الميمر الثاني: ها نحن تركنا كلَّ شيء.

الميمر الثاني

ها نحن تركنا كلَّ شيء[1]

 

 

ابن الله الغنيّ

يا بابًا (يو 10: 9) عظيمًا يُوجَد فيه كلُّ الخيرات،

افتَحْ لي نفسك لأدخل وأعرف منك الغنى

يا صالحًا يهبُ كلَّ سؤلٍ للسائلين

استجِبْ سؤلي من كنزك المليء بالخيرات.

5     أنت تعرف أن تهب مجّانًا (كلَّ) من يحتاج،

فهبْ لي بالمراحم، حنانًا يشفي المرضى.

يا ربَّنا، يا ابن الله، أنت شجرة صالحة (مت 7: 17-19)

وثمارك الصالحة انتشرت وتوزَّعت في الأرض كلِّها.

ها الخلائق كلُّها تأخذ منك الحياة،

10    فيا ربّي، أنا خليقتك، أحييني برحمتك، فأروي جمالاتك.

يا ابن الغنيّ الذي نزل فلبس فقرنا (2 كو 8: 9)

بفقرِك يغتني فمي حتّى يروي خبَرك

لك الغنى والكنوز والذخُر،

فرأتك الأرض مثل فقير حين تنازلت.

 

زار أرضنا فقيرًا

15    لماذا في الفقر وفي الذلّ،

زار ابن الله العالم حين أتى إليه؟

لأنَّ العالم ضلَّ بالغنى وبالمقتنيات.

فمحبَّة الفضَّة أمسكت درجات السلاطين.

صار الذهبُ فخًّا يخنق البشر

20    فاستولى على الناس كلِّهم فصاروا عبيد الفراغ.

غنى العالم يحسبه الإنسانُ شيئًا عظيمًا،

وهو يسكر كلَّ الناس بالطمع والشراهة.

حُسب الذهب مثل إله، ومع الله

يسجُد له العالم كلُّه كما لو أنَّه الربّ.

 

25    من أجل هذا، ابن الله، في فقره،

استخفَّ بالغنى ليبيِّن للعالم كلِّه أنَّ الغنى ليس بشيء

واحتقر الذهب قدَّام الذين يقتنونه لكي يعلِّمهم

بأن لا مقتنى أثمن من النفس (لو 9: 25).

الذهبُ باطل، وباطل الأباطيل (جا 2: 2) الغنى طلُّه.

30    وكلُّ المقتنيات عابرة (تزول) مثل ظلِّ المغيب (مز 102: 12).

من أجل هذا، نزل الغنيُّ وصار فقيرًا

يستخفُّ، بفقره، بأغنياء العالم،

ويعلِّمهم أن لا يتَّكلوا على المقتنيات

بل يطلبون البرَّ والاستقامة.

35    من أجل هذا أيضًا، التلاميذ الذين أتى بهم،

كانوا فقراء وما اقتنوا شيئًا في العالم.

اختار صيّادين، لم يكونوا حكماء ولا أغنياء،

ليستخفَّ بحكماء العالم وأغنيائه.

 

الغنى فقر والفقر غنى

طلب أن يبيِّن أنَّ فقر العالم مال،

40    أمّا غنى العالم فليس بغنى، لأنَّه ينتقل (من أيدنا).

ما هو عابر مع الأيّام، ليس بغنى

وليس بمقتنى ما يبقى منك هنا (على الأرض).

لله عالمٌ آخر وهو إلى الأبد،

وذاك المقتنى الذي هو هناك، حقيقيّ لمن يقتنيه.

45    ولأنَّه رأى أنَّ الغنى يمسك العالمَ هنا (على الأرض)،

أراد أن يبيِّن كم الفقر جميل[2].

من أجل هذا اقتنى (أو: اختار) تلاميذ فقراء

لكي يعلِّم الفقر بهم، في العالم كلِّه.

وطمر الغنى في فقر الرسل،

50    لكي تشعر الأرض أن فقره مليء غنى.

أمرهم أن لا يقتنوا أبدًا ذهبًا وفضَّة،

ولا أكياسًا ولا مزاود للطريق (مت 10: 9-10).

أفرغهم من مقتنيات هذا العالم،

لا كأنَّه يطلب أن يورِثهم الفقر،

55    بل ليبيِّن أنَّ غنى العالم هو لا شيء،

وأنَّ فقرَه غنًى لمن يقتنيه.

 

لا تقتنوا ذهبًا

"لا تقتنوا ذهبًا يبقى هنا وفضَّة،

بل النفس التي لا تنحلُّ (تزول) مع الخلائق.

جدَّ لكي يقنيهم الغنى الحقيقيّ

60    وأخذ منه غنى العالم (أو: الغنى الزمنيّ) الذي ليس بشيء.

أمرَهم أن لا يأخذوا أكياسًا للطريق،

ووهب لهم كلَّ الشفاءات للموضى

وحذَّرهم من اقتناء النحاس في الأكياس.

وزوَّدهم بقدرته لكي يقيموا الموتى (مت 10: 9).

65    ماذا يفيد الكيس لمن يُحيي الموتى

أو الزاد لمن ينقّي البرص بالكلمة.

لم يجعل أبناء بيته فقراء

بل نبَّههم (أو: علَّمهم) لكي يقتنوا الغنى الحقيقيّ.

وهب مقتنًى بدل مقتنى لا ينفع:

70    إقامة الموتى بدل زاد الفقر.

لو أنَّه ما أقناهم غنى عظيمًا

لما منعهم من اقتناء الذهب إن كان هو الغنى.

غنى بغنى بدَّل معهم لأنَّه أحبَّهم،

وبدل الذهب أقناهم (أو: علَّمهم) أن يُحيوا الموتى.

75    أمرهم قال: "لا تقتنوا ذهبًا وفضَّة"

فقل لنا يا ربَّنا: "ماذا نقتني؟

أبعدتنا عن اقتناء الذهب والفضَّة،

قل لنا ماذا نقتني من الآن وصاعدًا؟"

"آسوا المرضى، اشفوا الأمراض، أخرجوا الشياطين" (مت 10: 8).

80    فمن يقدر أن يصنع هذه ليس فقيرًا.

 

من هو الغنيّ

من هو الغنيّ؟ أذاك الذي امتلأ كيسه ذهبًا؟

أو من يقدر أن يشفي أمراض السقماء؟

مَن خيرٌ مِن مَن؟ من اقتنى النحاس في المزود

أو مَن يقدر أن يزجَّ الأبالسة فلا يوجَدوا بعدُ.

85    للغنيِّ كيسٌ مملوء ذهبًا ومعقود،

وللتلميذ ظلُّ يطرد الأمراض[3].

ماذا يقدر الذهب أن يفيد من هو مريض؟[4]

فلو لم يشفِه التلميذ لبقي (أو: مات) في الحمّى.

لو اقتنى إنسان كلَّ ذهب الأرض كلِّها

90    فلا وسيلة له بأن تعبرَ عنه الحمّى.

في الرسول الذي أفرغ ذاته وتجرَّد من المقتنيات،

قوَّةٌ تشفي بكلمة كلَّ الأمراض:

يفتحُ العميان، يُسمع الصمّ، يُخرج (أو: يطرد) الشياطين

وحيث يلزم يدعو الميت ويقيمه[5].

95    هذا الغنى وهبه ابن الله لرسله،

حين أفرغهم من المقتنيات وعرّاهم منها.

فلو أنَّه ما نظر إلى الغنى وكأنَّه لا شيء،

لما قضى عليه وانتزعه من تلاميذه.

ولكن بما أنَّه لا شيء لمن يقتنيه

100  أمر الذين هم خاصَّته ألاَّ يقتنوه.

المقتنى الذي هو مقتنى اليوم

وغدًا لا يكون بعد أن عبر (زال)

فإن لم يكن لك البارحة واليوم أتى إليك

وصار لك، ربَّما غدًا لا يكون لك.

105  لماذا تدعو غنًى ما هو كذّاب هكذا؟

فإذا جُرِّبَ ذبلَ كالوردة المقطوفة.

ولكن هذا هو الغنى الذي يقتنيه إنسانٌ:

ذاك الذي يكون لي كلَّ يوم بدون تبدُّل.

ما يقتنيه الإنسان له في النفس لا يتبدَّل،

110  لأنَّه وُضع في داخله وهو واثق بأنَّه حازه.

كلُّ مقتنى خارجًا عنك، ليس بمقتنى

فإمّا تتركه وإلاَّ يتركك هو غدًا.

كلُّ الغنى الذي وهبه ابن الله لرسله[6].

هو إلى الأبد، ولا يقدر الموتُ عينه أن يزيله.

 

الغنى الحقيقيّ والغنى الكاذب

115  الغنى الذي ينبع من عطائه لتلاميذه

هو غنى، هو غنى لا يتبدَّل

طلب ابن الله أن يُغنيَ البشر

كلَّ يوم، ولهذا أراد أن يفقِّرهم.

لا يرغبُ أن يقتنوا غنى ليس بغنى

120  لكنَّه يطلب أن يقتنوا الغنى الكبير، الحقيقيّ:

ما ثبت معهم إلى الأبد ويُحفَظ لهم،

ولا يتبدَّل بل هو يخصُّهم وهو لهم

وحين يتطلَّع إلى غنى وغنى، يأمرهم

أن لا يقتنوا ذاك الغنى غير الحقيقيّ.

125  بل يقتنون الغنى الذي لا يتبدَّل،

ويقدر أن يقتنيه من يحبُّ الفقر

من يبغض ويحتقر الغنى ولا يتطلَّع فيه.

ويحسب الذهب زبلاً قدّامه (أو: في عينيه) ويستخفُّ به.

وبمقتنى العالم يتطلَّع كأنَّه بعض الوحل

130  ولا يحسب ربوات الوزنات إلاَّ ترابًا

هذا يعرف حقًّا أن يقتني كثيرًا

مع الله بغنى عظيم لا يتبدَّل.

 

غنى الله وغنى العالم

هذا هو الغنى: أن يكون الإنسان غنيًّا بالله (لو 12: 21)

لأنَّه لا غنى إلاَّ فيه (في الله) لمن يقتنيه.

135  غنى العالم وفقره راكبان على عجلة

يجتازان ويعبران الواحدُ بعد الآخر مثل راجلَين[7].

إن اغتنى إنسانٌ بالله اغتنى بالحقيقة

وما من عجلة تقرِّبه لكي يتبدَّل.

من أجل هذا، أمر ابن الله رسله

140  أن لا يقتنوا في هذا العالم شيئًا (لو 9: 3).

فتعلَّموا منه وأتوا وراءه، كما قال،

وتجرَّدا من مقتنيات العالم هذا

وتمسَّكوا بطريق الفقر الذي علَّمهم

وبه أسوء غنى العالم مثل الطين.

145  ما اقتنوه من العالم تركوه في العالم،

لأنَّ كلَّ مقتنى العالم ثقلٌ لمن يقتنيه.

 

مثل سبّاح يسبح (أو: يأتي) في البحر عريانًا،

نزلوا إلى العالم وما تقيَّدوا بألبستهم.

ما اقتنوا اثنين، لأنَّ هناك فقيرًا لا يقتني إلاَّ واحدًا

150  ومن له اثنان يترك واحدًا[8].

عذبًا كان فقرُ ابن الله،

أكثر من شهد العسل لمن يستحقّونه.

ذاق الرسل طعمه واستعذبوه ونالوا الحياة منه،

وأبغضوا العالم وراء (يسوع) حبيبهم.

155  بلا عصا، وبلا مزود، وبلا كيس (مت 10: 10)

ساروا في طريق الكرازة العظيم.

اقتنوا ابن الله وحده، غنًى عظيمًا

وما اهتمُّوا أن يقتنوا بعدُ معه شيئًا آخر.

بتعليم ابن الله استناروا،

160  ولأجله احتقروا مقتنى العالم.

 

سؤال بطرس وجواب الربّ

وحين كان ابن الله يعلِّم ويَعدُ

كلُّ المواعيد المليئة بالخيرات لمن لازمه

قال كيفا (بطرس): "ها نحن تركنا كلَّ ما هو لنا،

فماذا يكون لنا حين ظهورك؟ (مت 19: 27)

165  تخلَّينا عن العالم كلِّه وأتينا وراءك،

ماذا يكون لنا؟ لهذا، أوضحْ، فسِّر لنا."

 

"يا سمعان، عمَّ تخلَّيتَ حين أتيت؟

ها سيِّدُك يلام، لأنَّك لازمته!

"تركنا كلَّ شيء". ها أنت تقول وترفع صوتك.

170  لنرَ إذًا ما هو هذا كلُّ شيئك.

هل تركت ذهبًا؟ هل تركتَ فضّة؟ هل بعتَ قرى؟

أيَّ مقتنى تركتَ وأتيتَ وراء ربِّك؟

ماذا كان لك إلاَّ شبكة فقط وقصبة؟

وهذا الكلُّ شيء الذي تركت، ها هو ولا شيء بعد.

175  فقيرًا كنتَ، صيّادًا كنتَ وغنًى

ما تركتَ، وأتيت لتكون رسولاً لابن الله.

أخذك يسوع عريانًا من القارب (مت 4: 18-19)

وترك هناك الشباك والشرك.

 

هذا الكلُّ شيء الذي تركتَ وأتيتَ، هل هو معروف

180  وبدل هذا جعلك وكيل (ربّ البيت) كنزه.

ها أنت مسلَّط على الأمراض لتشفيها

وإذا صادفك البُرص، بكلمة تطهِّرهم

في العالم الجديد أهب لكم كراسي

لتجلسوا وتكونوا ديّانين للعالم كلِّه[9].

185  يا سمعان، جعلتك ديّانًا بدل صيّاد،

انظر! أنا ما ظلمتك في شيء، حين تركتَ وأتيت

"تركنا كلَّ شيء وأتينا وراءك"، قال سمعان

ولكنَّه ما ترك شيئًا إلاَّ الفقر وحده.

 

اختار المسيح الفقراء

من أجل هذا، اختار ابن الله الفقراء

190  لئلاّ يُلام في كرازته، من قبل الأغنياء.

وإذا الصيّاد قال له: "تركنا كلَّ شيء"،

فلو اختار له رسولاً غنيًّا، ماذا كان يقول؟" (أو: يصنع).

من أجل هذا، ما أراد أن يأخذ من الأغنياء

لكرازته، لئلاّ يُلام من قبل تلاميذه.

195  فلعلَّهم يقولون: إذ أنفقوا مقتنياتهم

تتلمذ العالمُ كلُّه لابن الله.

خسروا أموالهم ونقودهم

حين أخرجوا بشارة الابن في العالم كلِّه.

ظنَّ الكثيرون في الأرض كلِّها

200  بأنَّهم أخرجوا (نشروا) الكرازة بنفقاتهم.

ومثل عارف الخفايا، اختار الفقراء

لئلاَّ يكون من يفتح فمه تجاهه عن الغنى

اختار صيّادين، وما تركوا ذهبًا ولا فضَّة،

ولا أموالاً (أو: أكياسًا) ولا مقتنيات في العالم.

205  بل (تركوا) كلَّ الفقر والعوز

ليبيِّن للعالم بأنَّه غنيٌّ بالفقراء،

وبأنَّ كلمته أرفع من الغنى ومن المقتنى،

ولها خضعَ العالم كلُّه حين خرجت (انتشرت) (أو: حين لازمها)

وبها عُرِّيَ غنى العالم لأنَّه لم يكن غنى.

210  وهي تحتقر وتؤنِّب كلَّ غنى،

ها بالفقراء الذين لا يقتنون أكياسًا ولا مزاود،

أمسكتْ كلمته (= الابن) كلَّ تيجان السلاطين

ما كان لابن الله واجب في شيء للتلاميذ

فما كن لهم شيء حين لازموه.

215  وجب فقط الملكوت لإرادتهم الصالحة

ووعد بالكراسي والدينونة العظمى.

كان هؤلاء تركوا الغنى فقبلوه،

لأجل حبِّهم الذي هو أفضل من المقتنيات.

للإرادة الصالحة التي لم يكن لها شيء

220  أعاد ابن الله الأجرَ الصالح مضاعفًا.

بالفقر، أرسل غناه الخاصَّ إلى العالم

لئلاَّ يختلط بغناه الخاصّ الغنى المستعار.

ومنه تعلَّم العالمُ كلُّه بأنَّ غناه هو الغنى

وهو وحده الغنيّ الذي لا يفتقر.

225  لأجل هذا اختار الفقراء حين اختار

ليكون غناه معلومًا وجليًّا للعالم كلِّه.

 

اختار رسلاً بسطاء

اختار تلاميذ، لا أغنياء ولا حكماء

لئلاَّ يفتخر الغنيُّ والحكيم (1 كو 1: 18ي)

اختار لبشارته كلَّ الجهّال، كلَّ الودعاء،

230  ليخري بهم حكماءَ العالم كلِّه

من أجل هذا، ما اختار الكتبة (الدارسين) لكرازته،

لئلاَّ يقول إنسان: أصلحوا (أو: أصلح الله) الأرض بحكمتهم.

لا تُطلَب الحكمةُ لكلمة الحياة

ولا حرفة الكاتب لئلاَّ يقول إنسان: "إنَّها مصلحة.

235  بين الكتبة، قام صيّادو السمك، تكلَّموا

كلامًا بسيطًا بصوت رفيع وما اضطربوا.

وبيَّنوا للعالم أنَّ في كلمته قوَّة عظيمة

فها الجهّال يتكلَّمون والجميع يسمعونهم

وعلى هذا، ما أراد أن يهب كلمته للحكماء.

240  لئلاَّ تكون البشارة من قبل الحكماء بروح

ولئلاَّ يقولون إنَّهم بحكمتهم وجدالاتهم

أقاموا (بثّوا) الخبر الذي ما كان ليقوم بدون الحكماء.

من أجل هذا، بيد صيّادي السمك

أرسل بشارته إلى العالم ليُخزي العالم.

245  وحين يتكلَّمون بخبر الابن يصمت

كلُّ الكتبة وتضيء حقيقته بلا جدال

وببساطة الرسل تتعلَّم الأرضُ

إيمانه بدون تفحُّص في الأمور العميقة.

وكلمة الحياة حين يتكلَّم بها الجهّال (أ: البسطاء)

250  يخاف منها كتبةُ الشعب والحكماء.

بالجهّال بيَّنَتْ نفسها كم هي حكيمة،

وبالفقراء تعلَّم العالم أنَّها مليئة بالغنى.

ومن أجل هذا، لا الحكماء ولا الأغنياء،

اختار ابن الله لبشارته حين علَّم.

255  ها هو محتقرٌ غنى العالم كلِّه لدى الفقراء

فأحنى الحكماء رؤوسهم قدَّام الجهّال.

لُجم الكتبة، ورعدت البشارة بفم الصيّادين

سكت الحكماء وتعلَّمت المسكونةُ من الجهّال.

 

ترك الرسل القليل مثل الأرملة

"تركنا كلَّ شيء وأتينا وراءك"، قال سمعان

260  أجل، بالحقيقة، كلُّ ما كان له تركه كلَّه.

لا لأنَّه كان قليلاً تركه سمعان حين تركه

بل لأجل حبِّ الابن الذي أحبَّه.

ذاك الذي ترك شبكة السمك من أجل ربِّنا،

لو اقتنى ذهبًا وقرى، لكان تركها.

265  من لم يشفق على المقتنى القليل وتركه

لا يشفق على الكثير لو طلبوا (منه أن يتركه).

لو اقتنى ربوة وزنات لكان تركها

وما أشفق من أجل حبِّ ابن الله.

بمقتنى الفقر جُرِّب،

270  فلو اقتنى غنى عظيمًا لكان تركه.

كم من الأغنياء جعلوا حصًى عواقر

ويحيون في العالم بدون ثمار البرّ.

وفقير يفلح عاملاً ويأخذ أجرة

ومن تلك الأجرة القليلة، "يفلح" (يصنع) البرّ.

 

275  فلسين فقط قرَّبت تلك الأرملة

فحسن نذرُها وقُبل بحبٍّ كبير

حين الحبُّ الكبير يحمل نذرًا صغيرًا

بحبٍّ يتطلَّع ذاك القابل ويحبُّ

مقتنى الرسل كان قليلاً.

280  فتركوه بحبٍّ كبير ومضوا وراء يسوع

ولو اقتنوا قرى وقصبات ومدنًا

لكانوا تركوا لأجله كلَّ ما يقتنون.

صغيرًا كان المقتنى أو كبيرًا، فهو محبوبجدًّا

فالذي يقتنيه يتألَّم حين يتركه

285  هؤلاء الذين تركوا الفقر من أجل يسوع،

لو اقتنوا الغنى الكبير لكانوا تركوه

حقًّا، أحبّوا الابن حبَّهم لنفوسهم

واحتقروا المقتنيات ومضى وراءه من أجل حبِّه.

أحبَّ الرسل فقرَ ابن الله

290  وعرفوا أنَّه كنز عظيم لمن يقتنيه.

"تركنا كلَّ شيء وأتينا وراءك"، قالوا له

ثبت لهم العالم كلُّه متروكًا، في وجدانهم.

ترك التلاميذ العالمَ كلَّه لأجل يسوع

لئلاَّ يتمسَّكوا بعدُ بشيء من أجله.

295  أحبّوا الواحد (= يسوع) وبه أبغضوا أمورًا كثيرة

وبواسطة من أحبُّوا، أحبَّتهم الأرضُ كلُّها.

تركوا "اللاشيء" ذاك الذي دعاه سمعان :طلَّ شيء"

وصاروا أسيادًا لكلِّ شيء في العالم

داس الرسل الذهب تحت أرجلهم

300  وما أرادوا يومًا أن يحرِّكوه بأيديهم

فأحبَّهم العالمُ كلُّه لأنَّهم أبغضوه

وها تيجان السلاطين مرميَّة قدَّام عظامهم.

بفقر ابن الله صاروا أغنياء،

مبارك من بحبِّه عظَّمهم وأغناهم[10].

 

 


[1] الميمر 59، ها نحن تركنا كلَّ شيء وأتينا وراءك (مت 19: 27). اختيار الربِّ يعني التجرُّد. بيجان، ص، ص 689-704.

[2] ܫܦܝܪ ܡܣܟܢܘܬܐ. قراءة ثانية: فقره غنيّ. ܥܬܝܪܐ.

[3] أع 5: 15. إشارة إلى ظلِّ بطرس الذي كان يشفي المرضى.

[4] أع 3: 6. قال بطرس: لا فضَّة لي ولا ذهب. فالذي شفى المخلَّع هو غير ذلك.

[5] أع 9: 36ي. هكذا شفيَتْ طابيثة.

[6] ܠܫܠܝܚܘܗܝ ܒܪ ܐܠܗܐ. في مخطوط آخر: ܠܐ ܡܫܬܝܠܦ: كلُّ غنى يهبه لتلاميذه، لا يتبدَّل.

[7] ܪܓܠܐ: من المشاة. أو: ܕܓܠܐ: كذّابان. لبس في قراءة الراء بدل الدال.

[8] لو 9: 4: "لا يكن لأحد منكم ثوبان".

[9] رج مت 19: 28 حيث نقرأ "بيت إسرائيل" ܠܒܝܬ ܝܣܪܝܠ. أمّا في النصِّ فنقرأ ܠܟܠܗ ܥܠܡܐ.

[10] نقطة الانطلاق في هذه القصيدة، قول بطرس ليسوع: ها نحن تركنا كلَّ شيء. وهكذا جاء الكلام كلُّه حول الفقر في معارضة الغنى، ثمَّ الجهالة في وجه الحكمة، وفي مقابلة بين الصيّادين "الأمِّيّين" تجاه الكتبة الذين يجيدون المعرفة والجدال. وإن قيل إنَّ الرسل تركوا الشيء القليل، فالأرملة وضعت أيضًا فلسين، وهي كمِّيَّة قليلة. ولكنَّ حبَّها كان حاضرًا. وكذا نقول عن الرسل. أحبّوا الربَّ وساروا وراءه. قدَّموا القليل، بل قدَّموا كلَّ ما عندهم. ولو كان عندهم الكثير لكانوا قدَّموه. وفهموا خصوصًا إنَّ غنى العالم فقر، وفقر الله غنى.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM