الفصل الرابع: محبَّة المسيح تلفُّنا

الفصل الرابع

محبَّة المسيح تلفُّنا

حين أراد بولس الرسول أن يحدِّث أهل كورنتوس عن المصالحة مع الله، قال لهم: »محبّة المسيح تلفُّنا« (2 كور 5: 14)، تحيط بنا، تحثُّنا، تدفعنا. وهكذا صرنا أسرى لها. ولماذا هذا التأثير فينا؟ لأنَّنا أدركنا أنَّ واحدًا مات عنٌّا جميعًا لأنَّه أحبَّنا. وهو يدعونا إلى أن نشاركه في موته من أجل الحياة. وهكذا لا نحيا بعدُ لأنفسنا في أنانيَّة قاتلة، بل »للذي مات وقام« (آ15) من لأجلنا. المسيح هو المرآة التي نرى فيها محبَّة الله لنا. وهو الطريق التي نسير فيها فنعرف كيف تكون  المحبَّة بين الأخوات والإخوة ساعة لا يخاف الواحد أن يحسبَ الآخرين أفضل منه (فل 2: 4)، لأنَّ فكره على فكر المسيح (آ15). من المسيح نتعلَّم أنَّ الله الذي هو محبَّة، يحبُّنا كما الوالدون يحبُّون أولادهم. ومحبَّته تزرع المحبَّة فينا فتكون الثمرة محبَّة للقريب في ظروف الحياة اليوميَّة. فالمحبَّة في النهاية، عطاء من أجل الأخوَّة وتضحية. في مسيرتنا هذه يكون بولس الرسول رفيقنا.

1- محبَّة الله

اكتشف بولس محبَّة الله في قلب حياته، لا انطلاقًا من فهمٍ قرأه في العهد القديم، أو في الآداب اليونانيَّة التي عرفها كما يعرفها كلُّ جامعيّ في طرسوس، المدينة التي وُلد فيها. كان يضطهد »كنيسة« الله بلا رحمة، ويحاول تدميرها« (غل 1: 13). ومع ذلك يقول: الله أحبَّني. »بنعمته اختارني وأنا في بطن أمّي« (آ15). لو كنّا في إطار العهد الأوَّل، لقلنا: يعاملنا الله كما عاملناه. نسيناه فنسانا. ابتعدنا عنه فابتعد عنّا. هي صورة بشريَّة ناقصة، فيها يقوم الله بتربية أبنائه، فيعاقبهم ويحرمهم بانتظار أن يعود إليهم. »كيف أهجركم؟ كيف أتخلّى عنكم؟ كيف أعاملكم؟« (هو 11: 8) أمثل مدن عرفت الخراب والدمار؟ ويواصل الربُّ كلامه: »قلبي يضطرب في صدري، وكلُّ مراحمي تتَّقد«. الله أب بقلب أم يقول لأبنائه: »جذبتكم بحبال الرحمة وروابط المحبَّة، وكنتُ لكم كأبٍ يرفع طفلاً على ذراعه، ويحنو عليه ويطعمه« (آ4).

بمثل هذه العاطفة، عامل الربُّ بولس، أو شاول، »ذاك الذي كان مضطهدًا وشتّامًا« (1تم 1: 13). ما عاقبه، ما لاحقه وإن هو لاحق المؤمنين، لا في أورشليم فقط، بل في دمشق ولو أنَّه وصل إليها »بالغيرة الشديدة على تقاليد آبائي« (غل 1: 14). قال: »رحمني لأنّي كنت غير مؤمن، لا أعرف ما أفعل، ففاضت عليَّ نعمةُ ربِّنا وما فيها من إيمان ومحبَّة في المسيح يسوع« (1تم 1: 13-14).

وما اختبره بولس في حياته، اختبره المؤمنون في أفسس. كانوا غرباء، يقيمون خارج البيت ولا يحقُّ لهم أن يشاركوا سكّانه في حياتهم. كانوا ضيوفًا يُسمَح لهم بمرور عابر (رج أف 1: 19). أمّا الآن، فما عادوا غرباء ولا ضيوفًا. كانوا بعيدين، بل مُبعَدين لأنَّهم لم ينالوا الختان، تلك العلامة الخارجيَّة التي تدلُّ على انتماء إلى الله وإلى شعبه. ما عادوا بعيدين، صاروا قريبين بعد أن نالوا البشارة (آ17). لا عهد يجمعهم مع الله، لأنَّهم لم يعرفوه ذاك الإله الواحد والذي أرسل ابنه إلينا. فقال في يوحنّا: »هكذا أحبَّ الله العالم، فأرسل ابنه الوحيد، لئلاّ يهلك كلُّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديَّة« (يو 3: 16).

وحدَّث بولس أهل أفسس عن حبِّ الله الكبير، عن رحمته الواسعة (أف 2: 4). من أين انتشلنا؟ قال: »كنّا نحن كلُّنا نعيش في شهوات الجسد، تابعين رغباته وأهواءه. ولذلك كنّا بطبيعتنا أبناء الغضب« (آ2-3). والآن صرنا أبناء الحياة »بعد أن كنّا أمواتًا بزلاّتنا« (آ4)، صرنا أبناء الخلاص (آ8)، ومرافقين يسوع في موته، في قيامته وفي صعوده وجلوسه عن يمين الآب (آ6).

كثرت الخطيئة، لا شكّ. ولكن فاضت النعمة (روم 5: 20). ويتحدَّث الرسول في الرسالة عينها عن »نعمة الله التي تفيض علينا، والعطيَّة الموهوبة بإنسان واحد هو يسوع المسيح« (آ15). لا شكَّ في أنَّ بولس أبرز الخطيئة في أبشع مظاهرها، ولاسيَّما لدى الوثنيّين، فقال: »غضبُ الله معلن من السماء على كفر الناس وشرِّهم« (روم 1: 18). ولكن ما كان ليقدِّم هذه الصورةَ البشعة، لو لم يكن مقيمًا في محبَّة الله. خرج الإنسان من هذا المستنقع بعد أن أمسكه الله بيده، فنظر إلى الوراء ليكتشف عمل الله من أجله، وليأخذ العبرة على ما قال الرسول: كيف ترجعون؟ فخبرة الشعب العبرانيّ حاضرة في ذهن بولس: تطلَّعوا دومًا إلى الوراء، إلى مصر وعبوديَّتها، إلى »قدور اللحم التي تشبعهم« (خر 16: 3)، إلى »القثاء والبطّيخ والكراث والبصل والثوم« (عد 1: 5). ما عاد يهمُّه المنّ، ذاك الطعام الذي منَّ به الله عليهم.

والمؤمنون في زمن بولس، يمكن أن يعودوا إلى شهواتهم، إلى ما في العالم »من شهوة الجسد، وشهوة العين، ومجد الحياة«، كما يقول يوحنّا في رسالته الأولى (2: 16). وهكذا ينسون محبَّة الله التي أفيضت في قلوبهم (روم 5: 5). تلك المحبَّة التي برهن الله عنها حين أرسل ابنه، حين »المسيح مات من أجلنا ونحن خاطئون« (آ8). فيا لعمق هذه المحبَّة التي لا تنظر إلى أعمال الإنسان، بل تعبِّر عن قلب الله. قال في النبيّ هوشع: »أنا إله، لا إنسان« (هو 11: 9). أنا هو القدُّوس، البعيد عن الإنسان، اللامحدود بالنسبة إلى المحدود. قال بفم أشعيا: »بمن تشبِّهونني وتعادلونني؟ بمن تمثِّلونني فنتشابه؟« (أش 46: 5). وتابع: »أنا الله ولا إله غيري، أنا الله ولا إله مثلي« (آ9). ولماذا يتميَّز الله عن كلِّ قوى الأرض والسماء؟ لأنَه محبَّة كما دعاه يوحنّا (1يو 4: 8، 14). وبما أنَّه المحبَّة، لا تفيض منه سوى المحبَّة. لهذا خَلق، لهذا خَلَّص، لهذا كوَّن في الإنسان قلبًا يحبُّ بحيث نصبح شبيهين به، على ما قال الرسول: »اقتدوا بالله كأبناء أحبّاء، وسيروا في المحبَّة سيرة المسيح الذي أحبَّنا وضحّى بنفسه من أجلنا« (أف 5: 1-2).

2- محبَّة الإخوة

بعد أن كلَّم الرسول مؤمني رومة عن هذه المحبَّة التي أفاضها الله في القلوب، دعاهم إلى محبَّة القريب: »لا يكن عليكم لأحد دين إلاَّ محبَّة بعضكم لبعض« (رو 13: 8). دين يُفرَض عليكم. ولا دين غير ذلك. والله يحاسبكم، لأنَّ الإنسان لا يقدِّر. فالجريح في الطريق، لم يساعده الكاهن ولا اللاويّ. وكان الضمير »مرتاحًا« لديهما أقلَّه في الخارج. وحده السامريّ اعتبر أنَّه دفع »الدين«. بل أقرض الله، على ما يقول سفر الأمثال: »من يتحنَّن على الفقير يُحسن إلى الربّ، والربُّ على إحسانه يكافئه« (أم 19: 17). ويشوع بن سيراخ: »من يقرض قريبه مالاً، يكون رؤوفًا به، ومن يمدُّه بالعون، يحفظ الوصايا. أقرض قريبك في وقت حاجته، وأوفه ما له عليك ولا تتأخَّر« (سي 29: 1-2).

وتابع الرسول كلامه: »من أحبَّ القريب أتمَّ العمل بالشريعة«. تضمَّنت الشريعة الوصايا العشر. وكانت الفرائض والأحكام التي تبعَتْها، فوردت في سفر الخروج. ثمَّ توسَّعت فصارت 613 وصيَّة في التقليد اليهوديّ، بحيث عجز المؤمن عن معرفتها، فكيف له بممارستها. لهذا سأل أحدهم يسوع: »ما هي أعظم وصيَّة في الشريعة؟« (مت 22: 36). هو لا يستطيع أن يعمل بها كلِّها. فيا ليت الربَّ يختار له واحدة، تعفيه من الباقي. وكان جواب يسوع: »أحِبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك وبكلِّ نفسك، وبكلِّ عقلك (آ37)... أحببْ قريبك كنفسك« (آ39). هل هذا يكفي؟ نعم. »فعلى هاتين الوصيَّتين تقوم الشريعة كلُّها وتعاليم الأنبياء« (آ40). وفي الخطِّ عينه، راح الرسول: »فالوصايا التي تقول: لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشتهِ، وسواها من الوصايا تتلخَّص في هذه الوصيَّة: أحِبَّ قريبك مثلما تحبُّ نفسك. فمن أحَبَّ قريبه لا يسيء إلى أحد. فالمحبَّة تمام العمل بالشريعة« (روم 13: 9-10).

هنا نفهم كلام الربِّ يسوع في العظة الأولى من العظات التي أوردها في إنجيله، عظة الجبل. أورد يسوع الوصايا: لا تقتل (مت 5: 21). لا تزنِ (آ27). ولكنَّه أضاف حالاً: أمّا أنا فأقول لكم (آ22، 28، 34، 39، 44). خمس مرَّات كرَّر العبارة عينها، وكأنَّه يُجمل الوصايا جميعًا. هي غير كافية. ما جاء يسوع ليُبطلها وكأنَّها ما كانت، فهي كلام الله. بل جاء ليكمِّلها. الوصيَّة تطلب منّا شيئًا محدَّدًا، إذا قرأناها بحسب الحرف. والشريعة يمكن أن تكون عائقًا في طريق الكمال، على ما حصل للكتبة والفرّيسيّين. لهذا قال يسوع لتلاميذه: »إن لم يزد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين، لن تدخلوا ملكوت السماوات« (آ20).

اعتبرَ البعضُ أنَّ ما قاله الرسول أمرٌ نظريّ. فالمحبَّة كلمة نجعلها في كلِّ خطاباتنا: محبَّة العالم. محبَّة الطبيعة، محبَّة الحيوان، محبَّة البشريَّة. ولكنَّها لا تؤثِّر فينا. نسمع الكلمات والكلمات، ونفرح بأقوالنا، وننسى ما يجب أن تكون عليه أفعالنا. لا. ليست هذه المحبَّة التي يطلبها بولس، بل هي عمليَّة جدٌّا. المحبَّة لا تسيء إلى القريب. فإن تعمَّدتُ الإساءة، لم أكن في المحبَّة. إن قتلتُه أو أبغضته أو سلبته، لا أكون في المحبَّة. هنا نلتقي مع القدّيس يوحنّا: »يحبُّ بعضنا بعضًا، ولا نكون مثل قايين، الذي كان من الشرِّير فقتل أخاه« (1يو 3: 11-12).

وراح القدّيس أوغسطين يقول: »أحببْ وافعل ما تشاء«. من زُرعت محبَّة الله في قلبه، لا يمكن إلاَّ أن يفعل الخير. يُصبح مثل شجرة التفّاح التي لا يمكن إلاَّ أن تنتج تفّاحًا، لا شوكًا وعوسجًا. تصبح المحبَّة فينا طبيعة ثانية. مثل الأمِّ تريزا ده كلكوتا. صارت المحبَّة فيها »شبه غزيرة« لا يمكن إلاَّ أن تمارسها، ساعة الجميع يتهرَّبون ويعتبرون عملها مضيعة للوقت. بعد ذلك، هل نعود إلى الشريعة، ونقيم الحسابات: ماذا عملنا؟ ماذا يجب علينا أن نعمل؟ نغفر سبع مرَّات أم عشر مرّات. نتصرَّف إلى درجة لا تتعدّى ما يفعله الخطأة أو الوثنيّون. ونعتبر بعض المرّات أنَّنا عملنا الكثير. في نظر الإنسان، لا شكّ، لا في نظر الله. غفر بطرس سبع مرّات. هذا ما لا يعمله أحد، فقال له الربّ: تغفر »سبعين مرَّة سبع مرّات« (مت 18: 22). أحبَّ المؤمنون من يحبّونهم (لو 6: 32). مساكين! الخطأة يفعلون مثلهم. فأين هي الشهادة التي يؤدُّونها؟ وأحسن المسيحيّون في زمن لوقا إلى الذين يحسنون عليهم، على مثل المثل المعروف: أعطيك فتعطيني. أُحسن إليه بتلك الكميَّة من المال التي بها أحسنَ إليَّ. فأنا أعامله كما عاملني: رفض أن يعطيني، وأنا أرفض. امتنع عن زيارتي وأنا أمتنع.

في هذا الإطار حدَّد الرسول عددًا من السمات التي تميِّز المحبَّة. تكون صادقة (رو 12: 7). تبتعد عن الكذب والرياء. إن قالت فعلت، وإلاّ شابه المؤمنُ الكتبة والفرّيسيّين الذين يقولون ولا يعملون (مت 23: 3). وتكون متبادلة، كمحبَّة الأخ لأخيه، والأخت لأختها. إذا كان الآب السماويّ أبانا جميعًا، فنحن إخوة. معًا نطلب الخبز اليوميّ. معًا نغفر بعضنا لبعض، ولا نعتبر أنَّ ما عملناه بطولة خارقة. ويبقى المثال أمامنا يسوع المسيح الذي غفر لنا من أعلى صليبه، بدءًا بالذين حكموا عليه ظلمًا وقتلوه.

والمحبَّة هي خدمة. قال الرسول: »أخدموا بعضكم بعضًا بالمحبَّة« (غل 5: 13). أترى صرنا عبيدًا ننقاد للغير؟ أما كفى الذين كانوا عبيدًا في الحضارة الرومانيَّة، ما عانوه في حالتهم المذلَّة، لكي يعودوا عبيدًا؟ كلاّ. بل إنَّ مثل هذه الخدمة تجعلهم يعيشون ذروة الحرِّيَّة. أمّا الحرِّيَّة التي يخاف منها الرسول، فهي التي تعني الفلتان على مستوى الرغبات، فهي التي تكون »حجَّة لإرضاء شهوات الجسد«. وكيف يكون مثل هذا الفلتان؟ »تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا« (آ15) حتّى الإفناء. إذا كانت الشريعة تفيد في هذه الحالة، فهي تبقى ناقصة. وهي »كلُّها تكتمل في وصيَّة واحدة، أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك« (آ14).

هنا تكون أمام المؤمن طريقان: السلوك بحسب الروح، أو السلوك بحسب الشهوات البشريَّة، هذه تقاوم الروح، وتجعل الناس عبيدًا لأعمال تقع على مستوى اللحم والدم، والضعف البشريّ. هذه الأعمال هي الزنى، الدعارة، العداوة، الخصام (آ19-20)، كلُّها تعني ابتعاد المحبَّة وانغلاق على الذات في أنانيَّة تجعل الإنسان عبدًا لشهواته. أمّا طريق الروح، فأوَّل ثمر لها المحبَّة، التي تصبح شجرة كبيرة تعطي ثمار الفرح والسلام والصبر واللطف والوداعة (آ22-23). وينهي الرسول كلامه هنا: »لا نتكبَّر، لا نتحدّى، لا يحسد بعضنا بعضًا« (آ26).

3- محبَّتكم لجميع الإخوة

تحدَّث بولس عن إيمان الجماعة، واعتبر أنَّ هذا الإيمان يرتبط بالمحبَّة (أف 1: 15). فالإيمان الذي يجعلنا نرى ما لا يُرى، يساعدنا على التلاقي مع الذين حولنا، بطريقة تدفعنا إلى أن نرفع آيات الشكر إلى الله (آ16). وقدَّم لنا الرسول برنامجًا كاملاً في إطار الجسد الذي نؤلِّفه. قال: »كما أنَّ لنا أعضاء كثيرة في جسد واحد، ولكلِّ عضوٍ منها عمله الخاصّ به، هكذا نحن في كثرتنا، جسدٌ واحد في المسيح. ولكنَّنا أعضاء بعضنا لبعض« (رو 2: 4-5). هناك تفاعل داخل الجسد الواحد، بحيث لا يستطيع الواحد أن يستغني عن الآخر. لا تستغني العين عن اليد، والأذن عن الرجل. كلُّ عضو له مهمَّته في الجسد، وعمله من أجل خير الجماعة كلِّها، لا من أجل خير العضو وحده. وهكذا »تهتمُّ الأعضاء كلُّها بعضها ببعض. فإذا تألَّم عضو، تألَّمت معه جميع الأعضاء. وإذا أُكرم عضو، فرحَتْ معه سائر الأعضاء« (1كور 12: 25-26).

في مثل هذه الحالة، كيف يمكن أن تكون المحبَّة غائبة؟ فالحياة التي تمرُّ في عضو تصل إلى سائر الأعضاء. والروح الذي ينعش الواحد منّا، يصل إلى الكنيسة كلِّها. ولكن ما لا نجده في جسد الإنسان، تلك الصورة التي استقاها الرسول من عالم الفلاسفة اليونان، ولاسيَّما الرواقيّين، نجده في الكنيسة أي جسد المسيح. فالأعضاء في الجسد تسير بحسب الغريزة، مثل آلة دقيقة الصنع، حيث كلُّ غرض يأخذ مكانه. أمّا على مستوى الكنيسة، أو الرعيَّة، أو الدير، أو المدرسة، أو أيَّة جماعة، فكلُّ فرد حرٌّ في تصرُّفه، فيكون »الشقاق« (آ25)، وتحلُّ الأنانيَّة محلَّ التفكير بالغير والتضحية من أجل الإخوة. إذا كان الله بذل نفسه عنّا، فكيف لا نبذل نحن نفوسنا من أجل إخوتنا؟ »فما فعلنا إلاَّ ما كان يجب علينا« (لو 17: 10).

كيف يمكن أن نعيش هذه المحبَّة مع الإخوة؟ بما أنَّ لكلِّ أخ موهبة خاصَّة به، يُطلَب منه أن يُنمي هذه الموهبة لكي تكون خدمته بلا عيب. كما يُفرَض عليه أن يكتشف الموهبة التي عند أخيه. وإذ يضع كلُّ واحد المحبَّة التي وُهبت له في خدمة الجميع، يكون عائشًا المحبَّة. فالوزنة التي وُهبَت لي، لم تكن يومًا لكي أخفيها في الأرض (مت 25: 26). عندئذٍ أكون »ذلك الخادم الشرّير، الكسلان«. وإذ أعرف ما عندي وما به أقدر أن أكون حاضرًا في الجماعة، وأعرف ما عند أخي من موهبة، أدخل في سرِّ الله وفي قلب الكنيسة حيث »كلُّ واحد ينال موهبة يتجلّى فيها الروح للخير العام« (1كور 12: 7).

ويفصِّل بولس المواهب. لي موهبة التعليم، أعلِّم. لي موهبة الوعظ أعظُ. لي موهبة الرئاسة، أكون رئيسًا. هل الكلُّ يريد أن يكون رئيسًا؟ وعلى من يترأَّسون؟ إذا قوبلت الرئاسة بالعين، فأيُّ جسد يكون جسدنا إن كان كلُّه عينًا؟ ولم يكن فيه أذن ولا فم ولا يد ولا رجل؟ ونحسب بعض المرّات أنَّ الأعضاء التي نحسبها مهمَّة، هي الأكثر شرفًا لدى الله. هذا خطأ كبير. وفي أيِّ حال، مفهوم الإنجيل غير مفهوم العالم. في الإنجيل، الأوَّل يكون الآخر، كالراعي الذي يسير وراء خرافه ليجمعهم ويدخلهم إلى الحظيرة. والكبير يكون الأصغر. والمترئِّس يكون الخادم. ذاك ما قال يسوع لتلاميذه بعد أن غسل لهم أرجلهم: »أنتم تدعونني معلِّمًا وربٌّا، وحسنًا تفعلون لأنّي هكذا أنا. وإذا كنتُ أنا الربُّ والمعلِّم غسلت أرجلكم، فيجب عليكم أنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أرجل بعض« (يو 13: 13-14).

حين يعيَّن كاهن في الرعيَّة، يُدعى »خادم الرعيَّة«، لا رئيس الرعيَّة. ومثاله يسوع الذي جاء ليَخدم لا ليخدمه الناس. جاء ليبذل حياته عن الكثيرين، عن البشريَّة كلِّها (مر10: 45). وهو الذي قال: »ما من حبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه« (يو 15: 13). وهو الذي دعا نفسه الراعي الصالح. قال: »أضحّي بحياتي في سبيل خرافي« (يو 10: 15). من أحبَّ خرافه، لا يعاملها كالأجير الذي يعمل قدر أجرته. ولا هو يهرب حين يرى الذئب آتيًا، والخطر مقبلاً، أهكذا يتبع المسيح حاملاً صليبه، سائرًا في خطاه (مر 8: 35)؟

والأسقف يوقِّع: الحقير، أي الصغير. وهو يستعدُّ لأن يقتبل المذلَّة من أجل المؤمنين الموكَّلين إلى رعايته. إن حسب نفسه أنَّه الكبير، سمع كلام العذراء مريم، تلك الخادمة الوضيعة، تُنشد: »حطَّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين« (لو 1: 52). ويمكن أن يسمع صوت الربِّ يقول له إن هو خان الأمانة: »أذكر من أين سقطت« (رؤ 2: 5). أمّا في التراث السريانيّ فهو ܢܝܣܝܐ الطاهر والنقيّ على مثال يسوع المسيح الذي تنشده الليتورجيّا: ܢܝܣܝܐ ܘܩܕܝܫܐ الطاهر والقدّوس الساكن في ديار النور. وهو في النهاية، الطيِّب الذكر، بسبب ما تركه بعد موته من أعمال تمجِّد الله، على مثال ما قال الرسول لتيموتاوس أسقف أفسس: »تكون خادمًا صالحًا للمسيح يسوع، متغذِّيًا بكلام الإيمان والتعليم الصحيح« (1تم 4: 6). ثمَّ »تحفظ الوصيَّة منزَّهًا عن العيب واللوم إلى يوم ظهور ربِّنا« (1تم 6: 14).

وأسقف رومة، قداسة البابا، يُدعى: خادم خدّام الله. عبد عبيد الله. هذا يعني أنَّه قريب جدٌّا من الربّ. وفي المعنى الأصليّ: هو صُنعتُه. هو اختاره من بطن أمِّه ودعاه إلى خدمته، كما دعا بولس الرسول نفسه (غل 1:15).

فكلُّ رسول في الجماعة، حديث العهد، ينتبه إلى نفسه، »لئلاّ تسيطر عليه الكبرياء فيلقى العقاب الذي لقيَه إبليس« (1تم 3: 6). بولس دعا نفسه »عبد يسوع المسيح« (رو 1: 1). هو الرسول والمرسل، وعمله عمل السفير الذي يكون أمينًا للسفارة التي أرسل فيها. وهو الوكيل الذي يحاول أن يعطي إخوته الطعام في حينه. ذاك هو معنى ܡܕܒܪܢܐ يُقال في الأسقف الداخل إلى الكنيسة، ولاسيَّما في زيارة قانونيَّة للرعيَّة. عرف »أن يحسن تدبير بيته، وبالتالي تدبير الكنيسة« (1تم 3: 5). ويُقال أيضًا في المجلس الذي يوجِّه مسيرة الرهبانيَّة. كلُّ وحد منهم

هو أب »مدبِّر«. ويُعطى الألقاب، ويحافظ عليها حتّى بعد نهاية خدمته. فالمدبِّر يكون في موضع القيادة. فيكون مثل القائد في الجيش الرومانيّ. يسير في المقدِّمة حيث الخطر. لا في المؤخِّرة حيث يموت الجميع ليحموا حياته. وهو الذي يسوس الجماعة بحكمة آتية من عند الله. هكذا تظهر محبَّته لإخوته الذين يعملون كلُّ واحد في ديره، في رعيَّته. بهذه الطريقة يستطيع أن يقول إنَّه يعمل في قلب التدبير الخلاصيّ.

هنا تبرز شخصيَّة بولس الرسول. أتى إلى تسالونيكيّ. هدَّده الخطر. أجبر على ترك المدينة، ولكنَّه أرسل إلى الجماعة هناك »تيموتاوس أخانا، والعامل مع الله في بشارة المسيح ليشجِّعكم ويقوّيكم« (1تس 3: 1). هكذا يعيش تيموتاوس المحبَّة الأخويَّة، وهكذا يدلُّ الرسول أنَّه يحمل همَّ الكنائس.

قال: »ولمّا فرغ صبرنا«. ثمَّ قال في آ5: »ولهذا أرسلت، حين فرغ صبري، من يستخبر عن إيمانكم«. وتحدَّث في 2كور 11: 28 عن همِّ الكنائس، فقال: »فمن يضعف وأنا لا أضعفُ معه؟ ومن يقع في الخطيئة وأنا لا أحترق من الحزن عليه؟« (آ29). محبَّة الرسول بولس صارت مثالاً لكلِّ واحد منّا. كم تعذَّب من أجل الرسالة. قال: »عانيتُ الكدَّ والتعب والسهر الدائم والجوع والعطش والصوم الكثير والبرد والعري« (آ27).

ونذكر هنا مثلين من تقاليدنا. مات القدّيس شربل ليلة الميلاد، سنة 1898. وفي الليلة عينها مات البطريرك يوحنّا الحاجّ. كيف تصرَّف الرهبان في ذلك الوضع؟ لا شكَّ في أنَّ شربل الذي كان اسمه يوسف من قرية بقاعكفرا، لا يستحقُّ كلَّ هذا الاهتمام، وهو الذي عاش شبه مجهول في محبسة على الجبل. هو اقتدى بيسوع الذي عاش في الناصرة، يعمل بيديه ويحرق قلبه بصلاة على مذبح الربّ. والقدّيس نعمة الله، أستاذ اللاهوت للرهبان، ومن تلاميذه القدّيس شربل، طلب منه أخوه أن يأتي إلى المحبسة مثله. فقد كانوا يعتبرون أنَّ المحبسة قمَّة القداسة في الدير. رفض القدّيس نعمة الله. ما أعطيَ موهبة الانزواء في المحبسة كما سوف يفعل القديس شربل، بل أعطي مهمَّة التعليم، فقام بها في اجتهاد. ويا ليته ترك لنا بعض ما علَّمه. ولكنَّ ما كتبه ما كان »بحبر على ورق« (2يو 12)، بل في القلوب والضمائر والأفكار (رج رو 2: 15).

4- إن لم تكن فيَّ المحبَّة

في قلب المواهب التي منحها الله للمؤمنين في كنيسته، من صُنع معجزات ومواهب الشفاء وحسن الإدارة والتكلُّم باللغات (1كور 2: 28)، أنشد القدّيس بولس المحبَّة. واعتبر أنَّ كلَّ ما في الكنيسة لا يأخذ كامل معناه إلاّ إذا أنعشته المحبَّة. وجاء كلامه متدرِّجًا مع عبارة تكرَّرت ثلاث مرّات: »ولا محبَّة عندي« (1كور 13: 1، 2، 3). جاء المتكلِّمون بالألسنة. فقال لهم: »لو تكلَّمت بلغات الناس والملائكة، ولا محبَّة عندي، فما أنا إلاّ نحاس يطنّ وصنج يرن« (آ1). أستطيع أن أنطق بألسنة، ربَّما تبجُّحًا واستكبارًا على الآخرين. فإن لم يكن من يفسِّر، لا أتميَّز عن النحاس والصنوج التي لا نفْسَ لها. وجاءه أصحاب العلم والمعرفة، وهو القائل أنَّ العلم ينفخ، فأجابهم: »ولو وهبني الله النبوءة، وكنتُ عارفًا كلَّ سرٍّ وكلَّ علم، ولي الإيمان الكامل أنقل به الجبال، ولا محبَّة عندي، فما أنا بشيء« (آ2). حسبوا نفوسهم شيئًا، فإذا هم لا شيء. إلى هؤلاء لا يهتمُّ بولس. بل الله نفسه يتنكَّر لأعمالهم على مثال ما قال أشعيا في أولئك الذين يجيئون إلى الربّ بالتقدمات والذبائح (أش 1: 13) على متسوى اللسان، لا على مستوى القلب. فالربُّ لا يرضى (آ11)، بل هو لا يطيق (آ13) مثل هذه العواطف الكاذبة، ويحجب وجهه (آ15) لئلاّ يرى.

وجاءت فئة ثالثة، أصحاب المعونة والإسعاف. قال: »ولو فرَّقتُ جميع أموالي على الجائعين وسلَّمت جسدي ليحرق، ولا محبَّة عندي، فما ينفعني شيء« (آ3). يا ضياع التعب والتضحية. لا فائدة. فما يعطي الحياة معناها والأعمال مرماها، هو المحبَّة.

وما اكتفى الرسول بأن يُطلق هذا المبدأ الذي لا يقبل بشواذً، بل قدَّم بالتفصيل كيف يعيش المؤمنون المحبَّة. هناك أمور سلبيَّة نتحاشاها. لهذا جاءت الوصيَّة مع النافية. خمس مرّات: لا تسيء التصرُّف. لا تطلب منفعتها. لا تحتدّ. لا تظنُّ السوء. أو: لا تحتفظ بالحقّ (آ5). ثمَّ في آ6: »المحبَّة لا تفرح بالظلم«. هي لا تعذر الإخوة. لا تغطّي الخطايا، فتحسبُ الشرَّ خيرًا والخير شرٌّا، النور ظلمة والظلمة نورًا، الحلو مرٌّا والمرُّ حلوًا (أش 5: 20).

والأمور الإيجابيَّة تنطلق من محبَّة الله التي لا تذكر هنا، فتصل إلى القريب ذاك الذي نلتقي به كلَّ يوم: الأخ وأخوه. الأمّ والابنة. الرجل وابنه. وفي الرعيَّة، وفي الدير. نتحاشى ما يجب أن نتحاشاه، ونقوم بالأعمال التي تدلُّ على محبَّتنا في خطِّ ما نعرف من الإنجيل.

»المحبَّة تصبر وترفق« فالربُّ يُدعى »كثير الأناة، البطيء عن الغضب، وكثير المراحم واللطف« (خر 34: 6). ومثله يكون كلّ ابنٍ من أبنائه. يكون المحبَّ والرفيق وحامل الصدق. »المحبَّة تصفح«. أما هكذا كان كلام الربّ: »إن غفرتم للناس زلاّتهم، غفر لكم أبوكم السماويّ. وإن لم تغفروا لا يغفر لكم أبوكم« (مت 6: 14-15). فالمحبُّ لا يترك الحقد في قلبه. وإن هو غضب »لا تغرب الشمس على غضبه« (أف 4: 26). »والمحبَّة تصدِّق«. فالمؤمن لا يغشّ ولا يكذب. على ما قال الرب« فليكن كلامكم نعم أو لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرّير« (مت 5: 37). تلك هي روحانيَّة الرسول: »هل أدبِّر أموري تدبيرًا بشريٌّا، فأقول نعم نعم ولا لا في الوقت ذاته؟ ويشهد الله أنَّ كلامنا لكم ما كان نعم ولا، لأنَّ يسوع المسيح ابن الله الذي بشَّرْنا به بينكم... ما كان نعم ولا، بل نعم كلُّه« (2كور 1: 17-19).

»والمحبَّة ترجو كلَّ شيء«. هي تعيش في قلب الرجاء، لأنَّها تنتظر في الآخرة ما تعيشه منذ الآن. كما ترجو أن لا تتغلَّب الخطيئة في القلوب. فالمؤمن يتذكَّر مَثَل التينة العقيمة، الذي أعطاه يسوع بعد ثلاث سنوات من البشارة. جاء صاحب الكرم يريد أن يقلعها، فأجابه الكرَّام: »اتركها، يا سيِّدي، هذه السنة أيضًا، حتّى أقلب التربة وأسمِّدها. فإما تُثمر في السنة المقبلة، وإمّا تقلعها« (لو 13: 8-9). كما الربُّ لا ييأس من شعبه بالرغم من خطاياه، كما ينتظر ابنه الضالّ الذي هو لا بدَّ راجع عليه، هكذا تنتظر الكنيسة وتعامل أبناءها بالرفق.

في آ4، تحدَّث الرسول عن المحبَّة التي »تطيل روحها«. تنتظر وتنتظر. في آ8، هي تصبر وتبقى ثابتة لا تتزعزع. هكذا كان الأب المحبّ ينتظر ابنه الذي مضى إلى البعيد. ما إن وصل حتّى استقبله أطيب استقبال.

في هذا الإطار عينه، نستطيع أن نقرأ بعض الأعمال التي يقوم بها المؤمن فيعبِّر عن محبَّته في ظروف الحياة: »افرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين. عيشوا في الاتِّفاق. لا تطلبوا التعالي، بل اقبلوا أن تكونوا متواضعين. ولا تحسبوا أنفسكم حكماء« (رو 12: 15-16)، وكأنَّ الآخرين جهّال يحتاجون لأن تعلِّموهم. ويمكن أن تتواصل اللائحة: »ساعدوا الإخوة القدّيسين في حاجاتهم. وداوموا على ضيافة الغرباء« (آ13).

وتنتهي اللائحة: »لا تجازوا أحدًا شرٌّا بشرّ، واجتهدوا أن تعملوا الخير أمام جميع الناس. ساعدوا جميع الناس إن أمكن، على قدر طاقتكم. لا تنتقموا لأنفسكم أيُّها الأحبّاء...« (آ17-19). هكذا تحبُّون بعضكم بعضًا كما الإخوة يحبّون. هكذا يكون الإكرام المتبادل، »بحيث تفضلِّون بعضكم على بعض« (آ10).

الخاتمة

الكلام عن المحبَّة عند القدّيس بولس حديث طويل. هي تنطلق من قلب الله فتفيض في قلوب المؤمنين. بل الله يعمل معنا نحن أحبّاءه، لأجل خيرنا في كلِّ شيء (رو 8: 28). محبَّة حملها المسيح في شخصه، فضحّى بذاته من أجلنا. محبَّة نعيشها يومًا بعد يوم مع الإخوة الأقربين. وهذا ما يفترض الخروج من الذات، بحيث »نطلب أن لا نرضي أنفسنا« (روم 15: 1)، بل »يعمل كلُّ واحد منّا ما يرضي أخاه لخير البنيان المشترك« (آ1-2). هكذا عمل يسوع (آ3) وهكذا نعمل نحن طالبين »الاتِّفاق في الرأي« (آ5). والمحبَّة تكون عمليَّة، فلا تكتفي بالشعارات والأقوال الفارغة. بل تفرض على كلِّ واحد منّا أن يبدِّل سلوكه اليوميّ فينتقل من البغض والحقد إلى التسامح والغفران. من حبِّ الذات حتّى حبّ الله والقريب، كما قال القدّيس أوغسطين: من حب الذات حتى بغض الله إلى حبِّ الله حتّى بغض الذات. عندئذٍ نفهم كلام الربّ. حين نخسر نفوسنا نخلِّصها. وكيف نخسرها؟ حين نحبُّ حتّى التضحية بنفوسنا، لأنَّ الموت في النهاية حياة، وحين نحاول أن نربح نفوسنا، ونربح معها العالم، تكون الخسارة الكبرى، خسارة الحياة الأبديَّة. يبقى السؤال: ونحن ماذا نختار؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM