الميمر الثالث: تعزية الكهنة.

الميمر الثالث

تعزية الكهنة[1]

 

 

يا عظيم الأحبار ورئيسَ الكهنة وربَّ الذبائح

هب لي أن أتكلَّم على موهبتك الإلهيَّة[2].

يا واهب الحياة وكاشف الأسرار لكلِّ السؤماء

اكشف لي أسرارك فأكشفها لكلِّ المحتاجين.

5      من عندك الكلمة، ومن عندك الذهن، ومن عندك اللسان،

هب لي أن أقول أناشيدك وأرعد.

 

خدمة الرسل

عن الكهنوت أخذتُ أتكلَّمُ إن استطعت

فأنر عقلي لأنحت تمثال مجدك.

طلبَ منّي الحبُّ لأُظهر خبره لمن يسمع لي

10     على هذا السرِّ وعلى موهبة الروح القدس،

عظيم هو السرُّ ومجيد هو المقال الذي يلازمه.

وأنتَ يا ربَّ الكلِّ تعرف أسراره وأمجاده،

أخذتني الدهشة على خدمة الرسل[3].

وعلى هذا القول الذي قاله ربُّنا للاثني عشر:

15     إذا لا أذهبُ أنا، لا يأتي إليكم الروحُ القدس (يو 16: 7)

وحين يأتي فهو يعلِّمكم الحقَّ كلَّه (يو 14: 26).

نفخ في وجوههم (يو 20: 22) وملأهم روحًا قدسًا

فصاروا كلُّهم إلهيّين وامتلأوا بالأسرار.

من يقدر أن يكون كاهنًا في أسرار الابن،

20     ويخدم بالنار الأمور المجيدة، مثل الله؟

من هو النقيّ واللامزيّف قدّام الله،

ليلبس النار ويقوم يخدمُ اللهيب؟

أي ترابيّ اشتعل بلاهوتك

فيقدر أن يمسك الشعلة التي لا تُدرَك؟

25     من تنقّى من قذارة العالم البغيض

وقام على درجة المجد العظيم ليكون كاهنًا (ليكهن)؟

لو كان الإنسان واحدًا من سرافيم النار، فهو لا يكفي

ذبائح الرسل الكاملة.

 

موت الكاهن في خطِّ موسى وهرون

هذه[4] التي هي أعظم من الأرضيّين والسماويّين

30     وأنقى وأطهر وأمجد وأزهى من الخلائق.

هذه التي تاق إليها الملائكة (= اليقظون) ليتطلَّعوا فيها

وكان الموت عدوًّا لها فعرَّته وألقته (أرضًا).

هذه التي هي أرفع وأعلى من رفعة السماويّين

فأنزلها الموت في إست الجبِّ والقبر البغيض.

 

35     ندعو الآن موسى المختار ووكيل (= ربّ بيت) الأسرار المجيدة

فيعلِّمنا على الخفايا.

هو النبيُّ والكاهن ومعلِّم الأسرار العتيدة:

أخفى الربُّ يومَ موته عن البشر (تث 34: 6).

هنا محتقر ومطروح وهذه (الدرجة) المملوءة محاسن.

40     يموت الكاهن، سيِّدُ الأسرار[5]، مع كلِّ إنسان

وبسبب السرِّ، اقتاد (الله) إلى الجبل هذا القدّيس،

وأصعده وأخفاه في سرِّ اللاهوت الخفيّ[6].

 

لماذا لا يكون الأمرُ هكذا للكاهن؟

فرقادُه يحلُّ بحسب ترتيب البشر.

45     سرُّ خدمة الرسل أعظم

من حبريَّة هرون، كاهن الخدمة العتيقة.

ويشهد بولس الذي كان عبرانيًّا وكان رسولاً (فل 3: 5)

أنَّه آثر الخدمة الرسوليَّة (رو 1: 1).

وبقدر ما هو عظيم، هكذا يليق أن يكون رقاده

50     موقَّرًا أكثر من رقاد كلِّ المولودين.

ماذا يقول ذاك المتكلِّمُ على الكهنوت؟

فالربُّ ساوى أجلَ موته مع الخطأة.

 

الكاهن الطاهر[7]

على رقاد الكاهن الطاهر ودفعني الحبُّ

لأقول الآن علَّةَ موته. وأنا في ألمٍ (كبير)

55     هذا الذي اختاره الربُّ بالروح (القدس) من بطن أمِّه (إر 1: 5)

ووضعه ليكون قائمًا كلَّ يوم على خدمته.

هذا الذي لبسَ قوَّةَ الروح والقداسة

وها الموتُ يدوسه في أجله مثل (رجل) شرّير.

هذا الذي دعا الروح الذي يتقن (كلَّ شيء) على قربانه[8]

60     ها هو ساكت في سرير الموتى المليء بالتنهُّدِ العظيم.

هذا الذي عظُمَ ببسط يديه ليكهن (ليخدم)

جسدَ الربِّ في مائدة الحياة، صار مائتًا.

هذا الذي دعا الروحَ نسمعه في قدس الأقداس[9]

ها هم يقتادونه إلى القبر فيمضي مثل المائتين.

65     هذا الذي وهب غفران الذنوب للبشر،

هو مثل البشر جثَّة مرميَّة بين الراقدين.

هذا الذي حمل بيديه مفاتيح[10] الألوهة

دخل السارق (1 تس 5: 2)، الموتُ الغاشم، فسرقه وخرج.

هذا الذي ربط وحلَّ[11] السماوات والأرض، بكلمته،

70     جثَّتُه مرميَّةٌ بين الراقدين في موضع الموت.

هذا الذي وَهبَ للبشرِ حكمةَ الحياة

ها قد جُعل اليوم ضيفَ الموتى في قلب الأرض.

هذا الذي كان مَنزلاً للروح القدس (يو 14: 32)

ها هو مُلقًى اليوم في الشقوق المجوَّفة، في مسكن الشيول[12].

 

75     هذا الذي في حبِّه وصلواته سمع الله

يمسك السكوت شفتيه. في موضع الموت

هذا الذي كانت عشرتُه كلَّ يوم مع الله،

صار رفيقًا لموتى الشيول في الهلاك.

هذا الذي كان وسيط الألوهة،

80     ترجمَ وعلَّم الأسرار الخفيَّة في بيت الله[13].

هذا الذي طارد الشياطين الأنجاس، بصلواته،

حلَّت سلطتُه داخلَ القبر، مع المتمرِّدين.

هذا الذي امتلأت مبخرتُه الإلهيَّة غفرانًا،

انتهت من مسكنه، خدماته وصلواته.

85     هذا الذي أبهجت البيعةُ ألحانه وتراتيله،

حلَّ في السكوت وأصوات البكاء ترتِّل قدّامه.

هذا الذي غفر للعشّارين والأشرار والخطأة،

اتَّجهت طريقه فسار إلى (داخل) القبر.

هذا الذي فلح في كرم الابن (فلاحة) الفعلة الصالحين،

90     ها يُجعل فاعلاً للموت في الشيول بسبب آدم.

هذا الذي قبل الإهانة والهزء والبصاق في وجهه (مثل معلِّمه)

من أجل رجاء إيمانه بابن الله.

هذا الذي آمن بالآب والابن والروح القدس:

طبيعةٌ يُسجد له، ثلاثة أقانيم، كينونة واحدة.

95     هذا الذي كان سيِّدَ الأقداس والقرابين،

ها هو يُرافَقُ بالبكاء والدموع والندب.

هذا الذي أمر في بيعة الابن مثل إله،

صار داخلَ الظلمة أضحوكة وهوانًا عظيمًا.

هذا الذي اختلط بأمجاده، في بيعة الأبكار،

100   ها الموت يدوسه في القبر مثل (إنسان) ضعيف.

هذا الذي اقتبل موهبة رئاسة الطقوس،

أنزل الموتُ تاجه وألقاه وسط الموتى.

هذا الذي لم يَقُم في درجته من هو أعلى منه،

ها هو باطل كما لو أنَّ اسمه لم يكن بين الأحياء.

 

الكهنوت وأمجاده في الموت

105   على الكهنوت، ماذا يقول المتكلِّم؟

وبأيِّ أقوال نصوِّر صورة أمجاده؟

أخذني العجبُ الذهولُ على هذا الحكم:

أن يموتَ الكاهن، وسيِّد الأقداس يُوضَع في القبر.

السكوتُ نافعٌ حيث الأسرارُ مخفيَّة عن البشر

110   وربُّ الخليقة يأمر بقضاء الله (أو: الألوهة).

له الحياة وله الموت وله المجد

وكلُّ السلطات والرئاسات وُضعت في يديه.

في الموتى أوامره، وسلطان يحلُّ على الأحياء

والعلى والعمق هما له وهو مسلَّط عليهما.

115   هذا السرُّ الذي خَفِيَ خبرُه على الخلائق،

نراه في مرآة الروح القدس.

حينئذٍ يجلس الربُّ وجهًا لوجه

قباله الكهنة الذين قدَّسوه فيملِّكهم في الملكوت.

يتجلّى هناك ربُّ الأقداس ومائدةُ الحياة

120   وتقوم مراتبُ رؤساء الكهنة والكهنة والعوام (الشعب).

يطلبون هناك الإيمان من كلِّ إنسان،

وكلُّ إنسان يرمي إيمانه على المائدة.

فالإكليل هو للملوك والكهنة ولكلِّ إنسان

ويطلبون في يده الأعمال الصالحة والإيمان[14].

125   كاهنُنا قبل الوزنات المقدَّسة[15] من الله

وفلح وأكمل ورمى فضَّته على المائدة.

وبلغ الأجل لينتقل الكاهنُ إلى باريه،

وأتى الموت فحلَّ ما أتقنته الألوهة (أو: الله).

وُضع مثل سيِّد على الناس وملك ورئيس

130   ومثل العدّاد يُزيل كلَّ الأجيال.

صعد سلطانه إلى كهنة الله (أو: الألوهة)

إلى درجة أرفع من كلِّ الرؤساء والسلاطين.

 

اذهب بسلام

اذهب بسلام، يا كاهننا الزاهي والمليء بالصدقات

فها لك أُعدَّت مائدةُ الحياة في الملكوت.

135   اذهب، أيُّها الموقَّر، الذي خدَم أسرار بيت الله

فها ربُّك ينتظرك في باب الملكوت (لو 11: 9).

اذهب بسلام، وبجلاء الوجه (أو: بالدالَّة) إلى جنان النور

لهنا ينتظرك مذبحُ القدس الذي خدمتَه.

اذهب، قُمْ، اقبلْ تلك اليمين التي سُلِّمت إليك

140   فها هي تُوهَب لك في أقداس النور والروح.

اذهب، قُم، اخدم عن يمين يسوع ربِّك[16]

فهو ينتظرك حين يقسم هدايا أقداسه.

اذهب بسلام وطمأنينة، أيُّها الكاهن المملوء فهمًا

لأنَّ ابن الله يردُّ لك أجرُ أعمالك.

 

ابسط يمينك وباركنا

145   ابسط يمينك وبارك جمعنا، يا سيِّد الأقداس

لأنَّهم حزنوا على فراقك من عندهم.

ابسط يمينك، أيُّها الكاهن المبارك، وبارك أبناءك،

فهو يرافقونك بالخدمة والصلوات.

قُمْ على المنبر وأسمِعْ أقوالك العذبة،

150   فها قطيعك يُنصت إليك ليسمع تعليمك.

ارفع صوتك كما اعتدتَ (أن تفعل) وباركْهم،

فها هم يتطلَّعون إليك ليأخذوا منك كلَّ البركات.

أيُّها الراعي الصالح، ادعُ قطيعك لدى ينبوعك

وافتَحْ شرابك واسقه منه لأنَّه محبَّبٌ له.

155   هب السلام للمذبح المقدَّس الذي عليه كهنتَ

فها هو يلبس الحداد على فراقك من عشرته.

 

بارك أولاد المعموديَّة الذي ختمتَهم (طبعتَهم)

بعملة بيت الله التي لا تُمحَى.

بارك الشيوخ الذين تأهَّلوا للشيخوخة بالوقار،

160   اختُمْ على الشبّان الذين ربَّيت على الحكمة

والأطفال والصبيان والأجنَّة المحبوبون الذين ولدتهم بيعتُك، يا سيِّدي،

ليُحفظوا بصلواتك من الضيقات

بصلواتك بارك شعبك الذي يُكرِّمك.

ليكون أمانُ الربِّ من الآن وصاعدًا رئيسًا لهم.

165   هبِ السلام للبيعة، أمِّ قطيعك كلِّه

فهي تبكيك لأنَّ الموت فصلك عن رعيَّتك.

افتحْ شفتيك المقدَّستين، وهَبِ السلام

للكهنة الأطهار والإخوة المحبوبين، أبناء خدمتك:

وَصِّهم، حذِّرْهم، ثبِّتهم،

170   لكي يسيروا في العالم، في طريق الإيمان المستقيم.

توسَّل إليهم لكي يذكروك في الصلوات

لكي يكون ذكرك (حاضرًا) حين يكهنون القُدس للربّ.

 

الوداع الأخير

امكثوا في سلام، أيُّها الكهنة، يا رفاقي ويا أحبّائي

واذكروني في الصلوات داخلَ بيتِ القدس.

175   وحين تضعون البخور للربِّ في قدس الأقداس

اذكروا حقارتي ليُريحني ربّي (أو: الربّ) في يوم تجلِّيه.

يا إخوتي، لا تنسوا بنيان محبَّة الإخوة

لكي نكون إخوة في ذلك الملكوت الذي لا ينحلُّ (الذي يدوم).

يا إخوتي، اذكروا بأنَّ ابنَ الله صار أخًا لنا،

180   ولمّا انتقل ترك الكلَّ بالسلام لدى عبيده.

 

هب لنا السلام، أيُّها الكاهن المبارك، واذهب بسلام،

والربُّ يقبلك في عداد الرسل.

 

أمان ربِّنا يكون معكم، يا من ثبتُّم له

وهو يطرد منكم كلَّ خصومات العدوّ.

185   الأمان يكثر في البيعة، وفي الجماعات السلام

وأولاد ابنة (أمة) الأراميّين يَفرحون بالإيمان.

 

يا ابن الله يا من هو الطريق المليء بالحياة،

أشفق على بيعتك في يوم تجلِّيك. المجد لك[17].

 

 

 


[1] الميمر 70. ܕܒܘܝܝܐ (التعزية) ܕܥܠ ܟܗܢܐ، بيجان، الجزء الثاني، ص 876-887.

[2] حرفيًّا: موهبة لاهوتك: ܡܘܗܒܬܐ ܘܐܠܗܘܬܟ

[3] حرفيًّا: مصفّ الرسل: ܫܠܝܚܘܬܐ

[4] هي الدرجة الكهنوتيَّة التي تجعل الكاهن في مصفِّ الرسل.

[5] ܐܪ̈ܙܐ. الأسرار. أوَّلاً، أسرار الله. ثمَّ، أسرار الكنيسة ولاسيَّما أسرار التنشئة: المعموديَّة، التثبيت، الكهنوت.

[6] في النصِّ العبريّ (تث 34: 1ي) يقال إنَّ موسى مات ودُفن (صيغة المجهول) وفسَّر التقليد اللاحق أنَّ الله ذاته دفن عبده، فدلَّ على كرامته. وفي الواقع، لم يُعرَف الموضع الذي فيه دُفن موسى لئلاَّ يصبح قبره موضع حجّ. والنتيجة، بقي موت موسى خفيًّا، وبالأحرى موت الكاهن الذي هو أرفع من موسى في نظرة يعقوب السروجيّ.

[7] ܚܣܝܐ اللفظ غنيّ جدًّا. فالفعل يعني: قدَّس، طهَّر، برَّر، زكّى. ثمَّ غفر...

[8] هي دعوة الروح القدس بعد الكلام الجوهريّ: وليجعل هذا الخبز جسد المسيح إلهنا.

[9] أقدس موضع في المعبد، على مثال هيكل أورشليم. أمّا الدعاء هنا فلكي يحلَّ على القرابين.

[10] رج ما قاله الربُّ لسمعان بطرس: أعطيك مفاتيح السماء (مت 16: 19). وذلك في خطِّ الرمز الذي أشار إليه النبيّ إشعيا (22: 22).

[11] مت 16: 19 (بالنسبة إلى بطرس)؛ 18: 18 (بالنسبة إلى الرسل).

[12] هو مثوى الأموات، من أبرار وأشرار.

[13] أو في مخطوط آخر: الأسرار الخفيَّة والإلهيَّة.

[14] نلاحظ هنا وجود الأعمال قبل الإيمان، لأنَّها تدلُّ على صدق الإيمان (يع 2: 14).

[15] حرفيًّا: الأقداس. هنا يُذكَر مثل الوزنات في مت 25: 14-30.

[16] أو: الربُّ ربُّك: ܡܪܝܐ ܡܪܟ

[17] في هذا الميمر يودِّع السروجيّ أحد الكهنة المتوفَّين، فيقابل بين حياته على الأرض وما فيها من أمجاد، وحياته في الآخرة، في الموت. ويتساءل: أهكذا يُعامَل الكاهن الذي خدم الربّ؟ والجواب: هذا هو قضاء الله للجميع، وهو يعطيهم الإكليل حين يضعون "الفضَّة" التي ربحوها حين تاجروا بالوزنات. وفي النهاية، تطلب الرعيَّة البركة من كاهنها، والكهنة يودِّعون أخاهم ورفيقهم ويرفعون الصلاة إلى الابن لكي يتقبَّل عبده "في يوم تجلِّيه".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM