بنو يعقوب في شكيم مع دينا أختهم

بنو يعقوب في شكيم مع دينا أختهم

سفر التكوين فصل 34

الحلقة 56:

وخرجت دينا بنت يعقوب من ليئة امرأته لتشاهد... أمثل زانية يعامل أختنا.

هذا الفصل مزعج بما فيه من مكر وكيد آية 13. يقول النصّ فأجاب بنو يعقوب شكيم وحامور بمكر وكيد. وهذا المكر وهذا الكيد سيصل بحيلة إلى الختان ومن بعد الختان يكون القتل والسلب والنهب. هذا من جهة ومن جهة ثانية عندنا عمل زنى مع فتاة غريبة جاءت إلى ذلك المكان من قبل شكيم ابن حامور. إذًا هنا نفهم أنّ هذا النصّ لن نقرأه بطريقة حرفيّة ولكن نستخلص منه بعض العبارات.

أوّلاً على مستوى الزنى، زنى شكيم مع دينا ابنة يعقوب. فوجب عليه أن يتزوّج الفتاة. وهنا يظهر الوجه الطيّب لأبناء تلك الأرض، تجاه الوجه البشع لأبناء يعقوب وخصوصاً شمعون ولاوي. أريد هنا أحبّائي أن أقدّم هنا ملاحظة مهمّة جدٌّا. نعتبر بعض المرّات أنّ الشعب العبراني، الشعب المختار، هو الذي يعيش الوصايا أفضل عيش، هو الذي يتعامل مع الناس أفضل معاملة. هذا الأمر ليس بصحيح. بفصل 20 من سفر التكوين رأينا ملك جرار يتفوّق على إبراهيم بالصدق. أمّا إبراهيم، فتصرّف بكذب وحيلة لينجو بنفسه. وهنا نقول الشيء عينه بالنسبة لبني شكيم وبني يعقوب. بنو شكيم أو بالأحرى شكيم هو الذي أحبّ تلك الفتاة، ضاجعها فطلب أن يأخذ يدها. ونحن هنا بحسب عوائد العالم الشرقيّ القديم وهنا بعد النتائج في هذا العالم الشرقيّ الحديث. من جهة ثانية هؤلاء الناس الذين أقام بقربهم بنو يعقوب، هم ذوو نيّة صالحة. طُلِبَ منهم أن يختتنوا، فرفضوا. رضى أوّلاً شكيم وحامور أبوه، رضيا بسبب الزواج وأهل المدينة رضوا لأنّهم اعتبروا بأنّ غنى يعقوب سيكون لهم. بآية 23 نقرأ النصّ: تصير مواشيهم ومقتنياتهم وجميع بهائمهم لنا، إن نحن وافقناهم على هذا وأقاموا معنا. هنا إذًا فائدة على مستوى شكيم وحامور بالنسبة إلى الزواج وفائدة بالنسبة إلى أهل المدينة على مستوى الربح الذي يمكن أن يكون لأهل المدينة من التقارب مع عائلة يعقوب. نلاحظ أنّ الأمور مضخّمة هنا. يبدو يعقوب وكأنّه قبيلة كبيرة، يبدو وكأنّه ملك، يستطيع أن يهاجم بابنين من أبنائه فقط مدينة كبيرة. يجب أن نعيد الأمور إلى نصابها ونفهم أنّنا أمام انتقام بسيط جدٌّا. زنى أحد الناس مع دينا فقتل. ولكن عمليّة التضخّم حتّى تظهر بشاعة قبيلتين شمعون الذي زال من الوجود بعد أن ابتلعه يهوذا. في الأصل كان من الجنوب يهوذا وشمعون فلم نعد نسمع ذكرًا لشمعون. أمّا لاوي فتشتّت في طول البلاد وعرضها. فكان الكاتب يريد أن يبيّن هذا العنف، عنف شمعون ولاوي. لهذا السبب أظهر بشاعة كبيرة لما عملاه وأظهرا الشرّ الذي حصل بفعلتهما. وسيقول يعقوب كدّرتماني وجلبتما عليّ البؤس. لم يفكّرا بالنتائج المترتّبة على هذا العمل البشع، على هذا العمل الذي فيه بما فيه من عنف وانتقام. من جهة ثانية نلاحظ أنّنا أمام زواج بسيط. شكيم جاء يطلب يد ابنه من البنات وهو مستعدّ لأن يدفع الثمن. يقول هنا: أكثروا عليّ المهر والهدايا فأعطيهم قدر ما تطلبون، وأعطوني الفتاة زوجة لي فصل 34/12. نلاحظ أيضاً هذه الفتاة، التي جاءت من الصحراء، من البرّيّة من حدود الأرض المزروعة لأنّ هناك كان يعيش البدو، وجاءت إلى المدينة. وفي هذا عبرة مهمّة جدّصا. ففي المدينة بالنسبة إلى العبرانيّ هي موضع الخطيئة، موضع الزنى، جاءت دينا إلى المدينة فوقعت حالاً في الفخّ... والكاتب الملهم هنا وفي غير مكان يشدّد على الأخطار التي تشكّلها المدينة بالنسبة لأبناء إبراهيم وإسحق ويعقوب. وصولاً إلى سفر الأمثال حين يكلّمنا عن الزانية التي تغوي الشابّ الآتي من الريف أو الآتي من البرّيّة. وهنا دينا سقطت في الفخّ وكان الزنى مع شكيم أحد وجهاء تلك المدينة. النصّ هنا كما قلت يصوّر شخصين ثقيلان كلّ ذكر في المدينة. ثمّ يحدّثنا عن السلب والنهب في هذه المدينة مع تضخيم الأمور كما قلت. من هنا أخذوا غنمهم، بقرهم، حميرهم كلّ ما في المدينة، كلّ ما في الحقول وسبوا وغنموا جميع ثروتهم وكلّ أطفالهم ونسائهم وسائر ما في البيوت. حين صوّر الكاتب هذه العمليّة من السلب والنهب، دلّ على بشاعة العادات في ذلك الوقت بل في أيّامنا أيضاً. وقد عرفنا في بلدنا السلب والنهب ودمار البيوت وإحراق البيوت. عندما نقرأ هذه النصوص لا نرضى، نشمئزّ بعض الشيء، لماذا كلّ هذا القتل، لماذا كلّ هذا السلب. سبيت النساء، سبيت الأطفال، لم يبق شيء في البيوت. ما هو الكتاب المقدّس الذي يخبرنا بمثل هذه البشاعات. أحبّائي الكتاب المقدّس هو مرآة عن العالم الذي نعيش فيه، هو مرآة عن المجتمع الذي نعيش فيه. وهذا المجتمع هو مجتمع الخطيئة. لكن هل نبقى في الخطيئة، كلاّ. فيعقوب ذلك الماكر الكذّاب سوف يخرج شيئًا فشيئًا من هذه الخطيئة. ثمّ لا نحسب يومًا أنّ الكتاب المقدّس هو كتاب أخلاقيّات، كلاّ. فيه أمور أخلاقيّة ولكن فيه الأمور الواقعيّة التي تصوّر المجتمع في ضعفه، في خطاياه، في الشرّ الذي فيه. لكن المهمّ أن لا نبقى في هذا الشرّ، المهمّ أن نتطلّع إلى هؤلاء الناس ونرفض السير في خطاهم. نرفض السير في خطى دينا التي وقعت في الفخّ ولم تكن مهيّئة إلى هذا المحيط الذي ذهبت إليه. وننتبه من شكيم الذي ضاجع ابنة غريبة ليس لها من يدافع عنها وقد ميّز الكاتب بين زنى في المدينة تستطيع الابنة أن تصرخ ويأتي من يعينها وزنى في البرّيّة، في الحقل لا تستطيع الفتاة أن تصرخ وإن صرخت لا يستطيع أن يسمع لها أحد. هنا زنى شكيم هو في المدينة. فقد تكون البنت صرخت أو لم تصرخ هو لا يقول لكن الواقع أنّ شكيم مخطئ لأنّه غرّر بابنة جاءت من الريف، جاءت من حدود الأرض المزروعة فلم تكن تعرف كيف تتصرّف في هذه المدينة. نبتعد عن تصرّف دينا. نبتعد عن تصرّف شكيم ذلك الزاني ولو حاول فيما بعد أن يعوّض عن زناه من زواجه من دينا. وننتبه إلى تصرّف ابنيّ يعقوب شمعون ولاوي. تصرّف العنف، حملا السيف وقتلا الناس. والقتل هو خطيئة كبيرة. إذا كانوا قالوا بأنّ شكيم زنى آية 7، هذا عمل لا يعمل. فبالأحرى هذا القتل، القتل الواسع هو عمل لا يعمل فكيف سمحا لنفوسهما أن يفعلا هذا. بعد أن سلّم أهل المدينة نفوسهم إلى بني يعقوب فقتلوهم. إنطلقوا من القدس، من الأقداس، من عمل مقدّس، إستفادوا من الختان والناس مرضى ليقتلوا من قتلوا. خطيئة ضدّ الله، خطيئة ضدّ شريعة الختان التي لم يراعوها أبدًا وخطيئة ضدّ هؤلاء الناس الذين أمّنوا لهم. هنا نتذكّر مرّات عديدة هجوم أهل البدو، على أهل الحضر، على أهل المدن. لا نتشبّه أوّلاً بشمعون ولاوي، ولا نتشبّه بسائر الإخوة الذين استسلموا للنهب والسلب فكأنّهم وافقوا أخويهم لما فعلا. أمّا يعقوب فلا نوافقه أيضاً. هو لم يندّد بعمل شمعون ولاوي لأنّه عمل شرّير بل خاف على نفسه وخاف على أولاده. أين هي حقوق الإنسان، أين هو احترام الإنسان، احترام الضعيف، احترام الأعزل، احترام الآمن، احترام الفتاة والمرأة، احترام الأطفال الذين نسبيهم والنساء أيضاً. أين هو احترام الكلمة التي نقولها. أين هو البعد عن الكذب وعن المكر وعن الكيد. أحبّائي في هذا الفصل 34 من 1 إلى 31 عندنا صورة سوداء، صورة قاتمة عن حياة يعقوب مع بنيه، صورة عن هذا الجوّر من الزنى والقتل والسلب والنهب، صورة عن عالم تعرّفنا عليه ونتعرّف عليه في أوقات الحروب عنمدا يهجم المنتصر فيقتل ويسرق ويهدم ويحرق. لا نعتبر نفوسنا أفضل من هؤلاء الناس الذين نسمّيهم بدائيهين. البدائيّ هو الذي ينسى وصايا الله، هو الذي يجعل كلام الله وراء ظهره. هو الذي يقتل، يسرق، يزني وهنا عندنا 3 وصايا سقط فيها الناس الذين هنا: زنى شكيم، قتل شمعون ولاوي، سرق أخوة شمعون ولاوي وهكذا ديست ثلاث وصايا من وصايا الله العشر. أترى الله يكون راضيًالله كلاّ، أترى الكاتب الملهم يكون راضيًا ؟ كلا. ولكنّه أحبّ أن أمثولة بطريقة سلبيّة. أترى نفعل نحن كذلك؟ كلاّ. بل نتبع وصايا الله، فوصايا الله فيها الحياة. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM