كأس يوسف في كيس بنيامين

كأس يوسف في كيس بنيامين

الفصل 44:45

الحلقة 65:

نقرأ الفصل 44: 1-5

»ثمّ قال يوسف لوكيل بيته إملأ... أسأتم فيما فعلتم«.

هنا نلاحظ أنّ يوسف يقوم بمخطّط خاص لكيّ يتعرّف إلى إخوته وخصوصًا لكي يرى هل هم مستعدّون أن يضحّوا من أجل بعضهم البعض، أم أنّهم سيضحّون ببنيامين كما ضحّوا بالماضي بيوسف. لهذا السبب وضعت كأس الفضّة بعدل بنيامين.

آ 6-13 »فلحق الرجل بهم وقال لهم هذا الكلام... وأنتم ترجعون بسلام إلى أبيكم«.

وصلت القصّة هنا، وصل هنا هذا الخبر التقويّ إلى الذروة. ضحّى الإخوة بيوسف، أتراهم يضحّون ببنيامين. »الرجل الذي وجدت الكأس معه هو يكون لي عبدًا وأنتم ترجعون بسلام إلى أبيكم، كما رجعتم بسلام بعد ان بعتم أخاكم يوسف. وساطة يهوذا هنا نرى كيف يتدخّل يهوذا.

وفي آ 14 يقول النصّ: »ودخل يهوذا وإخوته كأنّه تميّز عنهم والجميل سوف يتميّز لا بالعظمة ولا بالسلطة، سوف يتميّز بالخدمة والتضحية حين قبل يهوذا أن يضحّي بذاته من أجل إخوته عمومًا ومن أجل أخيه بنيامين خصوصًا استحقّ أن يتميّز عن إخوته.

وهنا نقرأ آ 18: »فتقدّم إليه وقال عفوك يا سيّدي... وإلاّ فكيف أعود إلى أبي ولا يكون الصبي معي فأرى الشرّ الذي يحلّ إلى أبي«.

في هذه الخطبة التي يطلقها يهوذا بـ آ 18، نتذكّر قصّة يوسف التي دخلت في قصّة شراء القمح من مصر. والعظمة في هذه الخطبة هو أنّ يهوذا لا يتملّص من المسؤوليّة بل يتحمّل المسؤوليّة كاملة. وعد أباه بأن بنيامين يعود وينيامين سيعود. ولكن كيف يمكن لبنيامين أن يعود، يكون هو عبدًا، قال: »والآن دعني يا سيّدي أبقي مكان الصبي عبدًا لك وليعد هو مع إخوته«. تبدّلت الأمور كلّيًا، لم نعد نضحّي بالآخرين من أجل سعادتنا بل صرنا نضحّي بسعادتنا من أجل الآخرين، نضحّي بذواتنا بنفوسنا من أجل الآخرين. هذا ما فعله يهوذا وسوف يستحقّ أن يكون من نسله داود. ذاك الذي يخلّص شعبه. لقد وصل يوسف إلى حيث أراد أن يصل. أراد أن يفهم إخوته أهميّة التضحية هو استعدّ أن يتقبّل كلّ شيء بعد أن خلّص إخوته وأباه من الجوع. فهل هم مستعدّون أن يمرّوا في الألم، أن يمرّوا في الندامة ووخز الضميرن أم أنّهم سيظلّون على موقفهم. ولكن يهوذا تكلّم باسمهم فكأنّهم تكلّموا كلّهم. وكأنّي بالنصّ يقول كلّ واحد كان مستعدٌّا لأن يضحّي بنفسه فيعود بنيامين مع إخوته إلى الشيخ، إلى يعقوب، وإلاّ تنزل شيبة أبينا بحسرة إلى عالم الأموات. وعد يهوذا وسوف يفي بوعده، قال أعيد إليك بنيامين وهو مستعدّ أن يصبح عبدًا في مصر على أن يعود بنيامين إلى أبيه. وهكذا كما قلت وصل الخبر إلىالذروة، فلم يبقى إلاّ حلّ العقدة التي عقدت منذ وصل الإخوة إلى مصر ماذا سيفعل يوسف؟ هل يرفض أن يتعرّف إليهم، هل يعاقبهم أشدّ العقاب؟ هل يذلّهم أشدّ الإذلال؟ كلاّ ثمّ كلاّ وسوف نعرف كيف أنّه سيغفر لهم، ليس فقط كرامة أبيه يعقوب بل سيغفر لهم لأنّ الربّ هو الذي يغفر في النهاية. أنتم نويتم شرٌّا والربّ نوى بي خيرًا. وهكذا ننتقل إلى قرأة الفصل 45.

من بعد هذه الخطبة، خطبة يهوذا وما فيها من تأثير وما فيها من استعداد للتضحية بنفسه. الفصل 45: يقول النصّ: »فلم يقدر يوسف أن يضبط نفسه أمام جميع القائمين على خدمته فصاح أخرجوا كلّ واحد من عندكم«. فلم يكن أحد عنده حين تعرّف يوسف إلى إخوته«. تعرّف يوسف إلى إخوته يعني عرّف بنفسه وأراد أن لا ينكرهم رغم الشرّ الذي عملوه به.

آ 2-3: »فرفع صوته بالبكاء فسمعه المصريّون وسمعه بيت فرعون... فلم يقدّر اخوته أن يجيبوا لأنّهم ارتعدوا أمامه«.

موقف يوسف موقف التعرّف، موقف الإنفتاح، موقف الغفران أمّا موقف إخوته، هو موقف الفزع وموقف الخوف. لأنّ قلوبهم صغيرة ظنّوا بأنّ يوسف سينتقم منهم الإنتقام المريب. فلم يقدر إخوته أن يجيبوه، ما استطاعوا أن يتكلّموا لا شكّ في أنّهم جعلوا رأسهم في الأرض لئلاّ يروا وجه يوسف وما فيه من نور.

آ 4: فقال يوسف لإخوته... الذي بعتموه للمصريّين.

هم تراجعوا بلا شكّ، تراجعوا خوفًا، تقدّموا إليّ« والآن لا تستاؤوا ولا تأسفوا لأنّم بعتموني إلى هنا، أعمال البشر فيها شرّ ولكن لا نأسف لأنّ الله هو الذي يحوّل الشرّ إلى خير. آ 5: قال يوسف لا تأسفوا ولا تستاؤوا لأنّكم يعتموني إلى هنا لأنّ الله أرسلني أمامكم لأحفظ حياتكم. وهكذا قرأ يوسف مخطّط الله من خلال أعمال البشر وما فيها من شرّ ومن خطيئة. هل يتابع يوسف بالكلام، كلاّ وما فعل تجاه فرعون سيفعل تجاه إخوته، تجاه أحلام الفرعون قال ما يجب أن يُعمل، وهنا بعد أن تعرّف إلى إخوته وعرّف نفسه إلى إخوته، ها هو يقول لهم ماذا يجب أن يفعلوا، فالمحبّةُ لا تكون بالكلام والعواطف فقط، بل تصل إلى الأعمال. ويوسف يصل إلى الأعمال. إذًا كان الربّ قد أرسله أمام إخوته ليخلّصهم، ليحفظ حياتهم فهو سيفعل ما يجب أن يفعل ليخلّص حياة أبيه وإخوته.

45: 6-9: وقد مضت سنتا مجاعة... ومتسلّطًا على كلّ أرض مصر. وهكذا عاد يوسف فربط كلّ هذه الحياة التي عاشها في الذلّ، في السجن، في الأسر، في العبوديّة ربطها بالله. ما أنتم أرسلتموني بل الله هو الذي أرسلني يعني في النهاية هو الله الذي يوجّه حياتنا رغم توجّهات البشر. والنتيجة ترونها أمامكم، وصيٌّا عند فرعون، سيّدًا لجميع أهل بيته، صار مركز يوسف كبيرًا جدٌّا وذلك بفضل الربّ.

هنا نستطيع أن نقابل مع يسوع المسيح، سلّمه يهوذا، عمل شرير، ولكن حين يُسلّم يسوع وصل إلى الصلب إلى الموت، إلى القيامة، وحمل الخلاص، هذا لا يعني أنّ يهوذا عمل عملاً صالحًا، كلاّ، عمله عمل شرّير ولكن الربّ يحوّل شرّ البشر إلى خير. فماذا يفعل بخير البشر؟ وهنا إخوة يوسف فعلوا شرٌّا حين أرادوا أوّلاً أن يقتلوا أخاهم ثمّ باعوه بيع العبيد ولكن الربّ حوّل ذلك الشرّ إلى خير. ويتابع يوسف ماذا يجب أن يفعلوا وسنوات الجوع بعدها عديدة، 5 سنوات جوع. فيقول: 45: 9-13: »أسرعوا واصعدوا إلى أبي... أسرعوا بالمجيء به إلى هنا«. أعطى يوسف تعليماه إلى الوالد وإلى الإخوة بأن يأتوا إلى مصر.

ويتابع النص بـ آ 14-15: فعانق يوسف أخاه بنيامين... وبعد ذلك أخذوا يكلّمونه.

نلاحظ فرق بين اثنين: عانق يوسف بنيامين أخاه، هي العاطفة الأخويّة لا بل قريبة من العاطفة الأبويّة والفرق بالعمر بين يوسف وبنيامين كبير. ولكن بآية 15 نقرأ وقبل سائر إخوته. ألا نريد أن نرى في هذا الفعل قبّل قبلة السلام. وكأنّه أراد أن ينسى كلّ شيء، كلّ هذه السنوات القاسية سنوات المحنة التي سبّبها له إخوته، نعم هي قبلة السلام. قبلة السلام التي نعيشها كلّ مرّة نجتمع من أجل الصلاة المشتركة. وبكى معهم، بكى مع بنيامين وبكي معهم 3 مرّات بـ آ 14-15 نقرا فعل بكى: عانق أخاه بنيامين وبكى، وبكى بنيامين على عنقه، وقبل سائر اخوته وبكى معهم. البكاء هنا علامة التوبة، علامة وخز الضمير، علامة حياة جديدة. فكما الولد يبكي عندما يخرج من حشا أمّه هكذا كان البكاء مناسبة: »ولادة أبناء يعقوب«. ولادة يوسف من جديد في عائلته، من يدري ربّما كان هناك بعض الحقد في قلبه، بعض الغضب، بعض التأسّف لما فعله إخوته الآن بكى يوسف، بكى كأنّي به نسي وأراد أن يولد من جديد وإخوته أرادوا أن يولدوا من جديد. وكأنّي بهم أخذهم البكم، صاروا خرس. يقول النص: »وبعد ذلك أخذوا يكلّمونه«. عادت الحياة إليهم، هم يستطيعون بعد الآن أن يتكلّموا، أن يقولوا ما يجب أن يقولوه ونستطيع أن نتخيّل ما قالوه له من تأسّف عمّا فعلوا من بغض وحقد دفعهم إلى أن يفعلوا ما يفعلوا. وهكذا أحبّائي نصل إلى ذروة الخبر في حياة يوسف ما تبقى ستكون تنظيمات، تنظيمات في حياة مصر، ولكن هنا، لمّا تعرّف يوسف إلى إخوته، قبل أن يتعرّف إليهم، قبل أن لا يتنكّر إليهم، كان بإمكانه أن يقول هم فقراء هم ضعفاء، هم جياع فليتدبّروا أمرهم. كلاّ، تعرّف إليه فقبل أن يعرفوه وأنّه أخوه. وأعاد كلّ هذا إلى الربّ.

وفي المشهد الأخير، مشهد البكاء ولدت العائلة الجديدة كلّها كما يولد ولد من رحم أمّه. ولد يوسف من جديد حين عانق بنيامين وقبّل إخوته، فغفر. ولد بنيامين من جديد بعد أن رأى أخاه، وولد الإخوة من جديد بعد أن قبّلهم يوسف ولا شكّ هم قبّلوهن كانت قبلة السلام، قبلة المحبّة، قبلة العودة وبعد ذلك استطاع الإخوة أن يتكلّموا. شخص يوسف قريب من شخص يسوع المسيح كما يقول الآباء، غفر ومثله سيغفر يسوع. نسي الشرّ الذي عمله إخوته وهكذا نسي يسوع ما عمل به الشعب اليهوديّ: »إغفر لهم يا أبي لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون«.

ومن على الصليب ولدت الكنيسة، ولد الشعب الجديد من جنب يسوع المصلوب ولدت الكنيسة ولادة جديدة. لمّا غفر يسوع خطايانا، حمل خطايانا بدمه على الصليب، انطلقت الكنيسة في حياة جديدة والربّ هو الذي يرافقها كما يرافق كلّ جماعاتنا. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM