحداث. وهكذا تكوّنت أخبار وأساطير وتفاسير لاهوتية إنطلاقاً من تذكّرات حقيقية في شباب هذا "البطل". وروى النص الخبر الواحد مرتين بشكلين مختلفين أو في مكانين مختلفين.
خبر طويل ومشتّت مع التكرارات المرتبطة بالأسلوب الشفهي أو بتعدّد مواضع تكوين هذه الأخبار. خبر شيّق نخاف فيه على حياة داود حين يلاحقه شاول، ونتعجّب من حظّه الذي يقوده عبر الأحداث، ونتأمّل في احترام داود لعدّوه شاول لأنه "مسيح الرب" (إختاره الرب ومسحه بالزيت بواسطة صموئيل) (1 صم 24: 11).
في البداية، هناك خبر مسح داود بيد صموئيل (1 صم 16: 1- 13). مسحة سرية. وقد تكون تاريخية أولاً. ولكن ما يهمّ الكاتب هو الهدف اللاهوتي: لقد اختار الرب أصغر أبناء يسّى منذ طفولته. وبعد هذا ترد أخبار مختلفة عن دخول داود إلى بلاط شاول (1 صم 16: 14- 18: 5). ونصل إلى موضوع حسد شاول (1 صم 18: 16- 21: 1) وهَرَبِ داود مع ما في هذا الهرب من مغامرات (1 صم 21: 2- 2 صم 1)، إلى تسلّمه الحكم بعد موت شاول (2 صم 2- 5).
أراد هذا الخبر أن يبين أن داود هو الملك الحقيقي الذي أراده الله ليحل محل شاول. لا ننسى أننا أمام تأملّ في أحداث جرت في الماضي. يقرأها الكاتب الملهم، ويحاول أن يكتشف فيها مخطّط الله من أجل شعبه. هذا هو الوجه العميق "لتاريخ" صعود داود. أما الوجه الخارجي فهو سلسلة من القتل والهرب والملاحقة، ومغامرات وأخطار من أنواع مختلفة. كان باستطاعتها أن تبعد داود عن الحكم، فأذا بها تهيّئه لدوره المقبل بشكل لم نكن نتوّقعه.
ما يلفت إنتباهنا في هذه النصوص هو غياب العجائب والتدخّلات العلوية. "فالكاتب" يعرض الأمور بشكل موضوعي، ويدلّ على تسلسل الأسباب والنتائج. ولكن هذا لا يعني أن الكتاب أُفرغ من عمل الله. فالراوي يدعونا بشكل خفي لكي نكتشف هذا العمل بواسطة عبارة تعود بشكل ردّة: "وكان الرب مع داود" (1 صم 18: 28). لا شكّ أننا هنا أمام إعادة لقراءة الأحداث، لا أمام تقرير مفصّل كما يفعل الصحافي اليوم. فالمؤمنون لم يفهموا حالاً ما حدث، ولكنهم أدركوا شيئاً فشيئاً أن لخبر هذا الرجل (داود) علاقة مع مشروع الله من أجل شعبه (2 صم 5: 12).
2- تاريخ خلافة داود (2 صم 9- 20؛ 1 مل 1- 2)
يضمّ هذا "التاريخ" مجموعة أخبار يربط بينها سؤال بسيط: من سيخلف داود على عرش الملك؟ واستعرض الكاتب "المرشحين" الواحد بعد الآخر: مفيبوشت هو من نسل شاول ولكنه يعرج... وكان داود يراقبه (2 صم 9). وتروي الفصول التالية (2 صم 10- 12) خبر الحملات العسكرية على العمونيين. ولكن تلك الحرب كانت الإطار الذي فيه وُلد سليمان إبن بتشابع التي أزال داود زوجها. لا يُقال لنا بعد ذلك ماذا سيكون هذا الولد الذي جاء بعد إخوته، ولكنه يسمّى "يديديا" أي "محبوب الرب" (2 صم 12: 25).
وبعد أن نتأمل شجاعة: ناتان الذي "وبخّ" داود على فعلته الشنعية، ونتأثر بتوبة داود العميقة، نتطلّع إلى أمون البكر. كل فُرَص النجاح هي بجانبه، ولكنه يفسدها: تعدّى على تامار، أخته من أبيه، فحقد عليه أخوها أبشالوم وقتله خلال مأدبة (2 صم 13). وبعد أن أقام أبشالوم في منفاه، حصل على عفو أبيه فبدا المرشح الأوفر حظاً (2 صم 14). ولكنه قرّر أن يتمرّد على أبيه ويعلن نفسه ملكاً في حبرون. هرب داود من أورشليم والتجأ إلى عبر الأردن (2 صم 15- 17). وكانت معركة تواجَهَ فيها الطرفان: قُتل أبشالوم (2 صم 18)، وعاد داود إلى عاصمته (2 صم 19- 20).
على أثر هذه المأساة برز أدونيا كخلف لأبيه. ولكن الحزب الذي يساند أخاه تفوّق على حزبه (1 مل 1). وبعد أن تردّد الملك الشيخ طويلاً، أعلن أن ابن بتشابع سيكون خليفته. وينتهي هذا "التاريخ" بنصائح الملك الأخيرة إلى إبنه عن الطريقة التي بها يزيل المعارضين (2 صم 2).
تاريخ طويل وقد تكون دوّنته أكثر من يد. هناك من وافق داود وسليمان. وهناك من انتقد داود وسليمان. أما القسم الأقدم فهو خبر ثورة أبشالوم. دوّنه شخص من يهوذا متّهماً الشمال بأنه ساند أبشالوم. ثم جاء "متشيّع" لأدونيا، فكان قاسياً على داود وسليمان وأخيراً أعيدت قراءة هذه الأحداث في شكل يوافق داود وسليمان، فشدّد القارىء على توبة داود (2 صم 12: 13)، على حب سليمان للرب (2 صم 12: 24- 25)، على فشل أبشالوم (2 صم 17: 14).
ماذا نجد في هذا الخبر؟ نظرة بشرية إلى الملكية التي قَبِل بها الجميع. ولكن تبقى نظرة الإيمان مسيطرة. فهي تحكم حتى على الملك باسم شريعة سيناء.
ب- مزامير وأمثال
نتوقّف هنا عند مزامير ملوكية إرتبطت بداود، وأمثال حكمية نُسبت إلى سليمان.
أ- مزامير ملوكية
نعني بهذه التسمية أناشيد تخبر بالأحداث الهامة في حياة الملك: تنصيبه (مز 2: 21؛ 110)، زواجه (مز 45)، إنطلاقه إلى الحرب (مز 20) وعودته المظفرّة (مز 18) أو ساعات الضيق في حياته وفي حياة شعبه (مز 89؛ 132). مع أننا نجد اسم داود في بداية المزمور، إلا أن الكاتب يبقى مجهولاً. لهذا نسمّيه "المرنم" أو "المرتل". نحن أمام مغنين في البلاط الملكي أو أنبياء يعلنون قولاتهم النبوية. نحن لا نعرف متى ألّفت هذه المزامير، ولكن نواة بعضها قد تعود إلى زمن الملكية.
تهدف هذه المزامير عادة إلى نمجيد الملك: تضخمّ الأمور وتقدّمها بعبارات مقولبة على مثال الإيديولوجيا الملكية في الشرق. ولكن بما أن لا وجود للملك في إسرائيل من دون الله، فهذه المدائح تتوجّه إلى الرب أيضاً. فالملك هو مسيحه الذي اختاره (مز 2: 2)، هو ابنه (مز 2: 7) الجالس من عن يمينه منذ اعتلى العرش (مز 110: 1). الرب يؤمّن خلاص شعبه وهو كامل العدالة والسلام (مز 72). ويذكّرنا المرنمّ أن كل ملك نصّب في أورشليم نَعِم بمواعيد الإستقرار والأمانة التي أعطيت لداود ولنسله (مز 132).
2- أمثال حكمية
إعتُبر سليمان أحكم عصره وقيل عنه إنه ألّف عدداً من الأمثال (1 مل 5: 9- 14). وقد يكون سفر الأمثال احتفظ في أحد أقسامه (أم 10: 1- 22: 16) بأمثال جمُعت ودوّنت في بلاط هذا الملك. يجب أن نقرأها بتمهّل، فنتذوّقها مثلاً مثلاً. إنها تتوالى من دون ترتيب وضع مسبقاً، كما ترد في الحياة. فهي تحدّثنا عن الحياة اليومية: التربية، العمل، العلاقات، الزواج، الطبائع، الحكمة والحماقة... ونجد فيها الذوق السليم عند الناس في ذلك الوقت وثقافتهم المؤسّسة على الخبرة.
هذه الملاحظات وهذه النصائح تعود إلى كل زمن وإلى كل بلد. ولهذا نهتمّ بها اليوم. وسيأتي الكتبة فيزيدون على هذه الحكم الشعبية إعتباراتهم الخاصة عن الملك وعن الموقف الذي نتخذه تجاهه.
ما يميّز سفر الأمثال هو البحث عن السعادة. فإذا أردنا أن نبلغها، نحتاج إلى العقل والخبرة والنباهة. ونحتاج أيضاً إلى "مخافة الرب". هناك خوف من عقابه. وهناك احترام له ومحبة.
ج- نبوءة ناتان (2 صم 7: 1- 17).
1- بنية النص
نحن هنا أمام نص مركزي. إذا نظرنا إلى ما يسبقه ويليه، وجدنا أن هذا النص يقع بين خبر صعود داود وبين خبر خلافته. وصل "راعي بيت لحم" إلى قمة المجد، وأزاح أعداءه، وأقام في قصره في أورشليم (آ 1). ويُطرح السؤال: ما هو مستقبل داود وسلالته؟ هذه هي الذروة في كتاب صموئيل: بعد ماضٍ مضطرب نجد الإنفتاح على المستقبل.
كيف تبدو بنية النص؟ يبدأ الملك فيكلّم ناتان النبي ليشركه في اهتماماته (آ 2). وبعد جواب ناتان للملك (آ 3)، يكلّم الربّ ناتان في الليل (آ 4). أخيراً ينقل ناتان أقوال الرب إلى الملك (آ 17). وهكذا يكون لنا التصميم التالي:
- حوار أول حول مشروع الملك (آ 1- 3).
- النبوءة بحصر المعنى (آ 4- 16).
- مهمة النبي (آ 17).
إن كلمة الله المنقولة إلى النبي تحتلّ قلب النص. فالنبي هو وسيط بين الرب وداود، بل يلعب دور الرسول. في الشرق القديم، كان الرسول ينقل الأقوال شفهياً قبل أن يقدم النسخة الخطية. فيبدأ كلامه: هذا ما يقول الملك. ويورد حرفياً ما قيل له. هذا ما فعله ناتان رسول الرب. قال لداود: "هكذا تكلّم الرب".
2- قراءة النص
أولاً: مشروع داود (آ 1- 3)
تعلمنا بداية النص بمشروع داود. لا يريد لتابوت العهد خيمة من القماش، بل بيتاً حقيقياً من الأرز وهيكلاً. نلاحظ الكلمات التي تدلّ على المتانة والديمومة: بيت، بنى، أقام، راحة، إلى الأبد... كل هذا يعبرّ عن رغبته بأن يعمل شيئاً ثابتاً يتحدّى الزمن.
هذا ما أراد داود أن يفعله. فهل هو في الخط الصحيح؟ هذا ما ظنّه ناتان في البداية. ولكن كلام الرب جعله يبذل رأيه.
ثانياً: كلام الرب (آ 4- 16).
* عارض كلام الرب مشروع داود. لسنا أمام رفض مبدأي أو حنين إلى الماضي. المهمّ هو مبادرة الله وحريته. لا نستطيع أن نفرض على الله أن يقيم هنا أو هناك. فالله ليس بجامد في مكان، بل هو يسير مع شعبه (آ 6).
* أعلن كلام الرب علاقة خاصة بين الله وداود. تركنا بيت الارز ووجّهنا أنظارنا إلى مشروع الله. فمع آ 8 تتّخذ مبادرة الله شكل إعلان من أجل داود: سيتحرّر من قوى هذا العالم (الاعداء)، سيكون خادماً للرب. وإختيار داود هذا يعني أيضاً كل الذين يخلفونه من نسله، ولا سيّما أولّهم الذي إختاره الله فعامله معاملة الأب لابنه.
* وعد كلام الرب داود بأن يقيم له بيتاً (عائلة، نسلاً). في البداية أراد داود أن يبني بيتاً لله. والآن، ها هو الله يريد أن يبني بيتاً لداود. هناك تكامل بين معنَيَيْ كلمة "بيت". في آ 5: هو الهيكل: "أأنت تبني لي بيتاً وهيكلاً"؟ في آ 11: هو العائلة الملكية وتواصل في السلالة: "الرب يقيم لك بيتاً". هذا يعني أن سلالة داود لن تزول كما زالت سلالة شاول، أنها تستمرّ في الحكم. وهكذا انتقلنا من مشروع لداود، إلى وعد عجيب من قِبَل الله.
ثالثاً: مهمة ناتان (آ 17)
لم يبقَ للنبي ورسول الله إلا أن ينقل بدقة "كل هذه الأقوال وكل هذه الرؤية" إلى من أرسلت إليه. ونستطيع أن نقرأ نهاية الفصل مع جواب داود. إنها صلاة شكر على الوعد الذي حصل عليه. وهو يسمّي نفسه دائماً عبد (خادم) الرب والمستعدّ دوماً لأن يعمل مشيئته.
3- تفسير تاريخي
إذا توقفنا عند المستوى التاريخي، رأينا أن هذا النص يشهد لقلق داود: هل سيدوم العمل الذي يقوم به الآن؟ هل سيحيا مؤسّس هذه السلالة الجديدة في نسله؟ كان ملوك ذاك العصر يبنون المعابد أو يجملّونها فيؤمّنون على ملك يدوم. هذه عقلية قريبة من السحر حيث نعطي الإله فيعطينا. وهناك أيضاً أسباب سياسية: فهيكل الإله الوطني هو هيكل المملكة، والملك هو الذي يراقب الإحتفالات التي تتمّ فيه. في هذا المعنى نستطيع أن نفهم مشروع داود.
من هو ناتان؟ أحد المستشارين السياسيين والدينيين الذين يُحيطون بالملك. إن ناتان مقتنع بدور داود الذي أرسلته العناية. ولهذا نراه يعمل ليؤمّن له خلفاً (1 مل 1: 11). ولكنه عرف أيضاً أن يعارض سلوك الملوك باسم إله إسرائيل (2 صم 12). وفي هذا النص نراه ينتقد مشروع داود، ويُتبع إنتقاده بوعد عظيم.
تساءل الشّراح: هل ينسبون إلى ناتان كل نص النبوءة؟ الجواب هو كلاّ. فهناك تعابير واهتمامات تتوافق مع عصور أخرى. أما النواة الأولى فتضمنّت مواعيد اللّه لداود نفسه (آ 5، 11 ب، 16) حيث نجد وزناً وإيقاعاً:
أأنت تبني لي بيتاً؟
يعلن لك الرب أن الرب يقيم لك بيتاً
يكون بيتك وملكك ثابتين إلى الدهر
وعرشك يكون راسخاً إلى الأبد.
بعد هذا زيدت آ 12- 15 التي تؤوّن كلمات ناتان وتكيّفها مع الوضع الجديد: فمع حكم سليمان، بدأت النبوءة تتحقّق، وكان الهيكل قد بُني. وبعد كارثة سنة 587 التي أنهت حكم السلالة (رغم الوعد)، زيدت آ 10- 11 أ فعبرّت عن أمل لإعادة بناء الوطن. وهكذا نرى أن نبوءة ناتان قُرئت المرة بعد الأخرى وأوّنت على مرّ العصور. وكان تأثيرها بلا شك كبيراً، لأنها ساعدت على الحفاظ على سلالة داود التي حكمت أورشليم مدة 400 سنة.
4- إيمان الذي كتبوا هذا النص
آمنوا بإله يعمل في تاريخ شعبه. تذكّروا أحداث الماضي: الخروج، مرحلة البداوة، زمن القضاة (آ 6- 7). وآمنوا أن الله اختار داود ليوصل هذه المسيرة إلى كمالها.
غير أن المؤمنين تجاوزوا رؤية الماضي والحاضر وتطلّعوا إلى المستقبل: كيف نضع حداً لعمل الله ونحصره في حقبة تاريخية تمتدّ من الخروج إلى داود؟ وكان خطر آخر: أن يتكّل داود على إمكانياته الخاصة أو على السحر لكي يؤمّن المستقبل. هنا تدخّل ناتان ليذكره أن المبادرة هي في يد الله، وأن عمله لم ينتهِ بعد. إن إيمانه يشبه الرجاء شبهاً كبيراً.
وستأتي قراءات متوالية وهي تحمل تساؤلاً مليئاً بالقلق: تكلّم الله في الماضي بواسطة ناتان النبي، ولكن الأحداث جعلتنا نرتاب في هذه الكلمة. فالهيكل قد بُني. وخلفاء داود إختلفوا عنه، والسلالة غرقت وزالت. لهذا أعيد تفسير الكلمات حول رفضت الهيكل (آ 13)، وشدّد النص على المسؤولية الشخصية لكل من خلفاء داود (141)، وانتظر الشعب إعادة بناء الوطن بعد كارثة 587. وهكذا نرى أن هؤلاء الكتّاب تجاوزوا التعارضات الظاهرة في النبوءة واستمروا يعيشون الإيمان والرجاء اللذين كانا في أساسها.
وهناك نقطة أخيرة. كم من الملوك خيبّوا الآمال، فكانوا جائرين في معاملتهم لشعبهم، متمسكين بالآلهة الكاذبة. فتولّد من خيبة الأمل هذه إنتظارُ ملكٍ مثالي... فبعد سنة 587، إنتظر المؤمنون عودة عجائبية للسلالة الداودية. ولكن هذا لم يحصل. فكوّنت هذه الخيبة الجديدة إنتظار ملك مسيح في نهاية الأزمنة، فيقيم بشكل حاسم مملكة الله على الأرض. لا نجد في 2 صم 7 هذا الإنتظار في كلام واضح، ولكننا نفهم أن يكون مؤمنون من العهد القديم والعهد الجديد قد اكتشفوا في وعد باستمرارية نسل داود، الرجاء المسيحاني الذي إنتظروه.
ولقد أعاد العهد الجديد قراءة نبوءة ناتان. هنا نقابل بين 2 صم 1 ولو 1: 26- 38 حيث نجد عبارات مماثلة: عائلة داود، الرب معك، عظيم، إبن، عرش داود... فالقديس لوقا (والمسيحيون الأولون) يرى أن الوعد الذي تضمّنته نبوءة ناتان، قد تحقّق في ابن مريم. بل إن النص الإنجيلي تجاوز النص النبوّي، لأن يسوع هو ابن الله بشكل لم يكن يتوقّعه المؤمنون في العهد القديم. ونستطيع القول إن كل العهد الجديد دوّن ليشهد على أن الرجاء الذي حمل شعبَ إسرائيل أجيالاً وأجيالاً، قد وجد كماله وذروته في شخص يسوع المسيح وعمله