يوسف في مصر

يوسف في مصر

سفر التكوين 39:1-23

الحلقة 60:

»وأمّا يوسف... في كلّ ما يعمل«.

نرى هنا شخص يوسف وحوله عدد من الأشخاص.

أوّلاً: الإسماعليّون.

ثانيًا: فوتيفار.

ثالثًا: امرأة فوتيفار.

رابعًا: السجناء الذين كان يوسف معهم.

ولكن الشخص المهمّ والمهمّ في هذا الخبر هو الله. كلّ مرّة يقول لنا: »وكان الربّ مع يوسف«، كان الربّ معه.

من هم هؤلاء الأشخاص؟

الإسماعليّون هم الذين اشتروا يوسف من إخوته. نتذكّر كيف أنّ هؤلاء الإخوة باعوا أخاهم كما يُباع حيوان أو كما تُباع سلعة. إلى هذا الحدّ يستطيع البغض أن يصل بالإخوة. في الماضي والآن وفي كلّ آن. لهذا يقول المزمور: »أرادوا أن يأكلوا لحمي« يعني أن يسيئوا إليّ كل الإساءة. هذا الوضع الذي عاشه يوسف مع الإسماعليّين سيصل به إلى مصر. وهكذا انتقل يوسف من أرض كنعان، من كنف والده وبين إخوته إلى مصر.

الشخص الثاني هو فوتيفار. فوتيفار له وظيفتان: كبير الخدم ورئيس الطهاة. إشتراه كما يُشترى كلّ عبدٍ في ذلك الزمان. ومن المؤسف أن يكون هناك من عبيد في عالمنا المعاصر، وفي الدول هنا التي تحيط بنا، هناك العبوديّة وما زالت سارية. يُباع الولد، يبيعه أهله، فيصبح عبدًا في أحد البيوت ولا يراه أحد أبدًا. إذًا، فوتيفار اشترى هذا العبد العبراني كما سمّته امرأة فوتيفار وجعله في بيته. ولكن هذا العبد سيصبح حرٌّا، لا على مستوى الشرف، لا على المستوى المدني لكن على المستوى الاقعي، على المستوى اليوميّ.

ولماذا صار حرٌّالله لأنّ الربّ كان معه. حتّى فوتيفار لاحظ أن الربّ مع يوسف. إن كنّا عبيد فنحن أحرار في يسوع المسيح. وإن كنّا أحرار فنحن عبيد ليسوع المسيح أي مرتبطون بيسوع المسيح، متعلّقون بيسوع المسيح.

وكيف ظهر أنّ الربّ كان مع يوسف؟

هناك اقتناع داخليّ، هناك حياة من الرفقة بين الرب وبين يوسف ولكن هذه الحياة الحميميّة لا يعرفها أحد إلاّ الربّ ويوسف.

والخارجون كيف عرفوا أنّ الرب كان مع يوسف؟

يقول النصّ: »كان رجلاً ناجحًا«. هذا النجاح أوّلاً يدلّ على استقامة، استقامة في العمل. هذا النجاح يعني أيضًا الأمانة، الأمانة لسيّده. وهذه الأمانة لم تكن فقط على مستوى الملكيّة بل بشكل خاصّ على مستوى امرأة فوتيفار. مع أنّها أرادت أن تضاجعه - أن تنام معه - رفض وققال: »كيف أعامل سيّدي بهذه الطريقة، كل ما يملكه إئتمنني عليه«. كان فوتيفار صاحب أمانة فردّ عليه يوسف بأحسن منها، ردّ عليه يوسف بأمانة وضاعفة. إذًا، بسبب هذا الحضور، حضور الربّ مع يوسف، كان يوسف رجلاً ناجحًا. ويقول كأنّه رجل من البيت. ويتابع النص أن فوتيفار (آية 3) رأى أنّ الربّ معه وينجحه في كلّ ما تعمله يداه، فنال يوسف خطوة عنده وخدمه. وبما أنّ الربّ معه وبما أنّ يوسف تحلّى بالأمانة، لهذا أو كلّه فوتيفار بكلّ بيته، أو كلّه بكلّ ما كان له. نحن هنا أمام نظرة مسبقة سوف نراها مع فرعون عندما يوكل يوسف بكلّ بلاد مصر. ويقول الكتاب ( آية5): »لمّا وكّله على بيته، بارك الربّ بيت فوتيفار وكانت بركة الربّ على كلّ ما هو له«. البركة هي عطيّة الله، عطيّة ماديّة أوّلاً وعطيّة معنويّة من الوئام والسلام وعطيّة روحيّة من حضور الربّ في بيوتا. هذه البركة ظهرت أوّلاً أنّ أموال فوتيفار تكاثرت، أنّ خيراته نمت. ولماذا نمت؟ نستطيع أن نقول هنا أوّلاً لأنّ يوسف كان أمينًا فلم يسرقها ونستطيع ثانيًا أن نقول أنّ يوسف عمل بكدٍّ ونشاط فنمى خير سيّده. لهذا يقول الكتاب: »خدمه«. خدمه أي خدمه بأمانة وأخيرًا وهذا الأهمّ لأنّ يد الربّ هي مع يد يوسف، لهذا وصل البركة إلى هذا البيت. يقول النصّ: »وكانت بركة الربّ على كلّ ما هو له، في بيته وفي حقوله«.

هنا نقابل بين الآية 2 والآية 10. في الآية 2 قال: »وكان الربّ مع يوسف«. الآية 3: »الربّ معه«. في آية 10: »كلمته أن يكون معها«. مع من سيكون يوسف؟ مع الربّ أم مع هذه المرأة التي تخون سيّدها من أجل شهوة في قلبهالله

على كلّ حال، لم يكن الخيار صعبًا على يوسف، لا لأنّ التجربة لم تكن قويّة، ولكن لأنّه كان متمسّك بالله، مستند إلى الله، معتمد عليه. من بعد الإسماعليّين ومن بعد فوتيفار، تظهر امرأة فوتيفار. يبدأ النص فيقول: »كان يوسف حسن الهيئة جميل المظهر«. وهكذا اشتهته امرأة فوتيفار، أرادت أن تزني معه. هنا الصراع بين يوسف وبين هذه المرأة. يوسف غريب، يستطيع أن يستفيد من الظروف. يوسف شاب وقد يكون فوتيفار شيخًا، فهو يستطيع أن يتغلّب عليه في بيته وقد يلحق الزنى ربّما القتل، فيقتل فوتيفار وتصبح امرأة فوتيفار امرأته وخيرات فوتيفار خيراته. كلّ هذا ممكن على المستوى البشريّ. وقد يكون هذا مشروع امرأة فوتيفار، لكنّه لم يكن مشروع يوسف إطلاقًا. بدأ يوسف، رفض. يقول النص: »فرفض وقال لها«. لم يتوقّع، لم يناقش، لم يساوم أبدًا، لم يسمح لنفسه أن يقف وسنرى فيما بعد أنّه هرب. أمام التجربة لا يساوم، نتذكّر هنا آدم وحواء. هذه المساومة بين حواء والحية. هنا يوسف لم يساوم أبدًا، رفض وسوف نراه يخرج إلى خارج البيت لئلاّ يقع في التجربة.

وكيف رفض يوسف؟ ما الذي دفعه إلى الرفض؟

هناك سبب بشريّ وهناك سبب إلهيّ. السبب البشريّ أراد أن يجاوب ثقة فوتيفار به، ثقة من مثله تجاه فوتيفار. إئتمنه فوتيفار على كلّ شيء، فكيف يتجاوز يوسف وهو من هو أن لا يردّ على الأمانة بالأمانة. يقول لها: »سيّدي لم يمنع عنّي شيئًا غيرك لأنّك امرأته«. هذا يعني أنّ مشيئة السيّد واضحة. كلّ الخيرات هي في يد يوسف ويستطيع أن يتصرّف بها ما عدا امرأة فوتيفار. إذًا، لسبب أوّل رفض يوسف أن يزني احترامًا لسيّده. هذا السبب هو سبب بشريّ وهو مهمّ جدٌّا ولكنّه يبقى دون السبب الثاني الذي هو السبب الإلهيّ. يقول النصّ: »فكيف أفعل هذه السيئة العظيمة وأخطئ إلى الله«. (آية9). لا ننسى هنا الوصايا: لا تزنِ، لا تشتهِ امرأة قريبك. وهناك فرائض ووصايا وأحكام قاسية. الزاني يُرجم، ولكن كلّ هذا لم يفكّر فيه يوسف. فكّر في شيء واحد وهو كيف يخطئ إلى الله. هذا الله الذي معه، هذا الله الذي لم يتركه مع أنّ الجميع تركوه. إخوته باعوه، أمّا الله فلم يتركه. يقول المزمور: »إن تركني أمي وأبي فالربّ يستقبلني«. إذًا، هذا الربّ الذي لم يترك يوسف يومًا، فكيف يتركه يوسف وهو يتركه إن هو أخطئ إليه؟

لهذا السبب رفض يوسف كل الرفض، أن يقوم بهذا العمل، بهذه السيئة العظيمة. رفض أن يقع في هذه التجربة ولا شك في أنّ الله الذي كان مع يوسف لإنجاح عمل فوتيفار، كان بالأحرى مع يوسف من أجل حياته اليوميّة، حياته الأخلاقيّة، حياته مع الربّ. الربّ هو الذي قوّاه، فتغلّب على التجربة كما نقول بالأبانا: »لا تدخلنا في التجربة لكن نجّنا من الشرير«. مثل هذه الصلاة أو غيرها كانت في فم يوسف. ولكن هذه التجربة لم تكن تجربة قصيرة، غابرة، كلاّ. هي طالت ويقول النصّ في آية 10: »وكلمته يومًا بعد يوم«. إذًا، حاولت المرّة بعد المرّة بكلّ الوسائل، وسائل الإغراء، وسائل المال، وسائل الدعاية، ماذا نستطيع أن نقوم من مشاريع. إذًا، كرّرت محاولاتها هذه المرأة مرّة بعد مرّة ولكن يوسف ظلّ رافضًا، ظلّ جامدًا، ظلّ ثابتًا في محبّة الربّ والإبتعاد عن الخطيئة وعن كلّ أفعال السوء. ولكن احتالت عليه مرّة هذه المرأة وأخذت ثوبه فكان بيدها الدليل والبرهان على أنّه أراد أن يتضجع معها، أن يزني معها. لم تكتفِ هذه المرأة بأن دعته إلى الزنى، فهي الآن سوف تفتري عليه، تقول فيه السوء مع أنّه بريء من كلّ هذا. »أنظروا كيف جاءنا برجل عبراني ليداعبنا، دخل ليضاجعني«. وأخبرت الخدم وأخبرت زوجها. هنا أحبّائي فلنفكّر أين هو الربّ لا يتدخّل. يتدخّل حالاً، فيوسف هذا البريء الذي هرب من الخطيئة ومع ذلك هو يُعاقب أشدّ عقاب. يقول النص (آية 19): »حمي غضبه« أي لا شكّ أن يوسف ضُرب، جُلد، عُذّب، مُنع عن الطعام، مُنع عن الشراب، نام على الأرض، كل هذا ممكن. وكانت الخطوة الأخيرة: »جُعل في أصعب سجن في البلاد«، سجناء الملك الذين عادة يرسلون إلى الموت على مثل ما حدث لرئيس الخبّازين الذي نتحدّث عنه في الحلقة المقبلة. إذًا، أصعب سجن وُضع فيه يوسف، كان بالإمكان أن يقول: »كيف تركني الربّ؟«. ولكن النص يُسرع فيقول (آية 20): »وكان الربّ مع يوسف«. فالربّ لا يتركنا أينما كنّا، في أقصى الصعوبات الماديّة والروحيّة والمعنويّة، الربّ هو معنان قد نتركه، قد نحاول أن نبتعد عنه، قد نريد أن نتحرّر من يده، من مساعدته، نحسب حالنا كبارًا لا نحتاج إليه ولكن الربّ هو معنا. كان الربّ مع يوسف وكيف عامله بالرحمة، كيف ترحم الأم ابنها، كيف تحب الأم ابنها. هكذا الربّ ما زال يحب يوسف. وكيف ظهرت هذه الرحمة بالنسبةِ إلى يوسف؟ ظهرت حين نال حظوة عند قائد الحصن. أُرسل ليكون سجينًا فصار مع قائد الحصن. وكما أوكل فوتيفار كلّ ما عنده إلى يوسف، هكذا فعل قائد الحصن، سلّم إلى يوسف كلّ شيء.سلّمه هؤلاء السجناء وتعود الردّة، يعود القرار لأنّ الربّ يريدنا أن ننجح، أنّ الربّ يريدنا أن نتاجر التجارة الصالحة، أنّ الربّ يريدنا أن نكون سعداء، ويوسف هنا سعيد في أعماق قلبه رغم الحالة التي يعيشها. اشتُريَ كعبدٍ وهو الآن في أصعب سجن في مصر ومع ذلك حضور الربّ معه أعطاه سعادة لا يعطيها البشر. لهذا السبب كانت له المسؤوليّات وهو عبد والمسؤوليّات وهو سجين سُلّم كلّ شيء. سلّمه فوتيفار كلّ ما في بيته وسلّمه قائد الحصن تدبير جميع ما كان يعمله السجناء. صار رئيس السجناء وبعد قليل سيصبح رئيس مصر والثاني بعد الملك، بعد فرعون عندما يتسلّم السلطة التامّة على كلّ أرض مصر خلال سنوات الجوع وسنوات الشرح.

هذه أحبّائي الصورة الأولى عن يوسف ابن يعقوب، هذا الشاب الجميل الذي لم يُغره جماله لكي يمارس الزنى مع أنّ التجربة كانت كبيرة وكان باستطاعته أن يستفيد من هذه العلاقة مع امرأة سيّده لينال الغنى وينال الربح وأمورًا عديدة ولكنّه رفض يقول النصّ، بل هرب لأنّه ما أراد أن يبيع نفسه لقاء العالم كلّه. يقول يسوع: »ماذا ينفع الإنسان إن ربح العالم كلّه وخسر نفسه«. ما أراد يوسف أن يخسر نفسه. من أين جاءت يوسف هذه القوّة وهذه البركة؟ جاءت هذه البركة عليه وعلى فوتيفار وعلى جميع الذين اقتربوا منه. من أين جاء كلّ هذالله لأنّ الربّ كان معه. الربّ كان معه ويوسف كان مع الربّ. وهنا ننهي كلامنا بهذا الشيء المهمّ جدٌّا: الربّ هو دائمًا معنا كالشمس التي تشرق في قلب الإنسان، التي تشرق على البشر ولكن حضور الربّ لن يكون له المفعول الكبير والبركة الكبيرة إلاّ إذا فتحنا قلبنا لهذا الحضور، فتحنا قلبنا لهذه البركة. هذا ما فعله يوسف، فتح قلبه فنال حظوة عند كلّ الذين خدمهم. ونحن الربّ معنا، فكيف نفتح له قلبنالله هنيئًا لنا إن فعلنا. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM