الروح يصلّي فينا.

 

الروح يصلّي فينا

في مسيرة الإنسان من الموت إلى الحياة ومن الخطيئة إلى النعمة، يحسّ بضعفه، يحسّ بعجزه. هو يفعل ما لا يريد، وما يحبّه لا يفعله. من أجل هذا هتف بولس: من يخلِّصني من جسد الخطيئة هذا؟ وكان الجواب: نعمة ربّنا يسوع المسيح الذي به صار العالم مصلوبًا، وصرتُ أنا مصلوبًا بالنسبة إلى العالم. تلك هي المسيرة التي يعيشها المؤمن خلال السنة: يرافق المسيح في صومه وجهاده. يرافقه في آلامه وموته وقيامته وصعوده. بعد ذلك، أيكون المؤمن يتيمًا، ليس من يسانده؟ بل الروح القدس أرسل إلينا. هو حاضرٌ فينا، يقودنا إلى حياة جديدة. يُفهمنا أنّنا أبناء الله. ويصرخ فينا صراخ الأبناء.

فنحن، يا إخوتي، علينا حقّ وواجب، ولكن لا للجسد حتّى نحيا حياة الجسد. فإذا حييتم حياة الجسد تموتون. وأمّا إذا أقمتم بالروح أعمال الجسد فستحيون. والذين يقودهم روح الله هم جميعهم أبناء الله. لأنَّ الروح الذي نلتموه لا يستعبدكم ويردُّكم إلى الخوف، بل يجعلكم أبناء الله وبه نصرخ إلى الله: أبّا، أيّها الآب. وهكذا الروح يشهد مع أرواحنا أنّنا أبناء الله. وما دمنا أبناء الله، فنحن الورثة، ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث. نشاركه في آلامه ونشاركه أيضًا في مجده (روم 8: 12-17).

1- الروح يقودنا

مع آدم، كانت لنا قيادة أولى. قادنا إلى الخطيئة والموت. بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت. هذا ما نسمّيه فينا الإنسان القديم المرتبط بشهواته. هو يميل إلى الشرّ بحيث يجعل الإنسان عبدًا، على ما قاله يسوع: من يصنع الخطيئة يُصبح عبدًا للخطيئة. لهذا نكون بقيادة الروح في صراع. هو الذي يوجِّه حياتنا. هو الذي يكون روحًا في روحنا. يحرِّك روحنا. أو بالحريّ يَخلقه من جديد.

نقرأ في بداية الكتاب المقدَّس أنَّ الله رفرف على المياه منذ البداية. فالمياه التي كانت رمز الشرّ، لأنَّ فيها الإنسان يغرق ويموت، صارت مصدر كلِّ خير، فخرج منها السمك والطير. وهكذا يفعل الروح فينا. كنّا أبناء الموت فصرنا أبناء الحبّ. ولكنَّ هذه الحياة لا تأتي دفعة واحدة كما بضربة ساحر. لا شكّ في أنّنا ننال الروح في المعموديّة. وفينا الروح يبدأ فعله. ولكنَّ إكليل عمله سيكون عند ساعة موتنا. بانتظار ذلك يجب أن نعيش موتًا متواصلاً عن ذاتنا. عن البدن وما فيه من شهوات. هذا ما عناه بولس الرسول حين قال: أموت كلَّ يوم، ومثل هذا الموت يقود إلى الحياة. ومن يفعل كلُّ هذا؟ الروح القدس. هو الحاضر وإن لم نحسّ بحضوره. هو الفاعل، وإن حسبنا أنّنا نفعل بقوانا الخاصّة. هو عن يميننا لكي يدفع عنّا التجارب، ويدفع عنّا ما يؤذي نفوسنا وأجسادنا.

فإذا كنّا لا نحسّ بحضوره، ولا بفعله، ولا بقيادته، هذا يعني أنّنا ما أمتنا بعدُ البدن فينا، جسد الشهوات. أنّنا فضّلنا الموت على الحياة، والعبوديّة على حرّيّة أبناء الله. فمن اعتاد أن يعيش في الخطيئة، لا يرى حضور النعمة. ومن انغمس في شهوات هذه الحياة، لا يعرف جمال السماء. ومن التصق بعالم الأرض، لا يمكنه أن ينظر إلى السماء. نحتاج نعمة ربّنا التي شفت تلك المنحنية الظهر (لو 13: 10-16): فمها، عيناها، وجهها، كلُّها ملتصقة بالأرض. ما إن لمست يسوع، ما إن وضع يديه عليها، حتّى »انتصبت قائمة في الحال ومجَّدت الله«. رفعت عينها إلى فوق. ونحن بحاجة إلى لمسة يسوع. لكي ننظر إلى فوق، لنكتشف الروح الفاعل فينا، وهو يقودنا شيئًا فشيئًا في طريق الموت لكي يصل بنا إلى الحياة. فقد قال يسوع لتلميذي عمّاوس: لا طريق للقيامة إلاّ بالموت. ولا طريق للمجد إلاّ بالألم. هذا ما اكتشفه القدّيسون، وخصوصًا القدّيسة رفقا. وهذا ما نستطيع أن نكتشفه يومًا بعد يوم، فنكتشف قيادة الروح لنا، وتكون مغامرة، وما أجملها مغامرة، تفهمنا »أنّنا حقٌّا أبناء الله«.

2- الروح يفهمنا

يُروى عن نسر وُلد بين الدجاج فأخذ بعاداتها، ونسيَ أنَّه ذاك الذي يرتفع، ويستطيع أن يحلِّق عاليًا بحيث لا يحلِّق طائر مثله. التصق بالأرض، فما عاد يعرف الصعود والأعالي. أما هذا هو وضع الإنسان؟ وذاك كان صراع يسوع مع سامعيه: يريد أن يُفهمهم أنَّهم أبناء الله. وهم يريدون أن يكونوا أبناء موسى، أبناء الشريعة، وما فيها من عبوديّة. التصقوا بوصايا وصلت إلى 613 وصيّة، ويجب أن يحفظوها ويعملوا بها. وما أرادوا أن يأخذوا بوصيّة واحدة: حبُّ الله، وحبّ القريب. لهذا فضَّلوا أن يبقوا عبيدًا على أن يصيروا أبناء. أبناء مع يسوع الابن الوحيد. وبالتالي ورثة معه. يا للمعجزة التي لا يمكن أن وصفها: أنا ابن الله! أنا مساوٍ للمسيح على مستوى الميراث! من أنا؟ هذا ما لا أستحقّه!

هو كلام بشريّ نقوله، فننسى أنَّ الذي قاله هو الله، ابن الله. هو عرف ماذا يعطينا ولا يطلب منّا سوى القبول بما يقدِّمه لنا. هو الذي جعلنا أهلاً لهذه النعمة الفريدة التي مصدرها فيه. لا شكّ: هو ابن في الطبيعة ومساوٍ للآب في الجوهر. ونحن أبناء بالتبنّي. ولكن النتيجة هي هي. فالابن الوحيد لا يدخل، بعد مسيرة الفداء، إلى السماء وحده، بل يدخل جميع إخوتَه معه، بعد أن انطبع وجهه على وجوههم، بحيث لا يعود أحد يقدر أن يميِّز وجهًا عن وجه. أما هذا الذي فعله الله فينا؟ لذلك لا نستطيع سوى السجود لله والشكران والوعي لما صرنا إليه.

في العصور القديمة، كان عبيدٌ يأتي وقت تحريرهم، فيرفضون. اعتادوا أن يعيشوا في عبوديّة لسيِّدٍ بشريّ، عبدوه لأنَّه أمَّن لهم الطعام والشراب والحماية والراحة من الفقر والحرب. والشعب العبرانيّ حنَّ عند جبل سيناء واللقاء بالربّ، إلى بصل مصر ولحمها وبطّيخها. وهناك مرضى يفضِّلون أن يقيموا بين المرضى، وكأنَّهم نسوا أنَّهم صاروا أصحّاء. تلك هي حال من يرفض عمل الروح فيه.

وعمل الروح لا يكون عملاً خارجيٌّا بل هو يحثُّنا، يحرِّكنا. لا شكّ في أنَّه يفعل ذلك يوميٌّا، فيحوِّل ما فينا من برودة إلى حرارة. وما فينا من مرض إلى صحّة، وما فينا من موت إلى حياة. غير أنَّه لا يكتفي بذلك، بل هو يكوِّن فينا الابن الذي نحن. فكما كوَّن في حشا مريم العذراء جسد يسوع المسيح، هكذا يكوِّن فينا ابن الله الذي يجب أن نكون يومًا بعد يوم، يكوِّنه فينا ويفهمنا أنّنا أبناء الله. يريد منّا أن نعيش هذه البنوّة، بحيث لا نعود إلى مستوى اللحم والدم، مستوى البدن والميل إلى الخطيئة. بعد أن بدأت حياتنا بحسب الروح في المعموديّة، بدأ الروح يتكوَّن فينا، وهو يصل إلى ملئه في نهاية حياتنا. هذا إذا سمحنا له أن يفعل، هذا إذا قبلنا أن نكون الأبناء الذين يطاوعون عمل الروح.

ونطرح السؤال: أيّ هو روح فينا؟ روح العالم الذي يدعونا إلى تكديس المال على القبول بخبزنا كفاف يومنا؟ روح العالم الذي يدعونا إلى العنف، فنفضِّله على طريق السلام الذي حدَّثنا عنه يسوع مرارًا بعد قيامته؟ روح العالم الذي يعيدنا إلى الشريعة القديمة، شريعة الانتقام. ننسى المسامحة والغفران، ونردّ الكيل كيلين، والصفعة صفعتين، والضرر ضررين. أما الروح الذي يزرعه فينا الروح القدس، فهو روح الفقر الروحيّ والتواضع والوداعة والنقاوة والسلام. عندئذٍ وعندئذٍ فقط يتكوَّن فينا ابنُ الله. ومن كان ابنَ الله، عمِل عمَل الابن كما قال بولس: »تشبَّهوا بالله كالأبناء الأحبّاء«. من يعمل فينا كلَّ هذا؟ الروح القدس. من يُفهمنا هذه الحقيقة التي لا تصدَّق ولا يمكن أن يتخيَّلها بشر؟ الروح القدس. إذن، نتركه يفعل فينا ويا ما أجمل ما يفعل!

3- الروح يصلّي فينا

ما هي الصلاة؟ هي علاقة. صلة وصل مع الله. بالصلاة نصل، نبلغ إلى الله. نفتح الحوار معه. نحمل إليه همومنا وآلامنا، كما نحمل أفراحنا وكلَّ نجاح في حياتنا. الخوف الذي فينا نجعله صلاة. الموهبة التي فينا نحوِّلها إلى صلاة. اندفاعنا يكون صلاة. بل خطيئتنا صلاة. إذا كان كلُّ شيء يؤدّي إلى خير الذين يحبّون الله، فنحن لا نستبعد شيئًا. وقال أوغسطينس: حتّى الخطيئة يمكن أن تؤدّي لخيرنا. لا شكّ في أنَّ هذا القدّيس لا يطلب منّا أن نقترف الخطيئة، ولكنَّه اختبر أنَّه من عمق الخطيئة اكتشف حضور الله وسمعه يدعوه إلى قراءة الكتاب المقدَّس، وخصوصًا العبارة التي تدعو لكي يكون الربّ في حياته اليوميّة، فلا يتقلَّب بين فكر وفكر دون أن يستقرّ في قرار.

المومن الذي ارتاح في الله، يشبه الطفل في حضن أبيه أو أمّه. عندئذٍ تكون الصلاة صلاة. ولكن من يعلِّمنا مثل هذه الصلاة؟ الروح القدس. حين كان يسوع على الأرض، علَّمنا الصلاة الربّيّة، لا لنتلوها تلاوة سريعة، دون أن نتوقَّف مرارًا عند معانيها. علّمنا إيّاها لكي تكون مثالَ كلِّ صلاة مسيحيّة. فالصلاة التي لا تستلهم أبانا الذي في السماوات، قد تصبح صلاة تجاريّة نطلب فيها من الله هذا الشيء أو ذاك: »النجاح، المال، الصحّة، التوفيق«. قال لنا يوحنّا الذهبيّ الفم: إن أنت طلبت من الله المال، فأنت لا يهمُّك الله بل المال. أمّا الصلاة فتدفعنا إلى القول: لتكن مشيئتك. أعطنا خبزنا كفاف يومنا، لكي نقدر أن نقوم بخدمتنا خير قيام.

وقد تصبح طلباتُنا صلاة سحريّة فيها ننتظر من الله أو من أحد قدّيسيه أن يفعل لنا ما نريد. وننذر النذور، ونصلّي التساعيّات من أجل هدف معيَّن. فكأنَّ مشروعنا هو الأهمّ، وعلى الله أن ينفِّذه لنا لكي نرضى عنه. فإن نلنا ما طلبناه نشكر الله، وإلاّ ننساه. وربّما غضبنا عليه وتركنا الحوار معه. وانغلقنا على ذواتنا رافضين إلهًا لا يعمل لنا مشيئتنا. لا يهتمّ بنا كما نريد نحن.

كم نحن مساكين! قد تصبح صلاتُنا تكرارًا فيها نأمن بها شرّ الله، كما كان الأقدمون يفعلون. صلاتهم لم تكن عملاً يتَّصلون فيه بالله. بل احترازًا من شرّ يمكن أن يرسله هذا الإله أو ذاك. مثل هذا الإله سيِّد مستبدّ وأبعد ما يكون عن الأب الذي يحبّ، والأمّ التي تعطف. انطلق الشعب العبرانيّ من هذا النظرة إلى الإله القدّوس الذي يعاقب، فوصل إلى ما قاله هوشع النبيّ: حنوتُ عليهم، علَّمتهم المشي، رفعتُهم على يدي كما يُرفع الطفل على يدي والديه. جذبتُهم إليّ، لا بالعنف، بل بحبال الرحمة ورباط المحبّة. هل هذه هي صلاتنا؟

صلِّ لأجلنا، يا أبانا، فالأخطار متراكمة. هذا ما نقوله للكاهن. أو نتذكر تلك السيّدة التي استيقظت فجأة من نومها، بعد نهار متعب. لأنَّها نسيت صلاة المسبحة، فخافت أن تخنقها العذراء. ما هذه الأمّ التي تخنق أولادها! أترى مريم أقلّ حنانًا من أمَّهاتنا. وتكرار الصلوات بما فيه من روح عبوديّة، من روح ننسى فيه أنّنا في حديث مع الله، يقودنا إلى دواليب الصلاة في الصين. كلُّ ما تدور دورة، نكون قد رفعنا صلاة إلى الله! فما أجمل المؤمن الذي يقف مع بولس الرسول. فيقول: نحن لا نعرف أن نصلّي كما يجب. ولكن، هل توقَّف هذا الرسول عن الصلاة؟ كلاّ. بل عاد إلى الروح القدس ليعلِّمه كيف يصلّي. فكما كانت الأمّ تُمسك يد ابنها لكي يتعلَّم الكتابة، كذلك يفعل الروح فينا، يمسك بفمنا ولساننا وشفاهنا وعيوننا وقلبنا وكلّ حواسنا. يصلّي فينا ونحن نصلّي فيه. هو يصرخ فينا صرخة الأناء في شكل خاصّ أمام الخطر، على مثال الرسل في السفينة: »أما يهمُّك أنّنا نهلك!« (مر 4: 38).

أتكون صلاتنا عتاب الحبيب لحبيبه والابن لأبيه، والأمّ لابنتها؟ أو نقول بملء صوتنا: »نجّنا يا ربّ فنحن نهلك« (مت 8: 25)؟ قبل أن نبدأ قراءة الكتاب المقدَّس الذي يمكن أن يُلهم صلاتنا، نستدعي الروح. قبل أن نبدأ صلاة الصبح أو المساء، صلاة المسبحة، ندعو الروح. هو الذي يعلِّمنا كيف نصلّي، بدون كلام مسبق مثل عريس يكتب خطابًا سيقوله لعروسه! وإن كانت صلاتنا ناقصة، أوصلها الروحُ إلى كمالها كي تشبه صلاة يسوع، حتّى في بستان الزيتون، أو على الصليب. بالروح صلّى يسوع في كلِّ وقت. ونحن نفعل مثله، فنطاوع ما يفعله الروح فينا. قال القدّيس لوقا: »وفي تلك الساعة ابتهج يسوع بالروح القدس. فقال: أحمدك أيّها الآب، يا ربّ السماء والأرض« (لو 10: 21). ونحن إن فرحنا، نفرح في الروح ونرفع صلاتنا. وإن حزنّا نحزن في الروح ونرفع صلاتنا. وكذلك إن تألَّمنا. بل إن متنا. فيسوع من أعلى صليبه، أسلم روحه فمات، ولكنَّه سلّمه إلى الروح القدس: بالروح تجسَّد في مريم وبالروح ثبت أنَّه ابن الله بالقيامة. ونحن مثل يسوع نسلِّم حياتنا إلى الروح القدس وهو يفعل فينا العظائم كما فعل مع مريم.

خاتمة

ذاك هو عمل الله فينا. كان العنوان: يصلّي فينا. ما أردنا أن نحصر هذا العمل في صلاة نردِّدها في نهارنا. بل أن نتبيَّن هذه الصلاة التي يجعلها الروح بين الله وكلِّ واحد منّا. صلاة تُفهمنا علاقتَنا الحقّة مع الله. نحن أبناء نعيش حرّيّة أبناء الله على مستوى المحبّة. »أحبب وافعل ما تشاء«. فمن يحب لا يفعل إلاّ ما يشاء منه الله، وما يرغب فيه القريب. نحن لسنا بعبيد. لكن كم نستطيع بسرعة أن نعود إلى العبوديّة والوسائل المتاحة لنا كثيرة: عبوديّة الأكل والشرب والدخان والحشيش. عبوديّة الجنس والانحلال في علاقتنا مع الآخر، في الزواج، بحيث نسينا أنَّ الوحدة بين الرجل والمرأة لا تقف عند الجسد، بل تصل إلى القلب والعقل والروح والإيمان. وإلاّ نشابه الحيوان. ونحن نعرف إلى أين وصلت حضارة »الحيوان« في أوروبّا. عبوديّة المال وما يؤمِّن من طمأنينة لا يمنحها الله، وما يساعدنا على الحصول على ما نريد. وكأنَّ كثرة الملك غنى! الروح وحده يحرِّرنا بدءًا بصلاتنا إلى حياتنا. ويذكِّرنا يومًا بعد يوم أنّنا أبناء الله وورثة. فيا ليتنا نفهم في العمق إلى أيّة عظمة رفعنا الله!

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM