يوسف في السجن

يوسف في السجن

سفر التكوين 40

الحلقة 61:

»وحدث بعد ذلك... مدّة إقامتهما في السجن«.

نلاحظ هنا أحبّائي تطوّر الأحداث، كأنّ الربّ لا يفعل وفي الواقع هو الذي يفعل. التقى يوسف بموظّفين كبيرين عند الفرعون: رئيس السقاط يعني ذاك الذي يقدّم له الخمر وغيره من الشراب، يذوقه قبل أن يقدّمه إلى الفرعون ربّما كن فيه بعض السمّ وكذلك نقول عن رئيس الخبّازين الذي يطهي الخبز، الذي يخبز الخبز لسيّده. إذًا، موظّفين كبيرين هنا سيلتقي بهما يوسف وقد يكون له خير من خلال هذا اللقاء. وكا في كلّ وقت، يوسف يصبح مسؤولاً. في بيت فوتيفار صار المسؤول، في سجن الملك صار المسؤول. وهنا، فأوكل رئيس الطهاة أمرهما إلى يوسف فاعتنى بهما مدّة إقامتهما في السجن، صار هو المسؤول عن هذين السجينين. ويتابع النص فيقول: »وفي ليلة واحدة... الحلم عليّ«. نتذكّر هنا ما يتعلّق بالأحلام. الحلم في الليل له دور كبير، فقد يعطينا معلومة سابقة أو معلومة في وقتها، يعطينا نقاوة الأفكار وشفافيّة الرؤية فنرى أمور لا نراها في النهار مع انشغالاتنا المتعدّدة وهمومنا. إذًا، هناك دور أوّل يدخلنا هنا على مستوى الحلم، هذا الدور هو أنّ الإنسان يتعلّم الشيء الكثير من الليل ومن هدأة الليل والنوم. ولكن الكاتب سيبّين لنا أنّ الربّ يتكلّم من خلال الحلم، يتكلّم من خلال الليل. صوت الربّ يأتي فيما من الحلم. نتذكّر هنا يوسف خطيب مريم، كلّمه الملاك في الحلم وقال له: »يا يوسف ابن داوود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك«. وقد يكون الربّ كلّم هذين الرجلين: رئيس الخبّازين ورئيس سقاط الملك وقد يكون كلّم من خلالهما يوسف ذاته. قالا: »رأينا حلمًا وما من أحد يفسّره لنا«. يوسف يعيد كلّ شيء إلى الله. أمّا ؟ كل تفسير«. هذا ما قاله هنا. وهذا ما سيقوله للفرعون حين يروي عليه حلميه على شاطئ النهر. إذَا، الربّ هو الذي يعطي التفسير، الربّ هو الذي ينيرنا في طرق حياتنا. يا ليتنا نتّكل عليه، يا ليتنا نسير بهديه، يا ليتنا نتفرّغ للصلاة قبل أن نتّخذ أي قرار أو نقوم بمشروع كبير، ففي حياتنا مع الربّ، ففي صلاتنا مع الربّ، نصل إلى ما يريده الربّ منّا، إلى اكتشاف مشيئة الربّ ولكن وهذا المهم، الله قد لا يتكلّم هو وإن تكلّم فيتكلّم في أعماق القلب ولكنّه عادة يتكلّم من خلال الأحداث، من خلال الأشخاص. هنا تكلّم من خلال يوسف وسوف نرى كيف أنّ يوسف عرف مصير الواحد ومصير الآخر. ويقول النص (آية 5): »حلم له تفسير غير تفسير الآخر«. في الواقع سوف نرى قصّتين مختلفتين كلّ الإختلاف. حلم يقود إلى الموت وحلم يقود إلى الحياة والرفح. ونتابع قراءة النصّ: »فقصّ رئيس السقاط... حين كنت ساقيًا«.

الحلم الأوّل كان بشير الخير بالنسبة إلى رئيس السقاط، سيعود إلى وظيفته الكبيرة كما كان من قبل وقد يكون بعض الناس افترى عليه ليأخذ مكانه. وهنا تصنيف الآية 14: »...« إذًا، يطلب يوسف العدالة وما نلاحظه في الآية 15: لم يقل خطفني إخوتي، باعني إخوتي، كلاّ. لم يذكر أحدًا من الذين كانوا في سبب عذابه، لا إخوته، لا فوتيفار، لا امرأة فوتيفار. كل ما قال: »أنا بريء، طُرحت هنا في السجن من غير أن أفعل شيئًا«. شدّد يوسف على براءته كأنّ به لا يريد انتقامًا من أحد، وهذا هو الواقع. سوف نراه لن ينتقم من اخوته بل يقول لهم: »ما أنتم أرسلتموني إلى مصر ولكن الربّ هو الذي أرسلني«.

أجل أحبّائي، الربّ هو في النهاية ذاك الذي يوجّه الأحداث. البشر أدوات وقد تكون نواياهم صالحة أو شريرة ولكن في النهاية الربّ هو الذي يكتب خطوطًا مستقيمة بأيدينا المتعرّجة والملتوية. ما همّ، إذًا، إذا كان يوسف في مصر، فالربّ هو الذي أرسله وسوف نرى في الخبر: »ارسله ليهيّء الطريق لإخوته، فلا يموتوا من الجوع«. هنا نتذكّر بولس الرسول بالرسالة إلى فيليبّي. أشخاص يدعونه إلى أن يذهب إلى الموت، يقول: »هناك من يدفعني حسدًا وهنا غيرة«. لكن ما يهمّ، سواء كان حسد أو غير حسد فيكفي أن اسم يسوع يُبشر به«. وهنا يوسف سيكون له الموقف نفسه. أُرسل إلى مصر بخطيئة، الخطيئة الأولى من إخوته الذين باعوه وثمّ كلّ هذا الوضع، وضع العبوديّة الذي عرفته كما قلت العصور القديمة وبعض العصور الحديثة، هذه العبوديّة التي نكشفها بعض المرّات في بيوت اشتروا ولدًا: صبيٌّا أو ابنةً فصار ملكًا في البيت يُعامل كما يُعامل الحيوان أو كما يُعامل غرض من أغراض البيت. إذًا، كان هناك خطا ولكن لم ينظر يوسف إلى الخطأ بل اعتبر أنّه أُرسل أمام إخوته ليكون مخلّصًا. وفي الواقع خلّصهم من الجوع ومن الموت. ومن مصر انطلقوا من جديد لنموّ الشعب الذي سيحمل عبادة الله الواحد. هذا بالنسبة إلى رئيس السقاط.

وماذا كان بالنسبة إلى رئيس الخبّازين؟

الآية 16: »...« تفسير الأحلام أمر قديم جدٌّا وكما قلنا فيما سبق قد يكون هناك بعض الأنوار يرسلها الله لهذا الله أو ذاك. في أي حال، ما قاله يوسف حدث. آية 20: »...« هنا نلاحظ أنّ ما قاله يوسف كان الحقيقة بالنسبة إلى رئيس السقاط وبالنسبة إلى رئيس الخبّازين ولكن ينهي النصّ: »نسي رئيس السقاط يوسف«. أجل، حين احتاج إليه لجئ إليه وفي النهاية نسيه. وهكذا ظلّ يوسف نسيًا منسيٌّا في هذا السجن الذي وُضع فيه وهو بريء. في الواقع لم يكن نسيًا منسيٌّا فالربّ لا ينساه. الربّ معه. وسيكون لهذان الحلمين امتداد كبير في أحلام فرعون.

سفر التكوين 41.

نلاحظ أن بعد تلك الحفلة التي فيها عاد رئيس السقاط إلى وظيفته مرّت سنتان طويلة في السجن، في البراءة، في العذاب، في الظلمة. الإنسان ييأس. أين هو الربّ؟ وقد يُجدّف على الربّ. طال زمن العذاب، طال عذاب السجن. وهي أمور نعرفها اليوم في حياتنا. ولكن الربّ قال لنا، الربّ يسوع: »من يصير إلى المنتهى، فذاك يخلص«.

كم نحن بحاجة إلى صبر طويل حتّى نتحمّل الصعوبات، صعوبات ربّما لم نكن نستحقّها ومع ذلك هي هنا ولا نقول يجب أن لا نقول يومًا هو الربّ ونجعل كأنّ الربّ هو سبب كلّ هذا. كلاّ، السبب هو البشر ولاحظنا لماذا يوسف أوّلاً بيع إلى مصر، بسبب إخوته. ولماذا هو في السجن، بسبب امرأة سيّده وبسبب سيّده الذي لم يستفهم أو بالأحرى كان عليه ألاّ يصدّق امرأته وهو الذي أخبر يوسف كما أخبره. إذًا، يوسف كان في السجن ولم يجدّف على الله ولم يقل يومًا: »الله هو الذي أعطاني هذا السجن«. كلاّ، ولا شكّ في أعماق قلبه أحسّ بهذا الحضور، حضور الله معه.

نحسّ هنا أنّ الأمور بدات تتحسّن بالنسبة إلى يوسف. نلاحظ هنا كيف أنّ يوسف يعيد كلّ شيء إلى الله. هناك أشخاص يعرفون أن يفسّروا الأحلام، هناك أشخاص تحلّوا بخبرة طويلة، بخبرة غنيّة ولكن يوسف اعتبر كلّ شيء يأتيه من الله. لا موهبة فينا، لا معرفة فينا، لا علم عندنا إلاّ من الله. هنا نتذكّر موسى لمّا كان في البريّة وطُلب منه بعض الماء. اعتبر أنّ القضيّة بسيطة وأنّه بقدرته يستطيع أن يخرج الماء بهذه العصا كأنّ العصا فيها قوّة سحريّة. لا، أخطأ موسى في ذلك اليوم خطأً كبيرًا. فهذه العصا هي عصا الربّ، هي علامة على حضور الربّ مع موسى. نسي موسى الربّ واعتبر أنّه بقدرته أن يخرج الماء من الصخر. لهذا السبب لم يضرب مرّة واحدة بل مرّتين وكان خطأه كبيرًا لأنّه اعتبر أنّ هذه القدرة التي بيده هي من عنده لا من عند الله. لهذا السبب اعتبر الربّ أنّ خطيئة موسى كبيرة وبسببها لم يدخل إلى أرض الميعاد بل مات على عتبة أرض الميعاد، على جبل مؤاد تجاه البحر الميت. أمّا يوسف فقال: »لا أنا بل الله هو الذي يجيب فرعون بما فيه سلامته«. الله هو الذي يقرّر. قد يعطينا الربّ هذه العطيّة أو ...............؟؟؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM