الفصل الثامن: رساءل المدرسةالبولسية.

الفصل الثامن

رسائل المدرسة البولسيَّة

نستطيع اليوم بكلِّ بساطة أن نتحدَّث عن مدرسة بولسيَّة، تتحدَّد انطلاقتها خلال مسيرة الرسول في علاقته مع مشاركيه في الرسالة. ففي أيَِّ حال، في الجماعات التي أسَّسها بولس وإليها كتب رسائله، أو أقلَّه عرفت برسائل بعث بها إلى كنائس أخرى (هناك تبادل الرسائل)، قرئت الرسائل وانطلق الفكر من البلاغ الذي تقدَّم وتكيَّف مع الأوضاع الجديدة والدوافع الثقافيَّة من مختلف الأنماط. فالتيّارات الفلسفيَّة اعتادت أن توسِّع تعليم المؤسِّس في شكل مدرسة، وكان من الطبيعيّ أن تُنشَر مؤلَّفات جديدة باسم رئيس المدرسة، بقدر ما اعتُبر أنَّها تتوسَّع بأمانة في فكره وتؤوِّنه.[i]

فاقترح كونزلمان[ii] أن نحدِّد في أفسس موقع مركز هامَّ للتقليد البولسيّ، تُسنده مدرسة حقيقيَّة على مثال المدارس التي فيها يصوغون التقاليد الحكميَّة في العالم اليهوديّ. وبفضل حلقات أرادت أن تبقى أمنية للتعليم البولسيّ، فتمّلت فيه بالنظر إلى متطلِّبات متنوِّعة، كان لنا أدب رسائل بسودوبولسيّ[iii] سيدخل فيما بعد في قانون (اللائحة القانونيَّة) الكتاب المقدًّس. ويتنوَّع التوافق حول الطابع البسودوتدوينيّ[iv] للرسائل التي نعالج الآن. فثبوت[v] بعضها يجد أيضًا من يدافع عنه. ولكن، على المستوى العمليّ، لا دراسة جدِّيَّة حول فكر بولس الشخصيّ تعتبر نفسها مسامَحة إن استعملت خطَّ هذه المدافعة.

أ- الرسالة الثانية إلى تسالونيكي

العصر الحديث شكَّل أوَّل ما شكَّل بهذه الرسالة، التي ما زالت موضع جدال كبير. نبدأ فنتعرَّف إلى مضمونها حيث التيمة الرئيسيَّة تعليم حول الأزمنة الأخيرة، كما في 1تس.

اتَّخذ بولس موقفًا (2: 1-12) من جميع الذين يستندون إلى رسالة نُسبت إليه "كذبًا"، فأكَّدوا أنَّ يوم الربِّ قريب. ليس الأمر هكذا: فالعلامات التي تسبق ذاك اليوم لا تُرى بعد. نرى هنا أمام صيغ صياغة واسعة في التقليد الجليانيّ اليهوديّ، حيث الكاتب يستقي فكره انتظار الجحود، أي الفساد العام. وهذا الفساد يجد ذروته في ظهور" رجل الإثم" الذي سيجلس في الهيكل ويعلن نفسه إلهًا. هذا الشخص الذي صار "الأنتي مسيح" (المناوئ للمسيح، وبحسب تعبير لاحق: المسيح الدجّال) في التقليد المسيحيّ، هو أحد أشكال الخصم الإسكاتولوجيّ لله، كما دُوِّن مرّات عديدة في التقليد اليهوديّ بواسطة تماهٍ مع أشخاص مسؤولين عن أعمال فظيعة ضدَّ الديانة اليهوديَّة، ولا سيَّما ضدَّ تنجيس الهيكل، كما فعل أنطيوخس الرابع أبيفانيوس، بوبيوس القائد الرومانيّ، والإمبراطور كاليغولا. حسب 2تس، هذا الخصم الذي هو صورة عن المستقبل لا محدودة لم يظهر بعد بسبب "ما يعيقه" (2: 6. في 2: 7: من يعيقه. أي هناك شخص): إنَّ الذين تسلَّموا الرسالة سبق ونالوا تعليمًا في هذا المجال. ونحن نحاول البحث عن هذا التعليم.

2: 13-17 هو شكر جديد لله من أجل التسالونيكيّين يتضمَّن توصية للحفاظ على تقاليد علَّمها بولس. والإرشاد الذي يُؤخَد كمعيار للتقليد (هو الآن في صيغة المفرد) الذي سلَّمه بولس، نقرأه في 3: 6).

3: 1-15 هو تحذير إلى أعضاء الجماعة الذين يعيشون في التشتُّت ويرفضون أن يعملوا لأنَّهم اعتقدوا أنَّ مجيء الربِّ قريب. في 3: 16-17 نقرأ السلامات. وتبرز آ17 الطابع الأوتوغرافيّ[vi] الذي يحاول أن يكفل ثبوت كلِّ الرسائل البولسيَّة.

*  *  *

بولس وسيلاس (أو سلوانس) هم الذين أرسلوا 2تس، كما كان الأمر بالنسبة إلى 1تس، بما أنَّ سيلاس ترك الحلقة البولسيَّة خلال الإقامة الأولى في كورنتوس، تؤرَّخ هذه الرسالة قبل هذا الحدث، أي بعد 1تس بوقت قليل. ولكن تبرز هنا الصعوبة: فقد يكون بولس أرسل إلى الجماعة فيها، في وقت قصير، رسالتين تتضمَّنان مقصدين مختلفين. ففي 1تس 4: 13-5: 11، يشدِّد على اقتراب المجيء وعلى طابعه اللامتوقَّع. وفي 2تس 2: 1ي، حُدِّدت فكرة المجيء القريبة أنَّها بُعد عن الصواب بحيث يشدِّدون على تنبيهات سابقة. ثمَّ إنَّ 2تس 2: 1-12 والكلام عن العلامات التي تنبِّه مسبقًا إلى النهاية، لا يجد ما يوازيه في 1تس ساعة نجد في سائر الرسائل تلامسات كثيرة مع 1تس وإن مشابهة لما في 1تس.

وإن أضفنا التشديد على فعل "أمرَ"[vii] في 3: 4-6، 10، 12، الذي لا نجده سوى ثلاث مرّات في الرسائل البولسيَّة، الذي يطلب المتعلِّق "بالتقليدُ البولسيّ (2: 15؛ 3: 6) الذي يقدِّم بولس على أنَّه "مثال" المسيحيّ الذي يعمل 3: 9 (الحافز مختلف جدًّا في 1تس 2: 9؛ 1كو 9: 15، 18؛ 2كو 12: 14)، يبدو من الصعب أن نستنتج استنتاجات يقول: استعمل كاتبٌ نموذجًا قدَّمه تعليمُ بولس الإسكاتولوجيّ في 1تس ليجعل نسخة عن الفكر البولسيّ مكيَّفة مع عصرها، مقبولة في كنائس ارتبطت بسلطة الرسول. فالتلميح في 2: 15 إلى رسالة سابقة لبولس، يجب أن نبقى أمناء لها، يعود إلى 1تس كما يقول 2: 1 الذي يلمِّح إلى تس 4: 17؛ إنَّ 2تس 2: 1 و2: 15 يحيطان بالتعليم الجديد حول علامات المجيء (باروسيّا).

إذًا، نحن أمام سياق من الجدالات في ما يتعلَّق بالإرث البولسيّ. فالذين يعارضهم الكاتب، --- أيضًا سلطة الرسول (وقد يكونون أنتجوا رسالة لاثبوتيَّة قدَّموها على أنَّها منه، رج 2: 2)، وإذ يحافظون على فكرة انتظار المجيء القريب، يعتبرون نفوسهم أمناء لهذه السلطة. أمّا كاتب 2تس فرأى أنَّ المجيء تأخَّر وصوله ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر فننظِّم جماعة مرتَّبة ومعدَّة لأن تدوم في الزمان. إذًا، اهتمَّ بنتائج الفوضى الاجتماعيَّة التي قد يحرِّكها موقفُ هؤلاء الناس. وطالب بسلطة بولس من أجل موقفه، فقدَّم وجهتَه الخاصَّة على أنَّها تعلُّق بتقليد سلَّمه الرسول.

إذًا، عاش الكاتب والمراسَلون في مساحة الرسالة البولسيَّة، أمّا إرسال الرسالة إلى تسالونيكي، فخدعة أدبيَّة بعد أن كُيِّف إطار 1تس على المسألة المطروحة وحقبة تأليف الرسالة غير أكيدة: فالإشارة إلى سلامات أوتوغرافيَّة من بولس، تكفل ثبوتيَّة الكتابة (3: 17) يجعلنا نفترض أنَّ لا وجود لأصول الرسائل البولسيَّة تتيح لنا أن نتحقَّق. وهذا ما يجعلنا نفكِّر بتأليف يدور في الثمانينات.

ب- الرسالة إلى كولوسّي

كولوسّي، في فريجية، في وادي ليكوس (= نهر الكلب). قريبة من لادوكيَّة ومن هيرابوليس، المدينتين اللتين تجاوزاها أهمِّيَّة في زمن بولس. ما أسَّس بولس الجماعات المسيحيَّة في هذه الحواضر الثلاث (كو 2: 1؛ 4: 13)، بل مشاركون له في العمل، مثل أبفراس (1: 7).

جاء 1: 9-20 كامتداد للقُدُمَة proème. صلّى بولس من أجل الكولوسيّين وحقّهم على تأدية الشكر لله الذي جاء الكلام عن تدخُّله في عبارة تذكِّرنا باعترافات الإيمان (1: 13-14). وهذا الاعتراف يتواصل في مديح للمسيح (1: 15-20) الذي يُعتبَر عادة استعادة لنشيد سابق (حوَّله بولس بعض الشيء) حول دور المسيح في الخلق وفي الفداء. في الأصل، جسدُ المسيح هو الكون. في كو، صار الكنيسة. منذ الآن، تصالح الكولوسيّون مع الله بفضل جسد الابن، ولكن عليهم أن يبقوا ثابتين في الإيمان بحيث لا يحيدون عن الإنجيل الذي يكون بولس خادمه في الآلام (1: 24-2: 5).

وفي 2: 6-15 حثَّت كو الكولوسيّين على مواصلة الطريق في المسيح دون أن تسحرهم الفلسفة. ثمَّ أشارت إلى مدلول المعموديَّة: يموت المؤمنون مع المسيح ويقومون معه. أمّا القوى السماويَّة فانجرَّت في موكب الصليب الظافر. وتوسَّع 2: 16-23 في حرب ضدَّ أناس يحاولون أن يُضلُّوا الكولوسيّين. وقسم كبير من هذه التعليمات في هذا المجال، أمور سارية. نستشفّ طلبًا حول الممارسات الطعاميَّة (2: 16أ)، ولا سيَّما الامتناع عن أطعمة خاصَّة، وتصرٌّفًا نسكيًّا (2: 21) والتعامل مع أيّام خاصَّة. يبدو أنَّهم أخذوا كلَ هذا بمناسبة تنشئة[viii] متدرِّجة. يبدو أنَّ هؤلاء الخصوم اعتبروا العالم خاضعًا لقوى ملائكيَّة: و"عناصر العالم"، والنسك ضروريًّا للانفلات من سلطتها. تجاه ذلك قدَّم الكاتب فكرة تقول بأنَّ المسيح هو وسيط الخلق وبالتالي هذه القوى (1: 16) حيث أزال قدرتها (2: 10، 15) عبر الصليب. بالمعموديَّة مات المؤمنون مع المسيح وقاموا، وهكذا أفلتوا من السلطة التي تمارسها هذه القوى بفرائضها (2: 20-31).

وتضمَّن ف 3-4 الإرشاد parénèse. دعاهم الكاتب إلى الحرّيَّة المسيحيَّة وإلى التعلُّق بالمسيح، مع نظرة موجَّهة إلى السماء (3: 1-4) "وأورد لائحة بالرذائل التي نتجنَّبها والمزايا التي "نرتديها" (3: 5-ذ17). ثمَّ تأتي "شرعة البيت" (3: 18: 4: 1)، أي تعليمات من أجل مختلف فئات الجماعة (رج أف 5: 22-6: 9؛ 1بط 2: 18-3: 7). بعد ذلك، يحثُّهم على الصلاة وعلى الموقف الواجب اتِّخاذه تجاه اللامسيحيّين (4: 2-6). وفي 4: 7-18، نقرأ الأخبار والتيمات. تذكر هنا أسماء كما في فلم: أونسيمس، أرسترخس، مرقس، ديماس.

*  *  *

نالت الكرستولوجيّا (كلام عن يسوع المسيح) والسوتيريولوجيّا (عن الخلاص) هنا توجُّهًا جديدًا، حرَّكه تطلُّب الجواب على تلفيقيَّة الخصوم. قالوا: تحتفظ القوى الكونيَّة بسلطانها على المؤمن، وعليه أن يتفلَّت منها بواسطة ناسك يقوده إلى امتلاك "الحكمة" (2: 8، 23). من هنا التشديد على أولويَّة المسيح الكونيَّة، وسيط هذه الخليقة التي تنتمي إليها هذه القوى أيضًا، ومدمِّر سلطانها بوساطة الصليب. وهكذا استُعيد موضوع الكنيسة البولسيّ (الجماعة المحلِّيَّة) كجسم المسيح حيث الرأس عضو شأنه شأن سائر الأعضاء (2كو 12: 12-27؛ روم 12: 4-5). ولكنَّ الكنيسة هي منذ الآن الكنيسة المسكونيَّة والمسيح هو رأسها. فصارت المدى الذي في داخلها يحتمي المؤمنون، والبعدُ الأفقيّ المسيطر عند بولس (العلاقة بين المؤمنين). إذًا، يتوجَّه موضوعُ الرجاء، لا نحو المستقبل، بل نحو العلاء "في السماوات" (1: 5). واللافت الخاصّ أنَّ معنى العماد تحوَّل. استلهم الكاتب روم 6: 1-11، ولكن حوَّله. في روم، دُفن المؤمنون مع المسيح وسوف يقومون (في المستقبل) معه (آ4-5، 8). أمّا حسب كو 2: 12-13؛ 3: 1، المؤمنون قاموا منذ الآن ومثل هذه القيامة التي حصلت تُسند الخلقيَّة، فتتيح للمؤمن أن يطلب ما هو فوق (3: 1)، في السماء. في هذا السياق كان بولس الرسول الوظيفة المركزيَّة: أن تتيح، عبر الآلام والسجن، تحقيق سرّ الله، أي المسيح وسط الأمم (1: 23-2: 3).

إنَّ تبدُّل موضع المنظار اللاهوتيّ، والتشديد على بولس كوسيط محصور للخلاص، وأسلوب مختلف عن أسلوب الرسائل التي لا جدال فيها، كلُّ هذا يدعونا إلى أن نرفض أن يكون بولس كاتب كو (وضع الرسول السجين، في 4: 3، 10-18 هو جزء من الصورة التي تودُّ الرسالة أن توصلها). غير أنَّ التوسُّعات ترتبط ارتباطًا مباشرًا بتيمات مركزيَّة بالنسبة إليه: فصاحب كو قريب جدًّا من بولس. وقد يكون واحدًا من تلاميذه القريبين، الذي اختار لهذه الرسالة المحيط الذي تقع فيه فلم (ونلاحظ تأثير روم على كو). ولكن، أين دُوِّنت هذه الرسالة؟ لا شيء أكيدًا.

ج- الرسالة إلى أفسس

هناك أسباب تدفعنا إلى التساؤل: إلى من توجَّهت، في الأصل، هذه الرسالة؟ فبولس أقام طويلاً في أفسس. ولكن أف 1: 15؛ 3: 2 تجعلنا نشعر أنَِّ المراسلين لا يعرفون الرسول معرفة شخصيَّة. وفي العنوان (1: 1) سقطت "إلى أفسس" في أقدم المخطوطات. وحوالي سنة 140، اعتبر مرقيون هذه الكتابة رسالة إلى لادوكيَّة. فاقترح البعض أن تعتبَر أف رسالة دوّارة أرسلت إلى عدد من الجماعات، على أن يُضاف الاسم في مختلف النسخات. ولكنَّنا لا نعرف نموذجًا آخر لهذا النهج في العصر القديم.

حسب 3: 1؛ 4: 1، بولس هو في السجن. هناك قدمتان: 1: 3-14. ثمَّ 1: 15-23. القدمة الأولى مديح لله، الذي اختار المؤمنين قبل خلق العالم ليكونوا أبناء يتبنّاهم في المسيح. والقدمة الثانية صلاة لكي ينظر الأفسسيّون إلى الرجاء المفتوح لهم بالنداء الذي نالوه، وإلى القدرة التي أبانها المسيح. فالمؤمنون خضعوا من قبل إلى مبدأ قوى الهواء فأُوقفوا للغضب. ولكنَّ الله أعادهم إلى الحياة مع المسيح، بالنعمة وبواسطة الإيمان (2: 1-10).

في 2: 11-22: دمَّر المسيح الحاجز الذي يفصل الشعبين: الشعب اليهوديّ الشعب الوثنيّ، فجمعهما، وأعطاهما إمكانيَّة القُرب إلى الله. في 3: 1-13. الرسول نال بوحي معرفة السرِّ الذي كان خفيًّا منذ الأزل، بأن يشارك الوثنيّون في الميراث الذي يشارك فيه اليهود.

وتضمَّنت ف 4-6 الإرشاد. في 4: 1-16 حثَّ الكاتب على الوحدة في تنوُّع المواهب المعطاة، من أجل بناء جسد المسيح. في 4: 17-5: 20، حثَّ المؤمنين على التخلّي عن الإنسان القديم وارتداء الجديد المخلوق بحسب الله. وتأتي "شرعة البيت" (5: 21-6: 9) الشبيهة بما في كو 3: 18: 4: 1. وبعد الإرشادات لارتداء سلاح الله من أجل الحرب على قوى الشرّ (6: 10-20) ، ترد السلامات الأخيرة (6: 21-24).

*  *  *

العلاقات الكثيرة بين أف وكو تطرح مسألة أدبيَّة. هناك من ظنَّ استعمالَ الموادّ عينها. ولكنَّ هذا لا يفسِّر التشابهات اللفظيَّة في العنوان (أف 1: 1/كو 1: 1). وفي "البلاغ الشخصيّ" (أف 6: 21-22/كو 4: 7-8). وظنَّ آخرون أنَّ بولس كتب الرسالتين في الوقت عينه. ولكن في بعض الأخوال، الألفاظ عينها تعبِّر عن أفكار مختلفة. ففي كو 2: 10، 19، الجسد الذي المسيح هو رأسه، هو العالم. واستعملت أف 4: 16 تقريبًا الألفاظ عينها للكلام عن الجسد الذي هو الجماعة. ولهذا يصعب أن نظنَّ أنَّ كاتبًا واحدًا أعطى معنى مختلفًا للألفاظ عينها وللعبارات في كتابتين قريبتين في الزمن. إذًا، من الأفضل أن نقول إنَّ كو سبقت أف، وإنَّ كاتب أف استعمل موادّ كو: هذه الفرضيَّة البسيطة تأخذ بعين الاعتبار واقعًا نعبر فيه من رسالة تهتمُّ بمسائل ملموسة في الجماعة (كو) إلى رسالة (أف) لا تبدو مرتبطة بظروف معيَّنة. في هذه الحال، وبمعزل عن ثبوت كو، لا يمكن أن تعتبر أف رسالة بولسيَّة.

حيث استعادت أفسس عبارات بولسيَّة منمَّقة، مثل النعمة والإيمان (2: 1-10) نلاحظ غياب موضوع التبرير، الذي يحلُّ محلَّه موضوعُ الخلاص وغفران الخطايا (1: 7)، وهي عبارة لامعروفة عند بولس. شدَّدت أف على الخلاص الذي تمَّ منذ الآن (6: 2) وصار منظورًا في الكنيسة التي يتوازى امتدادُها مع جسد المسيح الذي يضمُّ الكون (1: 22-23). وفي الإكليزيولوجيّا (الكلام عن الكنيسة، إيكليزيا) صارت التراتبيَّة هامَّة: فالكنيسة مؤسَّسة، لا على المسيح كما في 1كو 13: 11، بل على الرسل والأنبياء (2: 20): حسب 3: 5، هم الذين تلقُّوا السرَّ الذي أوحي، لا جميع المؤمنين بوساطة بولس (كما في كو 1: 25-6). وتظهر هذه الوساطة أيضًا في 3: 3-5 ولكنَّها محدودة لأنَّ النصَّ يشدِّد على الرسل والأنبياء, ثمَّ إنَّ أف تختلف عن كو، في أنَّها تستعيد موضوع الخدمة المتبادلة بين المؤمنين، الذين هم أعضاء في جسد المسيح (4: 25؛ 5: 30).

ولاهوت أف، شأنه شأن لاهوت كو، هو توسُّع في التعليم البولسيّ، في علاقة مع المسائل المطروحة حول مشكلة الخلاص المنتشرة في الوسط الهلِّنستيّ. فالمنطقة السفلى من الكون، التي يسكنها البشر، تسيطر عليها قوى الجوّ والهواء الشريرة (2: 2؛ 4: 9-10). فيقوم الخلاص بأن نتفلَّت من هذا التسلُّط. وانتماء المؤمن إلى الكنيسة يُولجه في جسد رأسُه المسيح. هذا المسيح هو في السماء ويقدِّم لنا "السلاح" الذي يحمينا من هذه القوى (6: 10-17).

ماهى بولس في المسيح (وعارضه بآدم) الإنسانَ الثاني، الروحيّ، الآتي من السماء، وصانع الحياة (1كو 1: 45-49). وربطت أف هذه الفكرة بصورة الكنيسة جسد المسيح (1كو 12: 2-27) فتوسَّعت في صورة الكنيسة المسكونيَّة الغنوصيَّة في القرن الثاني: بحسب هذه التنظيرات، ينتمي المختارون إلى وجه إلهيّ، إلى الإنسان السماويّ. هذا يعني عنصرًا جوهريًّا من أجل الغنوصيَّة أو المعرفة الباطنيَّة، ولكنَّه عنصر غاب من أف: فهذه الكنيسة (جسد الإنسان السماويّ) كانت في الأصل جزءًا من الله سقطت في هذه الدنيا، فيأتي المخلِّص فيطلبها لكي يعيدها من جديد إلى الملء الإلهيّ، البليروما. هذا اللفظ المميَّز بالرسالة، يدلُّ على ملء الله المقيم في الكنيسة (1: 23؛ 3: 9؛ 4: 13؛ رج كو 1: 19؛ 2: 9 حيث الملء يُقيم في المسيح، لا في الكنيسة).

أشار الكاتب إلى ظروف في حياة بولس، قريبة من تلك التي في كو. ولكن يصعب أن نحدِّد بدقَّة موقع أف، من الوجهة التاريخيَّة. نحن في منطقة صياغة التقليد البولسيّ في آسية الصغرى، وربَّما في أفسس. وهذا حصل في نهاية القرن الأوَّل.

د- الرسائل الرعائيَّة

رسائل ثلاث (1تم، 2تم، تي) متماسكة فيما بينها. أرسلت إلى أفراد لا إلى الجماعة (فلم توجَّهت إلى كنيسة تجتمع في بيت فيلمون). ويمثِّل تيموتاوس وتيطس نموذجان لرؤساء الكنائس. وحين كتب إليهما "بولس"، أعطى تعليمات من أجل الرعاة من هنا الاسم: رسائل رعائيَّة.

الرسالة الأولى إلى تيموتاوس. كلَّف بولس تيموتاوس بأن يظلَّ في أفسس لكي يحارب الذين يعلِّمون "تعاليم غريبة" (1: 3-20). وبولس، أوَّل الخطأة الذين خلَّصهم المسيح، يقدَّم كمثال لجميع الذين نالوا الرحمة الإلهيَّة وتضمَّن ف 2-3 قواعدَ من أجل الجماعة: حول الصلاة من أجل جميع الناس ولا سيَّما من أجل السلطات. حول الحشمة في اللباس لدى النساء. حول تصرُّف الأسقف والشمامسة. وينتهي ف 3 بنشيد كرستولوجيّ (آ16: ظهر في الجسد...). واستعاد ف 4 مناخ الحرب على الخصوم. وحثَّ بولس أن يكون مثالاً للمؤمنين مع أنَّه شابٌّ بعد. واشتمل 5: 1-6: 2 مقاييس تصرُّف الأرامل اللواتي تعتني بهنَّ الجماعة، وقواعد للشيوخ (= للكهنة) والعبيد وهاجم 6: 3-10 المعلِّمين الكذبة وجميع الذين ابتعدوا عن الإيمان حبًّا بالمال. أمّا تيموتاوس فعليه "أن يجاهد في الإيمان الجهاد الحسن" (6: 11-16), يوصي الأغنياء الأخير بأن يصنعوا الخير (6: 17-19). وجاءت التحيَّة الأخيرة قصيرة جدًّا، بعد أن سبقها نداء ملحّ للحفاظ على الميراث، ولجحنُّب تعارضات "غنوصيَّة كاذبة".

الرسالة الثانية إلى تيموتاوس. في القدمة، حثَّ بولس تيموتاوس على أن يكون شاهدًا للإيمان الذي لأجله بولس سجين، وأن يحافظ على الوديعة. وينبغي على تيموتاوس أن ينقل تعليم بولس، وأن يتقبَّل الآلام على مثال الرسول، أن لا ينظر المسيح (2: 1-13). ويحتلُّ وسط الرسالة (2: 14-3: 13) الحربُ على أصحاب خطب باطلة، شرِّيرة. وبين الشرور المنتظرة لنهاية الأزمنة، والمذكورة هنا، نجد أيضًا هؤلاء الخصوم الذين يدخلون إلى البيوت ويغوون النساء. مقابل هذا، يتعلَّق تيموتاوس بالكتب المقدَّسة، الملهمة من الله والمفيدة للتعليم والتأديب. ويعلن الكلمة في حرب على ميول الناس الذين يميلون إلى الخرافات (3: 14-4: 5). أمّا بولس فقد وصل إلى نهاية حياته، وهو قريب من الأجر المعدِّ له (4: 6-9). فينبغي على تيموتاوس أن يأتي إليه عاجلاً، لأنَّهم كلَّهم تركوه، ما عدا لوقا. ولكنَّ الربَّ معه (4: 9-18).

الرسالة إلى تيطس. قدَّم بولس نفسه رسولاً "من أجل إيمان مختاري الله، ومعرفة الحقيقة الموافقة للتقوى" (1: 1-4). وذكر تيطس أنَّه تركه في كريت لكي يكمِّل تنظيم الكنيسة. ثمَّ رسم صورة الكاهن (أو: الشيخ) والأسقف اللذين يكونان بلا عيب. وشدَّد في هذه الصورة على التعلُّق "بالتعليم الصادق الذي يوافق تعليمنا" (1: 5-10). وتأتي هنا الحرب على الخصوم (1: 10-16) وتليها تعليمات في أسلوب "الشرعة البيتيَّة" (2: 1-10: الشيوخ، الشبّان، العبيد). والتصرُّف الذي ينصح به، يستند إلى تجلّي نعمة الله في المسيح (2: 11-15). وفي شكل عامّ، يكون المؤمنون خاضعين للسلطات، وتتحلّى علاقاتهم المتبادلة باللطف والوداعة: في الواقع، كنّا متمرِّدين، ضالّين، ولكنَّ الله خلَّصنا برحمته (3: 1-8). هذا يعني أن نتجنَّب "المجادلات السخيفة وذكر الأنساب والخلاف والمناقشة في الشريعة، ونقطع العلاقات مع الهراطقة وأصحاب البدع (3: 9-11).

*  *  *

كان تيموتاوس المعاون الأمين لبولس، أقلَّه منذ "الرحلة الرسوليَّة الثانية". ظهر في أع 16: 1، على أنَّه وُلد في لسترة، من أعمال غلاطية. أبوه يونانيّ وأمُّه يهوديَّة اهتدت إلى المسيحيَّة. هداه بولس فكان عزيزًا على قلبه (1كو 4: 17). وكلَّفه بمهمّات دقيقة في تسالونيكي (1تس 3: 2-3)، في كورنتوس (1كور 4: 17؛ 16: 10-11)، في فيلبّي (فل 2: 19، 23). يبدو هنا كمرسل الرسالة مع بولس وغيره في 1تس، 2كو، فل، فلم (روم 16: 21). أرادت 1تم أن تندرج في وقت من هذا التعاون والمشاركة: مضى بولس من أفسس إلى مكدونية، حيث ترك تيموتاوس (1: 3). ولكنَّ هذا لا يوافق أع 19: 22 حيث يُقال إنَّ بولس أرسل أوَّلاً تيموتاوس إلى مكدونية لكي ينضمّ إليه فيما بعد حين مجيئه إلى أفسس فوضع 1تم لا يقابل ما نعرف عن سيرة بولس. كما لا نفهم كيف أنَّ بولس احتاج أن ينقل إلى معاون خبير، مثل تيموتاوس، تعليمات بدائيَّة، لا سيَّما وإنَّه ينتظر أن يأتي سريعًا إلى أفسس (3: 14).

وظروف 2تم تطرح أيضًا سؤالاً. بولس هو في السجن، في رومة (1: 17). ترك تروفيمس في ميليتس. ولكن حسب أع 21: 13، تروفيمس رافقه إلى أورشليم. ووضع تي يطرح أيضًا تساؤلاً. فتيطس الذي يجهله أعمال الرسل، هو مسيحيّ آتٍ من العالم الوثنيّ (غل 2: 3). أصدق معاوني بولس. ورافقه إلى "مجمع الرسل" (غل 2: 1) فلعب هناك دورًا حاسمًا في حلِّ الأزمة التي تتحدَّث عنها 2كو. حسب تي، ترك بولس تيطس في كريت. ولكن ما من مرجع في العهد الجديد يشير إلى نشاط بولس الرسوليّ في كريت، ولا إلى شتاء قضاه في نيكوبوليس (3: 12). ظنَّ البعض أنَّ الرسائل الرعائيَّة تندرج في نشاط قام به بولس بعد تحرُّره من السجن الرومانيّ كما تقول نهاية سفر الأعمال. ولكن في هذه الحالة، قد يكون عاد إلى الشرق، وهذا ما لا يتوافق مع روم ولا مع أع 20: 25؛ 21: 10 التي تقول إنَّ بولس لم يقُم بأيِّ نشاط في هذه المنطقة.

إلى هذه الصعوبات، أضيفت ألفاظ قريبة من ألفاظ اللاهوت الهلِّنستيّ، ولكن غريبة، تقريبًا، عن الرسائل البولسيَّة التي لا جدال فيها: الله هو مخلِّص[ix]. والمسيح هو مخلِّص[x]. الله هو السيِّد[xi]. هو القدير[xii]. وتولي الرسائل الرعائيَّة أهمِّيَّة كبيرة للتعليم الصحيح[xiii]، للأقوال الصحيحة[xiv]، للكلام الصحيح[xv]، للصدق في الإيمان[xvi] وهذا كلّه لا نجده عند الرسول.

هذه الرسائل توصي بتعليم[xvii] معتبَر كمجموعة تسلًَّموها بواسطة الرسول[xviii] ساعة لا يستعمل بولس اللفظ إلاّ في روم 12: 7؛ 15: 4[xix] وفي معنى مختلف التعلُّق بالتعليم يُترَجم عمليًّا في التقوى[xx]. نقرأ في 1تم 2: 2:

حتّى نحيا حياة مطمئنَّة هادئة بكلِّ تقوى وكرامة

وفي 1تم 3: 16: "ولا خلاف أنَّ سرَّ التقوى عظيم".

وفي 1تم 4: 7-8:

7                   تجنَّب الخرافات الباطلة وحكايات العجائز

وروِّضْ نفسك بالتقوى.

8                   فإذا كان في الرياضة البدنيَّة بعض الخير،

ففي التقوى كلُّ الخير.

وفي 1تم 6: 5، 6، 11

5                   قوم فسدت عقولُهم وأضاعوا الحقّ

وحسبوا التقوى سبيلاً إلى الحرب.

6                   نعم، في التقوى ربح عظيم

إذا اقترنت بالقناعة.

11     أمّا أنت، يا رجل الله،

فتجنَّب هذا كلَّه

واطلب البرَّ والتقوى والإيمان والمحبَّة.

الشريعة صالحة كما في روم 7: 12، 16. ولكن في روم، قوَّة الخطيئة تمنع الإنسان من أن يتبع الشريعة.

12     الشريعة ذاتها مقدَّسة، والوصيَّة مقدَّسة وعادلة وصالحة.

16     وحين أعمل ما لا أريده، أوافق الشريعة على أنّها حقّ.

ولكن تختلف النظرة في 1تم 1: 8-11، حيث الشريعة تساعدنا على تجنُّب الشرّ وتحثُّنا على الخير، بحيث لا تفيدُ بعد من هو بارّ.

8      ونحن نعلم أنَّ الشريعة صالحة إذا اقتصر العمل بها على أنَّها شريعة

9      لأنَّنا نعرف أنَّ الشريعة ما هي للأبرار، بل للعصاة وللمتمرِّدين...

10     ... ولكلِّ من يخالف التعليم الصحيح.

11     الذي يوافق البشارة التي أؤتمنتُ عليها...

والولاء السياسيّ يتناسق مع مثل هذا الموقف (1تم 2: 1-8). هو يجد أصله في خلقيَّة يهوديَّة هلِّنستيَّة، كما في روم 13: 1-7. ولكنَّ 1تم تشدِّد على أنَّ السلام يساعد "التقوى" والرسالة المسيحيَّة. وقدَّمت الرسائل الرعائيَّة كنيسة واعية بأنَّها أمام عيون الجميع، فتهتمُّ بالصدقيَّة بحيث تصحِّح شكوك القائلين إنَّها هدّامة ولا أخلاقيَّة (1تم 3: 7). لا تختفي عودة المسيح من الأفق، ولكنَّ الجماعة قعدت في العالم إلى مدى غير محدود.

ويتضمَّن هذا الموقف أيضًا فصلَ الاتِّجاهات المسيحيَّة التي يمكن أن تعارض النظام الداخليّ والنظام الخارجيّ في الجماعة. ففي 1تم، 2تم، تي، الحرب على المعلِّمين الكذبة تحتلُّ الموقع الهامّ: هي المفتاح لقراءة هذه الرسائل. نجد هذه الحرب في بداية 1تم وفي الوسط وفي النهاية. وفي وسط 2تم. وفي تي وفي النهاية. والتعرُّف إلى هؤلاء الخصوم (يظهر أيضًا أسماء أشخاص نجهلهم) أثار جدالات لا تنتهي. فهؤلاء الأشخاص يبدون وكأنَّهم يطالبون بمعرفة خاصَّة لله.

يا تيموتاوس... تجنَّب الجدل الباطل الذي يحسبه الناس معرفة (1تم 6: 20).

يدَّعون أنَّهم يعرفون الله... (تي 1: 16).

يعتبرون أنَّهم معلِّمون في الشريعة (1تم 1: 7):

مدَّعين أنَّهم من معلِّمي الشريعة،

وهم لا يفهمون ما يقولون ولا ما يؤكِّدون.

بل يذكرون "الخرافات اليهوديَّة" (تي 1: 14؛ ق 1تم 1: 4؛ 2تم 4: 4)، والروايات والأنساب التي لا نهاية لها (1تم 1: 4). ارتكزوا على الكتاب المقدَّس، ولكنَّهم فسَّروه بحسب نزواتهم. وأشارت 1تم 4: 3 إلى موقعهم النسكيّ الذي يتضمَّن رفض الزواج وبعض الأطعمة. فكانت حرب على مثل هذه الميول.[xxi]

كلُّ شيء طاهر للأطهار

وما من شيء طاهر للأنجاس وغير المؤمنين (تي 1: 15).

وقد يكون رفضُ الزواج ارتبط بتحرُّر المرأة. حسب 2تم 3: 6، مثل هؤلاء المعلِّمين ينجحون لدى النساء (يغوون نساءً ضغيفات).

هذا ما يفهمنا تدخُّل الرسائل الرعائيَّة بقوَّة، بحيث تبقى النساء في حالة الخضوع فرضت 1تم 2: 11-14 الصمت على النساء، خلال التعليم، ممّا يعارض بشكل فاضح 1كو 11: 5 الذي يسمح للمرأة بأن تتنبَّأ خلال الليتورجيّا. بيَّنت روم ومقاطعُ بولسيَّة أخرى الموقع الهامّ الذي احتلَّته النساء في الجماعة. ولكنَّ الرسائل الرعائيَّة أعادتهنَّ إلى الدور الصامت والخاضع، كما هو الأمر في الأسرة، وبرَّرت الموقف انطلاقًا من البيبليا (1تم 2: 13-15) وذلك لإسكات الخصوم وإفحامهم. والأرامل، أي اللواتي لا يخضعن لسلطة أب أو زوج، من موضوع اهتمام خاصّ في هذه الرسائل (5: 13-16). فالمجهود للحصول على جماعة مسيحيَّة "منظَّمة"، قادت الكتاب (أو: الكتّاب) لأن يأخذ من أجلها نموذج التنظيم العائليّ: مراعاة التراتبيَّة. وإنَّ 1تم 3: 5، 15 يشرح بكلِّ وضوح هذا التماهي.

5                   فمن لا يحسن تدبير بيته، فكيف يعتني بكنيسة الله.

12  على الشمامسة... أن يحسنوا رعاية أولادهم وبيوتهم.

13  فالذين يحسنون الخدمة، ينالون مكانة رفيعة...

وفي الخطِّ عينه راحت الفرائض الموجَّهة إلى النساء، كما الفرائض الموجَّهة إلى الشيوخ والشبّان (تي 2: 2-8) وإلى العبيد الذين ينبغي عليهم أن يطيعوا أسيادهم ولا سيَّما إذا كانوا مسيحيّين (1تم 6: 1-2؛ تي 2: 9-10).

بولس هو نموذج الخاطئ. جهل ما كان يفعل فلامسته رحمة الله. هو مثال للخصوم، هذا إذا أرادوا أن يتوبوا (1تم 1: 12-16). قبل أن يصير مسحيًّا، كان شتّامًا وخاطئًا. والصورة التي نقرأ هنا تختلف عمّا في غل 1: 14 وفل 3: 6: بيَّن هنا أنَّه كان بلا لوم حين مارس الشريعة. ولكنَّه يبدو مثالاً في الجهاد والألم بحيث يكون أيضًا مثالاً للسلطات الكنسيَّة (التي يمثِّلها تيموتاوس وتيطس) الذين يحاربون الخصوم إنَّه موضوع مركزيّ ولا سيَّما في 2تم مع "الخطبة الوداعيَّة" والوصيَّة التي يعلنها الرسول قبل موته. وهو فنٌّ أدبيّ تُصبح فيه حياة الإنسان "مرآة" لسامعيه.

إذًا، يتحدَّد موقعُ الرسائل الرعائيَّة في خطِّ من التقليد البولسيّ. يختلف عن خطِّ كو وأف. هي لا تبدو ملتزمة، مثلهما، على مستوى لاهوت، بل تهتمُّ بشكل خاصّ بإرث الرسول. مرافقةً كلَّ ما يزعزع الجماعات بواسطة تثبيت تراتبيَّة كنائسيَّة، مؤسَّسة على الأسقف (1تم 3: 1-7؛ تي 1: 7-9)، وعلى الشيوخ (أو: الكهنة؛ 1تم 5: 17-19؛ تي 1: 5-6) وعلى الشمامسة (1تم 3: 8-13). ويترسَّخ كلُّ هذا في علاقات تراتبيَّة متوافَق عليها في المجتمع. وبدلاً من أن يتكرَّس الأسقف للمجادلات الباطلة، فهو يتقبَّل تقليد الكنيسة، بعد أن يُدعى إلى نقله والدفاع عنه. شدَّد بعضهم، منطلقًا من أفعال عديدة، أنَّ الرسائل الرعائيّة جاءت قريبة من بوليكارب الإزميريّ، ممّا يعني قربها منه في الزمان والمكان. ممّا يجعلنا نقترح أن تعود هذه الرسائل إلى العقود الأولى في القرن الثاني، وأن يكون موطنها آسية الصغرى بعاصمتها أفسس.[xxii]


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM