يعقوب في بيت إيل

يعقوب في بيت إيل

سفر التكوين فصل 35/..1.

الحلقة 57:

بيت إيل هي مدينة مقدّسة في فلسطين وكان اسمها لوز قبل أن يعطيها اسمًا جديدًا. بيت إيل معناها بيت الإله لأنّها كانت مدينة مقدّسة.

وقال الله ليعقوب قم واصعد إلى بيت إيل... فسمع بذلك يعقوب. ماذا نجد في هذا الفصل، دائمًا حضور الله مع حضور الموت، مع حضور الخطيئة، الله حاضر في حياتنا كما هي. حضور في الولادة مع ولادة بني يمّين الابن الثاني عشر ليعقوب من راحيل تلك المرأة المحبوبة ومع الولادة هناك الخطيئة، خطيئة راؤبين بكر يعقوب الذي ضاجع بلهة محظيّة أبيه ويقول النصّ فسمع بذلك يعقوب، يعني عرف ولم يرضَ عن فعلة ابنه. وسوف يكون قاسيًا عليه كما تقول مباركات يعقوب في سفر التكوين فصل 49. سمع بذلك يعقوب يعني لم يكن راضيًا عن تلك الفعلة الشنيعة. يبدأ هذا الفصل بلقاء بني الربّ ويعقوب. ظهر الله ليعقوب، هذا الظهور يدلّ على حضور في قلب يعقوب. قد يكون يعقوب في صلاة، في تأمّل، في انتظار وهو الربّ يقول له ما يفعل. وكلام الربّ يصل إلينا من خلال الأشخاص الذين حولنا. إذًا عندما نسمع »وقال الله« ونقول ما قلناه سابقًا لسنا أمام رجل يكلّم رجل. إنّما هو الربّ يلامس قلوبنا فيرينا ما يجب أن نعمل، يفهمنا ما يجب أن نعمل، هناك أصوات عديدة هل نعرف أن نميّز صوت الله بين الأصوات العديدة. هناك إشارات عديدة، هل نعرف أن نميّز ما يشير إلينا الله. هذا التميّز يرتبط بالنفوس التقيّة، بالنفوس العائشة دومًا في حضرة الله. النفوس التي تعيش بحسب وصايا الله. قال الله ليعقوب قم واصعد إلى بيت إيل وأقم هناك، وابنِ مذبحًا ؟ الذي تراءى لك حين هربت من وجه عيسو أخيك. بداية جديدة بالفصل 28 نتذكّر عندما هرب يعقوب من فلسطين إلى حاران، التقى بالربّ في بيت إيل. نتذكّر إذًا بالنصّ 28 لمّا كان يعقوب نائمًا يقول النص 28/11 فوصل يعقوب عند غياب الشمس إلى موضع رأى أن يبيت فيه. فأخذ حجرًا من حجارة الموضع ووضعه تحت رأسه ونام هناك فحلم أنّه رأى سلّمًا منصوبًا على الأرض رأسها إلى السماء وملائكة الله تصعد وتنزل عليها وكان الله واقفًا على السلّم. كأنّي بالله هناك والملائكة تحمل أوامر الله الى يعقوب. تذكر يعقوب هذه الخبرة الأولى وهو تاركٌ أرض فلسطين وهو يعود الآن. وكأن لا ننسى أحبّائي بفصل 28 أيضاً كان قد وعد 28/20 ونذر يعقوب نذرًا قال: إن كان الله معي وحفظني في هذه الطريق التي أسلكها ورزقني خبزًا آكله وثيابًا ألبسها ورجعت سالمًا إلى بيت أبي يكون الربّ لي إلهًا وهذا الحجر الذي نصبته عامودًا يكون بيت الله، وكلّ ما يهبه لي أعطيه عشرة. تذكّر يعقوب كلّ هذا، وهو ينفّذ ما نذر به ؟، ما وعد به الله ولن يكون هذا العمل عملاً عامرًا بل إنّ يعقوب سوف يقيم في بيت إيل. نتذكّر أحبّائي أنّ كلّ أب من الآباء ارتبط اسمه بموضع مقدّس. إبراهيم بحبرون، إسحق ببئر سبع، يعقوب ببيت إيل، وموسى بجبل سيناء وهارون بغور أي الجبل أحد الجبال ببني سيناء وموآب. أقم هناك وابني مذبحًا ؟ الذي تراءى حين هربت من وجه عيسو أخيك. دائمًا المؤمن ينظر إلى الوراء، يشكر للربّ أنعامه وينطلق من الحضار ليصل إلى المستقبل. نظر إلى الوراء وكما تذكرنا فيما مضى حين قال يعقوب في صلاته ما كان لي شيئًا إلاّ هذه العصا وها أنا معي كلّ هذا الغنى. كيف يكون اللقاء بين يعقوب وبين الله. هناك وجهة سلبيّة وهناك وجهة إيجابيّة. الوجهة السلبيّة تبدأ يقول يعقوب وهنا مهمّة جدٌّا: أزيل الآلهة الغريبة بينكم وتطهّروا وبدّلوا ثيابكم. أزيل الآلهة الغريبة أنا الربّ إلهك لا يكن لك إله غيري. لا نستطيع أن نعبد الله وفي الوقت عينه نعبد الآلهة الغريبة، الآلهة الكاذبة. الله وحده هو السيّد في قلوبنا، في حياتنا، في عيالنا وفي جماعاتنا. ولهذا هناك عمل يجب أن نقوم به، أن نلغي، أن نستبعد كلّ الآلهة الغريبة، كلّ الأصنام التي تملأ قلوبنا فلا يبقى سوى الله. إذا كانت قلوبنا فارغة تمتلئ بآلهة غريبة. ولكن إذا ملأها الله لن تكون موضع لهذه الآلهة الغريبة. ويتابع النصّ. تطهّروا وبدّلوا ثيابكم هذا في الواقع ما فعله العبرانيّون عند صعودهم جبل سيناء، أو بالأحرى بداية جبل سيناء لأنّ الجبل لا يمكن الصعود إليه ومن صعد يقتل لأنّه جبل مقدّس. وكما صعد العبرانيّون كذلك صعد شعب يعقوب، جماعة يعقوب صعدت إلى بيت إيل. إذًا قبل أن نتحدّث عن عبادة الله الواحد هناك استبعاد للآلهة الغريبة، للأصنام. ونتذكّر بشكل خاص أنّ راحيل سرقت أصنام أبيها وجاءت بها إلى أرض فلسطين. لا يمكن لهذه الأصنام أن تكون موجودة بين شعب الله في أرض الله. أخذ يعقوب هذه الأصنام بل أخذ ما يتعلّق بهذه الأصنام من الحلق والخواتم وغيرها التي كانت تجعل في يد الصنم فترتبط بالعالم الوثنيّ. كلّ هذا أخذه يعقوب وطمره، كأنّه مات. وكأنّنا في دخول جديد إلى أرض كنعان هذا ما حصل بالنسبة إلى يشوع حين دخل إلى الأرض المقدّسة، صنع الشيء نفسه. وستكون خبرة بشعة جدٌّا مع هارون بسفر الخروج فصل 32 حين أخذ الحلق والخواتم والجواهر وغيرها وصبّها لتكون عجلاً صغيرًا فكأنّه أراد أن يكرّسها في عبادة الأوثان، في عبادة الأصنام. أمّا يعقوب فطمرها في الأرض حتّى لا تذكّر عائلته بشيء من عبادة الأصنام.

»قوموا نصعد إلى بيت إيل« يعني بيت الله فأبني هناك مذبحًا ؟ الذي أعانني في يوم ضيقي. تذكّر يعقوب في لمحة بصر المعونة التي رافقت يعقوب رغم الحرّ والبرد، رغم الوحوش التي تتربّص بالبلاد، رغم معاملة لابان له يقول أعانني الربّ في يوم ضيقي. وفي كلمته هذه الشكر الكثير، أعانني في ضيقي وكان معي في الطريق التي سلكتها هو الذي قال ليعقوب: »أنا أكون معك«. وإنّ يعقوب يعي ويفهم أنّ حقٌّا الله كان معه. لم يكن كلام الله كلامًا خارجيٌّا، كلامًا فارغًا، لا يرتبط بالواقع بل هذا النداء يقول يعقوب كان معي، أحسّ بحضوره، أحسّ برفقته، أحسّ بمعونته، أحسّ بمساعدته. أمر يعقوب إذًا وطمرت كلّ الآلهة الوثنيّة وطمر معها ما يذكّرنا بهذه الآلهة من الحلق والخواتم وغيرها. وهنا بآية 5 »فحلّ ذعر من الله التي حولها«. لماذا يقول النص في خطّ الكتاب المقدّس إذا كان الشعب مع الله، فالله مع الشعب. وإذا كان الشعب ضدّ الله فالله ضدّ الشعب. إذًا الله معنا إذًا نحن أقوياء. الله ليس معنا نحن ضعفاء. خاف الناس من بني يعقوب لأنّهم تكرّسوا كلّيٌّا ؟. نتذكّر هنا مثلاً بسفر يهوديت مع أحيور العمونّي قال للجيش الهاجم على بيت فلوى باب أورشليم هذا الشعب إذا كانوا أمناء ؟ فهم أقوياء جدٌّا. فإذا خانوا الربّ فهم ضعفاء. دلّ يعقوب هنا على أمانته التامّة هو وأهل بيته. كلّ الأصنام، ومع الأصنام كلّ العادات بقيت هنا. سنترك المكر والكيد والكذب والمراوغة مع هذه الأصنام التي طمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم. موت كما قلت على مستوى راحيل، موت على مستوى دبّورة، مرضعة رفقة. وهنا أيضاً الموت يأتي بحياة الإنسان ونعود أيضاً بآية 9 وتراءى الله ليعقوب أيضاً حين جاء من سهل آرام وباركه وقال له أسمك يعقوب لا يدعى بعد الآن اسم يعقوب بل إسرائيل فسمّاه إسرائيل. نتذكّر هنا فصل 32/29 حين بدّل الله اسم يعقوب الى اسم إسرائيل فبيّن أنّ له سلطة عليه. نقول لماذا التكرار، التكرار موجود هنا بسبب التقاليد المتنوّعة. هنا تقليد نسمّيه يهوه يعني يسمّى الله يهوه الربّ، التقليد يشدّد على قرب الله من الإنسان. في التقليد نسمّيه إيلوهيمي يسمّي الله إيلوهيم ويشدّد على مخافة الله وهناك أيضاً التقليد الكهنوتيّ الذي دوّنه الكهنة والاشتراعي الذي هو بشكل عظة يقدّمها الكاتب باسم موسى وكأنّي بموسى جلس عند الجبل وأعاد كتابة الوصايا العشر في محيط زراعي، لا في محيط من البدو والرعاة. ونلاحظ أنّ الله يربط يعقوب بآدم أوّلاً: إنموا وإكثروا«. هكذا قال الربّ في بداية الخليقة، »إنموا واكثروا«. وربطه أيضاً بإبراهيم أمّة ومجموعة أمم تكون منك وملوك من صلبك يخرجون فكأنّي بيعقوب هو ملتقى آدم وإبراهيم، التقى الاثنين معًا مع يعقوب. ويربطه الأرض التي وهبتها لإبراهيم وإسحق أهبها لك ولنسلك من بعدك. حضور الربّ كما قلت هو حضور خفيّ. وأراد يعقوب أن يجسّد هذا الحضور فنصب هناك عامودًا من حجر بشكل مذبح حتّى يذكّر يعقوب وأبناءه ونسله من بعده الخبرة التي عاشها يعقوب مع الربّ. الربّ الذي هو مسلّط عليه، الذي بدّل له اسمه والذي بدّل له وظيفته. لن يكون يعقوب ذلك المراوغ الذي يتعقّب أخيه، الذي يلاحقه مرّة أولى، ومرّة ثانية، أخذه منه البكوريّة وأخذ منه البركة سيكون إسرائيل يعني قدرة الله قوّة الله، إن كانت له من قوّة فهي تأتيه من الله لا من البشر. هذا أحبّائي هو معنى الفصل 35 من سفر التكوين الذي عنوانه يعقوب في مدينة بيت إيل يعني بيت الله. هذه المدينة التي تكرّست بحضور الله التي تكرّست بأمّة يعقوب وأبنائه في هذا المكان. عرفنا الولادة، عرفنا الموت، عرفنا الخطيئة، عرفنا إزالة الآلهة الغريبة. وخصوصًا عرفنا حضور الله الذي رافق يعقوب منذ البداية حين ترك الأرض ويرافقه حين يدخل الأرض. الربّ هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، لا يتغيّر ولا يندم على عطاياه. يبقى علينا أن نفتح قلوبنا وحياتنا على نداءاته وعمله. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM