أولاد يعقوب

أولاد يعقوب

وخصوصًا يوسف ابن راحيل

سفر التكوين فصل 30/1-24

الحلقة 52:

ولمّا رأت راحيل أنّها لم تلد ليعقوب، غارت من أختها... آذان الله عاري وسمّته يوسف وقالت يزيدني الربّ ابنًا آخر، ماذا نرى هنالله نرى عائلة يعقوب. في الفصل السابق كنّا رأينا ليئة وقد ولدت أوّلاً رأوبين ثمّ ولدت شمعون ثمّ ولدت لاوي ثمّ ولدت يهوذا. ونحن نراها في هذا الفصل تلد أوّلاً يساكر ثمّ زبولون وفي النهاية ولدت ابنة سمّتها دينا. أمّا على مستوى راحيل فجاءها ولد وسمّته يوسف يعني الربّ نريد. وكان ليعقوب مع خادمة ليئة واسمها زلفة علاقة زواجيّة فولدت له ابنين الأوّل جاد والثاني أشير. هذا على مستوى قصّة أو خبر عيلة من العيل. رجل عنده أربعة نساء. سنعود إلى هذا الحديث فيما بعد ولكن نفهم منذ الآن أنّنا هنا أمام قبائل: راحيل، ليئة، بلهة، زلفة هي قبائل. وكذلك نقول عن كلّ أبناء يعقوب هم قبائل. هذه القبائل كانت مشتّتة في فلسطين وخارج فلسطين حتّى بلاد آرام. حين صار بينها اتفاق سياسيّ انتقل هذا الاتفاق على المستوى العائلي. وجمع الكاتب في شخص يعقوب نساءه الأربعة يعني القبائل الأربعة وأولاده الاثني عشر يعني كلّ القبائل جعلها ترتبط كلّها بيعقوب، بإسحق بإبراهيم مع أنّ لا علاقة لها على المستوى الولادة بين إبراهيم وإسحق ويعقوب. نحن أمام ثلاث قبائل تبتعد الواحدة عن الأخرى كثيرًا ويكفي أن نعرف أنّ إبراهيم عاش في حبرون. أمّا إسحق فعاش في بئر سبع البعيدة جدٌّا عن حبرون ويعقوب ستكون له المواشي في بلاد ما بين النهرين. ولكن بالأحرى نتوقّف عند هذه الحادثة أوّلاً: الأخت تغار من أختها هذا يفهمنا أنّ امرأتين أو أكثر تحت سقف واحد هو أمر لا تحمد عاقبته. راحيل الجميلة المحبوبة غارت من أختها لأنّه لم يكن لها ولد. ونجد الشيء عينه مع أم صموئيل حنّة التي كان عندها درّة هي مننّة وزوجها يقول لها أنت عندي أفضل من البنين ومع ذلك لعبت الغيرة لعبتها. فالمرأة التي تلد هي التي ستكون مبدئيٌّا المحبوبة. ومع ذلك ظلّت ليئة غير محبوبة وكان الكاتب قد صوّرها لنا هي وأختها في الفصل السابق ليئة ضعيفة العينين، راحيل حسنة الهيئة، جميلة المنظر ثمّ لا ننسى أنّ ليئة أعطيت ليعقوب بالخدعة. اشتغل سبع سنين لكي تكون له راحيل فإذا لابان يعطيه ليئة يخدعه ويقول له هنا في بلادنا لا تتزوّج الصغرى قبل الكبرى، ومع ذلك ظلّت ليئة تحسّ أنّها غير محبوبة فقالت في فصل 30/20 وهبني الله هبة حسنة فالآن يحتملني زوجي لأنّي ولدت له ستّة بنين. ومع أنّها ولدت له ستّة بنين ظلّ زوجها لا يتحمّلها ويفضّل عليها راحيل. وسوف نرى المزاحمة بين الأختين، المزاحمة لتربح الواحدة ودّ زوجها. ويكفي أن نتذكّر قصّة اللفّاح هذا الذي يسمّى ثمر يعطي الأولاد تصبح المرأة ولودًا أذا أكلت منه (هذا خبر من الأخبار لا نستطيع أن نستند إليه كلّ الاستناد). إذا أخذت راحيل اللفّاح من يد ليئة وباعت زوجها من تلك الليلة. تقول لها: ينام عندك يعقوب الليلة بدل لفّاح ابنك. نرى هنا تجارة على الحياة الزوجيّة، على مستوى العلاقات الزوجيّة. الرجل لا يهمّه مع من يتجامع، لا يهمّه مع من يعيش، المهمّ أن يعمل العمل الجنسيّ وأن يكون له أولاد. هنا نحسّ مستوى العائلة الدنيء جدٌّا. ينتقل يعقوب بكلّ بساطة من ليئة إلى راحيل، من بلهة إلى زلفة. ينتقل كما ينتقل كلّ كائن حيّ على وجه الأرض. أين هي وحدة القلوب؟ أين هي وحدة النفوس؟ أين هي وحدة العواطف؟ أين هي الحياة الحميمة؟ لا نجد ذكرًا لها هنا. كم نحن بعيدون عن وجه إسحق مع امرأته. كم نحن بعيدون عن طوبيّا مع زوجته سارة. الزواج الواحد يبقى الأساس، الأساس بكلّ حياة عائليّة، لكلّ مجتمع يريد أن يتطوّر، يتقدّم، يعيش في المحبّة الحقيقيّة. هذه الغيرة سببها عدم إنجاب الأولاد لدى راحيل. لهذا السبب قالت ليعقوب: أعطني ولدًا وإلاّ أموت. طلب من يعقوب ولدًا. فكان جواب يعقوب: الله هو الذي يعطي الأولاد. الولد ما زلنا نقوله هو عطيّة من الله. قد يتجاوب الطبّ، قد يتقدّم الطبّ لكن في النهاية هو الله الذي يعطي ثمرة الحشى. هذا ما قالته حوّاء حينما ولدت قايين. قالت رزقت من عند الله ولدًا. أعطني ولدًا وإلاّ أموت من الحزن أو أضع حدٌّا لحياتي. نحن هنا أمام تهديد لا بل تهديدين وكلّ تهديد له معناه. وكان جواب يعقوب واضحًا: أنا لست الله. الله هو الذي يعطي ثمرة الحشى، الله هو الذي يبارك المرأة، يباركها بالأولاد أوّلاً. ولكن لا ننسى أنّ الكتاب المقدّس سوف يتطوّر كثيرًا ويعتبر أنّ الخصي يعني ذلك الذي لا يستطيع أن ينجب أولاد، أن الخصيّ يمكنه أن يخدم في بيت الربّ. ويقول سفر الحكمة: المرأة صاحبة الأولاد العديدين ليست أفضل من المرأة التي لم تعط أولادًا. المهمّ هو أن تكون المرأة عائشة في مخافة الله وأن يكون الأولاد عائشين في مخافة الله. عند ذلك تصبح العائلة الكبيرة بركة وإلاّ كانت لعنة ونتذكّر أولاد عالي الكاهن في شيلو في أيّام صموئيل النبيّ. يقول الكاتب بأنّ هؤلاء كانوا أشرار في عين الله. أمّا العائلة التي تعيش بحسب وصايا الله، بحسب مخافة الله، فهذه العائلة هي بركة. ونلاحظ هنا التزاحم، لا على قلب يعقوب بل على فراش يعقوب وكأنّ القضيّة قضيّة تجاريّة. من يعطي يعقوب عددًا أكبر من الأولاد. لا شكّ أنّ ليئة أعطت ستّة واثنين من الجارية يعني ثمانية أولاد. أمّا راحيل فأعطت ولدًا واحدًا بانتظار بن يمين التي ستلده وعندما تلده تموت مع ولدين من جاريتها اللذين هما دان ونفتالي والشيء الذي نلاحظه هنا بأن المرأتين عادتا إلى وسائل طبيّة أو فيها بعد السحر حتّى تحصل على الأولاد. تلك هي الوجهة الأولى من حياة يعقوب لمّا كان عند خاله. الربّ باركه بالأولاد، بالأولاد العديدين صاروا 11 ولدًا بانتظار الولد الثاني عشر.

ويتابع النصّ فيقول يحدّثنا عن غنى يعقوب على مستوى الخيرات. بـ 30/43 يقول فاقتنى الرجل كثيرًا جدٌّا وصارت له غنم كثير وجوار وعبيد وجمال وحمير. إذا كانت البركة التي تصل إلى الإنسان هي أوّلاً: الأبناء العديدون والخير الوفير، فقد نال يعقوب هاتين البركتين وقد تبقى البركة الثالثة التي هي العمر الطويل مع الصحّة ومع الراحة. نلاحظ هنا كيف اغتنى يعقوب؟

تستطيعون أن تقرأوا النص من 30/25 - 43. اغتنى يعقوب إذصا، عمل عند خاله لابان سبع سنين لقاء راحيل. 7 سنين لقاء ليئة وأخيرًا 6 سنين حتّى يجمع بعض الخير من أجل حياته خلال المستقبل. هنا بدأ يعقوب يتطلّع إلى المستقبل. يتطلّع كيف يترك خاله لابان لكي يؤسّس عائلة خاصّة به. يقول له: »دعني أذهب إلى أرضي، أعطني أولادي وزوجاتي اللواتي خدمتك بهنّ، فأذهب. أنت تعلم كم خدمتك. هنا فهم يعقوب أنّ كلّ ما عمله إنّما سيقى في آرام ولن يكون له عندما يترك خاله. أمّا الخال فأراد أن يتمسّك بيعقوب والجواب واضح يقول له أنت فأل خير والربّ باركني بسببك 30/27. نلاحظ هذه البركة التي تنتقل من إبراهيم، إلى إسحق، إلى يعقوب وإلى أبنائه ولاسيّما يهوذا الذي سيصل بنا عبر داود وسليمان إلى المسيح. نتذكّر هنا أنّه في سنة جفاف لم يكن فيها خير، زرع إسحق زرعًا فنال مئة ضعف ونتذكّر بالنسبة لإبراهيم الذي وعده الله بالبركة، ونتذكّر خصوصاً يعقوب الذي قبل أن ينطلق إلى أرض آرام سمع الربّ يباركه كما بارك إبراهيم. إذا تعلّق لابان بيعقوب بسبب البركة التي رافقت يعقوب فاغتنى بسببها لابان ونقول الشيء عينه عن يوسف عندما كان في بيت فوطيفار. الإنسان الذي يعيش في خوف الربّ، الذي يعيش في حياة الربّ، بحسب وصايا الربّ لا يمكن إلاّ أن يحمل البركة له ولأبنائه ولجميع الذين يقتربون منه. نتذكّر هنا، أنّ الربّ يعاقب البنين إلى الجيل الثالث والرابع ولكنّه يحسن إلى الأبناء، إلى ألف جيل. وهنا أراد لابان أن يتمسّك بيعقوب، لا من أجل يعقوب ولكن من أجل البركة التي حصل عليها بوجود يعقوب هنا. يقول يعقوب أنت تعرف كيف خدمتك وكيف كانت حال مواشيك معي. فالقليل الذي كان لك قبل مجيئي، زاد كثيرًا وباركك الربّ بعد مجيئي.

إذًا بارككك الربّ هي الكلمة التي تسيطر على هذا المقطع. قال لابان ماذا عليّ أن أعطيك؟ لا تعطني شيئًا لكن إذا فعلت ما أقترحه عليك. هنا نلاحظ الطريقة التي بها سيعوّض يعقوب عن هذه الحياة الصعبة التي عاشها، سيعوّض يعقوب عن هذه السنوات التي خدم بها خاله لابان. وكيف كانت الحيلة. وهنا سوف نرى من هو الأحيل من الآخر. الابن، ابن الأخت أو خاله. من سيكون أكثر خداعًا وسيغتني على حساب الآخر. سنسمع في الفصل 31 بني يعقوب يقولون إنه خالنا، أخذ كلّ مالنا. وهنا لن نتوقّف عند هذه الأمور التي توسّلها يعقوب لكي يكثر من غنمه، لكي يكثر من مواشيه. لجأ إلى أمور تجعل الخراف، تجعل النعاج تعطي خرافًا إمّا بيضاء وإمّا مرقّطة. لجأ إلى قضبان اللوز يقشّرها أو لا يقشّرها. مرّة أولى اتّفق لابان ويعقوب ولكن كسر الاتّفاق. ولكن مرّة ثانية ومرّة ثالثة وسوف يقول يعقوب للابان كم مرّة بدّلت في أجرتي. ومع ذلك تحمّل يعقوب. وسيقول لخاله الكثير التي تحمّله: الحرّ في النهار، البرد في الليل، الوحوش التي تهجم على القطيع وتأخذ منها قطيعًا، وأمور عديدة وعديدة تحمّلها يعقوب لكي يبني حياته، لكي يبني عائلته، لكي يبني مستقبل أولاده. في هذا الفصل، فصل 30 الذي فيه البساطة اليوميّة، بساطة الحياة مع صعوباتها خصوصاً بوجود أربع نساء تحت سقف واحد، لا نجد تقريبًا حضورًا ؟. كلّ ما نجد هو كلمة بارك، الرب هو الذب بارك. وكأنّي بالله يترك الناس يتعاملون بعضهم مع بعض. وبعض المرّات القويّ يأكل الضعيف والغنيّ يأكل الفقير والرجل يسيطر على المرأة بل على عدد من النساء. نلاحظ أوّلاً بأنّ يعقوب هو الأقوى وهو الذي تأتي إليه المرأة بعد الأخرى سواء ليئة وراحيل وبلهة وزلفة. هناك أيضاً صراع بين راحيل وليئة. تعرف راحيل أنّها المحبوبة وإنّها ليست ولودًا وتعرف ليئة أنّها ليست محبوبة ولكنّها أعطت ليعقوب ستّة بنين وابنة واحدة سمّتها دينا. وهنا بالدرجة الثالثة أو الرابعة زلفة وبلهة جاريتي ليئة وراحيل. هذا على مستوى العائلة، حيث الأقوى يسيطر. مثل هذه الأخلاقيّة ليست الأخلاقيّة التي يريدها الربّ. ولاسيّما كما قال الكتاب، يترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا. وهنا أيضاً قويّ وضعيف بين يعقوب ولابان ولكن سوف نرى أنّ الربّ يدافع عن الضعفاء. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM