عودة بنو يعقوب

عودة بنو يعقوب

الفصل 43

الحلقة 64:

أحبّائي ليكن سلام المسيح معكم،

ما زلنا نتابع قراءة سفر التكوين. سفر التكوين الذي يتحدّث عن تكوين العالم والإنسان بقسم أوّل وبقسم ثاني، يتحدّث عن تكوين الشعب العبراني مع إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف، هذا الشعب الذي يهيّء الطريق مع سائر الشعوب لمجيء المسيح المخلّص الذي نعيّده بعيد الميلاد. واليوم نقرأ من سفر التكوين فصل 43 عنوانه عودة بنو يعقوب ومعهم بنيامين. لا ننسى، نحن اليوم مع يوسف في مصرن يوسف الذي صار الوزير الأوّل لفرعون في مصر والجوع يسيطر على البلاد، وها هو يوسف يوزّع الطعام جاءه إخوته مرّة أولى ولم يعرّفهم بنفسه وها هم يأتون مرّة ثانية إحدى عشر واحد كلّهم. في المرّة الماضية لم يكن ينيامين معهم وهذه المرّة كان معهم بنيامين. إذًا انتبهنا بأنّ يوسف موجود هنا، 12 أبناء يعقوب كلّهم في مكان واحد في مصر. ولكن سوف نلاحظ بأنّ يوسف يسمّي الرجل. ما زال الغريب بالنسبة للإخوة الإحدى عشر.

إذًا نقرأ سفر التكوين 43: 1-7

»ولكن الجوع اشتدّ في الأرض، فلمّا فرغوا من الحل القمح... فردّدنا له الجواب فكيف كنّا نعرف أنّه سيقول أحضروا أخاكم؟«

هنا أحبّائي نتذكّر في وقت سابق كيف أنّ يوسف أراد أن يستفهم من إخوته هل ينكرون بنيامين كما أنكروا يوسف، هل هم مستعدّون أن يبيعوا بنيامين أخاه كما باعوه هو. وهكذا وصل إلى الجواب، جواب خارجي، جواب لا يعبّر عن شيء. قالوا له أبونا ما زال حيٌّا ولنا أخ اسمه بنيامين. هذا ما ردّده يهوذا. يهوذا الذي سيلعب دورًا كبيرًا في تاريخ الشعب العبراني لأنّه أبو داود، وأبو يسوع المسيح. وبالتالي، فيسوع هو ابن داود وبالتالي ابن يهوذا.

ونتابع قراءة الفصل 43: 8-10

وقال يهوذا لأبيه، أرسل الصبي معي حتّى نقوم... ولو لا أضعنا وقتنا لكنّنا الآن رجعنا مرّتين.

نلاحظ هنا بأن يهوذا يأخذ المسؤوليّة، مسؤوليّة حياة إخوته، مسؤوليّة نجاة بنيامين. بجغرافيّة فلسطينن قبيلة بنيامين هي قريبة من قبيلة يهوذا، لكنّها قبيلة صغيرة. لكن هذه القبيلة كبيرة لأنّ الهيكل بني فيها. فإن كانت قبيلة يهوذا هي قبيلة داود، فقبيلة بنيامين هي قبيلة الهيكل وقد بني على أرضها. وهو يهوذا يعد بحماية إخوته. فكأنّي بالكاتب يقرأ ما فعله داود حين اهتمّ بكلّ شعبه، بكلّ القبائل في حروبها مع جيرانها. »أعد به إليك سالمًا«، نعم، داود من خلال يهوذا يعد بتأمين السلام لكلّ إخوته.

ونتابع القراءة 43: 11-14

فقال لهم أبوهم إن كان لا بدّ من ذلك... والله القدير يجعل الرجل يرحمكم فيطلق لكم أخاكم... وإن فقدت بيتي أكون قد فقدته.

نلاحظ أنّ يعقوب نفسه يتحدّث عن الرجل وهذا الرجل هو يوسف، ولكن يعقوب يظنّ بأنّ يوسف قد مات.

ثانيًا: نلاحظ أنّ يعقوب يسلّم نفسه بكليتها إلى الله. ويقرأ من خلال الأحداث يد الله توجّه حياته وحياة عائلته. هو ينتظر الرحمة من ذلك الرجل، رحمة يحرّكها الله القدير، الله القدير يجعل الرجل يرحمه، فيطلق لكم أخاكم الآخر وبنيامينن كأنّي بيعقوب ما زال يأمل بأنّ يوسف هو مسجون بمكان ما وبأنّه سيعود إلى البيت وبنيامين.

نلاحظ هنا أنّ إبني رحيل يوسف وبنيامين هما المحبّبان ولهذا اهتمّ بهما يعقوب أكثر من إخوتهم. ونلاحظ أيضًا كيف أنّ يعقوب ينتبه إلى كلّ شيء: »خذوا الهدايا إلى ذلك الرجل«. ردّوا الفضّة التي ردّت في عدالكم حسب حساب كلّ شيء وهكذا أرسل أبناءه على بركة الله وعلى رحمة الله. والله القدير يجعل الرجل يرحمكم. فالرحمة في قلب الإنسان تنبع من الرحمة في قلب الله.

ونتابع قراءة 43: 15-22

فأخذ الإخوة هذه الهديّة... ونحن لا نعرف من وضع فضتنا في عدالنا. الخوف يسيطر على إخوة يوسف. يمكن أن يكونوا قد قتلوا والآن يخافون أن يكونوا قد سرقوا. نحن هنا أمام وصايا الله: لا تقتل، لا تسرق... ولكن العلامات لا تدلّ على أنّ هذا الرجل يريد ان يستضعف الإخوة وينقضّ عليهم ويأخذهم عبيدًا. لهذا قال الرجل سلام عليكم، لا تخافوان إلهكم وإله أبيكم رزقكم كنزًا في عدالكم. وأمّا فضّتكم فصارت عندي. »ثمّ أخرج إليهم شمعون وأدخلهم إلى بيت يوسف وأعطاهم ماءً ليغسلوا أرجلهم وعلفًا لحميرهم وهيّئوا الهديّة ليوسف عندما يجيء عند الظهر لأنّهم سمعوا بأنّهم سيأكلون طعامهم هناك«. بدأ الرجل فحيّاهم »سلام عليكم«، لا تخافوا يعني يجب أن يبعدوا عنهم الخوف. حياتنا هي في يد الله، إلاّ إذا كان ضميرنا يشغلنا في خطيئة اقترفناها. عندئذٍ نستحقّ قصاص البشر. إلهكم وإله أبيكم رزقكم كنزًا في عدالكم. هذا الرجل الغريب الذي رافق يوسف، تعلّم منه أنّ كلّ عطيّة إنذما هي من الربّ إلهكم وإله أبيكم، كأنّه لا يريد أن يتدخّل في ديانة العبرانيّين. وأمّا فضّتكم فصارت عندي، يعني لا تهتمّوا للمال إهتمّوا بأمر آخر، كأنّي به يهيّئكم إلى اللقاء بأخيهم يوسف فلا تهتمّوا بأمور جانبيّة. ثمّ أخرج إليهم شمعون بدل أن يستعبد الآخرين حرّر ذاك الذي كان في السجن، وبدل أن يجعلهم في السجن جعلهم في بيت يوسف وزير وزراء فرعون وبدل أن يعاملهم معاملة سيّئة أعطاهم ماء ليغسلوا أرجلهم وعلفًا لحميرهم ولكنّهم لم يفهموا بعد أنّ ظلّ الخوف مسيطرًا عليهم. ولمّا جاء يوسف إلى البيت قدّموا إليه الهديّة التي معهم وسجدوا له إلى الأرض. لا شكّ في أنّ يوسف تذكّر أحلامه، سجدوا له كما يسجد للملوك، وهذا ما رفضوه. فسألهم عن سلامتهم وقال هل أبوكم الشيخ الذي ذكرتموه لي بسلامن أحيّ هو بعد؟ قالوا له أبونا يا سيّدي بسلام وهو حيّ بعد وانحنوا له ساجدين كلمة السلام، كلمة السلامة تتكرّر هنا أربع مرّات. فلماذا يفكّرون في الحرب، يفكّرون في البغض، يفكّرون في الموت، يفكّرون في العبوديّة وكلمة السلام تسيطر. فالربّ يكلّم البشر من خلال لسان البشر.

ونتابع قرأة فصل 43: 29

»فرفع عينيه ونظر إلى أخيه ينيامين ابن أمّه وقال: »قدّموا الطعام«.

ما نلاحظ هنا، عاطفة يوسف التي تقوى شيئًا فشيئًا مع الذروة حين اقترب من أخيه بنيامين، أخيه من أمّه رحيل.

نتابع القرأة 30 »ثمّ غسل وجهه ووخرج وتمالك نفسه وقال قدّموا الطعام«. فقدّموما له وحده، ولهم وحدهم، وللمصريّين الآكلين عنده وحدهم. لأنّ المصريّين لا يجوز لهم أن يأكلوا مع العبرانيّين لئلاّ يتنجّسوا. دائمًا إنقسام الشعوب، الفصل بين شعب وشعب، بين قبيلة وقبيلة، بين أمّة وأمّة وكأنّ البشر لم يخلقوا كلّهم على صورة الله ومثاله. وكأنّ البشر ليسوا كلّهم إخوة أبناء الآب الواحد، الآب السماويّ. يجب أن يأكل المصريّين من جهة والعبرانيّين من جهة لكي تتمّ الأمور بحسب منطق البشر، ولكن هذا ليس بمنطق الله. منطق البشر الغريب يبقى غريبًا إن لم يصبح عدوٌّا ولي الحقّ أن أسلبه، أن آخذ امرأته، كلّ شيء. نحن مع إخوتنا فقط، أمّا مع الآخرين فنعاملهم كأعداء ونستبيح أموالهم وأعراضهم والأمور لم تتبدّل حتّى اليوم، وبعد المرّات باسم الدين، باسم الين نحسب نفوسنا أحرار بأن نتصرّف بما يملك الآخرون، نتصرّف بمالهم.

آ 33: »وجلس الإخوة قدّامه كلّ واحد في مرتبته البكر أوّلاً والصغير آخرًا. فنظر القوم بعضهم إلى بعض متعجّبين«. نعم لماذا تعجّبوا لأنّ هذا الرجل الغريب جعل الكبير، ثمّ الأصغر، ثمّ الأصغر منتهيًا ببنيامين. هي علامة أيضًا هل أنّ الربّ حاضر هنا ولكنّهم لا يستطيعون أن يروا حضور الربّ وعمله، ما زال الخوف مسيطرًا عليهم. وسوف نرى بعد ذلك أنّه لمّا عرّف يوسف بنفسه إليهم، ما استطاعوا أن يتكلمّوا أيضًا من الخوف. فالخطيئة التي اقترفوها تجاه أخيهم يوسف، ما زالت تثقل ضميرهم، تثقل قلبهم، تثقل عقلهم، تعجّبوا، يا ليتهم ذهبوا أبعد من التعجّب، يا ليتهم قالوا الربّ هو الذي يوجّه حياتنا. أمور عديدة أحبّائين يجب أن نقرأها ونقرأ من خلالها إصبع الربّ يوجّه الأمور، يد الربّ تفعل. وكانت آخر علامة أرسل يوسف بعض الطعام من مائدته إليهم، طعام الملوك، طعام فاخر أرسله إليهم. فما أكلوا كما أكل سائر الناس الآتين من بعيد. فكانت حصّة بنيامين خمسة أضعاف حصّة الواحد منهم، شربوا معه حتّى سكروا، كأنّي بهم بشربهم وسكرهم أن ينسوا بعض الخوف الذي يسيطر عليهم.

من خلال قراءة سفر التكوين فصل 43 الذي عنوانه عودة بني يعقوب ومعهم بنيامين إلى يوسف، إلى أرض مصر، ليشتروا طعامًا، نلاحظ يد الله تفعل، يد الله ترافق الأخوة الأحد عشر الذين أساؤوا إلى أخيهم ومع ذلك الربّ هو الذي يمسك بيدهم. نظنّ بعد المرّات إذا أخطأنا أنّ الربّ سوف ياقبنا عن هذه الخطيئة، كلاّ، ليس الربّ بجلاّد، ليس الربّ بسيّاف قاسٍ يريد ان يقطع الرؤوس أن يعذّب الناس. كلاّ، الربّ هو ذلك الرحيم والذي يريد أن يهتمّ بنا رغم خطيئتنان لا ليقترف خطيئة معنا، لكن لينهضنا من هناك ومن خلال أمور بسيطة عاشها الإخوة الأحد عشر في بلاط فرعون أو بالأحرى في ضيافة يوسف نرى أنّ الربّ يرافقهم شيئًا فشيئًان يهتمّ بهم بفضّتهم، بحميرهم، بشخصهم، هم يخافون لأنّهم حسبوا الربّ شخصًا يجب أن نخاف منه، شخصًا يعاقبهم، كلاّ. أمّا إن جاء العقاب لسبب من الأسباب فهو لتأديبنا كما تقول الرسالة إلى العبرانيّين. وأيّ ابن لا يؤدّب أبوه. نحن نستطيع أن نحسب ما يحصل لنا من مرض أو فشل كأنّه تأديب من يد الله ولكن الربّ هو ربّ المحبّة والإله هو إله الرحمة فهو الذي لا يتخلّى أبدًا عن أبنائه بل يرافقهم حتّى النهاية وسوف يرافق أخوه يوسف الأحد عشر سوف يرافقهم حتّى التعرّف إلى أخيهم يوسف بل حتّى الغفران الذي لم يكونوا ينتظرونه ومع ذلك سيقول لهم: »أنتم نويتم بي شرٌّا والربّ نوى بي خيرًا«. سيقول أيضًا: »أرسلني الربّ أمامكم لأخلّصكم من الجوع ومن الموت«. وهكذا نفهم عناية الله بكلّ واحد منّا، في ظروف حياتنا اليوميّة، في أبسط الأمور، فيا ليتنا نتحلّى بالمحبّة فنرى أنّ الله لا يعاملنا إلاّ بالمحبّة، يا ليتنا نتحلّى بالرحمة نحو إخوتنا، نحو الذين نلتقي بهم فنعرف أنّ إلهنا هو إله الرحمة، وهو يطلب منّا الرحمة على ما قال الربّ في إنجيله: »كونوا رحماء كما أنّ أباكم في السماء رحيم هو«. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM