الميمر التاسع: سرّ الصليب.

الميمر التاسع

سرّ الصليب[1]

 

الأسرار بحر نغوص فيه

عظيم هو الجهاد الذي صنعته الأسرارُ مع الفكر:

فإلى هدف واحد وضعت مواعيدها من كلِّ الأسفار.

ها المعرفة سفينة خفيَّة تحمل الأسرار

لتعبر بالحلول فتبلغ إلى ميناء التفاسير.

5      ها الذهن أمسك رسن الأخبار مثل حوذيّ

لكي يقودها بترتيب إلى المسامع.

ها الأفكار تسرع ركضًا بهجمة كبير

لتصطاد أسرار رفوف الطيور من أعشاشها.

أمواج البحر لا حدود له في أشكالها،

10     وقطرات المطر لا يحصيها الفلاّحون.

المعوزون لا يقدرون أن يحسبوا حبّات الرمل

ولا المتكلِّمون أن "يغلبوا" أسرار الابن.

لا يسع الناظر أن يحبس نور الشمس

ولا السامع يكفي لكي يصغي إلى صوت كلِّ الأفواه.

 

15     الأصابع لا تقدر أن تأخذ عدد المسكونة

ولا الشفاه أن تتحدَّث عن غنى الابن.

من كلِّ الأسفار تمضي الأسرار للقاء خبره

مثل الأنهار التي تجري إلى البحر العظيم.

طريق الميامر تشير إليه في كلِّ القراءات

20     على مثال السواقي التي تجتمع وتنزل في المحيط.

هو موضوع مثل راية فوق ارتفاع من الكتب

وتحنُّ إليه كلُّ الترجمات في كلِّ المواضيع.

في سماوات الأسفار تتلألأ أسراره مثل النيِّرات

فتخرج سفنُ الحلول إلى مواعيدها.

25     رسمه الأبرار بتدابيرهم قبل أن يأتي

ولمّا أتى وهب الأسرار جسدًا[2].

 

موسى صوَّر الابن

في كلِّ هذه صوَّر موسى الابن الآتي

ولهذا تجاسر فدعاه "مثلي"[3] لبني شعبه.

ثقيل اللسان دعاه "نبيًّا مثلي" وما استحى

30     إذ عرف أنَّه خدم أسراره منذ طفولته[4].

ابنُ بتولٍ هي ابنة فرعون، صوَّر بأسراره

ابنَ مريم البتول التي ولدته وما عرفت (رجلاً).

بولادته وصلبه صوَّره موسى

فلازمه مثل الظلِّ ليرسم شبهه.

35     من الولادة إلى الموت لبس أشباهه

ولهذا دعاه "مثلي" وما استحى.

أعدَّ قدَّام ربِّه كلَّ المراحل التي حلَّ فيها

حتّى الصعود إلى الصليب كما يسوع صعد.

أخذ يرسم صورة الابن في نبوءته

40     فصوَّره في مئة وعشرين سنة[5] ثمَّ اكتمل.

عمل المصوِّر مدَّة طويلة في إيقونة الملك

وبلغ إلى الموت ثمَّ كمَّلها بسنواته الكثيرة.

 

في المقال الأوَّل تراءت ولادته

وفي الثاني بانت لنا أعمالُه.

45     وفي هذا (المقال) اليوم، المسامير والآلام والصلب

ورمحُ القتل ومنظر الموت وصورة الدم.

وها في حرب عماليق والعبرانيّين[6]

أشرق السرُّ وكشف عن نفسه ما بين السطور.

 

في حرب عماليق

إلى هنا كان الكلام في الرمز

50     وهنّا صوَّر موسى الصلب في جلاء.

دعا يسوع وحثَّه ليخرج إلى القتال،

وصعد ليرسم السرَّ على الجبل العالي.

"اختَرْ لي رجالاً واخرج للحرب، قال له،

واذهب إلى القتال والجهاد مع عماليق.

55     وها أنا أصعد إلى التلَّة في سرٍّ خفيّ

وفي يديَّ عصا الله لأصنع عجبًا" (خر 17: 9).

 

يا موسى، لماذا تصعد إلى التلَّة من أجل القتال؟

الحرب في الوادي وأنت تعتلي الموضع المرتفع.

الصفوف مرتهبة وأنت تتمسَّك برأس الجبل.

60     الحرب شديدة وأنت تصعد إلى مكان مكشوف.

ها بنو عماليق احتبكوا على الشعب، انزل وقاتل

ها هي الفيالق تتهامس فيما بينها فبيِّن ما لك.

لو لم يكن سرًّا لعددتُك هاربًا

ولو لم يكن نمطًا فأنت تطلب أن تنجو بنفسك.

65     إن لم تحارب وتجاهد وترافق شعبك

لظُنَّ أنَّك تركت الخصومة وأدرتَ ظهرك.

دفعت الشابَّ الذي قاد الرجال: اخرج وقاتل

وأنت احتميتَ بين الجبال المنيعة لئلاَّ تُطعَن.

 

بسط موسى يديه

أيُّها الوقح، تطلَّع إلى النهاية! لماذا تلوم؟

70     انظر إلى كمال الاختصارات ثمَّ تعاتب.

لا تنظر فقط إلى أنَّه ترك الحرب وصعد

بل أنَّه ببسط يديه وهب الانتصار.

دعا تلميذه وأمرَه بأن يصطفَّ قبالة الشعب

واعتلى الجبل الرفيع ليرسم سرًّا (هناك).

75     أخذ المتواضع هرون وحورًا وصعد معهما (عد 12: 3)

لكي يمثل الصلبان الثلاثة على الجلجلة (مر 15: 27).

وضع على صدره صليب البأس وبسط يديه

ليصوِّر الابنَ في فعله بأشكال جليَّة.

وضع على التلَّة راية الصليب فسقطت الشعوب

80     وأمال ظلَّه بين الصفوف فبلبلها[7].

 

برَك السريعون، غُلب الرماة، سقط الجبابرة،

اندحر الفرسان، بَطُل المشاة، خزيَ السلاح.

ديسَتِ السهام، احتُقرت السيوف، كُسرت الرماح.

ألقيَت الدروع والمجان والتروس مع الأقواس.

85     ما أمطر الرماةُ السهامَ من أوتارهم،

ولا قدر الراكبون أن يهربوا على خيولهم السريعة.

ما سترت الدروعُ الأجسام من الضربات

ولا أعانت الزرود المصاغة الأجساد واللابسة.

بدهشة كبيرة أُسرت العجلات بقوّادها،

90     وصُرَّت مسيرةُ الخيول الشديدة بفرسانها.

شُلَّت أيدي المحاربين عن القتال

وسقط السكوت مع الحيرة بين الصفوف.

رماتهم اضطربوا وألقوا (السهام) وما صوَّبوا

وخيولهم مطارَدة، هاربة ولا تجد نجاة.

95     ما قامت التروس أمامهم فمنعت السهام،

ولا مجانهم ردَّت خناجر طاعنيهم.

ما أعانتهم الخوذةُ التي على رؤوسهم،

ولا سترَتْهم من الوراء صدراتُهم.

ما تشجَّعوا بفيالق حاملي المعاليق

100   ولا تقدُّوا بالبواسل الذين في صفوفهم.

ما عرف عماليق الشقيّ أين يحارب،

هو مجنون من أجل النصر، والصليب قبالته[8].

 

موسى هو القائد الفاعل

الحربُ كلُّها تُدار بيدَي موسى

وهو من يهب النصر والاندحار.

105   في كفِّ يديه وُضع القيامُ والسقوط

فنصر ودحَرَ من يريد مثل ديّان.

بسط يديه فكان في القتال مثل حوذي

فأمسك رسن الصفوف وقوّادهم.

يحني موسى يديه فيُقهَر الشعب

110   وحين يرفعهما تُقهَر الشعوب بيد إسرائيل.

الحرب في الصفوف، أمّا النصر فمن موسى

المعارك في الجانبين، أمّا التقلُّبات فبيد ثقيل اللسان.

ما نجّا المحاربون بجهادهم

ولا الودعاء فتكوا بعنايتهم[9].

115   من النافل أن يحسب ذاك الذي لم يساعده،

فموسى دحر، أركع، أقام، نصر، دحر

الذين ألقوا (العدوّ) ما انتصروا، والذين تهاملوا ما اندحروا، والذين هربوا ما تمرَّدوا

الذين حاربوا ما انتصروا، الذين خسروا بطلوا، والذين سكتوا ما مالوا.

حين قاتلوا وجاهدوا وما كانوا انتصروا

120   لو لم يرفع موسى يديه فيقوِّيهم

ما وجدوا عونًا في الاهتمام بالنصر.

فإذا من التلَّة بانت القوَّة فشدَّدت صفوفهم

ما انتصروا بالسيوف المصقولة التي في أيديهم.

بل من الجبل مال الظلّ فاشتدَّ القتال

125   ما شقُّوا الصفوف بالخناجر والسهام التي في جعبتهم.

فكلُّ مرَّة قام ابن عمرام وتقوّى كثُر القتلى

ما كان دحرهم الأعداء ولو سكنوا

فلو تهامل موسى قليلاً لركعت الفيالق.

 

باطلاً كان همُّ الحرب في الجانبين

130   لأنَّ القوَّة التي تُسقط وتقيم بانت من رأس التلَّة.

الشجاعةُ في المعركة قُهرت

لأنَّ حرب الصفوف تديرُها يدا موسى

السلاح المصاغ صار سخرية مع حامليه

لأنَّه لا يقوى على الظلِّ ويغلبه.

135   سيوفٌ تُمشَق، سهام تطير، أوتار تطنّ

ما استطاعت أن تدحر واحدًا مجرَّدًا من السلاح.

صفوف مجمَّعة تهدِّد، ترمي، تصرخ، تسخر

ورجل عارٍ ومصلوب الجبل يستخفُّ بهم.

خيولٌ تُطرَد، أناس ترتهب، سلاح يُضرب

140   ومصلوبٌ ساكتٌ جُعل مسلَّطًا على النصر.

ارتبطت معركة الجانبين وتعلَّقت بيديه

وحين ركنَ تسلَّطت حربٌ من ظلِّه.

خصامُ جيشين أسيرٌ بالعصا التي عليه[10]

والجهة التي تميل هي تقوم (منتصرة).

 

145   هو سحق الجانب الذي سقط وهو لا يحارب،

هو سند ذاك الذي يحارب وها ما غصبه

هو أكثر القتلى في صفوف انحنى عليها

هو قوَّى فوجًا ليتَّكل ويحارب

هو أرجف الفيلق حين غُلب.

150   هو شجَّع ذاك الآخر على القتال

هو أسمع صوتًا فبلبل الصفوف وأخافها،

وهو انقلب فأطفأ (القتال) وشجَّع.

هو أثار هذا على ذلك بقوَّة،

وهو قلب هذا على ذلك باتِّكال.

155   هو رمى الرعب في شعبه وبلبله،

وهو أكسر الرجاء لشعبه وشجَّعه.

هو استنفد أيادي الناس من أسلحتهم

وهو حرَّك الآخرين في قتالاتهم.

هو من كان لدى الذي انتصر وقوّاه

160   هو أركع من قُهر وأضعفه.

هو حيَّر ذاك الذي هرب وأرعبه،

وهو أعطى الثقة لمن لاحق الغلبة.

هو بدَّد كلَّ جهة برمزٍ واحد

وهو جمع صفًا آخر (من الجيش) بلا أبواق.

 

165   رمزُ الصليب هو الذي غلب ودحر

وبه تعلَّق الانتصار والاندحار.

لماذا أدعو سرًّا هذا الذي هو حقيقة جليَّة

فهو للبسطاء واضحٌ كالشمس في رسوخها.

لو جسَّ الأعمى موسى وهو واقف،

170   لتعلَّم أنَّ هذا هو الصلب، بالحقيقة.

لو رآه الأطرش لفهم في الرمز

وتأكَّد بلا صراخ بالحقيقة الجليَّة.

للأعمى هو جليّ، وللأطرش بدون نقاش

فمن يفتري على رمز تركه موسى؟

 

يبسط يديه فيدلُّ على السرّ

175   بسط يديه فوهب النصر لبني شعبه

أحنى يديه، بسبب تعبه، فهزمهم.

كلَّما استطاع أن يرفع السرَّ يتقوّى

وحين يتعب يُريح الرمز فينهزم العبرانيّون.

حين رسم صورة الصلب هُزم عماليق

180   وإن أراد أن يتهامل ارتدى السيف بين شعبه.

حين يبيِّن راية الملك يسقط الملاحِقون،

وإن طلب أن يخفيها تجاسر القلق ليدمِّروهم.

حين يبسط السرَّ على الجبل يتشدَّد إسرائيل

وحين يَستُر الشبه يرتدُّ الملاحقون على مخيِّمه.

185   حين يحتضن راية ربِّه ينهزم الغرباء

وحين يقترب إلى الراحة يُدخل الأمر على أهل البيت.

حين مُدِّد بسياط الأوجاع استراح شعبُه

وإن اقترب من الفرج ضايق شعبه.

حين يحمل صورةَ الراعي يبتهج قطيعُه

190   وحين ينيخ الصورة ترتدُّ الذئاب على رعيَّته.

حين يرفع النسر إلى العلاء ترقص رفوفه

وحين ينزله إلى الأعماق تأتي البواشق على فراخه.

ما استطاع اليومَ كلَّه أن يزيح السرّ،

لهذا ضعفت الحرب تحت واشتدَّت أيضًا.

 

الذي هو المسيح

195   ما استطاع أن يطيل (الوقت) في رفع الصليب

فحفظ الراية يسوع ربُّه مع أنَّها له.

فالمسيح وحده رجل أوجاع (إش 53: 3) وعارف بالآلام

وموسى ضعيف وغير كفوء لهذا الرمز كلِّه.

أظنُّ أنَّه رُفع في الساعة السادسة (مت 27: 45)

200   وربَّما تجلَّد على الصليب حتّى الساعة التاسعة.

بعد ذلك ما استطاع بعدُ أن يحتمل

فألزمه الألم وأراح يديه وكأنَّه في الموت

رذاذُ الصلب بلغ إلى الرجل وأضعفه

التقاه السرُّ فانحلَّت فقراتُ ظهره.

 

205   اقترب إليه هرون الزاهي وحورٌ المشرَّف

ليخدما يدَي الشيخ اللتين ارتختا.

هما أيضًا بسطا أيديهما في الصلب

لئلاَّ تبطل (صورةُ) الثلاثة على الجلجلة.

حين طلبا أن يخدما يدي موسى

210   صلبا هما أيديهما من اليمين ومن الشمال.

صوَّرا الحقيقة وأطالا وبيَّنا السبب

وأكملا بالشبه هذا النمط الذي كان في زمانه.

من يرى تلَّة موسى وجلجلته

ويضع صلبانها بالاختلاف؟

215   لموسى ثلاثة وللابن ثلاثة، تفسيرٌ واحد

هناك الظلُّ وهنا الجسم يبيِّن الحقيقة.

 

موسى الظلّ والمسيح الحقيقة

صغيرٌ هو موسى ولا يكفي ليكون قبالة ربِّه.

كم ربُّه أعظم منه! كما الجسم (أعظم) من الظلّ.

هو رمز قليل، والعبدُ لا يُلام ابن دعاه "مثلي"

220   شبهًا يشبهه لكنَّه لا يُقارَن بمجده.

سقط ظلُّ الصليب على تلَّة موسى

ورسم هنا نمطًا جليًّا في سرٍّ خفيّ.

 

ضعيفٌ هو العبد ليصوِّر وحده الابن،

فسنده اثنان وعندئذٍ كملت (الصورة) إجمالاً

225   أعزُّ منه كانت صورة المسيح

فرسم الصورة العظيمة بألوانٍ مستعارة.

هو وحده لا يكفي الشبه كلَّه

فطلب العون لاجئًا إلى الجهتين (حيث هرون وحور)

ما استطاع أن يشرب ألمَ المسيح

230   حتّى ذاق آخرون القليل من الأوجاع

تحصَّن لكي يُحَدَّ فيه السرُّ كلُّه

فأسند عن يمينه وعن شماله.

وصلته فقط نفخة من حقارة الصليب

لأنَّ رسوخ الإهانة كلِّها علق بربِّنا.

235   الجسمُ يحفظ الحقيقةَ، والظلُّ الشبهَ

يسوع هو الجسم وفي موسى يُرسَم الشبه.

 

نصر موسى ونصر يسوع

حين صُلب موسى على التَّة، ركَّع الصفوف

ويبسط يديه نصرَ ودحر الجانبين.

أسرَ العبد (موسى) بني عماليق والعبرانيّين

240   والربُّ بآلامه جمَّد سعيَ قوّات العلى.

أشار فعطَّل عجلات الشمس بأمره

ونفخ فأطفأ بصلبه أشعَّة النور.

أُسرت قوّات العلى وقامت في وسط الظلمة

وبطلَتْ مسيرة تدابيرها وجريها.

 

245   قوَّة موسى نزلت إلى العمق لأنَّه من تحت

وإشارة الربِّ صعدت إلى العلى لأنَّه من العلاء.

القوّات التي في الرقيع (أو: الجلد) فقدت قوَّتها،

ودفعُها خمد فتوقَّف واهنًا.

كرَّة الأشعَّة صنعت كمينًا داخل العتمة

250   وصفوف الضياء سقطت وسكتت حزينة.

فرقة الأضواء ضعفت شدَّة قوَّتها وانهزمت

ورمزه زجر المجرَّة فولدت الظلمة

أفواج جموع العلاء ركعت في الرقيع

ونقص مدى أشعَّتها الوسيع وتقلَّص.

255   جُمِّدت الشمس وأسر القمر في مداريهما

ورُبطت القوّات وحُلَّ المربوط ليصنع قوّات.

الكتيبة السريعة معاقة واقفة في طريق مسهَّلة

وطغمة كلِّ النيِّرات مأسورة في مكانها الرفيع.

عجلات القوّات السريعة ملجومة

260   وطاقة عزَّتها معاقة في سبُلها.

الإكليل الجميل الذي كان في الرقيع مفروطًا ومرميًّا

وحجارته الكريمة مذرّاة وملطَّخة بالظلام.

ثوب النور المصفوف على كلِّ الأقاصي ممزَّق

والهواء لبس لونًا حزينًا وظلامًا متلبِّدًا.

 

265   ما كان موسى قادرًا أن يصنع هكذا كارثة

كما بيَّن المسيح قوّاته في صلبه.

سرّ العبد حذم فقط تلَّة واحدة

وحقيقة الربِّ كمَّلت صدقها في الأقطار الأربعة.

جيشان في شعبين شعرا بموسى،

270   وبالابن المسيح كلُّ الأقاصي والشعوب التي فيها.

موسى ركَّع بني عماليق ببسط يديه

والابن بآلامه منع النيِّرات من أن تسير.

 

حرب الصليب على الشرّ

لا تتبيَّن هذه الأمور عبثًا،

ولا تفهمها بشكل عرضيّ إن كنت مميَّزًا.

275   جليّ أنَّ الصليب لم يغضب على النيِّرات

فبالنور الذي هرب أراد أن يعرّي الساجدين لها.

حربٌ خفيَّة تنظَّمت في المسكونة بين الجانبين

الحقُّ والإثم يتقاتلان، والحقيقة والكذب،

وفوج الأبالسة، وسكينة الشياطين، وجوق الوثنيّين

280   وجموع الأصنام، وصفوف الصور، وقوّات الضلال،

والمصنوعات المنحونة، والمسبوكات المصاغة، والتماثيل المنتصبة

والخربات الفارغة، والموتى المجرَّدون، ولعبة الشرّير

صفُّ الآلهة ليخفي اسم الله

وأدخل كثرة (الآلهة) لتنسى الخليقةُ الواحد الحقّ.

285   بحيلته خبَّأ الظلمة داخل النور

ليعمه العالمُ بعتمته ويصير أعمى.

وهب للشمس اسم الله وجعلها رئيسًا

وأدخل بعدها بدع السبعة والاثني عشر[11].

بهذه الفئة خرَّب الشيطانُ العالمَ كلَّه

290   وبهذا الجوق ربط الشرّيرُ الذين أرادوا.

بهذا الفيلق لاحق الغاشم الحقيقة

وبهذا الصفّ لاحق السابي الشعوب.

 

وعلى الوثنيَّة

كانت هذه الحرب على الأرض، في كلِّ الأصقاع

حتّى بسط يسوع يديه على الجلجلة.

295   قام على التلَّة الملك المسجود له وبيَّن نفسه

وهزم وهرَّب القلف المتكبِّرين.

انطفأت النيِّرات وصار الساجدون لها سخرية

وقدَّت الأصنام وانكشفت أفعالها.

جبهة الضلال أدارت ظهرها لأنَّها رأت قوَّته

300   ومعسكر الإثم الغاضب قُهر وسقط.

 

بسطَ المسيحُ يديه

ما أراح يديه مثل موسى فينهزم جانبُه

فانتصر في حربه مثل جبّار وبدون مساعدة.

وإذا احتمل الألم طويلاً صرخ بالنبيّ:

"بسطتُ يديَّ اليومَ كلَّه" (إش 65: 2) من أجل النصر.

305   ما لم يفعله موسى لبني شعبه، بسبب ضعفه،

صار للشعوب بالصليب الذي خلَّصهم.

افتخر: "بسطتُ يديَّ اليومَ كلَّه".

وكأنَّه يقول: لا مدَّة قصيرة مثل موسى

بصلبه طرد الضلال اليومَ كلَّه.

310   وما وهب المجال لكي تكون العداوة على مخيِّمه.

ما غلبه ألمٌ يريح يديه مثل ابن عمرام

فبلغ إلى الموت وهو يحمل الغلبة في ذراعيه.

ما استند هنا وهناك مثل موسى

بل ساند وقتَ ألمه من طلب منه.

315   ذراعه خلَّصته وبرُّه سانده

وحين صُلب لم يَدعُ الآخرين لنجدته.

 


[1] الميمر 158، بيجان، الجزء الخامس، ص 290-306. العنوان: حول بسط موسى يديه في حرب عماليق، أي سرّ الصليب. يُستحسَن أن يُقرأ في عيد الصليب العظيم الظافر الموقَّر.

[2] ܐܦܓܪ. فعل اسميّ، متفرِّع من ܦܓܪܐ: جسد. هكذا صارت الأسرار ملموسة.

[3] تث 18: 15، 18: يرسل لكم الربُّ نبيًّا مثلي.

[4] ما عاشه يسوع في طفولته من هرب إلى مصر وعودة إليها (مت 2: 13-23). كما نجا موسى من الموت (خر 2: 1-10)، كذلك نجا يسوع وسط الأطفال الذين قُتلوا على مثال ما فعل الفرعون في مصر.

[5] تلك كانت سنوات موسى (تث 31: 2: أنا اليوم ابن مئة وعشرين سنة) وتوزَّعت ثلاث حقبات: 40 سنة في مصر، 40 سنة في البرِّيَّة، 40 سنة في رفقة الشعب من مصر إلى موآب. ونتذكَّر أنَّ 40 سنة تمثِّل جيلاً كاملاً.

[6] في سفر الخروج (ف 17). يرفع موسى يده للصلاة فينتصر يشوع، تنزل يداه فيتراجع العبرانيّون. وكانت العصا في يده، وهي تدلُّ على الصليب في شروح الآباء.

[7] ماذا فعل موسى على الجبل؟ رفع الصليب أداة الظفر. إذًا ما هرب ولا أراد أن ينجو بحياته.

[8] نلاحظ هذه الصور الحربيَّة. فالسلاح يعطي النصر عادة، ولكن ما العمل والصليب يقابله؟

[9] المحاربون هم بنو عماليق، والودعاء هم العبرانيّون.

[10] على صدره بشكل صليب.

[11] هي الكواكب السبعة والأبراج الاثنا عشر.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM