الميمر الثامن: ملكيصادق حبر الله العليّ.

الميمر الثامن

ملكيصادق حبر الله العليّ[1]

 

غنى التعليم

غنى عظيمًا يحمل التعليم ويوزِّع

فقالوا، أيُّها المعوزون، واملأوا منه احتياجاتكم.

هو يمتلك كنزًا ويُلجّ ليعطي من يطلب منه

فاقتربوا، أيُّها المساكين، اغتنوا من كنز لا يفتقر.

5      هو ينبوعٌ حلو يبهج شرابُه من يذوق طعمه.

فتعالوا، أيُّها العطاش، واشربوا الحياة من ينبوعها.

ها هي الوليمة التي صنعها التعليم للعالم كلِّه.

فمن لا يجوع لا يلتذُّ بما أُعدَّ له.

بنعمته دعا كلَّ واحد إلى وليمته،

10     فمن تكاسل وما مضى معه، أمرٌ يخصُّه.

هو يدعو كلَّ إنسان، ولكنَّ كلَّ إنسان لا يأتي معه،

ولا يتَّكئ إلى مائدته إلاَّ القليلون.

يستمع إليه من سباهم (ساروا) وراء حبِّه

وهؤلاء فقط يريد أن يأتوا معه.

15     من اقترب بلا حبٍّ من التعليم،

أو لو اقترب، ماذا يستفيد وهو لا يحبّ؟

يطلب الحبَّ أن يقول أقواله لمن يخصُّه:

ها هو التعليم يدعوهم إلى ما أعدَّ لهم.

وإذ يطلب كلَّ يوم الإنصات الجيِّد من السامعين،

20     يدعوهم اليوم بدهشة عظيمة لكي يُنصتوا إليه.

شبهُ الابن بيَّن نفسه من (خلال) القراءة،

فاستيقظ الحقُّ ليتكلَّم عنه بصوت مرتفع[2].

 

ملكيصادق وذبيحته

على ملكيصادق، الحبر العظيم والملك البارّ،

تحرَّك الميمر (المقال) من (إنسان) ضعيف يتكلَّم.

25     على هذا الملك البارّ، الذي لا تفسير له،

أخذتني الدهشة فتكلَّمت عنه بإعجاب.

لا أعدُّ السامعين لي بتفسير،

فلا يطلُبْ إنسانٌ هذا من يديَّ، لأنَّه يفوق طاقتي.

فمنزلة هذا (الرجل) أرفع كثيرًا من التفسير

30     لأنَّ ابن الله الذي يشبهه لا يُفسَّر.

 

قال: أنت بالحقيقة حبرٌ إلى الأبد

مثل ملكيصادق الذي أرضى الآب بلا ذبائح.

أنت مليء بالأمور الصالحة على مثال هذا الكاهن

الذي لا بداية لحبريَّته ولا نهاية.

35     ما قبِلَ أن يصير جسدًا من حبرٍ آخر (رسمه)

ولا سلَّم الرئاسة إلى كاهن آخر.

منه هبطت عليه القداسة ليكون كاهنًا،

وفيه أشرقت الحبريَّة الكاملة كما في ربِّنا.

لا وجود لشبه هذا (الحبر) في واحدٍ من الأحبار

40     لأنَّه وحده خدم أسرار الصليب.

الكهنة الأوَّلون سكبوا دم الحيوانات لله

أمّا ملكيصادق فبذبيحة نفسه جُعل حبرًا.

ذهن طاهر أعظم في عينيه من القربان

والصلواتُ أكرم من الذبائح.

45     ما أراد أن يلطِّخ يديه بدم الذبائح

فقرَّب بالكمال شخصه إلى ربِّ الأقداس.

 

التي اختلفت عن ذبائح الأوَّلين

قرَّب هابيل أبكار الغنم وسمانها (تك 4: 4)

ونوح الصدِّيق نحر الحيوانات في ذبائح صنعها (تك 8: 20-21)

وإبراهيم أيضًا ذبح ثورًا ابن ثلاث سنين وعنزة،

50     ويمامتين مع ابن الحمام (تك 15: 9).

أمّا ملكيصادق فما تدبَّر مثل هؤلاء،

لأنَّه ما قرَّب للإله ذبائح ميِّتة،

ذبح لله نفسًا صافية وقلبًا نقيًّا.

لأنَّه جعل شخصه حبرًا ممتلئًا عجبًا.

55     ما وهب لله شيئًا خارجًا عنه

بل أتى بشخصه بدل (هذا) قربانًا بدون وصمات.

ولهذا شابهه ابن الله

الذي بدمه الخاصّ دخل ليطهِّر العالمَ كلَّه (عب 9: 12).

هو بشخصه صنع التنقية، كما كُتب (عب 1: 3)

60     وحين طهَّرنا لم يقلِّب ذبائح مستعارة.

بل بدل ذلك أتى بشخصه قربانًا، مثل ملكيصادق

ليطهِّر العالم كلَّه بمصالحة كاملة.

 

كما اختلف عن كهنة العهد القديم

وهذا الحبر العظيم العجيب التدابير

تجاهى بأسرار الابن بشكل روحيّ.

65     تفاضل بذهن خفيٍّ في بيت الله

حتّى توصَّل بأن يرسم حبريَّة الابن.

من بين الشعوب اختاره السرُّ ليكون حبرًا

ليصوِّر نمط ذاك الذي خلَّص الشعوب بذبحه.

ما شابه كهنة الشعب (اليهوديّ) بأفعاله

70     لأنَّه ما نحر لله حيوانات يقرِّبها له.

ما لبِسَ الأفود وقام في بيت الغفران،

ولا كان له لباسُ الكهنة لأنَّه كان ملكًا.

ما دخلَ ليكهن بالبدلة والمنصفة،

بذاك اللباسِ المزيَّن الذي وهبه الناموس لشعب (لبث) طفلاً[3].

75     ما دخل مثل هرون بسروال منسوج،

ومزيَّن برمّانات وأجراس الذهب.

ما كان له عمامات وحجارة ثمينة

لأنَّ هذه الزينة لا تفيد إلاَّ الأطفال.

ما قرَّب شحمَ الكباش والكلى

80     بل صلاتَه عطرًا لتكون محرقة بلا دخان.

ما أتى بكباش الغنم وسمانه،

لأنَّه اختار أن يكهن بأفكار مصفّاة.

ما غذّى المحرقة بذبائح من لحم

بل ذبح لله كلَّ الشكر الحبيب إليه[4].

 

ذبيحة ابن الله...

85     من أجل هذا شابهه ابنُ الله

الذي طهَّر العالم بلا ذبائح، بل بدم نفسه.

هو أتى من عنده بذبائح ليقرِّب للآب،

بحيث يُطهَّر العالمُ المحتاج إلى الغفران.

ما كان ربُّنا كاهنًا على مثال أبناء هرون

90     الذي طهَّر الشعب بدم بسيط وذبائح صغيرة.

قرَّب شخصه ليدخل بقربان نفسه

إلى قدس الأقداس الذي ما دخله إنسان إلاَّ هو.

صار رئيس الأحبار وأدخل نفسه إلى بيت الغفران،

لئلاَّ يقرِّب جسدًا ميتًا مثل اللاويّين.

95     وضع في المحرقة جسمه الناطق والنفسانيّ،

ليكون للآب خبز الوجوه[5]، من أجل المصالحة.

ذبح شخصه ورشَّ دمه الطاهر على شعبه،

لأنَّه هو الحبر والذبيحة وربُّ الأقداس.

ما رشَّ دم العجلة على محبِّيه

100   فرذاذ جَلده (على العمود) بيَّض العالم من الأدران.

حبريَّة أبناء لاوي لم تكن كاملة،

فخدمت الظلال[6] حتّى أتى (ربُّنا).

ولهذا أنت حبرٌ، لا مثل هرون،

بل بشبه ملكيصادق، بالتمام.

105   فهذا أيضًا هو الحبرُ وملكُ البرّ،

ذبح ذهنه الخفيَّ لله في السرِّ العظيم.

 

سرُّ الصليب في الكنيسة

هو وحده قام في طقسٍ روحيٍّ

ليخدم تلك الأسرار، أسرار الصليب.

الكهنة الأوَّلون تصرَّفوا تصرُّف الجسد

110   ومن البدء أصعدوا ذبائح الحيوان.

هذا (ملكيصادق) وحده قام ليكهن الكهانة الروحيَّة،

فتصرَّف كمن رأى الصليب بعينيه.

ها منذ هابيل إلى حنّان وقيافا

نحر الأحبار كلُّهم لله، الثيران والأغنام.

115   هذا هو طقس الأمور العتيقة، التي خُدمَت،

والكمال ما بيَّنه لنا إلاَّ الصليب.

ها من ربِّنا إلى الآن أشرق عالمُ الروح

لأنَّ تحرُّكات النفس أكثر تحبُّبًا له من الذبائح.

 

هذا الحبر الذي نتكلَّم الآن عن خبره

120   تدبَّر بهذا الطقس الذي بيَّنه المسيح.

يا للدهشة الكبيرة! إذ قام بالأمور العتيقة

ملأ نظره ليخدم الأمور الجديدة.

هو ما رأى الصليب، ولكنَّه استنار وكأنَّه رآه.

وتصرَّف بتعليم ربِّنا الجديد،

125   تخطّى الأجيال ونزل فتطلَّع في الصليب.

ليرسم به حبريَّته رسمًا سرِّيًّا.

ترك وراءه نوحًا وإبراهيم المشهورَين،

ومع أنَّهما مختارَين، ما تشبَّه بذبائحهما.

من ذلك الوقت، خدم هذه الأسرار، أسرار البيعة

130   فما رافقه أحدٌ في الكمال.

رسولاً جديدًا وجدنا في (العهد) العتيق،

به تُخدَم أسرار الرسل وأنماطُها.

 

ملكيصادق بنى أورشليم

هذا شرع يبني صهيون كما تعلِّمنا،

وإذ كان حبرًا، كان أيضًا ملك البرّ.

135   بنى أورشليم وأقام أسوارها، بشكل عامر،

وكان فيها ملكًا وكاهنًا، كما قلنا.

فيليق أيضًا بهذا الملك أن يضع أساسات

المدينة الحصينة التي يُشرق فيها ملكُ الملوك.

بتلك الحبريَّة الكاملة أُعدَّت منذ البداية،

140   مدينة الأقداس وموضع الصلب المحبوب.

هذا بنى المدلَّلة صاحبةَ الكنوز

فهناك تحلُّ سُكنى الأسرار من الأزل.

جُعل هناك حارسًا لمكان الصلب

ليخدم الأسرار الجديدة خدمة روحيَّة.

145   بنى هذا الصادق عند الجلجلة بيتًا للأقداس،

لكي يستندوا في منازلها، على أسرار البيعة.

كان كنعانيًّا، وهذا واضح لجميع العارفين،

وموضع ملكه يعرِّفنا أيضًا إلى هذا.

 

لا بداية له ولا نهاية

ما أحصى موسى عشيرة هذا (الكاهن) بين القبائل

150   لأنَّه كان غريبًا عن سلسلة بيت هرون.

ما وُضع له بداية ولا نهاية،

لكي يكون شبهُه فوق الحدود مثل المسيح.

هنا حدَّق بولس فرأى واستنار،

وتكلَّم عن خبره بإعجاب كلامًا غنيًّا!

155   ما كتبت الشريعة (= سفر التكوين) شيئًا عن أبيه وأمِّه

وفي السلسلة لا وجود لجنسه. فمن وَلدَه؟

لا بداية جليَّة لأيّامه في القراءات،

ولا نهاية معروفة لسنيِّه في الكتابات.

ولهذا يُشبه كثيرًا ابن الله

160   وحبريَّته تقوم بلا تغيير إلى الأبد[7].

 

هو سرٌّ ندخله بالمحبَّة

رفيعٌ هو الخبر ولا يمكن التكلُّم عنه إلاَّ بتحرُّكات روحيَّة،

لأنَّه مُخفًى كثيرًا على الفهم.

للحبِّ وحده أن يعرف الخفايا

وبه نقول كلَّ ما يعلو على المعرفة.

165   حيث الحبُّ هناك حدُّ الحلول

وإن وُجد الخصام بطلت الأمور الحقيقيَّة بالجدال.

فمن لا يحبُّ تكون الحقيقة له كذبًا:

إذًا تغتني الكلمة بالحبِّ لدى السامعين.

خبرُ هذا الحبر مخفًى عن المعرفة،

170   وإن لم يفسِّره الحبُّ يتعطَّل الكلام عنه.

 

أخفى الكتابُ ولادته (= ملكيصادق) وموته من أجل هدف:

لئلاَّ يجعل له بداية ولا نهاية.

خبَّأ قصَّته عن السامعين إكرامًا له،

لكي يُسمّى في القراءات حبرًا إلى الأبد.

175   مات فحُفظ (خبر موته) وحذر أن يتكلَّم عنه،

لئلاَّ يهينه قدَّام السامعين حين يروي موته.

لو انجلى يومُ ولادته فتكلَّموا عنه،

لحبسته الكلمة في حدود وأخضعت بدايته.

ولو عُرف متى وكيف كانت وفاته،

180   لاستوفى خبره وانتهت حبريَّته.

والآن إذ خفيَ متى وُلد وكيف مات،

وُقِّر خبرُه بأن يكون حبرًا إلى الأبد.

فهو الحبر صوَّر ابن الله

لهذا وُقِّر خبرُه وخُفيَ لئلاَّ يُكشَف[8].

 

تنازل سيِّدِ الأحبار

185   ربُّ الأحبار حطَّ ذاته بسبب حبِّه

ليكون شبيهًا بملكيصادق شبهًا حقيقيًّا.

حبس مجيئه في بداية وفي نهاية

وهو بعيد عن العوالم ومتقناتها.

بيَّن خبرُه: متى وُلد وكيف مات

190   لئلاَّ يُهان حين تُروى الأمور الصغيرة.

اختفى ربُّنا فكشفته البشارة في ولادته وموته،

وأخفت خبر ملكيصادق الذي كان جليًّا.

الصغير عظم ونزل العظيم إلى الصغارة،

لكي تُوجَد له في العالم تصوِّره.

195   لو لم يلاشِ ابنُ الله نفسه (فل 2: 7)،

فأيُّ شبه في العالم يمكن أن يقابله؟

ابن الأحرار أخذ شبه العبد من داخل الحشا،

ولهذا كان يُقابَل بأشباه وأشباه.

أنت هو حبرٌ مثل ملكيصادق الذي خفي خبرُه،

200   لأنَّه قام يكهن بلا ذبائح كهانة روحيَّة.

وقَّر الكتاب هذا الكاهن في أمور كثيرة،

ليكون شبيهًا بابن الله قدر المستطاع.

أخفى في الصمت ولادته وموته فكان حكيمًا،

وما تكلَّم عن صغارته لأنَّ هذا لا يليق به.

205   مدَّ صورته لتكون أعظم من (صورة) المولودين،

فتكون كفوءة وتبلغ إلى رفعة جمال ابن الله.

 

ومع ذلك كشف عن نفسه

موسى[9]، هذا الكاتب الذي فسَّر ما لدى القبائل

تجاوز بصمتٍ مولد هذا الحبر.

رأى أنَّ شبهه أرفع كثيرًا من التفسير

210   فلم يحتقره ليخلط خبره في أخبار تشبهه.

سجَّله فقط حبرًا وملكًا كما هو،

وخبَّأ عدد أيّامه وما فسَّرها.

ما أظهر اسم أبويه في القبائل الستّ[10]،

لئلاَّ يحطَّ من عظمته حين يذكر جنسه.

215   فالتواضع يليق فقط بربِّنا،

لأنَّه ابن الله فتكلَّموا عنه كأنَّه ابن يوسف (لو 4: 22).

جليّ أنَّ مريم هي أمُّه إذ هو ربُّها،

واشتهر يوسف بالأبوَّة وهو ليس بقريب.

 

يا للدهشة العظيمة! الكنعانيّ مخفيّ في الكتب

220   وربُّ العشائر والقبائل مكشوف ومهان.

ابن الحيِّ أتى إلى الولادة والموت فكُشف خبرُه

وخفيَ هذا الحبر كأنَّه ما مات مع أنَّه مائت.

وقَّره الكتاب فما حبسه وأخضعه لنهاية،

فما عرَّف نهاية سنيِّه في الكتابات.

225   رُويَتْ كلُّ أموره الرفيعة والمجيدة،

واشتهر بحبريَّته التي لا حدود لها.

جليَّة في الكتب إهانةُ ربِّنا وتواضعه:

قبل البصاق واحتمل الجلد وشرب الخلّ[11].

رُبط، عُلِّق، صُلب، طُعن، قُتل، حُنِّظ،

230   لُفَّ (بالأكفان)، قُبر[12]، هتفت البشارةُ وما ضجَّت.

آلام الابن هي أختام مجده،

فبها تعلَّم العالم كم يحبُّه[13].

بقدر ما يُهان يُزهر حبُّه بلا حدود،

جليٌّ أنَّه مقتول ويوقظ الموتى من قبورهم (مت 27: 53).

235   في الكتب صُوِّر صلبُه وموتُه قدَّام كلِّ الشعوب،

فما اعتبر هذا إهانة لأنَّه مفيد للخلاص.

الحقُّ واثق: مهما قيل عن صغارته،

فهو لا يصغر ولا يتحوَّل عن عظمته.

وإذ هو جليٌّ جدًّا أنَّه ذُبح بدل الحمل على المحرقة[14]،

240   فهو حبر إلى الأبد في بيت الغفران، مثل ملكيصادق.

إذًا، حسنًا بيَّن الكتاب شبه هذا،

ووهب له اسم الحبر والملك لكي يكرمه.

 

تقدمة الخبز والخمر

كتب موسى عن موت آدم وشيت وأنوش[15]

وبيَّن بجلاء وفاة نوح وإبراهيم[16].

245   وعن ملكيصادق كتب فقط أنَّه حبر وملك،

وما أظهر لنا عدد أيّامه.

وقَّر بترتيب هذه الحبريَّة الروحيَّة

لئلاَّ يَخلط الموت في خبره إلى الأبد.

دعاه ملكيصادق وملك شليم، لكي يميِّزه

250   لأنَّه ملك البرِّ والسلام معًا.

 

هذا (ملكيصادق) أخرج خبزًا وخمرًا لدى إبراهيم

لكي يشترك البارُّ في أسراره الروحيَّة.

فالخبز والخمر قرَّب هذا من بيت الغفران

ليخدم منذ ذلك الحين سرَّ البيعة.

255   ما أصعد الثيران والأغنام بدل القربان،

بل بالخبز والخمر كان كاهنًا كلَّ أيّامه.

خدم بهذين طقوس البيعة الروحيَّة

ودم الذبائح كان محتقرًا في عينيه فما قرَّبه.

ميَّز مبدأ حياة البشر ليقرِّب هذه

260   مثل الباكورة بذهنٍ قريب من الله.

 

ما كهنَ إنسان هذه الأسرار إلاَّ هو

حتّى ربّنا التي كشفها بصلبه.

هو وحده كان ناظرًا هذه الأنماط،

فخدم بين الأحبار الخدمة الروحيَّة.

265   ما كان له رفيق في العالم يخدم معه،

فازدهى وحده بخدمته.

ما من إنسان دخل إلى هذا الطقس الروحيّ

حتّى الصليب، إلاَّ هذا وحده.

 

ملكيصادق وإبراهيم

رأى البارُّ إبراهيم أهلاً لمشاركته[17]

270   فاختار من قربانه وأخرجه ليخلطه معه.

الخبز والخمر حملَ، فخرج الجسدُ والدم

ليُشرك[18] أبا الشعوب في أسرار ربِّه.

ما استحقَّ (إنسان) آخر في هذه الأجيال

أن يختلط بهذه الخدمة المليئة محاسن.

 

275   لدى إبراهيم نزلت نفسُ ذاك المتميِّز

ودعاه ليتنعَّم بهذه الذبيحة الروحيَّة.

تعزيةً كان هذا الصدِّيقُ لهذا الحبر

لأنَّه التهب كلَّ يوم بحبِّ الربّ.

لهذا وحده وهب الخبز والخمر في الأسرار

280   لكي يختلط بالحبر ربِّه.

تطلَّع في الأرض التي امتلأت كلُّها بالأصنام،

وفي كلِّ الشعوب المجانين بآلهتهم.

وفي خليقة ضالَّة بأصنامها الميتة والفارغة،

فكان في الأرض فقط حبرٌ واحدٌ للربّ.

285   وإذ لم يكن في أبناء خدمته من يريحه،

خرج واستراح عند إبراهيم وهو عابر.

تمسَّك بمحبِّ الربِّ ليتَّكئ إلى مائدته،

ومن خدمته أخرج خبز القدس والخمر.

 

وجاءت البركة

خلطه بالأسرار وبالبركات أغناه

290   رآه فتاق إليه وشرع يباركه ويتحبَّب له:

"مبارك إبراهيم من الربّ، مالك السماء والأرض

ومبارك الربّ الذي سلَّم في يديك كلَّ معاديك" (تك 14: 19-20).

نفسه لازمت إرادة إبراهيم الصالحة

فسكب على رأسه كلَّ البركات وأحبَّه.

 

295   منذ الآن تعال وانظر: مَنْ يتبارك مِنْ مَن؟

هذا الناقص من العظيم في الأسماء (المشهور)

لو كان إبراهيم أعظم منه لكان هو يبارِكُ

وإذ هو نال البركة تبيَّن أنَّه ناقص.

ما اجترأ الناقص أن يبارك من هو أكبر منه:

300   هو الفاضل ويبارك الناقص.

يعقوب الأصغر نال البركة من والده

وعيسو البكر سأل البركة من الشيخ[19].

إسرائيلُ بارك أبناءه كلَّهم (تك 49: 1ي)

ونوح (أبناءه) الثلاثة، وجليٌّ أنَّهم أصغر منه[20].

305   وهذا الحبر الذي كان أفضل من إبراهيم،

باركه على أنَّه الأصغر، ليعظُم هو أيضًا.

قبل إبراهيم منه (البركة) وما تردَّد

وأحنى رأسه لكي يتبارك ممَّن هو أعظم منه.

اندهش إبراهيم بروح هذا الكاهن العظيم

310   فقبل منه بركاته بإيمان.

 

تقدمة العشور لملكيصادق

وارتأى أيضًا أن يرضيه بعشوره

ويكرِّمه بباكورة كلِّ مقتناه.

شبهُ ربِّنا أخذ ما هو له من البارّ

وتراءى لا في حبريَّة لابسةٍ الأسرار.

315   بإبراهيم وهبَ العشورَ الشعوبُ كلُّهم

للحبر العظيم الذي لبسَ أسرار ابن الله.

أبو الشعوب وهب العشورَ بدل كلِّ الشعوب

وقرَّب للحبر هدايا وكأنَّها منهم كلِّهم.

ذاك الذي استعدَّ لأن يُثمر في الأرض أحبارًا وملوكًا

320   قدَّم عن أولاده العشور لهذا الكاهن.

 

اسمع ما قاله الرسول في شأنه:

"لاوي أيضًا دفع العشر لأنَّه كان في صلبه" (عب 7: 9-10).

بيد إبراهيم وهب سبط إبراهيم الباكورة،

لصورة الابن التي تراءت في ملكيصادق.

325   بواسطة عشوره التي عشَّرها الشعب للكهنة

أخضعهم أيضًا للابن ليؤدُّوا له الجزية.

لاوي الذي تسلَّم كلَّ العشور من الشعبِ كلِّه،

عشَّر هنا أيضًا لهذا الحبر.

الكهنة الذين أخذوا كلَّ باكورة من الأسباط كلِّهم

330   وهبوا الباكورة لهذا الكاهن الذي هو أعظم منهم.

 

ولهذا لزم لنا حبرٌ آخر مثل ملكيصادق،

لا مثل هرون الذي دفع العشور.

مثل ذاك الذي أخذ الهدايا المميَّزة من إبراهيم

لا مثل ذاك الملطَّخ كلَّ يوم بدم الذبائح.

335   لاوي الناقص قدَّم العشور للحبر العظيم

لهذا الذي يشبه ابن الله بالطقس الذي علَّم.

لهذا الذي تنقّى من النتونة ومن الأضحية

وما تلطَّخ بالدم لأنَّ مسيرته روحيَّة.

على نمط هذا لزم لنا أن يقوم حبرٌ

240   يقدر أن يُخرج المراحم للعالم، لا الذبائح.

تكلَّم: أنتَ هو حبر مثل ملكيصادق،

لا مثل هرون المملوء بسكيب الذبائح كلَّ يوم.

لاق به أن يتشبَّه بملكيصادق،

الذي أقام وحده طقسًا روحيًّا[21].

 

ابن الشعوب من أجل الشعوب

345   ربَّما كان كلَّ يوم يتوسَّل عن جميع الشعوب

وينوح في طلبته من أجل عودتهم.

حلَّ في العالم محلَّ ربِّنا قبل أن يأتي،

في زمن سنواته، وهو يتوسَّل من أجل المصالحة.

حملَ توسُّل الشعوب وأدخله لدى العظمة (الإلهيَّة)،

350   ابنُ الشعوب الذي لبس نمط ابن الله.

الكاهن العظيم تعب بدل العالم قدر المستطاع

وتعلَّق بالرجاء وما تردَّد بالنسبة إلى الخلاص.

حملَ إثمَ العالم وقام في بيت الغفران

وحفظ مكانًا لذاك الذي بقتله ذبح الخطايا.

355   أخذ الحِمْلَ ليقيم جانبَ البرابرة

بحبريَّته الروحيَّة التي لا تُحلّ.

زها كلَّ يوم ليكهن كهانة روحيَّة

بقوَّة الحياة التي لا تُحلّ.

احتقر كلَّ الذبائح المنظورة ورذلها،

360   وكان الكاهنَ كلَّ أيّامه بأفكار خفيَّة.

ما خدم تلك الحبريَّة التي تنحلّ

بل تلك القائمة إلى الأبد بشكل روحيّ.

وبما أنَّ كهنوته ما انحلَّ لأجل رتبته،

تكلَّموا عنه كأنَّه حيّ بواسطة حبريَّته.

 

داود في مزاميره

365   حين رآه داود في هذه الرتبة الروحيَّة،

دعاه حبرًا إلى الأبد وكأنَّه ما مات.

نظر إلى جميع الأحبار الذين كانوا منذ آدم

ونظر إلى المسيح ليقارنه بمن يشبهه.

في ذهن الروح صار داود "باطنيًّا"

370   فرأى كلَّ أحبار العالم وتبدُّلاتهم.

 

قام هابيل فحمل الأبكار مع السمان (تك 4: 4)

ونوح فصل كلَّ (الحيوانات) الطاهرة عن النجسة (تك 8: 20).

نظر إلى إبراهيم الذي قطَّع ذبائح أتى بها (تك 15: 9-11)

ورتَّب أيضًا العضوَ قبالة رفيقه.

375   رأى هرون قائمًا بناموس الشعب،

لابسًا الأفود واضعًا العمامة المليئة بالصور.

باهم يده مصبوغ بالدم وشحمة أذنه

ويصعد الذبائح من الحيوانات على اختلافها (خر 29: 20).

حمل السكّين وأخذ الشحم من الذبائح،

380   وبالنتانة قام كلَّ يوم على قرابينه.

 

بهؤلاء الأحبار تطلَّع داود فكان حكيمًا

وتطلَّع في المسيح الذي لم يشبههُ واحدٌ منهم.

وبين هؤلاء تطلَّع ودقَّق

فرأى ملكيصادق وما رأى ذبائح في خدمته.

385   هو كامل وأعلى من أشباه الأحبار كلِّهم

فلا يشبهُه الآخِرون ولا الأوَّلون.

طاهرًا يقوم بشخصه كاهنًا

ولا يشبهه إنسانٌ من الأحبار إلاَّ ربُّنا.

 

وإذ تطلَّع داود رفع صوته باتِّجاه مخلًِّنا:

390   أنت هو حبر مثل ملكيصادق، لا مثل هؤلاء.

كما إنسانٌ يقول هذه الصورة تشبه تلك

بألوانها الجيِّدة وصورها الجميلة.

دخل فميَّزه من بين الأحبار الذين كانوا

وأخرج خبرَه ليتعلَّم العالم من يشبه.

395   ذاك الذي هو أفضل من إبراهيم المشهور

ويمسك طقس الأمور الروحيَّة ويخدمها.

ذاك الذي ما قام حبرٌ آخر من عشيرته،

لأنَّه فريد في كهنوته مثل مخلِّصنا.

وربُّنا أيضًا ما أشرق من سبط بني لاوي

400   لأنَّه اختار أن يظهر من قبيلة الملوك.

إلى المملكة أتى ابنُ الملك وكان حبرًا

مثل ملكيصادق الكاهن وملك البرّ.

 

بين السكوت والكلام[22]

غلبَنا خبرُ هذا الحبر المليء بالإعجاب

فالكلمة أصغر من أن تقول كما هو.

405   خبرُ هذا أعظم منّا لكي يتكلَّم بنا

فأدعو إلى السكوت الذي يخيِّم على قصَّته.

لا أحتقره حين أقول: لستُ كفوءًا

فأسكت عنه وأهبُ له كلَّ إكرام.

حين تضعف الكلمة لتقول شيئًا ما،

410   بالسكوت تملأ موضع الكلام الذي لا حدَّ له.

أن أمسكت فذاك عائد إلى عظمة المقال

فالصمت نافع من أجل الخفايا في الخبر.

 

مقاله يطلب كلمة جليَّة مع صوتٍ لها،

وسكوتًا مليئًا بالإعجاب بسبب عظمته.

415   الوجدان أسير بخبره واللسان أيضًا،

فيتكلَّم الفم وينذهل العقل بأمجاده.

فالصمت عن خبره هو كاللاصمت

ولأنّي منذهل أصمتُ إكرامًا له.

ما وصلتُ إلى نهاية خبره لأسكت عنه،

420   فهناك شيء لا يمكن الكلام عنه إلاَّ بالصمت.

وحين أسكت يأخذني الذهل في تحرُّكات النفس،

فأتكلَّم عنه كما لو كان في باطني.

إذًا، خرجتُ لأقول لكم كما سمعتم

وها أنا أدخل إلى موضعه وأنا ساكت.

425   امتلأ خبرُه ذهلاً عجيبًا لمن يتطلَّع فيه

ويجب أن تمتلئوا منه ذهلاً خيرًا من السماع.

 

ملكيصادق الملك والحبر

أين رأيتم يومًا ملكًا جُعل حبرًا

ويُمسك بيده سلطتين سياديَّتين؟

لبس المُلك وربَّ العالم سُمِّي،

430   والكهنوتَ فكان أيضًا غافرًا.

على رأسه التاج وكلمة الحياة على لسانه:

هو للناس ملك، ولله حبر عظيم.

صُوِّر في إكليله اسمُ السيادة الآمرة،

وفي حبريَّته القدسُ والحياةُ والغفران.

435   هو ملك ولا يحارب من أجل ولايته،

لأنَّه ملك السلام ولا يقترب منه الخصام.

 

ما رأى خطرًا وإلى الغزوات ما خرج

فقد جُعل ملكًا للبرِّ لا للحرب.

بنى أورشليم وأخذ موضع الصلب،

440   وما حارب ليأخذ مكانًا إلاَّ هذا.

كان كفوءًا بأن يخدم هذه الأسرار:

هذا المكان الذي هو مكان قتله العظيم.

السلام كان ولايته التي لا حدود لها، والأمان،

وبيت ملكه برّ لا يمكن قهره.

445   من لقبه تتعلَّم كم كان عظيمًا

لأنَّه ما كان صدِّيقًا، بل ملك الصدق.

ما خضع تحت الوصايا الجسديَّة،

لأنَّه حلَّ بلا ناموس في مملكة النفس.

كم كان عظيمًا! فإبراهيم رئيس الآباء

450   دفع له العشر ونال منه البركة.

من إبراهيم تقدر أن تتعلَّم حول عظمته

لأنَّ خبره جليٌّ وكلَّ إنسان يعرف برَّه.

 

خبر إبراهيم

تعال وانظر حبَّ رئيس الآباء هذا (إبراهيم)

كم كان بأفعاله قريبًا من الله!

455   حين دعاه الصوت ليخرج من بيت ذويه (تك 12: 1)

ما تهاون ولا سأل لماذا (يخرج).

وحين تجرجر في أماكن الملوك الوثنيّين

ما كان له في ولاياتهم موضع يُسند إليه رأسه.

في موضع طرده الجوع فتحوَّل إلى آخر (تك 12: 10)

460   وفي جانب آخر أخذت امرأته فما تذمَّر (تك 12: 14).

تارة حفر بئرًا فأخذوها منه (تك 21: 25)

وطورًا تقيَّدت زوجته (تك 20: 2).

نقصَه البنون وكثُرَتْ له التجارب

أحبَّ ربَّه وكان نبيًّا عظيمًا بالإيحاءات.

465   هذا الذي تاق كلَّ يوم بأن يرى الابن (تك 8: 56)

رآه بين إيحاءات الصليب وفرح.

هذا الذي ربط وحيده ليكون ذبيحة (تك 22: 2)

بيَّن جليًّا في التجارب من يحبّ.

هذا الذي لا صفحة في الأسفار إلاَّ وهو هناك

470   هو البداية بين القراءات والنهاية.

هذا الذي أثمر الأنبياء والكهنة والملوك في الأرض

هو من يتكلَّمون عنه في كلِّ الأسفار بشكل غنيّ.

 

إبراهيم تجاه ملكيصادق

هذا (إبراهيم) كان أنقص من ملكيصادق مع أنَّه عظيم

ومن هذا نتعلَّم عظمة ذلك.

475   انظر في الكتب الشطر الرفيع في بيت إبراهيم

وعُدْ فترى أنَّ شطر هذا الحبر أرفع منه.

ارفع عقلك وانظر إلى إبراهيم في الملكوت،

أي حضن واسع له في الموضع الرفيع (لو 16: 19-31).

حين ترى أنَّه أرفع من كلِّ قياس

480   اعرف أنَّ قياس الأعظم منه هو فوق كلِّ حدود.

تطلَّع في إبراهيم: كم هو قريب من الله

ووُجد في داخله (شخص) آخر يباركه[23].

 

مثل وكيل حمل هذا الحبرُ البركات،

ومن بيت سيِّده أخرجها إلى إبراهيم العبد الصالح.

485   لماذا كان خبره خفيًّا وما تكلَّم أحدٌ عنه

كما هو الأمر بالنسبة إلى إبراهيم الظاهر في كلِّ الأسفار.

سار هذا الرجل سيرة روحانيَّة،

فما كان العالم كفوءًا لأخباره الإلهيَّة.

كان يقظًا كلَّ يوم في خدمة الربِّ الخفيَّة

490   لهذا خفيَ خبرُه كما (خفيت) سيرتُه.

منذ ألسنة النار إلى الآن تعلَّمت الأرض

هذه الأسرار أن تسجد فقط للآب بالروح (يو 4: 23)

وإذ كان هذا الطقس صعبًا للأجيال الأولى

خفيَ خبر ذاك الذي تصرَّف بهذا الشكل.

495   ما كان العالم كلُّه كفوءًا لهذه الأسرار

الحبرويَّة حتّى كشفها ربُّنا.

اعتاد العالم أن يتربّى مثل ولد

فما استطاع أن يأكل كلَّ يوم مأكلاً سليمًا[24].

ولهذا أخفى الكتابُ ذاك الذي سار سيرة روحيَّة

500   لئلاَّ يكون الكلام عنه كثيرًا.

 

ملكيصادق وعالم الروح

من أجل هذا كتب الرسول لأجله:

الكلمة عظيمة وصعبة التفسير (عب 5: 11).

وفي زمنٍ تكلَّم فيه الرسول

تمسَّك الشعب بعادات قديمة من الناموس.

505   تصرَّف مثل الأولاد تصرُّفًا جسديًّا،

وما استطاع أن يتقبَّل الأمور الروحيَّة.

ولهذا صعب على التفسير خبر

هذا الذي تصرَّف بالروح في الأزمنة القديمة (أو: الأولى).

كان العالم كلُّه نفسيًّا[25] فما عرف

510   أن يسمع الأمور الروحيَّة بحسب ناموسها.

الإنسان الروحيّ يدين كلَّ إنسان ولا يُدان

أمّا الإنسان النفسيّ فهو كالطفل، مَن يدين؟

وإذ كان ملكيصادق روحيًّا لانفسيًّا

فلا يُدان لكي يفهموا كيف هو.

515   حلَّ كلَّ يوم في هذا المتأمِّل الروحيّ الكامل

فما شاء الكتاب أن يبيِّن خبره للإنسان النفسيّ.

ولهذا لمّا كتب بولس لأجله قال أيضًا:

صعبت الكلمة على التفسير (عب 5: 11).

"أنتم الآن جسديّون ولا أقدر أنا

520   أن أبيِّن لكم كلَّ ترتيب الأمور الروحيَّة".

بيَّن فقط أنَّ ملكيصادق هو أعظم من إبراهيم

لكي يُمدَح هذا الخفيّ بمن هو جليّ (معروف).

ما كان العالم استنار بعد بترتيب أمور الروح

فصعب عليه أن يسمع خبر ذاك (الإنسان) الروحيّ.

 

ملكيصادق وابن الله

525   ربَّما لا يسهل أن نتقبَّل

خبره الرفيع لأنَّه مدهش بلا حدود.

هذا الذي دان العالم كلَّه بروحانيَّته

ما دانه أحد لأنَّه مارس سيرة كاملة.

هذا الذي عرف أنَّ العالم كلَّه جسديّ

530   ما استطاع أن يعرف أنَّه (إنسان) روحيّ.

هذا الذي صار شبهَ الابن ورسم أنماطه،

بخدمته الروحيَّة التي لا تُدرَك.

هذا الذي وضع تاجًا خفيًّا وتاجًا جليًّا،

وتقلَّد السلطة الآمرة في الجانبين.

535   جُعل ملكًا بالخفاء لنفسه ودبَّرها،

فما كان فيه هوى يتمرَّد على سلطته.

هو في الجلاء ملكٌ ويمسك الأرض

فما حارب الذين على حدوده بسبب أمان (يحمله).

ما تقاتل مع الأهواء ولا قمعها

540   لأنَّ قياسه العظيم صعد من الجهاد.

ما تحارب مع ملوك الشعوب على السلطة

ولا طلب إلاَّ السلام والبرّ.

بعُدَتْ عنه الأخطار الجليَّة والأهواء الخفيَّة

والحروب البرّانيَّة كما الأفكار الباطنيَّة الشرّيرة.

545   كان ملكًا على الخفايا وعلى الظواهر،

وله الأمان وملء السلام بلا عراك.

لرأسه التاج ولحرِّيَّته الإكليل العظيم

هو الصفاء والأمان ولا حرب في مملكته.

تجاوز الجهاد وقام في موضع الكمال.

550   وهنا استطاع أن يكون حبرًا بدهشة عظيمة.

تجاوز قياسات الكهنة والملوك والصدِّيقين،

حتّى صار حبرًا يُشبه ابنَ الله

وبما أنَّ صورته العظيمة أجمل من الصور

تشبَّه به ربُّ الأحبار وهو ربُّه.

555   كان كلام: أنت حبرٌ مثل ملكيصادق

مبارك من غفر للعالم بقتله وبذبيحته.[26]

 


[1] الميمر 155، بيجان، الجزء الخامس، ص 154-160. ܕܥܠ ܡܠܟܝܙܕܩ. العنوان الكامل: حول ملكيصادق حبر الله العليّ وحول أسرار ربِّنا.

[2] صار التعليم ܝܘܠܦܢܐ شخصًا حيًّا يدعو الناس لكي يغرفوا من كنوزه ويتَّكئوا إلى مائدته، على مثال الحكمة في سفر الأمثال (أم 9: 1ي). وكيف يكون ذلك؟ من خلال القراءة ܩܪܝܢܐ.

[3] ܫܒܪܐ. له غذاء الأطفال، لا الطعام القويّ. رج 1 كو 2: 2.

[4] عاد السروجيّ إلى سفر الخروج (ف 28) فوصف لباس الكاهن وزينته من أجل خدمة الذبائح اللحميَّة وتقدمة الحيوانات السمينة بشحمها. أمّا ملكيصادق فاختلف كلِّيًّا عن هؤلاء الكهنة فكان نمطًا type ليسوع الذي خلَّص الشعوب بذبيحة نفسه. ما أتى بذبيحة من الخارج، بل قدَّم ذاته.

[5] خبز يُوضَع على المذبح قدَّام الربّ (لا 24: 5: بشكل 12 كعكة) ويبدَّل كلَّ سبت (لا 24: 6-9). ولا يأكل منه إلاَّ الكهنة (1 صم 21: 2-7). إنَّه يرمز إلى الخبز الذي يصبح جسد المسيح من أجل مصالحة العالم.

[6] ܛܠܠܐ. أمّا الحقيقة فهي المسيح. رج كو 2: 17؛ عب 8: 5؛ 10: 1.

[7] عاد السروجيّ بشكل حرّ إلى عب 5: 3 فتوسَّع في شخص ملكيصادق، وهكذا يصل إلى يسوع المسيح.

[8] ܢܬܟܫܦ (في معنى أساسيّ: يتوسَّل). صوَّب بيجان: يهان: ܢܬܓܫܦ.

[9] اعتبر التقليد أنَّ موسى دوَّن الأسفار الخمسة، ومنها سفر التكوين حيث يروي خبر ملكيصادق (تك 14: 17-20).

[10] تُذكر ستُّ قبائل "كنعانيَّة" مع العبرانيّين. رج خر 3: 8. فمنها يجب أن يكون ملكيصادق.

[11] رج مت 26: 67؛ 27: 26، 34. نلاحظ عرض السروجيّ. كانت الصورة، صورة ملكيصادق، موقَّرة، كريمة، أمّا الحقيقة، حقيقة يسوع المسيح فعرفت التواضع والإهانة...

[12] هو ملخَّص الآلام. رج يو 19: 34؛ مر 16: 1؛ مت 27: 59.

[13] رج يو 3: 16: "هكذا أحبَّ الله العالم..."

[14] أتُرى هي إشارة إلى ذبيحة إسحق؟ ربَّما. رج تك 22: 1ي.

[15] تك 5: 5 (ومات)، 8، 11.

[16] تك 9: 28 (أيّام نوح... ومات)؛ 25: 8 (وفاضت روح إبراهيم ومات).

[17] التقى إبراهيم وملكيصادق في هذا العالم المليء بالأوثان.

[18] ܕܢܫܘܬܦ كما صحَّح بيجان. في النصّ: ليشترك: ܕܢܫܬܘܬܦ.

[19] في تك 27 نرى يعقوب وعيسو يطلبان البركة من والدهم الشيخ، إسحق.

[20] تك 9: 26-27. والنتيجة: الأكبر هو من يبارك الأصغر. فإذا كان ملكيصادق بارك إبراهيم، فهذا يعني أنَّه أعظم منه.

[21] نلاحظ اللغة القاسية التي بها تحدَّث السروجيّ عن هرون وذبائحه. لهذا ما استطاع ابن الله أن يتشبَّه بكهنوته. أمّا ملكيصادق فله أرفع كلام ولهذا تشبَّه به ابن الله.

[22] تكلَّم السروجيّ وتكلَّم فرأى أنَّه لم يفِ الموضوع حقَّه. أتراه يجب أن يصمت؟!

[23] مع أنَّ إبراهيم عظيم، فهناك من هو أكبر منه.

[24] 1 كو 3: 2؛ عب 5: 12-14.

[25] ܢܦܫܢܝܐ. حسب النفس. جسد الكائن الذي يتنفَّس ويتحرَّك على المستوى البشريّ. أمّا الروحانيّ --- فيكون على مستوى الروح القدس. رج 1 كو 2: 14-15.

[26] انطلق الشاعر ممّا قيل عن ملكيصادق في سفر التكوين (14: 17-20) والرسالة إلى العبرانيّين والمزمور 110، فقابله مع الكهنة من بني لاوي، الذين اعتادوا أن يقدِّموا الذبائح الدمويَّة. ثمَّ قابله مع إبراهيم فجعله أكبر منه. فإبراهيم نال البركة من ملكيصادق، كما الصغير من الكبير. ولهذا ما أراد ابن الله أن يتشبَّه بأحدٍ إلاَّ بملكيصادق، لاسيَّما وأنَّ تقدمته تشبه تقدمة الابن: الخبز والخمر. كلُّ من سبق المسيح خدم بحسب الجسد، أمّا ملكيصادق فكانت خدمته روحيَّة. ففي خطِّ ما قاله بولس الرسول عن الذي يتصرَّف بحسب الجسد، وذاك الذي يتصرَّف بحسب النفس، عرفنا أنَّ تصرُّف ملكيصادق كان على مستوى الروح، فاستطاع أن يدين الجميع ولا يدينه أحد. كما أنَّ أحدًا في جيله لم يفهمه، فسرُّه يبقى خفيًّا ولا يتجلَّى إلاَّ في ابن الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM