رحيل يعقوب إلى مصر

رحيل يعقوب إلى مصر

الفصل 45:16

الحلقة 66:

أحبّائي، سلام الربّ يكون معنا وكلمته تنير خطانا، نتابع قراءة سفر التكوين ونحن في خبر يوسف الطويل، هذا الرجل الذي رافقه الربّ في محنته وفي مجده، في آلامه كنت أقول وفي قيامته لكي يكون خلاصًا لإخوته. وموضوعنا اليوم رحيل يعقوب إلى مصر نقرأ فصل 45: 16-20 وما يلي: »وبلغ قصر فرعون خبر مجيء إخوة يوسف... فأجود جميع ما في أرض مصر هو لكم«.

في هذا المقطع الأوّل الذي هو دعوة فرعون ليعقوب لأن يأتي إلى مصر، هي دعوة بشريّة وسوف نرى فيما بعد أنّ هذه الدعوة إنّما هي دعوة من الله. فالربّ يحدّثنا من خلال الأشخاص. هذا مهمّ جدٌّا خصوصًا بالنسبة إلى مصر. فابراهيم ذهب إلى مصر وكانت له خبرة سيّئة جدٌّا نتذكّر في الفصل 12 بسفر التكوين لمّا ذهب إبراهيم إلى مصر وأخذت منه امرأته سارة بل هو أعطاها لفرعون، باعها كما يقال لتسلّم بحياته، إذا خبرة سيّئة عاشها الآباء في مصر. ومع ذلك سوف نرى بدعوة فرعون ليعقوب نداءً من الربّ نقرأه بفصل 46. لكن هنا نسمع ما يقدّمه فرعون يقول: أجود جميع ما في أرض مصر هو لكم. في الواقع أقام العبرانيّون والهاربون من حرب الملوك الرعاة في الدلتا، وفيها ما فيها من ماء في أرض جللان على حدود مصر ليستطيعوا الهرب ساعة يشاؤون. نلاحظ أيضًا أنّ فرعون فرح، لماذالله لأنّه يحبّ يوسف ولأنّه يحب يوسف أحبّ إخوته جميعًا ولم ينسَ بأن يرسل المركبات للأطفال والنساء ولا سيّما للأب الشيخ يعقوب. ونتابع قراءة النصّ 45: 21.

»ففعل بنو يعقوب كما أمرهم فرعون... وعادوا وهم يحملون الهدايا«. أرسلوا أخاهم إلى مصر شبه عارٍ، أرسلوه مبيعًا للإسماعليّين، ارسلوه كعبد لا يملك سيء حتّى ولا حرّيته، حتّى ولا يديه، حتّى ولا جسده. أمّا يوسف فأعاد إخوته محمّلين بالهدايا على المركبات مع الزاد وخصوصًا هناك هدايا خاصّة ببنيامين ولأبيه يعقوب. ويقول النصّ صرف إخوته في سبيلهم وقال لهم لا تبطئوا يعني أنا محتاج أن تعودوا سريعًا بسبب الجوع ولأنّ يوسف يريد أن يكون مع إخوته. وهناك قراءة ثانية تقول: »لا تتخاصموا في الطريق« في آ 24 بدل »لا تبطئوا في الطريق« »لا تتخاصموا في الطريق«. أترى لا يفهموا بعد إلى أين يوصل الخصام والنزاع بين الأخوة أتراهم ستخاصمون بسبب بنيامين والكأس التي وضعت في عدله. لا جواب على هذا ولكن يبقى أنّ الدرس يتوجّه إلينا. بعد أن ننال ما ننال من عطايا الربّ، من بركات الربّ لا نتوقّف عند التفاصيل. بعد أن نال إخوة يوسف ما نالوا من الغنى ومن الطعام ما يكفيهم لسنوات الجوع لا حاجة بعد للخصام والنزاع.

ونتابع القراءة 45:..25.

فصعدوا من مصر و»جاؤوا إلى يعقوب... أذهب وأراه قبل أن أموت« وهكذا صعدوا من مصر، دائمًا أرض الميعاد هي التي نصعد إليها ولا سيّما مع أورشليم المرتفعة عن سطح البحر ما يقارب 700 م. إذًا من أرض مصر صعدوا إلى أرض كنعان، إلى أرض ستكون عاصمتها أورشليم. وحملوا الخبر، الخبر السّار إلى يعقوب: »إبنك حيّ بعد«. لا شكّ في أنّ يعقوب لن يصدّق، فابنه مات وقد جاؤوه بثوبه المضرّج بالدم، قد يكون وحش افترسه أو أن يكونوا قد اقاوا بحيلة على أبيهم وذبحوا جديًا وغمسوا فيه ثوب يوسف. كان بإمكان يعقوب أن يتساءل لماذا لم يمزّق هذا الثوب، لماذا ظلّ كما هو؟ لماذا لم يمزّق بأسنان الوحوش؟ ولكن مهما يكن من أمر لم يصدّق يعقوب أنّ يوسف هو حيّ بعد. فقد يأس من وجوده. ولكن كما رأى المركبات، رأى كلّ هذا الخير، عادت روحه إليه، انتعشت روحه، فهم، صدّق. وقال لهم: »كفاني أنّ ابني يوسف حيّ بعد، أذهب وأراه قبل أن أموت«. تلك هي عاطفة الأب، خاف على ابنه بنيامين فلم يسلّمه إلى إخوته رغم سنوات الجوع إلاّ بعد أن أقنعوه. والآن بعد أن حسب أنّ يوسف مات، ها هو يعرف أنّه حيّ، »كفاني أن ابني يوسف حيّ أذهب وأراه قبل أن أموت«. نلاحظ في خبر سفر التكوين أنّ يوسف وبنيامين هما بشكل خاصّ أبناء يعقوب، كأنّي بالعشرة الباقين هم أبناء من الدرجة الثانية. هذا مهمّ جدٌّا لكي نفهم أنّ التاريخ هو غير الفكر الروحيّ، التاريخ يحدّثنا عن قبائل متعدّدة اجتمعت في وحدة دينيّة حول المعبد الواحد، ثمّ في وحدة سياسيّة ثمّ اعتبروا إخوة ولكن يوسف وينيامين هم من الدرجة الأولى كأنّي بهم خرجوا من قلب يعقوب.

ونتابع القراءة سفر 46: 1:

فرحل يعقوب بجميع ما كان له وجاء إلى بئر سبع... فيكون جميع الذين دخلوا مصر من بيت يعقوب سبعين نفسًا.

نتوقّف هنا في هذا النصّ أوّلاً على التبدّل العميق قي قلب يعقوب. في الماضي كان يعقوب رجل حكمة بشريّة، رجل الحيلة، احتال على أبيه فأخذ البركة، احتال على أخيه فأخذ منه حقّ البكوريّة. اتّكل على زنده، اتّكل على ذكائه، اتّكل على حيلته وحسب أنّه في النهاية هو الرابح فإذا هو الخاسر. عند خاله لابان تعذّب كثيرًا، عمل سبع سنين من أجل امرأته الأولى، وسبع سنين من أجل امرأته الثانية ثم وقتًا طويلاً لكي يستعيد بعض الخير لكي يعود إلى أرضه. اعتبر أنّ الوسائل البشريّة كافية ففهم هنا أنّ هذه الوسائل لا تكفي. اعتبر أنذ الحيلة تفعل فعلها، ففهم أنّ الحيلة والكذب معها لا يصلان إلى طريق طويلة. هنا تبدّل يعقوب كليٌّا، ما عاد يتّكل على نفسه، فهم أنّنا بدون الله لا نستطيع شيئًا ولكن مع الله لن يعود أمر مستحيل علينا. يقول النصّ ذبح ذبائح لإله أبيه إسحق والذبيحة علامة تقدمة الذات، علامة وضع إرادة الإنسان بين يدي الله، هذا ما فعله يعقوب. هو يعرف ماذا يفعل. هل ينزل إلى مصر أم لالله هل النزول إلى مصر هو بركة أم لا سمح الله لعنة؟ كما عاشه الأنبياء الذين هربوا إلى مصر ولا سيّما مع إرميا بعد المنفى. ذبح ذبائح لإله أبيه إسحق وكأنّه جاء يسأله من خلال الذبيحة، من خلال الصلاة، من خلال الاستسلام المطلق لإرادته. فقال له الله ليلاً في الرؤيا: »يعقوب، يعقوب« إذًا الربّ هو الذي يحدّثنا في قلوبنا. هو الذي يلهمنا في الصعوبات، هو الذي يعطينا نوره في بعض الخيارات الهامّة في حياتنا. وهنا الخيار هام جدٌّا. هل يبقى يعقوب في أرض كنعان أم يذهب إلى مصر. ولا ننسى الكتاب في سفر التكوين، كتب فيما بعد وأنّ مصر هي أرض العبوديّة بالنسبة إلى الشعب العبراني. أترى أبو الآباء يعقوب سيذهب إلى مصر؟ يعود إلى العبوديّة؟ ولكن الربّ هدّأ من روع يعقوب، هدّأ من روعه. كلّمه في الليل، كلّمه في أعماق قلبه، نلاحظه دائمًا الليل، الليل هو الظلمة فالربّ لا يرى. لهذا السبب فهو يحضر ليلاً لنسمع صوته دون أن نرى وجهه لأنّ الكتاب يقول لا يستطيع أحد أن ينظر إلى وجه الله ويبقى على قيد الحياة. ومع ذلك يقول الكتاب قال له الله ليلاً في رؤيا، لا شكّ ليس رؤيا العين، هي رؤيا القلب، رؤيا الإيمان، هي رؤيا من نوع يتعدّى اختبار البشر. وناداه باسمه يعقوب، نعم الله ينادي كلّ واحد منّا باسمه. فكلّ واحد منّا فريد في عين الله، كأنّ لا أحد غيره. وناداه مرّتين، هذا يعني أنّه ينتظر حقٌّا منه الانتباه التامّ، ينتظر منه الجواب، ينتظر منه الطاعة، وكان جواب يعقوب، جواب الطاعة »نعم، ها أنا مستعدّ« أنا مستعدّ لأن أسمع للربّ، أنا مستعدّ لأن أعمل بما يقوله لي الربّ. نتذكّر هنا يوسف خطيب مريم لمّا ظهر له الملاك يقول النصّ: »فقام وأخذ امرأته ولم يعرفها فولدت ابنها البكر ودعته اسمه يسوع«. ويعقوب هنا نعم هنا أنا، ها أنا مستعدّ لأن ألبّي ما يطلبه منّي الربّ لأن أطيع إرادته. قال الربّ أنا إله أبيك يعني أنا الإله الأمين كما كنت مع أبيك سأكون معك، لا تخف، لا تخف أن تنزل إلى مصر. الله هو الذي لا يتبدّل، نحن نتبدّل لكن الله فلا يتبدّل. لا تخف أن تنزل إلى مصر، فكما قلت يعقوب خائف، خائف من المجهول وهو الرجل الشيخ، أتراه يستطيع أن يبني حياته من جديد. فهو يخاف من مصر وعبوديّتها، هو يخاف بشكل خاصّ أن يكون خائنًا للعهد. هذا العهد الذي طلب من ابراهيم أن يعود من مصر لا أن ينزل إلى مصر، لا تخف. وما هو الدليل على أنّه يجب أن لا يخف. على ماذا يتّكل لئلاّ يخف. كلمة الربّ تقول له سأجعلك هنا أمّة عظيمة. الربّ يعد يعقوب بأن يكون شعبًا كبيرًا. ويقول الكتاب انطلق يعقوب بسبعين نفسًا، بسبعين نفسًا هو رقم مهمّ جدٌّا سنعود إليه. ولماذا إذًا هناك وعد، وعد بالبعيد، ولكن القريب ما الذي يؤكّد له أنّه يستطيع أن ينزل ولا يخاف، أن ينزل ولا يكون خطر عليه. جاء جواب الربّ في 46: 4 »أنا أنزل معك إلى مصر«، كلمة معك مهمّة جدٌّا: »أنا أكون معك« أنزل معك وأصعدك، إذا هنا لا يوجد خوف أبدًا، الربّ هو مع يعقوب. فلماذا يخاف بعد يعقوب. »فغذا كان الربّ معنا فمن يقدر علينا« يقول بولس الرسول. إذا كان الربّ رفيقنا فمن يخف، »الربّ نوري وحياتي فممّن أخف، الربّ حصّن حياتي فممّن أفزع. إذا تقدّم الأعداء عليّ فإنّهم يبيدون ويصرعون. فالربّ هو عن يميني وأنا لا أتزعزع«. كان هناك وعدان: وعد قريب يوسف يغمض عينيك ساعة تموت، وعد قريب سأجعلك أمّة عظيمة وما يربط كلّ هذا التاريخ هو كلمة »معك« أنا أكون معك، أنزل معك وأنا أصعدك. أصعدك لا شكّ أنّ يعقوب سيصعد من مصر ولكن في تابوت، في النعش ليدفن هناك في عفرون في قبر المكفيلة مع ابراهيم وإسحق ولكن سيصعد أيضًا يعقوب حين يصعد شعبه مع يشوع ابن نون فيما بعد عندما يصبح شعبًا كبيرًا. إذًا أنا أنزل معك، أنا أكون معك، الله هو الإله الأمين، هو الإله الذي لا يتبدّل بل يبقى حاضرًا مع الذين يحبّونه، يكفي أن نفتح له قلوبنا، أن نستسلم له، أن نسلّم له إرادتنا فهو حقٌّا معنا وهو يفعل.

ويقول النصّ قام يعقوب من بئر سبع.... هذا يعني أنّه أطاع صوت الربّ. نتذكّر أنّ صوت الربّ لا يكون أبدًا واضحًا كلّ الوضوح، هو يتوضّح عندما نمشي عندما نسير. صوت الربّ يبقى غامضًا في أعماق قلوبنا، ولكن الأحداث تساعدنا على توضيحه وكلمة النبي أيضًا تدفعنا لأن نتصرّف كما نتصرّف. إذًا مشى يعقوب كما أمره الربّ، ترك بئر سبع حيث كان أكيدًا من نفسه ومضى إلى المجهول ولكن لا مجهول والله هو معه. ذهب ولم يترك شيئًا وراءه. قطع كلّ الرباطات بأرض كنعان ومضى. هذا ما يحدث مع الشعب العبراني حين مضى إلى المنفى ولكنّهم سيعودون لأنّ الربّ ينزل معهم ويصعد معهم. وينهي الكتاب هذا النصّ فيقول لنا كلّ نسل يعقوب هم سبعون: 77، يوسف 67، وولداه 69، ويعقوب 70. الرقم 7 هو رقم رمزي 7×10 يدلّ على أمم الأرض، أمم الأرض هي سبعين، فالشعب العبراني يمثّل أمم الأرض كلّها، نزلت إلى مصر وهي ستصعد من مصر لتذهب إلى أورشليم حيث يدعوها الربّ. عدد سبعين نلاحظ تلاميذ يسوع كانوا سبعين كما قلت أمم الأرض هي سبعين أيضًا. هذا العدد يدلّ على أنّ بداية جديدة انطلقت مع يعقوب انطلقت من مصر لتصل إلى أرض الموعد، وهذه الانطلاقة ستطول ربّما 500 سنة، 600 سنة لا نعرف. فالتاريخ يقول لنا إنّ الملوك الرعاة نزلوا إلى مصر سنة 1750 وكان أوّل هرب 1550 وثاني هرب 1250، لا نعرف السنوات التي فصلت نزول يعقوب إلى مصر وصعود شعبه من مصر إلى أرض كنعان، على أيّ حال 1000 سنة في عيني الربّ هي كيوم أمس الذيعبر. لا يهمّ السنن العديدة. المهمّ هذه الأمانة. أمانة الله لنا وأماننا ؟. هذا ما عاشه وما فهمه يعقوب وأراد أن يعيشه وطلب من شعبه أن يعيشوه. المهمّ له ولنا أن نفهم ألاّ نخاف. أن نسمع صوت الربّ ونفهم أنّه معنا. نزل إلى مصر، الله كان معه، صعد من مصر، الله هو معه. إذا كان الله معنا فمن علينا. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM