الشراكة أو العيش المشترك لمجد الله.

 

الشراكة أو العيش المشترك لمجد الله

حين تعيش فئة بجانب فئة أو فئات عديدة، يكون أمامها ثلاثة خيارات: إمَّا أن يكون هناك تعاون، شراكة، تشابك، إتفاق، فتغتني من الآخرين ويغتني الآخرون منها. هذا ما يقال عن الكنيسة الأولى في أعمال الرسل: »وكان المؤمنون كلُّهم متَّحدين... ويلتقون كلَّ يوم. ويتناولون الطعام بفرح وبساطة قلب« (أع 2: 44- 47). فيباركهم الربُّ ويمنحهم الخلاص، هذا إن قبِل الجميع بالتلاقي لمجد الله وخير الشعوب التي يُريد الله لها السعادة.

وإمّا أن يكون إلغاء الآخر، بحيث لن يعود ذاك الآخرُ موجودًا. هذا ما فعل قايين بهابيل، فمثَّل الحَضَر تجاه البدو. وهذا ما يحصل اليوم في أفريقيا مثلاً بين قبائل الهوتو والتوتسي، فمات مئات الألوف بل الملايين، والنار تحت الرماد.

وإمَّا أن يكون صراع مصالح، ولا سيّما على المستوى الاقتصاديّ: مَن يسرق الآخر؟ مَن يستغلُّ الآخر؟ ذاك كان الوضع بين القبائل الآراميَّة التي مَثَّلها لابان، والقبائل العبريّة التي مثَّلها يعقوب.

ولا ننسَ المستوى الدينيّ الذي يتاجر به الكثيرون، لا كرامة لله، بل حفاظاً على منافع وامتيازات. ننطلق لنقاتل باسم الله، ونعود ونحن حاملون أسلاب الآخرين، فنزرع الرعب، ونقود الأسرى، ونخرِّب البلاد إرضاء لغريزة القتل والسلب التي فينا. فالقويُّ يكون قويٌّا حين يقوى على نفسه ويخدم إخوته. والأوَّل لا يكون حقٌّا أوَّلاً إلاَّ إذا كان في الآخر ليساعد الجميع على السير فيقوِّي الضعيف، ويداوي المريض، ويجبر المكسور، ويردّ الشارد، ويبحث عن المفقود (حز 34: 4). وحيثُ يكون التسلُّط بالقسوة والعنف، يتبعثر القطيع ويصير مأكلاً لكلِّ وحوش البرِّيَّة. هذا ما قال الربُّ الإله بلسان النبيِّ حزقيال، ولكن لا من يسأل ولا من يبحث (حز 34: 6).

1- قايين وهابيل

قايين هو الحدّاد، هو القويّ، هو صاحب الملك. أبناؤه بنَوا المدن الأولى وحصّنوها. أولاده اكتشفوا المعادن، ولا سيّما النحاس والحديد من أجل صناعة الأسلحة. تركوا كلمة الله، واستمعوا إلى صوت زعيمهم الذي اسمه »لامك« (تك 4: 23). داسوا الوصيَّة الخامسة: لا تقتل، فالله غير موجود لهم. فيحقّ للإنسان أن يخلق لنفسه الوصايا التي تخدم مآربه وشهواته. لا، ما قتل قايين أخاه أمام الناس، بل مضى به إلى البرِّيَّة. وهناك قتله فما رآه أحد. هكذا لا يكون له مزاحم، وكأنَّ في هذا الضعيف، المريض البائس، قدرة على المزاحمة. فعل قايين فعلته، ومضى وكأنَّ شيئًا لم يحصل. ولكنَّ الربَّ قال: لا خفيٌّ إلاّ سيظهر. وإن كان أحد لم يرَ قايين، إلاّ أنَّ الله رآه. وذكَّره بأنَّ هذا الذي قتله هو أخوه. أجاب: لا ليس أخي. ولست حارسه. هو من فئة وأنا من فئة. هو من ملَّة وأنا من أخرى. لهذا استبقته. فإن لم أقتله قتلني. إذن، زال الخطر. وهكذا سيتصوَّر الإنسان الناس الذين حوله. مثلُ هذا المجتمع يصل بنا إلى فلسفة خاصَّة: إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب.

خبر قايين وهابيل ليس ابن الخيال. دوِّن في القرن الخامس ق.م، حين كان البشر موزَّعين في الأرض، وما زالوا، في قبائل تتناحر وتتصارع. صوَّر الكتاب قايين ليدلّ على قبيلة القينيِّين الذين زالوا حين مرَّت جحافل الأشوريِّين على سورية وفلسطين ومدن الساحل. ولكنَّ الله ما أراد أن تزول هذه القبيلة أو تلك، فجميعهم عباده، جميعهم أبناؤه، وهم إخوة بعضهم لبعض، فكيف يُفني الواحد الآخر. ويقول الكتاب إنَّ الله جعل على جبين قايين وشمًا، علامة، لئلاَّ يقتله أحد من القبيلة »المقابلة« (تك 4: 10). هل يحمي الله القاتل؟ كلاَّ ثمَّ كلاَّ. ولكنَّه لا يريد الثأر المتبادل الذي أطاح بعدد من القبائل العربيّة في القديم، كما أفنى شعوبًا عديدة. فأيُّ غنى كان لنا لو أنَّ هذه الشعوب التي مرَّت في بلداننا تلاقت للعمل المشترك، لا للحرب. عاشت معًا في سلام، وكلُّ واحد تحت كرمته وتينته من دون أن يرعبه أحد (مي 4: 4). وينشد النبيّ: »يضربون سيوفهم سككًا، ورماحَهم مناجل، فلا ترفع أمَّة على أمَّة سيفًا. ولا يتعلَّمون الحرب من بعدُ«. تلك هي إرادة الربِّ إلهنا. في هذه الطريق يريد لنا أن نسير من هو ربُّ الأكوان.

2- يعقوب ولابان

مثَّل قايين وهابيل صراعًا بين قبيلة وقبيلة. بين حضارة وحضارة. بين الحضر الذين صاروا أقوياء، والرعاة الذين ظلّوا على هامش المدن. من يبقى في البلاد، ومن يُجبَر على الفرار إلى بلاد أخرى. والتاريخ يروي لنا تحرّك القبائل. تهرب الضعيفة إلى منطقة، فتجد قبيلة أضعف منها، فتحلُّ محلَّها. ولنا مثل واضح في سفر القضاة. كانت قبيلة دان في الجنوب. تضايقت، فصعدت إلى شمال فلسطين إلى مدينة لايش، في سفح جبل حرمون. هي مدينة آمنة هادئة. وهو شعب مطمئنٌ رفض أن يتحالف مع الأقوياء، فأقام في ذاك الوادي. ماذا يقول الكتاب عمّا فعلته هذه القبيلة؟ »ضربوا الشعب بحدِّ السيف، وأحرقوا المدينة بالنار، ولم يكن لهم منقذ« (قض 18: 27) ولكن من يأخذ بالسيف بالسيف يؤخَذ. فالمدينة التي بناها بنو دان سقطت على يد الأشوريَّين، وكانت أول مدينة تدمّر بيد الغزاة.

ومثَّل يعقوب ولابان صراعًا من نوع آخر: على المستوى الاقتصاديِّ، من يسيطر على المال والغنى؟ من يتصرَّف بمقدِّرات البلاد؟ واليوم، من يسيطر على اقتصاد العالم. وهو كلام عن دول الشمال الغنيَّة ودول الجنوب الفقيرة. في سفر التكوين، نكتشف أوَّلاً أنَّ لابان الآراميَّ سيطر على يعقوب العبريّ، وأجبره على العمل له عملَ العبيد. ثم نرى كيف أنَّ العبريّ سيغتني على حساب الآراميّ. قال بنو لابان: »أخذ يعقوب كلَّ ما كان لأبينا، وممَّا لأبينا جمع كلَّ هذه الثروة« (تك 31: 1). وكان جواب الذين حول يعقوب: الثروة التي أخذها الله من لابان وأعطاك إيَّاها، هي لنا ولأولادنا (تك 31: 16). أجل، حالاً نُدخل الله. أعطانا نحن لأنَّنا أفضل من الآخرين. كأنَّ الربّ حين يُعطي خيرات الأرض، ينظر إلى الوجوه. فعطاؤه مجَّانيّ، ويريد للغني أن لا يفضل عنه، وللفقير أن لا ينقصه. نحن مخيَّم الخير والآخرون مخيَّم الشرّ. نحن الأبرار، والآخرون الخطأة! لقد نسيَ هؤلاء أنَّ الله »يُطلع شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر غيثَه على الأبرار والظالمين« (مت 5: 45). فكيف يسمحون لنفوسهم بأن يوزِّعوا خيرات الأرض، باسم الدين أو باسم العِرْق أو باسم الأكثريَّة؟

هرب يعقوب من لابان، وأقام العبريُّون في كنعان، والآراميُّون في شمال بلاد الرافدين وامتدُّوا إلى حماة ودمشق في سورية، قبل أن تسيطر لغتهم سيطرة كاملة على الشرق من الهند إلى جنوب مصر. ولكن سيكون تعاون رائع بين العبريِّين في مملكة السامرة من جهة، وبين الآراميِّين في الشرق، والصيدونيِّين في الغرب. فعمرت البلاد. أمَّا مملكة يهوذا فلبثت منعزلة حول أورشليم وعاصمتها، وكانت هي الخاسرة، لأنَّها لم تعرف أن تنفتح على الآخرين.

ووقف تجاه يعقوب أيضًا، عيسو أخوه. نودّ هنا أن نقول إنَّ كلَّ هذه الأسماء هي في الأصل أسماء رؤساء قبائل قبل أن تصير أسماء قبائل. مثَّل عيسو قبائل الآدوميِّين الذين أقاموا قرب البحر الميت. عاش قرب العبريِّين، فدعاه الكتاب »أخًا« ليعقوب، سواء رضي أو لم يرضَ. يبدو أن يعقوب سبق له وسلب أخاه عيسو. سبى العبريُّون قبائل الآدوميِّين. لهذا يقول الكتاب: »ورفع يعقوب عينيه ونظر فرأى عيسو مقبلاً ومعه أربع مئة رجل« (تك 33: 1). فعيسو الآن هو الأقوى، ويقدر أن يأخذ كلَّ شيء. وفرَّق يعقوب أولاده لئلاَّ »يهلكوا« كلُّهم. فإن ضرب عيسو فريقًا، نجا الفريق الآخر.

ولكن الحمد لله، كان اتفاق بين يعقوب وعيسو، كما سبق وكان اتفاق بين يعقوب ولابان، تحت نظر الله. عادة نستنجد بالله كي نظلم إخوتنا، نسلبهم، نحاربهم، نقتلهم. أما هذا أكبر تجديف على من يريد أن »يسكن الذئبُ مع الخروف، ويبيت النمر بجانب الجدي، ويرعى العجل والشبل معًا؟« (أش 11: 6). ولكن كيف لا يأكل الذئب الخروف؟ وكيف يعفّ النمر عن الجدي الذي بقربه؟ إنَّه لقمة سائغة. وكيف يقبل الأسد أن يأكل العشب مع العجل، ولا يستطعم لحم هذا العجل الرخص؟ وحدها شريعة الربِّ تجعل الإنسان لا يسيء إلى الإنسان، ولا يُفسد الأرض التي يقيم عليها. ومتى يتمُّ ذلك؟ حين »تمتلئ الأرض من معرفة الربّ، كما تملأ المياه البحر« (أش 11: 10).

ومعرفة الرب تُفهمني أنَّ كلَّ إنسان هو أخي. عيسو أخو يعقوب. مع إنَّهما يمثِّلان قبيلتين متناحرتين. فإلى الأخوّة هما مدعوّان. ولابان أخو يعقوب. وآرام أخو عابر. والجميع ينحدرون من أب واحد. وفي النهاية، هم كلُّهم أبناء الله. فكيف أتجاسر وأقول إنِّي أحبُّ الله ولا أحبُّ إخوتي، ولا أحبُّ البشر الذين حولي؟ أنريد العودة إلى الأجيال القديمة فنميِّز بين إنسان وإنسان؟ هو ابن قبيلتي، أحترم ملكه. أمَّا الآخر فأسلبه وآخذ منه امرأته وأولاده. كأنَّنا نعود إلى أيَّام الجاهليَّة ومنطق السلب والنهب.

من المؤسف أن يكون العبرانيُّون ميَّزوا بين من هو من قبائلهم وبين من ليس منهم. ولكنَّ الكلام الإلهيَّ جاء يطلب منهم: »لا تظلم الغريب ولا تضايقه، فأنتم كنتم غرباء في مصر« (حز 22: 20). أترى الوصيَّة التي قالت: لا تقتل، حدَّدت: تقتل البعيد ولا تقتل القريب، تقتل من ليس من قبيلتك فقط لأنَّك تعدُّه عدوَّك. وتسلب الآخرين ولا تسلب الأقارب؟ هذه وصايا بشريَّة. وإذا أراد البشر أن يقودوا نفوسهم بنفوسهم، ويضعوا الإله الحقيقيّ (لا الإله الذي تصوَّروه وبنوا ديانتهم عليه) جانبًا، تكون نهايتهم الخراب والدمار. أما عاشت أوروبا حقبة قالت فيها: الله مات. فبما أنَّه مات، لم يبقَ رادع. ونحن في الشرق نتصرَّف وكأنَّ الله غير موجود. أيحقُّ لنا بعد ذلك أن نتساءل: لماذا وصلت بنا الحالة إلى ما وصلت؟

2- »بين« أو »مع«

كان اتفاق بين يعقوب ولابان. فلفظ »بين« يدلُّ على الفرق والمسافة بين الاثنين. يدلُّ على البعد. هكذا أقامت القبائل الواحدة بجانب الأخرى، وبقيَت المسافة هي هي. ولبث الواحد متجاهلاً الآخر خائفًا على نفسه منه. ونسينا المعنى الآخر: المزيَّة. أنا أتميَّز عن الآخر بمزايا حباني الله إيَّاها. والله حباه بمزايا ليست عندي. فلماذا لا أستفيد منه وأفيده؟ لماذا لا نكون »مع« ولا نكون بعد »بين«؟ لماذا لا نسير معًا؟ والهدف يكون خارجًا عنا. فإن كنتُ أنا الهدف، فرضتُ على الآخر أن يتبعني، أن يسير في ركابي، إذا كنتُ أقوى منه. وإذا كنت الأضعف، ركعتُ أمامه، كما فعل يعقوب أمام عيسو. »تقدَّم يعقوب الجميع نحو عيسو، وسجد إلى الأرض سبع مرَّات حتّى اقترب من أخيه« (تك 33: 3). ذاك هو منطق الحيلة الذي به يخلِّص يعقوب نفسه. هو لا يريد أن يكون مع أخيه، بل أن يُبقي المسافة بينهما. قال له أخوه: »نرحل ونمضي وأسير معك« (تك 33: 12). فتحجَّج يعقوب بالأولاد الضعاف والغنم والنعاج المرضعات.

لقد بدا عيسو بجلده الأشعر أفضل من يعقوب الذي هو عبريّ بأبيه وآراميّ بأمِّه. أراد أن يسير مع أخيه، فرفض أخوه. بل هو ما أراد لأخيه أن يسجد أمامه كالمغلوب أمام المنتصر. يقول الكتاب: »فأسرع عيسو إلى لقائه وعانقه وألقى بنفسه على عنقه وقبّله، وبكيا« (تك 33: 4). حين يكون الوضع هكذا، حين ينسى الإنسان نفسه ويتطلَّع إلى أخيه وإلى ما يمكن أن يحتاج إليه. حين ينسى الواحد الماضي، ولا يأخذ منه سوى العِبرة من أجل المستقبل، تتبدَّل الأمور تبديلاً كلِّيٌّا.

فعيسو حقد على يعقوب، وقال في نفسه: »اقتربت أيام الحِداد على أبي فأقتل يعقوب أخي« (تك 27: 41). تلك كانت عواطف عيسو حين أحسَّ بالظلم يلفُّه. ولكنَّه نسي الآن. غفر لأخيه. ترك الماضي وتطلَّع إلى المستقبل. ماذا تقول لو نسير معًا؟! رفض يعقوب. التاريخ سيقول لنا ما حلَّ بالعبريِّين والآدوميِّين، ويمكن أن يعطينا العِبرة، فيدعونا إلى عيش مشترك، لا يبتعد فيه الواحد عن الآخر لأيِّ سبب كان. ليتنا نقرأ ما قال يعقوب لعيسو حين سمع كلام الغفران: »رأيت وجهك، فكأنِّي رأيت وجه الله« (تك 33: 10). أجل، تبدَّل وجه عيسو من الغضب والحقد والرغبة في القتل، إلى الحنان والحبِّ والرغبة في عيش مشترك وعمل مشترك. ولقد قال لنا الرسول: »تشبَّهوا بالله كالأبناء الأحبّاء« (أف 5: 1). فلماذا لا نتشبّه بالله ونعيش مثل هذا السلام الذي ينطلق من قلب الله، ليصل إلى جميع البشر الذين التقي بهم؟ فُرض عليّ أن أعيش معهم، فلماذا أضع الحواجز، وأترك الرغبات الدنيئة تسيطر عليّ؟

هنا نتذكّر بدايات الكنيسة، حيث المسيحيُّون الآتون من المحيط اليهوديّ، وأولئك الآتون من المحيط الوثنيّ. هل يمكن للفئتين أن تجتمعا؟ في الواقع، حتّى في الجماعة المؤمنة يبقى الإجتماع صعبًا والإتفاق متعسِّرًا. كان خلاف أوَّل على مستوى »اقتسام الغنائم«. قال سفر الأعمال: »فأخذ اليونانيُّون يتذمّرون زاعمين أنَّ أراملهم لا يأخذن نصيبهنَّ من المعيشة اليوميَّة« (أع 6: 1). وحلَّ الرسل المشكلة. غير أنَّ المشكلة الأهمّ بقيت على مستوى الدين. أيريد اليهوديّ أن يتنجّس حين يسلِّم على الوثنيّ؟ بل، يا ويلاه، أيريد أن يأكل معه؟ هذا مستحيل. فاليهوديّ طاهر والآخرون نجسون، وإن اجتمعوا معي في الإيمان الواحد بيسوع المسيح.

أفهَمَ الرسلُ هؤلاء الناس، أنَّ الرباط بالله لا يكون على مستوى العِرْق والجنس والطبقة: بالإيمان يخلُص الجميع. والإيمان هو نداء من الله يتجاوب معه الإنسان. هذا مع العلم أنَّ الواحد يحترم مسيرة الآخر ولا يفرض عليه شيئًا في أعماق كيانه وضميره. هناك أمر واحد يوحِّدنا: مسيرة كلِّ واحد إلى الله مع الآخرين، في اللقاء والتعاون والمحبّة والألفة. كانت القبيلة فئة تقف قبالة قبيلتي. فإن احتجتُ إلى عون أنادي أولئك الذين هم بقربي. فوصل بنا اللفظ إلى المقابلة والمواجهة والحرب. هذا ما يعرفه كلُّ إنسان. ولكن هل نتعلَّم؟

ما زلنا نحتاج إلى الكثير، ولا بدّ من العودة إلى كلام الله الذي يجعل لنا فرصة مؤاتية في التقائنا مهما اختلفنا في خصوصيَّاتنا. العيش المشترك يكون في الوطن الواحد حيث يحافظ الفرد على ذاته، ولا يخسر شخصيَّته. أن أكون رجلاً أو إمرأة، غنيٌّا أو فقيرًا، من هذه الفئة أو تلك، فكلُّ هذا لا يمنعني من العيش مع الجميع، والعمل معهم على وفق قول بولس الرسول »حتَّى نحيا حياة مطمئنَّة هادئة بكلِّ تقوى وكرامة. فهذا حسن ومقبول عند الله مخلِّصنا الذي يريد أن يخلُص جميع الناس، ويبلغوا معرفة الحقّ، لأنَّ الله واحد« (1 تم 2: 2- 5).

خاتمة

قيل: القرن الحادي والعشرون هو قرن التقاء الشعوب والحضارات والأديان. فإمّا تقبل الفئات أن تعيش معًا، أو أنَّها ستموت معًا. فما من أحد يستطيع أن يلغي الآخر، بل عليه أن يعيش معه جنبًا إلى جنبٍ في احترام لشخصه ويقينه وعقيدته. قد أكون اليوم قويٌّا فأفرض نفسي. ولكنَّه يقوى هو غدًا، فأكون أنا خاضعًا. متى أستعدُّ لأن أدعو كلَّ إنسان أخي. نعيش معًا، نسير معًا، نبني معًا، ونفهم أنَّ خيور الأرض هي لجميع البشر. كما نفهم أنَّ كلَّ إنسان هو على صورة الله ومثاله. وهو لا يخضع، لا يركع، ولا يسجد إلاَّ لله. وكلُّ سجود غير هذا، يحطُّ من قدر الساجد ومن قدَر الشخص الذي نسجد له، لأنَّنا نعتبره صَنَمًا لا يرى ولا يسمع، ولا يحسُّ ولا يشعر. لأنَّنا نعتبره صخرًا فنتحاشى أن نرتطم به. أجل، القرن الحادي والعشرون هو قرن التشارك والعيش المشترك. وإن كان الرسول قال لنا: إن أكلتم أو شربتم أو مهما عملتم، فليكن ذلك لمجد الله (1 كور 10: 31)، فلماذا لا نعمِّم كلامه على حياتنا في الأسرة وفي المجتمع وفي الوطن، »فأحاول«، أنا المؤمن، لا أن أُرضي نفسي، بل أن أرضي جميع الناس في كلِّ ما أعمل، ولا أسعى إلى خيري، بل إلى خير الكثرة من الناس لينالوا الخلاص« (آ33). ذاك هو المبدأ لكي نخلص معًا، وإلاَّ تهدَّدَ المركبُ الذي يحملنا جميعًا، فيكون مصيرنا الغرق.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM