يعقوب يستعدّ للقاء عيسو

يعقوب يستعدّ للقاء عيسو

سفر التكوين 32/..1.

الحلقة 55:

أحبّائي الربّ يكون معكم وكلمته ترافقنا جميعًا. فهي التي توجّه خطانا. فلن نتوقّف عند الأخبار والحكايات التي تكون هنا وهناك بل نذهب إلى العبرة، العبرة من كلّ مقطع من هذه المقاطع فإنّ الربّ يوجّه حياة يعقوب وبالتالي يوجّه حياة كلّ واحد منّا. يبقى علينا أن نؤمن به، أن نستسلم إليه، أن نتركه يوجّه حياتنا، أن نسمع إلى إلهاماته وهو الذي يفعل. ونقرأ الفصل 32/..1.

وبكّر لابان في الغد وقبّل بنيه وبناته وباركهم وانصرف لابان راجعًا إلى مكانه.... لإنّ الرجل ضرب حقّ ورك يعقوب على عرق النسا.

في الفصل السابق، كان هناك لقاء بين الآراميّين وبين العبرانيّين وهنا، لقاء آخر بين العبرانيّين والآدوميّين المقيمين في سعير والذي جدّهم عيسو أو أدوم. يقرأ الكاتب الملهم حياة آبائه والمهمّ أو الأهمّ هو أن يبيّن أنّ حياة الآباء تنتقل إلى الأبناء. هم يعيشون في الحرب، في السلب، في القتل. لماذا لا يعيشون في المحبّة. لماذا لا تكون الهديّة هي السبيل إلى قلوب الآخرين. وهذا ما سيفعله يعقوب يرسل هديّة تلوَ الهديّة لأخيه والربّ أعطاه ما أعطاه. إذًا عندنا هنا قراءة مهمّة جدٌّا، قراءة حياة هذه المنطقة بين العائشين غربي نهر الأردن والعائشين شرقي نهر الأردن يعني الآدومين وغيرهم، والذين اعتادوا علىالسلب والنهب، في آية 7 نقول: ذهبن إلى أخيك عيسى فإذا هو قادم للقائك ومعه أربعمئة رجل. نحن هنا في إطار الاستعداد للذهاب إلى السلب والنهب. واعتبر يعقوب أنّ أخاه جاء ليأخذ ما يأخذ. استولى على يعقوب الخوف والضيق وماذا فعل يعقوب جعل نفسه في إطار من الحرب. قسّم ما يملك قسمين إن ضربت فرقة نجت الفرقة الأخرى. إذًا نلاحظ خوف الناس من الحرب، من العنف، من القتل. هنا سوف نرى فيما بعد أن ما تخوّف منه يعقوب لم يحصل. في الفصل 33 سوف نرى كيف أنّ الأخوين تعانقا ونسيا كلّ شيء. الكاتب الملهم عندما جمع هذه الأخبار المتفرّقة من هنا وهناك، أخذها من القبائل ومن العشائر جعلها مثل خبر وكأنّ يعقوب تعقّب عيسو مرّة واحدة وما زال عيسو يتذكّر تلك الحادثة البسيطة مدّة عشرين سنة. هذا ليس بمعقول، بعد عشرين سنة إنتهت الأمور وكما قلت الكاتب يقرأ من خلال حياة عيسو ويعقوب حياة الأدوميين وحياة العبرانيّين الذين كانوا جيران في هذه المنطقة من الأرض. وتبدّل يعقوب، أخذ يتبدّل شيئًا فشيئًا. صار في الصلاة في أساس حياته وصلاته ترجع إلى البداية، بداية خبرته مع الله. نتذكّر فصل 28 لمّا كان في بيت إيل، وعد الربّ أنّه إن رجع سالمًا سوف يعمل ما يجب عليه أن يعمله كمؤمن للربّ وفي الفصل السابق ذكّر الربّ بهذا: أنا إله بيت إيل حيث نصبت عامودًا ومسحته بالزيت لتكرّسه لي ونذرت لي نذرًا والآن قم اخرج من هذه الأرض وارجع إلى أرض مولدك. هذا ما قرأناه في الفصل 31/13، تلك كانت الخبرة الأولى ليعقوب مع الربّ. وهذه الخبرة سيقود ويستقي منها القوّة والشجاعة والأمانة فالربّ هوالإله الأمين، لماذا لا يقابله الإنسان الأمانة بالأمانة. وهنا نلاحظ أنّ يعقوب لم يعد يتّكل على حيله وإن هو دلّ علىحكمة بشريّة، قسّم كلّ ما يملك قسمين، إن ضرب الواحدة تنجو الأخرى سوف نرى ونترك هذا الفصل فيكون امتدادًا للفصل 33 كيف أرسل فوجًا بعد فوج حتّى وصل هو في النهاية. وكانت الإستعطافات تامّة. إذًا عاد يعقوب إلى الحكمة وإلى الحكمة البشريّة ولكنّه بالأحرى إتّكل على الله في صلاة عميقة، حارّة: يا إله أبي إبراهيم وإله أبي إسحق، أيّها الربّ الذي قال لي إرجع إلى أرضك وإلى عشيرتك وأنا أحسن إليك. إذًا استند إلى قول الربّ، استند إلى نداء الله. ثمّ أنا دون أن استحقّ أن أملك شيئًا وأنا أملك الشيء الكثير، ما كان لي خيرات وأنا صرت غنيٌّا جدٌّا، ما كان لي المرأة والبنون، والآن صار لي الأولاد الأمَّهات. وهكذا عاد يعقوب يتّكل على الله في الصلاة. وبعد أن صلّى إلى الربّ واتّكل عليه واستلهمه أخذ يتصرّف التصرّف الذي يجعل السلام بين الأخ وأخيه. بين القبيلة وبين القبيلة المجاورة، بين الشعب والشعب المجاور له. إذًا صلاة تدلّ على تواضع، تدلّ على اتّكال، تدلّ على إيمان تدلّ على ثقة. وبدأت هنا في آية 8 واستولى على يعقوب الخوف والضيق وفي النهاية يقول للربّ أنا أخاف أنا أخاف يا ربّ. إذًا في آية 12 أنا أخاف منه أن يجيء ويقتلنا أنا والأمّهات والبنين. هذا الخوف هو خوف بشريّ لا أكثر ولا أقلّ. ولكنّه بدأ يولّد عند يعقوب خوف من الله، خوف من عند الله وسيقول في الآية 31 رأيت الله وجهًا إلى وجه ونجوت بحياتي. هي مخافة من نوع آخر بدأ يعيشها يعقوب منذ هذه الصلاة وما سبقها من صلوات. نلاحظ مع يعقوب حين أراد أن يهرب، عاد إلى الربّ في الصلاة، وسمع صوت الربّ في الصلاة. وحين وصل إليه لابان أيضًا تذكّر الربّ في الصلاة. والربّ قال له أنا إله بيت إيل حيث نصبت عامودًا والآن قم واخرج من هذه الأرض. وسيفهمه أيضًا لابان أنّ الربّ كلّمه بشأن يعقوب وهنا أمام الخطر الآتي من عيسو يلجأ يعقوب إلى الصلاة. وسوف نراه أيضًا يلجأ إلى الصلاة قبل أن يذهب أيضًا إلى مصر. مسيرة طويلة عاشها يعقوب مع الربّ. في البداية اعتبر أنّه يستطيع كلّ شيء وحده، في النهاية سيفهم أنّه إن وضع يده بيد الربّ كان له الخير، كانت له السعادة، في أيّ حال، حاول أهالي برج بابل أن يتّكلوا على نفوسهم فتشتّتوا وما استطاعوا أن يبنوا المدينة ولا البرج.

أمّا ابراهيم فوضع يده بيد الله فكانت له السعادة، الراحة وكان له النسل الكبير الذي سيصل إلى المسيح. صلاة يعقوب ارتكزت إلى مواعيد الرب، ارتكزت إلى أعمال الربّ، ارتكزت إلى الماضي لتقف في الحاضر وتنتقل إلى المستقبل. وفي آية 14 يقول: »وبات يعقوب هناك تلك الليلة«. نتذكّر يسوع المسيح الذي كان يقضي ليلته في الصلاة، لا شكّ في أنّ يعقوب قضى هناك ليلته في الصلاة مع الربّ وسوف نتأكّد من هذه الصلاة عندما نقرأ في آية 23 وقام في الليل.. إلخ.

وبقي وحده وصارعه رجل حتّة طلوع الفجر. الرجل يدلّ على الله لا شك. إذًا هناك صراع بين الله وبين الإنسان. من سيغلب وهنيئًا لنا إن غلبنا الله. وإن غلبنا الله تكون الغلبة حقٌّا لنا وإن غلبنا لنا نكون قد غلبنا ذواتنا، غلبنا خطيئتنا غلبنا شهواتنا، غلبنا ضعفنا، غلبنا تراجعنا. بقي وحده فصارعه رجل حتّى طلوع الفجر ولمّا رأى أنّه لا يقوى على يعقوب في هذا الصراع. إذًا مرّات عديدة يبدو الله ضعيفًا أمامنا. بإنجيل مرقس فصل 5 عندما يسوع سيطر على مجنون الحراسيين، سيطر على البحر، سيطر على الشياطين ولكن الناس قالوا له أن يتحوّل عن دخولهم. مرّات عديدة، في صراعنا مع الله، كأنّ الله هو الصعيف لماذا لأنّه يريد أن يحترم حرّيتنا، لأنّه لا يريد أن يفرض نفسه علينا. هو واقف كالشحّاذ على الباب ينتظر أن نفتح له. قد لا نفتح فيبقى في الخارج ولكن إن فتحنا له فهنيئًا لنا. أراد يعقوب أن يبقى ذاك القوي الذي يقف بوجه الله وبوجه الناس. فلا بدّ له أن يضعف فالضعف هو الذي يجعلنا منفتحين على حضور الربّ. المرض يجعلنا منفتحين على الآخرين وعلى الربّ. الموت في بيتنا يجعلنا ننفتح على الربّ وعلى الآخرين. هكذا مرّ يعقوب في الضعف، ضرب حُقّ وركه فانخلع. إذًا لم يعد يعقوب يعتبر نفسه ذاك الكامل، سينطلق يكون أعرج يقول في آية 32 يعبر فنوئيل عارجًا من وركه. إذًا مرّ يعقوب في الضعف فاستطاع أن يتغلّب عليه الله. قال الرجل ما اسمك. قال اسمي يعقوب. بما أنّه مرّ في الضعف فسيعطيه اسمًا جديدًا وإعطاء الإسم هو علامة السلطة. هذا الرجل مسلّط على يعقوب. بدّل له اسمه فكما بدّل فرعون إسم عدد من ملوك يهوذا أو اسرائيل. الربّ هنا بدّل اسم يعقوب فصار اسرائيل. في الأساس يعقوب واسرائيل هما رجلان منفصلان يعقوب زوجته راحيل واسرائيل زوجته ليئة. اجتمعا على مستوى السياسة فصارا شعبًا واحدًا. فلهذا السبب تماهى يعقوب مع اسرائيل فصار يعقوب اسرائيل واسرائيل يعقوب. الرجل هو الأقوى وهو الذي فرض على يعقوب أن يعطيه اسمه. وعندما سأل يعقوب ما اسمك؟ لماذا تسأل عن اسمي وباركه هناك. من يبارك؟ الله وحده هو الذي يبارك. وفي النهاية، نهاية هذا الصراع، اكتشف يعقوب أنّه التقى بالله. التقيت بالله وجهًا لوجه ونجوت بحياتي ولهذا سمّى الموضع فنوئيل أي وجه اللهز هنا مرّات عديدة بحياتنا يرافقنا الربّ، نتصارع مع الربّ ونعتبره رجلاً من الرجال، أو شخصًا من الأشخاص أو حدث من الأحداث، صعوبة من الصعوبات، مرض، فشل ولكن في النهاية نكتشف وجه الله من خلال ذاك الحدث، من خلال ذلك الشخص وهكذا اختبر يعقوب، فهم يعقوب بأنّه كان أمام الله. ونقابله ببطرس أعمال الرسل فصل 12 لمّا كان في السجن، من القيود، من الباب الأوّل والباب الثاني وفهم لمّا صار في الشارع، فهم أنّ الربّ أرسل ملاكه فأنقذني.

خبرة يعقوب هي خبرتنا في الصعوبات أمام الأشخاص، أمام الأحداث. الربّ هو دائمًا معنا، يحارب معنا، حاضر معنا، يكفي أن نشعر بحضوره، لكن هذا الشعور يتأخّر من بعد ذلك الوقت.

هذا أحبّائي هو معنى الفصل 32 من سفر التكوين يعقوب يستعدّ للقاء عيسو ونستطيع أن نقرأ وحدنا الفصل 33 ساعة يلتقي يعقوب بعيسو ويحاول عيسو أن يبقى مع يعقوب فيرفض يعقوب. هو يبقى في اتقلاله وعيسو في استقلاله ولكن المهمّ أن تكون الحياة في سلام ومحبّة بين شعبين يعيش الواحد قرب الآخر لأنّ الربّ هو فنوئيل الحاضر في هذا المكان. آمين

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM