يوسف وإخوته

يوسف وإخوته

سفر التكوين فصل 37/1-36

الحلقة 58:

إخوتي الأحبّاء، الله يكون معكم ويرافقكم وروح القدّوس هو الذي ينيرنا جميعًا حتّى نقرأ هذه الكلمة التي كتبت منذ أكثر من 2000 سنة نقرأها ونطبّقها على حياتنا وكأنّها كتبت اليوم. فكلام الله ليس من عالم علم الآثار ولا من عالم النصوص القديمة وإن كانت هذه النصوص قديمة. كلام الله يتوجّه إلينا اليوم، كلام الله لا ماضيَ له ولا ضياع له في غياب النسيان، كلام الله هو دائمًا حاضر يتوجّه إلىّ اليوم في حياتي، في ظروفي، في صعوباتي، في أفراحي، في أحزاني وفي كلّ مراحل حياتي.

ونقرأ الآن سفر التكوين فصل 37/1 وعنوانه يوسف وإخوته. نتذكّر قبل أن نقرأ النصّ أنّ يسوف كان من راحيل وحده قبل أن يأتي أخوه بنيامين. إذا كان يوسف وحيدًا تجاه سائر الإخوة يعني 6 من ليئة، 2 من زلفة الجارية، و2 من بلهة الجارية ونلاحظ في موضع آخر أن يوسف ذكر مع ابنيّ زلفة وابنيّ بلهة وكأنّه ابن الجارية لا ابن المرأة المحبوبة. ونلاحظ هنا قبل قراءة النصّ أيضاً كيف تعيش العائلة من أولاد متعددين غابت عنهم المحبّة ولعبت لعبتها الكبرياء، كما لعب لعبته الحسد. والحسد سوف يتبعه محاولة القتل، سلب الآخرين وبيعهم عبيدًا كما فعل إخوة يوسف بأخيهم ونلاحظ أخيرًا هو الوجه البشع في عائلة ابراهيم. الكتاب المقدّس ليس كتاب يوطّب فيها الناس. كلاّ بل هو يدلّنا على خطاياهم، يدلّنا على نقاصهم، يدلّنا على تشويه هذا العهد الذي قطعه الله معهم. يدلّنا على كلّ هذا فكأنّه به يقول: انتبهوا، انتبهوا لا تسيروا في هذا الخطّ. فهؤلاء الذين اختارهم الله من خلال يعقوب أبيهم عاشوا كما عاشوا. أترى أنتم ستكونون أفضل منهم، وأنتم قد عرفتم يسوع المسيح وملء الوحي في العهد الجديد. ونعود إلى قراءة النصّ من سفر التكوين فصل 37/1 - 36.

وأقام يعقوب في أرض كنعان حيث تغرّب أبوه... وباسمه المدينيّون في مصر لفوطيفار، كبير خدم فرعون ورئيس الحرس.

نحن هنا أمام لوحة عائليّة فيها أولاد من أربع أمّهات، من ليئة 6، من زلفة 2، من بلهة 2 وأخيرًا من راحيل يوسف هو كبير ابن 17 سنة وأخيرًا بنيامين الذي ماتت أمّه وهي تضعه. نلاحظ أوّلاً خطأ الأب الذي فضّل ابنًا على سائر أبنائه. يقول هنا أنّ آباهم يحبّه أكثر منهم جميعًا. ماذا كانت ردّة الفعل عند الأبناء؟ أبغضوه. وستكرر الكلمة أكثر من مرّة »أبغضوه« بآية 5: »زاد بغضهم له«. في آية 8: »زاد بغضهم له«. ومع البغض جاء الحسد آية 11 فحسده إخوته. إذًا الخطأ الأوّل هو تفضيل الأب لابن من أبنائه وهذا ما جعل البغض والحسد يعششان في البيت. وهذه المحبّة جعلت يعقوب ينسى سائر أبنائه. تعلّق بيوسف تعلّقًا كبيرًا فما عاد يعرف أن يعيش تحياته بعد أن فقد ابنه. بآية 35 وقام جميع بنيه وبناته يعزّونه بأبى ليتعزّى، بل هو طلب الموت ليكون مع انبه يوسف مع أنّ الربّ هو ربّ الأحياء. أليس في العالم سوى يوسف. وأظهر محبّته ليوسف حين صنع له قميصاً خاصٌّا يميّزه به عن إخوته. فصنع له قميصاً ملوّنًا. وقد يكون قميصاً من الأرجوان. والشيء الثاني هو أنّ هؤلاء الإخوة كما قلت حسدوا أخاهم، وأبغضوه. حسدوه أوّلاً بسبب ما عمله له أبوه. أحبّه أكثر منهم جميعًا. قدّم له القميص وحين ذهب الإخوة ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم، ظلّ يوسف بقرب يعقوب. كأنّنا أبناء السيّدة وأبناء الجارية. مع أنّهم كلّهم أبناء يعقوب. وما زاد في الحسد والبغض أحلام يوسف. الحزمة تقف وتسجد لها سائر الحزم، القمر والشمس يعني الشمس يعقوب والقمر امرأته والأحد عشر كوكبًا يجسدون ليوسف. هذه الطريقة في الخبر أحبّائي، قد جُعلت فيما بعد لتدلّ على أنّ ؟ مخطّط لكلّ إنسان منّا. نحن نعيش حياتنا ببساطة، نولد، نكون أطفال نصبح صبيانصا مراهقين، فتيان، شبّان، كهول، شيوخ ونموت. هذا على مستوى البشر وحياتهم متقطّعة بين الساعات والأيّام والسنوات والعمر كلّه.

أمّا عند الله فهو يخطّط لسنوات بعيدة. هو الذي عرف يوسف من البطن كما يقول الكتاب المقدّس. عرفه من البطن وأراده من أجل مهمّة كبيرة سيفهمها يوسف في النهاية، أنتم نويتم بي شرٌّا والربّ نوى بي خيرًا ليحمل الخلاص إلى جماعة كبيرة. أجل إخوة يوسف نووا به شرٌّا وسوف نرى الشرّ الذي أرادوه فيه. أمّا الله فنوى به خيرًا وسوف يرافقه في تلك البئر، يرافقونه مع الميديانيّين الذين إشتروه بعشرين من الفضّة، يرافقه في بيت فوطيفار وحين اقترابه من الخطيئة، يرافقه في السجن، يرافقه أخيرًا في قصر فرعون ليجعل منه سيّدًا لإخوته. أنتم نويتم بي شرٌّا والربّ نوى بي خيرًا لهذا جعل الكاتب الحلم في بداية خبر يوسف ليدلّنا على أنّ ؟ مشروعًا بالنسبة إلى يوسف. هذا ما نجده أيضاً في سفر أستير حيث الأحلام تنبّهنا إلى ما سيأتي من الخير، إلى ما سيكون لنا من الخير.

أمّا أخوه يوسف كما قلنا، كيف نتصوّرهم؟ نتصوّرهم أوّلاً بالبغض. هذا البغض الذي يزداد يومًا بعد يوم، مع أنّنا إخوة، مع أنّ الإخوة هي علامة حياتنا. بدون محبّة أين هي الأخوّة. أمّا إخوة يوسف فتركوا المحبّة جانبًا، تركوا كلّ شيء وفكّروا بأفكار عاطلة. أنتم نويتم بي شرٌّا. هذه العبرة تعطي صورة مصغّرة عن عائلة يعقوب التي هي أبعد ما تكون عن عائلة القدّيسين والأبرار. رأووه عن بعد فتآمروا أن يقتلوه. هذه هي النظرة الأولى. هذا هو الخط الأوّل الذي سيسيرون فيه. جاء أخوهم فكان استقبالهم له القتل. هنا نجد خطّين. الخطّ الأوّل نسمّيه خط رأوبين الذي أراد أن ينجّي أخاه. هو البكر إذًا هو المسؤول بعض الشيء عن إخوته والخطّ الثاني هو خط يهوذا الذي اتّخذ موقفًا آخر. رأوبين قال نجعله في هذه البئر التي لا ماء فيها وكان قد عزم على أن يأخذه من هذه البئر ويرسله إلى أبيه. مهمّ جدًا هذا الكلام القاسي »لا تسفكوا دمًا« نتخيّل الإخوة يسفكون دم أخاهم. نتخيّل الإنسان يسفك دم أخيه الإنسان. الربّ يقول من فصل 8 و 9 من سفر التكوين أنّه لا يسمح بأن يسفك دم الإنسان ومع ذلك الإخوة قرّروا أن يسفكوا دم يوسف. ومع هذا السفك هناك أيضاً الكذب. ماذا فعلوا أخذوا قميص يوسف وغمّسوه بالدم ليفهم أبوهم أنّ يوسف مات وأنّ وحشًا مزّقه تمزيقًا. وخطايا عديدة نراها هنا في هذا النصّ: محاولة القتل، سرقة الأشخاص وبيعهم، الكذب والمكر والخداع. هذا هو المجتمع الذي ما زلنا نعيش فيه، اليوم وكلّ يوم وهو في أيّ حال مجتمع مبنيّ على العنف، مبنيّ على أنّ الأقوى يأكل الأضعف، والأغنى يأكل الأفقر، والكبير يأكل الصغير، يوسف وحده تآمروا عليه ليقتلوه لأنّهم هم كثرى 6 و4 عشرة وهو وحده. لا شكّ في أنّ كبرياء يوسف سببت له بعض الضرر ويا ليتنا مرّات عديدة نسكت عن نعم الله لنا، نتركها تشرق كما الشمس، نتركها تفعل وحدها، نتركها تضيء بكلّ بساطة. لأنّنا عندما نحسبها لنا نضع حاجزًا بيننا وبين الآخرين. محبّة يوسف جعلت حاجزًا بينه وبين إخوته. وكلام يوسف عن المكانة التي تنتظره جعلت حاصرًا بينه وبين إخوته. عطايا الله أعطيت لنا لكي نخدم وفي الواقع سوف يخدم يوسف إخوته ولكن يبدو هنا وكأنّه يسود عليهم دون أن يخدمه. عطايا الله أعطيت لنا مجّانًا. فلا نستطيع أن نفتخر بها أو إن افتخرنا فلنفتخر بالربّ ويقول بولس: »كأنّها لكم وما هو لكم خذوه«. أجل ما هو لنا خو خطيئتنا، ضعفنا، عجزنا، تقهقرنا، تراخينا هذا خاصّ بنا. أمّا العطايا التي تنمّينا، تعزّينا فهي من يد الله فيا ليت يوسف عرف منذ البداية أن يكون خفرًا، صامتًا في عطايا الله. فالربّ يعرف أن يظهرها ساعة يشاء. هذا أحبّائي هو معنى الفصل 37 من سفر التكوين بيوسف وإخوته. ما نلاحظه في هذا الفصل كما لاحظناه في الفصول السابقة هو أنّ الكتاب يشدّد على خطيئة البشر، يعقوب ميّز ابنه، يوسف عاش الكبرياء، إخوته عاشوا القتل والسرقة والكذب والكيد، نحن في عالم من الخطيئة وسنظلّ في عالم من الخطيئة. وحده يسوع المسيح يغفر لنا خطايانا. كلّ هذه المسيرة مسيرة العهد القديم ستصل إلى العهد الجديد. كلّ خطايا العالم ستجد له غفرانًا في يسوع المسيح على الصليب. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM