الفصل الثامن عشر: الوحدة بين انجيل لوقا وأعمال الرسل

الفصل الثامن عشر:

الوحدة بين انجيل لوقا وأعمال الرسل

ذلك كان موضوع الأيّام البيبليّة السابعة والأربعين التي أقيمت في لوفان من أعمال بلجيكا، أيّام الأربعاء والخميس والجمعة، 29، 30، 31 تمّوز سنة 1998. وقد شارك فيها أكثر من مئة وأربعين مشاركًا، جاؤوا من فرنسا وسويسرا وألمانيا والنمسا والولايات المتّحدة الأميركيّة... ومن لبنان في شخص الخوري بولس الفغالي. هناك المحاضرات العامّة، هناك حلقات الأبحاث في اللغات المختلفة، وهناك أخيرًا المداخلات.

1- المحاضرات

أ- وحدة الكاتب

هناك شبه إجماع بين الشرّاح يعتبر أنّ مؤلَّف لوقا (الإنجيل + الأعمال) هو واحد في جزئين، أو هو جزءان متواصلان. وجاء من يقدّم أربعة نماذج للحديث عن العلاقة بين لوقا وسفر الأعمال: (1) هناك فئة قليلة تعتبر أنّنا أمام كتابين مختلفين، وأنّ الذي كَتب لو غير الذي كتب أع؛ (2) ذاك الذي كتب لو هو الذي كتب أع، ولكنّ الكتابين مستقلاّن الواحد عن الآخر على مستوى الموضوع وعلى مستوى الاهتمام؛ (3) كاتب واحد خطّط وألّف مولَّفًا واحدًا في جزئين نجدهما في لو وفي أع؛ (4) في الأصل كان لو وأع كتابًا واحدًا، ثمَّ فُصلا وهذا ما تطلَّب إعادة نظر في خاتمة الجزء الأوّل ومقدِّمة الجزء الثاني. ولكن يبدو أنّ النموذجين الأوّل والرابع لا يجدان عددًا كبيرًا من الشرّاح يدافع عنهما.

ولكن ماذا تعني هذه الوحدة؟ هناك خمسة مستويات يجب أن تُدرس: الكاتب، الموقع في اللائحة القانونيّة، الفنّ الأدبيّ، السرد أو الخبر، اللاهوت. بالإضافة إلى ذلك: نتوقّف عند الهدف. قد يكون أع توجّه إلى لامسيحيّين فتوخّى الأمور التالية: (1) أن ينشر الإنجيل وسط الوثنيّين واليهود؛ (2) أن يدافع عن بولس خلال المحاكمة التي تواجهه؛ (3) أن يقدِّم دفاعًا عن المسيحيّة تجاه السلطات الرومانيّة، طلبًا لحمايتها أو دفعًا لأقاويل حول طموحات سياسيّة في الكنيسة.

وقد يكون أع دوِّن داخل الكنيسة فتوخّى: (1) أن يدافع عن بولس وإرثه تجاه المسيحيّين الذين انتقدوه واعتبروه خارجًا عن الإيمان الأوّل؛ (2) أو أن يقدِّم حلاٌّ لمسألة لاهوتية شغلت بال المسيحيّين الأوّلين، وهي تأخُّر مجيء الربّ؛ (3) أو أن يردّ على الغنوصيّين حول القيامة وخبرة الربّ؛ (4) وأخيرًا قد يكون لوقا أراد أن يقوّي إيمان القارئ المسيحيّ.

وبعد دراسة أسلوب أع ولو، توقّف الشرّاح عند بداية الكتابين ونهايتهما، حيث نجد تيوفيلُس نفسه الذي كُتب له مرّة أولى ومرّة ثانية. والفنّ الأدبيّ، وإن لم يكن سيرة وتاريخًا، هو قريب من هذين النوعين وإن هو تعدّاهما. فإنَّ لوقا هو قبل كلِّ شيء ذاك اللاهوتيّ الذي ينطلق من واقع الكنيسة ليقدِّم لنا تعليمًا يقع في امتداد الإنجيل: هذا الإنجيل يصل إلى العالم الوثنيّ. ينطلق من أورشليم فيبلغ إلى أقاصي الأرض.

ب- خبرة بولس على طريق دمشق

نجد في سفر الأعمال ثلاثة نصوص تتحدّث عن ارتداد بولس على طريق دمشق. في النصّ الأوّل (ف 9)، نقرأ عن الحدث في صيغة الغائب. لوقا يروي. أمّا النصّان التاليان  فدُوِّنا في صيغة المتكلِّم. بولس يتكلّم، يدافع عن نفسه. نجد في 22: 3-21 دفاع بولس عن نفسه أمام شعب أورشليم. في النصّ الأوّل (أع 9)، تصوَّر دعوةُ بولس كإناء مختار يحمل اسم الربّ أمام الأمم الوثنيّة والملوك وبني إسرائيل. وسيروي أع 13 - 20 كيف حقّق بولس هذه المهمة الملقاة على عاتقه. في النصّ الثاني (ف 22)، أوقف بولس في الهيكل بعد رجوعه من الرحلة الرسوليّة الثالثة. اتّهم بأنّه دنّس الهيكل إذ أدخل إليه رجلاً وثنيٌّا (21: 38-39)، فوجّه كلامه إلى الشعب الهائج (21: 40). ما أجاب بولس بشكل مباشر على الاتّهام، بل أبرز رسالته لدى الأمم الوثنيّة (22: 21): »قال لي الربّ: امضِ! فإنّي سأرسلك بعيدًا، إلى الأمم«.

والنصّ الثالث (26: 9-18) هو جزء من خطبة أوسع تلفّظ بها بولس قبل رحيله إلى رومة (27: 1). مرّ الملك أغريبّا في قيصريّة، فتكلَّم بولس أمامه وهكذا شهد أمام الملوك.

من خلال هذه المحطّات الثلاث، نستطيع أن نفهم هذا الإنجيل الفصحيّ الذي قدَّمه لنا لوقا في الإنجيل الثالث وفي أعمال الرسل. هنا ترتبط شهادة بولس المثلَّثة بالفصل الرابع والعشرين من إنجيل لوقا. »هكذا كُتب، إنّه ينبغي للمسيح... أن يكرز باسمه، بالتوبة لمغفرة الخطايا، في جميع الأمم، ابتداءً من أورشليم. وأنتم شهود لذلك« (لو 24: 46-48).

ج- تواصل وانقطاع

قدّم المحاضرة الأولى الدكتور فرهايد من جامعة لوفان (بلجيكا) والثانية، الأستاذ كرام من جامعة فيينا (النمسا). وكانت المحاضرة الثالثة لدانيال مرغيرا من جامعة لوزان (سويسرا) حول التواصل بين لو وأع، وفي الوقت عينه حول الانقطاع بين الاثنين. قد نجدُ عنصرَ الوحدة في خاتمة سفر الأعمال (أع 28: 16-31)، مع برنامج لوقا اللاهوتيّ الذي هو انفتاح الخلاص على الأمم. ولكنّ الوحدة لا تعني التشابه والشكل الواحد. فعلى المستوى اللاهوتيّ، ينتقل القارئ من موضوع ملكوت الله في لو، إلى كرازة كرستولوجيّة في عمقها. ثمّ إنّ الثنائيّة بين »البارّ« و»الخاطئ« التي نجدها في لو 5: 32؛ 7: 34-35، 39؛ 15: 1-17؛ 18: 9-14؛ 19: 6-10، تزول من سفر الأعمال. لعبت التوراة دورًا شرعيٌّا في لو 16: 17 (بقي الناموس والأنبياء إلى يوحنّا). أمّا في أع 15: 10، 28-29، فما عادت تُشرف على السوتيريولوجيّا أو التعليم حول الخلاص. وأخيرًا، كان كلام يسوع قاسيًا ضد الأغنياء في الإنجيل (لو 6: 24-25؛ 12: 13-21؛ 20: 47) وضدّ أخطار الغنى (لو 12: 33-34؛ 16: 19-31؛ 18: 18-30). فما عدنا نراه كذلك في أع. ولكن قد تكون أمور اختفت وحلّت محلّها أمور أخرى.

هنا نفهم أوّلاً أنّ الكاتب أعاد قراءة الإنجيل بعد أن دوَّن أع. وثانيًا، جعل من الأعمال إعادة لقراءة الإنجيل. فهناك التضمينات: ينطلق الإنجيل من الهيكل حيث ينتظر التلاميذ مجيء الروح (لو 24: 53). والمؤلَّف الذي أرسل إلى تيوفيلُس، يتدرّج من خلاص الله كما أعلنه يوحنّا المعمدان بكلمات أشعيا (لو 3: 6)، إلى تقديم الخلاص إلى جميع الأمم (أع 28: 31). ويقودُ كرازةَ القائم من الموت حول ملكوت الله (أع 1: 3) إلى كرازة بولس حول هذا الملكوت (أع 28: 31: مبشِّرًا بملكوت الله).

وهناك طريقة أخرى يستعملها لوقا ليدلّ على هذه الوحدة بين لو وأع: الإعلان المسبَق للمستقبل. في قلب إنجيل الطفولة، يربط قولُ سمعان النبويّ مباركة أبوَي يسوع (لو 2: 34أ) بإعلان لمريم يلقي بظلّه على ما يلي من الخبر: »ها قد وُضع هذا لسقوط وقيام كثيرين من إسرائيل وعلامة المخالفة. وأنتِ سيجوز سيفٌ في نفسك« (لو 2: 34ب-35أ). هذا الصدام بين سلام ناله سمعان (2: 29: تطلق عبدك في سلام) والألم المعلن، يجعل النبوءة غير واضحة: بمَ يقوم السقوط والقيام؟ متى ستُطعن مريم؟ متى يجوز السيف في نفسها؟ في نهاية أع، ساعة يرفض شعبها أن يؤمن بيسوع المسيح: »لبثوا غير مصدِّقين« (أع 28: 24).

وفي لو 9: 51، يبدأ صعود يسوع كما يفسِّره لوقا في كلام يتوقّف عنده الشرّاح: »وحصل إذ تمّت أيّام ارتفاعه (اختطافه)، أنّه قسَّى وجهه ليسير إلى أورشليم«. هل نحن أمام صعود يسوع (أع 1، 2، 11، 22)؟ هل نحن أمام صعود يسوع إلى أورشليم، وبالتالي أمام الآلام (أع 7: 43؛ 10: 16)؟ هناك الآلام (أيّام لا يوم). وهناك الصعود أيضًا. وسوف ننتظر الوصلة بين الكتابين (أي لو 24، أع 1) لكي نفهم معنى هذا الاختطاف.

وفي لو 12: 49-50، يبقى القارئ في غموض أمام إعلان يسوع حول »النار« التي جاء يلقيها على الأرض، و»المعموديّة« التي سيعتمد بها، النار استعارة معروفة من الدينونة الإسكاتولوجيّة (3: 9، 17؛ 9: 54). ولكنّ التوازي الترادفيّ مع المعموديّة يعود بنا إلى الروح القدس. وحين يصل القارئ إلى خبر العنصرة، يفهم أنّ يسوع تكلَّم عن مجيء الروح القدس. ويعبَّر عن هذا المجيء بتعابير غير عاديّة: فالوعد للتلاميذ على شفتَي القائم من الموت لا يقوم بأن ينالوا الروح، بل أن »يُلبَسوا قوّة من العلاء« (لو 24: 29؛ أع 1: 8).

ونلاحظ أيضًا الاحتفاط بالمعلومات في لو، إلى وقت محدَّد في أع. خلال محاكمة يسوع أمام المجلس الأعلى (السنهدرين)، ترك لو 23: 66 شهادة الزور حول دمار الهيكل وإعادة بنائه في ثلاثة أيّام كما في مر14: 58. ولكنّه سيذكرها مع إسطفانس في أع 6: 14: »لقد سمعناه يقول إنّ يسوع، ذاك الناصريّ، سينقضُ هذا المكان«. فالدور الذي سيلعبه الهيكل في أع 1-5، ما كان ليتوافق مع الانحطاط الإسكاتولوجيّ الذي حمّله إيّاه نصّ مرقس. وما قاله مر 7 حول تعليق شريعة الطهارة بحسب الشريعة، أي أن لا يلمس اليهوديّ الوثنيّ ويأكل معه، سيقوله لوقا في أع 10 ومجيء بطرس إلى كورنيليوس: في ذلك الوقت رُفع الحاجز بين الطاهر والنجس. »ما أعلنه الله طاهرًا، فلا تدْعُه أنت نجسًا« (أع 10: 15). وهكذا لا ينتهي مؤلَّف لوقا في لو 24 بل في أع 28. هو لا ينتهي بنهاية الإنجيل، بل بنهاية سفر الأعمال.

وأخيرًا هناك »السلاسل السرديّة«، أي هذه الخطوط التي تصل الإنجيل الثالث بسفر الأعمال، فتدلّ على التدرّج في الخبر والتواصل بين كتاب وكتاب. هناك أوّلاً سلسلة قائد المئة التي تربط لو 7: 1-10 (في كفرناحوم) بما في 23: 47 (قائد المئة عند الصليب)، وأع 10-11؛ 11: 7-11 (بطرس وقائد المئة). هذه السلسلة تربط إيمان قائد المئة الذي يدلّ يسوع على الوسيلة التي بها يتجاوز بكلمته المسافة التي تفصل اليهوديّ عن الوثنيّ، بالتقوى المثاليّة لدى كورنيليوس (أع 10: 1-4)، مرورًا بإعلان قائد المئة على الصليب: »في الحقيقة كان هذا الرجل صدِّيقًا« (لو 23: 47). بين هؤلاء الرجال المثاليّين الثلاثة، نسج الراوي تواصُلَ النعمة العجيبة التي يمنحها الله للإيمان.

ونذكر سلسلة اهتداء بولس، التي تربط لو 21: 12-19 (تساقون أمام الملوك والرؤساء من أجل اسمي، آ12) بما في أع 9: 1-9أ (هذا الرجل هو إناء مختار لي لكي يحمل اسمي أمام الأمم والملوك وبني إسرائيل، آ15). وبما في أع 22: 1-21 (شعب أورشليم)؛ 26: 1-29 (الملك أغريبّا). لقد اهتمّ لوقا اهتمامًا خاصٌّا باهتداء بولس، لأنّه يعطي الرسالة خارج العالم اليهوديّ، شرعيّةَ التواصل مع خبر الآباء.

وكانت محاضرة حول النظريّات التي تتحدَّث عن النصّ المعروف والنصّ الغربيّ الذي يحاول أن يفسّر ما في النصّ المعروف، أو يتوسّع فيه. وكلام عن التقاليد حول العهد مع إبراهيم. بدأ إسطفانس خطبته مع ظهور الله لإبراهيم، وتوقّف عند الوعد بالأرض كميراث عبر الختانة (أع 7: 3-8). وعاد إلى إبراهيم في 7: 16-17. وأشار بولس إلى إبراهيم في خطبته في مجمع أنطاكية بسيدية (13: 26). ونذكر أخيرًا مطالعة حول موقف لوقا من الدولة الرومانيّة في الإنجيل وفي سفر الأعمال، ممّا دفع بعضُ الشرّاح إلى القول بأنّ لوقا كتب ما كتب دفاعًا عن المسيحيّة في العالم الرومانيّ. لهذا راعى جانبَ السلطة بشكل خاصّ في محاكمة يسوع ومحاكمة بولس.

2- حلقات الأبحاث

جاءت حلقات الأبحاث في أربع لغات. في اللغة الندرلنديّة، وكان الموضوع زيارات الله وافتقاده. وموضوع الضيافة مع الخلفيّة التي نجدها في العهد القديم وفي العالم الرومانيّ واليونانيّ. يرد فعل »افتقد« مع الله كفاعل، أربع مرّات في الإنجيل (1: 68، 78؛ 7: 16؛ 19: 44). أمّا في سفر الأعمال، فنحن أمام زيارة بشريّة (10: 21؛ 15: 36؛ 25: 13). وتجاه هذا، نجد رفضًا لاستقبال يسوع في رسالته (مثلاً، في الناصرة)، ورفضًا لاستقبال بولس، ولا سيّما من قِبَل الشعب اليهوديّ. أمّا المثال النموذجيّ على هذا الوضع فنجده في أنطاكية بسيدية. بدأ بولس وبرنابا فكلّما اليهود في المجمع. ولكنّ اليهود »شرعوا يقاومون أقوال بولس« (أع 13: 45). فقال بولس: »لكم أوّلاً كان ينبغي أن تُقال كلمة الله. ولكن بما أنَّكم ترفضونها...« (آ46).

في اللغة الإنكليزيّة كان الموضوع: الكرستولوجيّا أو شخص يسوع المسيح في إنجيل لوقا وأعمال الرسل. المسيح، الربّ، ابن الله. وهناك ألقاب خاصّة في أع مثل »عبد الربّ« أو فتاه. ولكن منذ البداية نعرف مع لوقا أنّ الربّ هو لقب يسوع بعد القيامة وهو الذي يسيطر في الكتابين.

في اللغة الألمانيّة كان الموضوع: أخبار المعجزات في الإنجيل الثالث وفي سفر الأعمال. أوّلاً، هناك علاقة بين يسوع من جهة، وبطرس وبولس من جهة أخرى. ثمّ هناك علاقة بين بطرس وبولس. بطرس شفى المرضى وبولس أيضًا. بطرس أقام طابيتا من الموت (أع 9: 36-42) على مثال يسوع الذي قال لابنة يائيرس »طليتا قومي«، وبولس أقام الولد الذي سقط من النافذة في ترواس، فحُمل ميتًا (أع 20: 7-12). دُرس شكل المعجزة ووظيفتها وطريقة سردها. وذُكرت المدهشات في أع، مثل خلاص بطرس من السجن (أع 12: 1-17)، وخلاص بولس في فيلبّي (16: 25ي). في الحالة الأولى، دلّ الملاك على تدخّل الله؛ وفي الحالة الثانية، حصل زلزال شديد »فانفتحت الأبواب كلُّها وانفكّت قيود الجميع«.

في اللغة الفرنسيّة، كان الموضوع: مسيحانيّة يسوع أو العلاقة بين الإعلان والتتمّة، بين لو 1: 35 حيث نقرأ كلام الملاك جبرائيل للعذراء: »الروح القدس يأتي عليك وقدرة العليّ تظلِّلك. ومن أجل ذلك، فالقدّوس الذي يُولد منك يُدعى ابن الله«، وبين أع 2: 33 حيث نقرأ في خطبة بطرس يوم العنصرة: »وإذ ارتفع بيمين الله، وأخذ من الآب الروح القدس الموعود به، أفاض ما تنظرون وتسمعون«.

كانت ثلاث محطّات: جُعل يسوع مسيحًا في القيامة. هذا ما يدلّ عليه أع 2: 22-36: »فليعلم إذن جميع بيت إسرائيل أنّ الله جعل يسوع الذي صلبتموه أنتم، ربٌّا ومسيحًا« (آ36). في محطّة ثانية، نفهم من خلال خبرة الجماعة الأولى، أنّ المسيحانيّة التي مارسها يسوع ترتبط بالروح القدس. وأخيرًا، نعرف أنّ هذه المسيحانيّة التي أعلنها سفر الأمثال، نقرأها في لو 1: 35.

3- المداخلات

جاءت المداخلات عديدة ومتنوّعة، فتوزّعت على تسع قاعات.

أ- في القاعات الثلاث الأولى

كانت محاولة لقراءة لو وأع من النهاية إلى البداية على مستوى الجغرافيا، رومة كموضع لإعلان الكلمة، لا كمدينة، بل كإمبراطوريّة. على مستوى الجماعة، ستدلّ الجماعة اليهوديّة (آ28) على رفضها للكلمة، فتظهر أنّها ليست من نسل إبراهيم (لو 3: 8). على مستوى الإيراد الكتابيّ، ما نقرأه في أشعيا في نهاية سفر الأعمال يجد بدايته في لو 3: 6: »كلُّ بشر يرى خلاصَ إلهنا«.

وهناك مقدِّمة للإنجيل الثالث، ومقدِّمة لسفر الأعمال. في علاقة هاتين المقدِّمتين بالعالمين اليونانيّ والرومانيّ. كيف استطاع ذاك الذي لم يكن »شاهدًا« للكلمة، ولا كان حاضرًا منذ البدء، أن يقدِّم خبرًا عن الأحداث التي حصلت بيننا؟ إنه قام بعمليّة البحث: »تحقّق بدقّة جميع الأشياء من البدء«.

وطُرح السؤال: أين تنتهي بداية أع؟ هنا نتعرّف إلى مواضيع أع 1-2 التي هي صدى لإنجيل لوقا. هناك من اعتبر 1: 1-5 كمقدِّمة الكتاب كلِّه. أمّا آ8-11 فتستعيد لو 24: 47-53. وآخرون 1: 1-8، لأنّ آ6-8 ترتبط موضوعيٌّا مع آ2-5. وآخرون 1: 1-26 الذي يتوازى مع لو 1-2. نشير إلى أنّ هناك ثمانية مواضيع في أع 1-2 هي امتداد لما في لو: (1) تتمّة الكتب ومواعيد الله؛ (2) إشراف الله على التاريخ؛ (3) تعليم يسوع ومثَله؛ (4) نتيجة رسالة يسوع. (5) قيامة يسوع وتمجيده وسلطانه؛ (6) نتائج موت يسوع وقيامته وتمجيده؛ (7) الروح القدس؛ (8) الصلاة.

وكانت مواضيع ثلاثة حول العلاقة بين تعليم بولس ومؤلَّف لوقا، حول الدفاع الذي قام به لوقا لكي يدافع عن يسوع، سواء في العالم الوثنيّ (خلال المحاكمة)، أو في العالم المسيحيّ الذي اعتبره خارجًا عن القاعدة العامّة. والموضوع الثالث، كان حول الكلام عن اليهود في لو وأع. كانت نظرات أربع: (1) أبغض لوقا اليهود واعتبر أنّ العالم يكون أفضل لو تخلَّص منهم (خطّ متعصِّب)؛ (2) اختلفت النظرة إلى اليهود لأنَّهم كانوا منقسمين حول يسوع المسيح. هناك من اهتدى إلى الإيمان الجديد، وهناك من عارض؛ (3) لا يصوِّر لوقا انتصار المسيحيّة الآتية من الأمم كامتداد على حساب اليهود، بل هو قدَّم المصالحة بين اليهود والوثنيّين، وصوَّر بولس كرسول لدى اليهود ثمّ لدى الأمم؛ (4) بدا لوقا (وهو الوثنيّ) كيهوديّ يتكلَّم داخل العالم اليهوديّ، فعكس خبرُه كلامًا نبويٌّا.

وانطلقت مداخلة من ابن الإنسان الجالس (لو 22: 69) للدينونة، إلى ابن الإنسان الواقف (أع 7: 56) كما رآه إسطفانس. قيل: هو يستقبل إسطفانس الشهيد الأوّل. هو واقف ليخدم الله. هو واقف في معنى اسكاتولوجيّ. هو كمرافع يتّهم اليهود أمام الله، وهو من يحمل الخلاص إلى إسطفانس.

وتحدَّثت المداخلةُ الثانية عن صعود يسوع إلى أورشليم (لو 9: 51) وصعود بولس (أع 19: 21). أورشليم بالنسبة إلى يسوع، هي موضع اختطافه وخروجه. فأورشليم هي مَفصَل بين مرحلتين في سفَر يسوع: في مرحلة أولى هناك الآلام والموت. وفي مرحلة ثانية القيامة والصعود. كأنّنا أمام سفَر أرضيّ وسفَر سماويّ. وكذا نقول عن بولس: سفَر يقوده إلى أورشليم، ثمّ إلى رومة حيث يموت. وكانت مداخلة ثالثة حول مفهوم الفقر في لو وفي أع، على المستوى النظريّ والمستوى العمليّ.

ب- في القاعات الثلاث التالية

كانت نظرة إلى وجه يوحنّا المعمدان في لو وفي أع. إذا أخذنا بمنطق كونزلمان الذي يقسم الزمن إلى ثلاث حقبات: زمن العهد القديم، زمن المسيح أو منتصف الزمن، زمن الكنيسة، يقع يوحنّا المعمدان في زمن العهد القديم على ما في لو 16: 16: » بقي الناموس والأنبياء إلى يوحنّا، ومنذئذ يبشَّر بملكوت الله«.

وكان كلام عن وصيّة محبّة القريب في لو وفي أع. في لو محبّة على مستوى الجسد، مثلاً مع السامريّ الصالح. وفي أع محبّة على مستوى الروح، أي حمل كلام البشارة. وأخيرًا، هل هناك آلام تكفيريّة ليسوع حين سلَّم ذاته للموت في مؤلَّف لوقا؟

وكانت مقابلة بين لوقا وشيشرون الخطيب الرومانيّ، على مستوى السيرة التاريخيّة وأسلوبها. فالأسلوب الأدبيّ عرفه الفكرُ القديم في خطّ النظريّات التي عرفها العالم اليونانيّ والعالم الرومانيّ. وكانت دراسة انطلقت من »ملكوت الله« لتدلّ على الوحدة بين لو وبين أع، وعلى عمل الله في المسيح وفي الكنيسة. وهكذا يكون مؤلَّف لوقا مركِّزًا على الله الذي له مبادرة الخلاص.

وكانت قراءة لما في أع 10: 1-11: 18 على ضوء خبر لوقا عن أعمال يسوع، بعد أن قسم مقطع أع سبعة أقسام، حاول أن يربطها بما رواه بطرس عن حياة يسوع في تقديم البشارة لكورنيليوس ولأهل بيته.

ما هو المعنى اللاهوتيّ ل»اليهوديّة« في لو وأع؟ هناك المعنى المكانيّ والسياسيّ على ما نجد عند فلافيوس يوسيفُس، المؤرِّخ اليهوديّ. وهناك المعنى اللاهوتيّ. فالسامرة نفسها صارت من اليهوديّة، على مستوى حياة يسوع وعلى مستوى الكنيسة الأولى. وشعب إسرائيل الحقيقيّ ليس ذاك الذي يشارك في شعائر العبادة في الهيكل، بل ذاك الذي يتجاوب مع نداء يسوع ويشهد له.

»والطريق« هي مفهوم يساعد على الوصل بين لو وأع. طريق يسوع، ولا سيّما صعوده إلى أورشليم. طريق الرسالة الأولى التي هي نهجُ حياةٍ جديدة. طريق بولس وأسفاره. كان انطلاق من أش 2: 3: »من صهيون يأتي التعليم، ومن أورشليم كلمة الله«، ليصل إلى مجمع أورشليم (أع 15).

ج- القاعات الثلاث الأخيرة

انطلق المحاضر من خبر إسطفانس (أع 6: 1-8: 3) ليفهم نظرة لوقا إلى هيكل أورشليم. نحن نعلم أنّ لو بدأ في الهيكل (1: 1-25) وانتهى في الهيكل (34: 53). كما نعلم أنّ الرسل كانوا يتردّدون إلى الهيكل (أع 3: 1). ولكنّ كلام إسطفانس، وهو الوجه اليونانيّ في جماعة أورشليم، سيكون في خطّ النبوءات التوراتيّة فيرى في الهيكل صنمًا لا بدّ من إزالته من أجل هيكل آخر. وقابل محاضرٌ آخر بين لو 10: 38-42 وأع 6: 1-7 للحديث عن المرأة التلميذ. نجد في الإنجيل شخص مريم التي جلست عند قدمَي المعلِّم، وفي أع، تلاميذَ غيرَ الرسل، »رُسموا« للاهتمام بالجماعات اليهوديّة المتكلِّمة باليونانيّة. وانطلق ثالث من فرضيّة تتحدّث عن »بروتو لوقا« (أو: لوقا أوَّل قبل لوقا كما نعرفه في لو وأع)، وتقول إنّه وجد شكلٌ قصيرٌ للإنجيل الثالث (مستقلّ عن الإنجيل الثاني) وسفر الأعمال.

في لو 23: 6-16، مثَل يسوع أمام بيلاطس فأرسله إلى هيرودس. وفي أع 4: 25-27، نقرأ صلاة الكنيسة الأولى بعد أن أُطلق سبيلُ بطرس ويوحنّا اللذين كانا مسجونين: »هيرودس وبنطيوس بيلاطس مع الأمم وشعوب إسرائيل«. فكما كان التهديد يطال يسوع، ها هو يطال الكنيسة من قبل اليهوديّ (هيرودس) ومن قبل الوثنيّ (بيلاطس). هكذا بانت الوحدة بين لو وأع، كما بانت أيضًا في موضوع المجاعة التي تحدّث عنها لو 4: 25 (مع إيليّا)؛ 15: 14 (في مثل الابن الضالّ)؛ 21: 11 (خطبة نهاية العالم) وأع 7: 11 (في فم إسطفانس)؛ 11:28  (في فم أغابوس النبيّ).

اعتاد الله أن يكلّم بعض أصفيائه بالأحلام. وكان آخرهم يوسف، خطّيب مريم. ولكنّ يسوع لم يتلقَّ مثل هذه الأحلام. هنا دُرست الطرق التي فيها كلّم الله أصفياءه في لو وفي أع. وتحدَّثت مداخلة عن أبناء الموعد كما في لو 1: 72 (يصنع رحمة لآبائنا، ويذكر عهده المقدَّس) وفي أع 3: 25 (أنتم بنو الأنبياء والعهد الذي عاهد به الله آباءكم)، فوصلت بنا إلى العهد الذي أُعلن في العهد القديم وتمّ في العهد الجديد. وكانت المداخلة الأخيرة حول نصيحة غمالائيل في شأن الرسل (أع 4: 33-39). هذا المعلِّم الكبير الذي تتلمذ بولس على يده (أع 22: 3) والفرّيسيّ المعروف، أقنع المجلس بعدم ملاحقة الرسل: إن كان هذا المشروع من الناس، فهو يُنقَض. وأمّا إن كان من الله فلا تستطيعون نقضه. وإن حاولتم، بَدوْتم كأنّكم تقاومون الله.

خاتمة

تلك كانت المواضيع الهامّة التي تطرّقت إليها الأيّام البيبليّة السابعة والأربعين التي عُقدت في لوفان (بلجيكا) في نهاية شهر تمّوز 1998. دراسات عديدة حول أعمال الرسل على أكثر من مستوى. أمّا الأيّام البيبليّة المقبلة فسيكون موضوعها من العهد القديم: سفر التكوين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM